هل تعلم لماذا تحدث العصور الجليدية ؟

تخيل أفق شيكاغو، الآن تخيله تحت حوالي 3 كيلومتر من الجليد، هذا ما بدا عليه المشهد في ذروة العصر الجليدي المنصرم، لم يكن هذا مشهدًا غير اعتيادي ضمن نطاق تاريخ الأرض الجيولوجي الحديث.في الـ 2.6 مليون سنة المنصرمة (أو ما يعرف بالمدة الرباعية – Quaternary Period) شهد الكوكب ما يزيد عن 50 عصرًا جليديًا تخللتها فترات جليدية أكثر دفئًا؛ لكن ما الذي يوسع الألواح والأنهار الجليدية على نحو دوري؟

إن العصور الجليدية مُتحكم بها من قبل مجموعة معقدة ومترابطة من العوامل، بما فيها موقع الأرض في النظام الشمسي، بالإضافة إلى المزيد من المؤثرات المحلية مثل مستويات ثاني أكسيد الكربون، وما يزال العلماء يحاولون فهم كيفية عمل هذا النظام، خاصةً أن التأثير البشري في التغير المناخي قد يؤدي إلى إيقاف دورة حياة النظام بشكل دائم.

فهل سبق وكانت الأرض بهذه الدرجة من السخونة من قبل ؟لم يبدأ العلماء بالتعرف على التجمدات العميقة الماضية إلا منذ بضعة قرون منصرمة، إذ في منتصف القرن التاسع عشر وثّق عالم الطبيعة السويسري الأمريكي Louis Agassiz الآثار التي خلفتها الأنهار الجليدية على الأرض كالصخور التي في غير مكانها وأكوام الحطام الضخمة المعروفة باسم الركام moraines؛ إذ اشتبه بأن الأنهار الجليدية القديمة كانت قد حملتها و دفعتها على مدى مسافات طويلة.

بحلول القرن 19 سمّى العلماء أربعة عصور جليدية حدثت خلال فترة Pleistocene التي امتدت من حوالي 2.6 مليون سنة وحتى 11,700 سنة فيما مضى، ولم يدرك الباحثون إلا بعد عقود تالية من الزمن أن الحقب الباردة أتت بشكل أكثر انتظامًا.

حدث تقدم مفاجئ رئيسي في فهم دورة حياة العصور الجليدية في أربعينيات القرن الماضي عندما اقترح عالم الفيزياء الفلكية الصربي Milutin Milankovitch أفكارًا في حركة الأرض التي ما تزال تستخدم اليوم في شرح التغيرات المناخية والتي أصبحت تسمى دورات ميلانكوفيتش Milankovitch.

وقد أخبر Mark Maslin -عالم مناخ القدمي من جامعة College في لندن- موقع Live Science أن Milankovitch كان قد حدد ثلاث طرق رئيسية للتغيرات المدارية للأرض بالنسبة للشمس، إذ تحدد هذه العوامل مقدار الإشعاع الشمسي -بمعنى آخر، الحرارة- الذي يصل إلى الكوكب.

أولًا: هناك شكل قرصي غير منتظم لمدار الأرض حول الشمس الذي يتغير تقريبًا من دائري إلى إهليلجي في دورة من 96,000 سنة، وقد شرح Maslin: «السبب في هذا الانتفاخ (يقصد الشكل الإهليلجي) هو كوكب المشتري الذي يشكل 4% من كتلة نظامنا الشمسي، يمتلك تأثير جاذبية قوي، إذ يُغير سحب مدار الأرض للخارج ثم يعود».

ثانيًا: هناك ميل الأرض وهو السبب في امتلاكنا عدة فصول. المحور المائل لدوران الأرض يعني أنه دائمًا ما يميل أحد نصفي الكرة الأرضية مبتعدًا عن الشمس مسببًا فصل الشتاء في حين يميل النصف الآخر مقتربًا منها مسببًا فصل الصيف.

قال Maslin : «زاوية هذا الميل تتغير في كل دورة مكونة من حوالي 41,000 سنة، ما يغير بدوره من مدى حدة الفصول، إذا كان المحور عموديًا أكثر فإن الصيف سيميل حتمًا لأن يكون أقل دفئًا، وسيميل الشتاء ليكون أقل برودةً بقليل».

ثالثًا: هناك تأثير ارتجاف محور ميلان الأرض الذي يتحرك كما لو كان على رأس مغزل، قال Maslin: «ما يحدث أن قوة الدفع الزاوية للأرض تدور وتدور بسرعة كبيرة مرةً في اليوم مسببةً بذلك ارتجاف المحور»، يحدث هذا الارتجاف في دورة من 20,000 سنة.

حدد Milankovitch أن الظروف المدارية لفصول الصيف الباردة كانت على نحو استثنائي نذيرًا بالعصور الجليدية، قال Maslin: «سوف تحصل دائمًا على جليد في فصل الشتاء، ولكن من أجل أن تحصل على عصر جليدي تحتاج لاستبقاء بعض من هذا الجليد خلال فصل الصيف».

قال Maslin: «لكن الظواهر المدارية لوحدها غير كافية للانتقال إلى عصر جليدي، السبب الفعلي للعصر الجليدي هو التغذية الراجعة الأساسية في نظام المناخ»، وما يزال العلماء مُغاظين من مدى تأثير العوامل البيئية المتعددة على تجمد وذوبان الجليد.

أظهرت دراسة أجريت مؤخرًا أن مستويات الغازات المحتبسة الدفيئة في الغلاف الجوي تلعب دورًا هامًا، على سبيل المثال أظهر علماء من معهد Potsdam لأبحاث تأثيرات المناخ (PIK) في ألمانيا أن بدايات العصور الجليدية الماضية تشكلت بشكل رئيسي تحت تأثير انخفاض غاز ثاني أكسيد الكربون؛ ومن المرجح أنه بسبب الازدياد المثير لهذا الغاز في الغلاف الجوي نتيجة انبعاثات التأثيرات البشرية، أخمدت بداية العصر الجليدي التالي لمدة تصل إلى 100,000 سنة.

قال هانز خواكيم شلنهوبر Hans Joachim Schellnhuber مدير PIK والمؤلف المشارك في إحدى هذه الدراسات في بيان عام 2016: «شكّلت العصور الجليدية -كقوة ليس لها مثيل على هذا الكوكب- البيئة العالمية، وبهذا حددت تطور الحضارة البشرية، فعلى سبيل المثال نحن ندين بتربتنا الخصبة إلى العصر الجليدي السابق، الذي نحت لنا أيضًا المناظر الطبيعية التي نراها اليوم، مخلفًا وراءه الأنهار الجليدية والأنهار العادية، ومشكلًا المضائق البحرية والبقايا الجليدية والبحيرات، وبكل الأحوال يحدد النوع البشري اليوم بانبعاثاته من حرق الوقود الأحفوري التطور المستقبلي للكوكب».


المراجع

ibelieveinsci.com

التصانيف

الجغرافيا  الكون والجغرافيا