الشيخ د صادق عبد الله عبد الماجد المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان كثير من القضايا في بلادنا تلتهب فجأة، ولكنها كثيراً ما تنطفئ وتخمد دون أن يعلم الناس سبباً لالتهابها ولا سبباً لخمودها وانطفائها وتمضي بها الأيام قبل أن يلقي عليها النسيان ثيابه إلا بقايا من ظلال هنا أو هناك، لتبدأ واحدة أخرى، وتمضي بها الأيام تشريحاً وتعليقاً ونقاشاً يشتد حينا ويخمد أحياناً في مجالس الفرح وفي مكاتب الدولة وفي المركبات العامة، والصحف تفتأ تشعل الفتيلة كل واحدة منها وفقاً لمزاجها إن كانت من الصحف المعارضة أوالمؤيدة أو (الماسكة العصاية من النص) وخاصة إذا كانت المسألة متعلقة بالمال والدولار والدينار.. أو بالعمارات والأبراج التي ملأت سماء الخرطوم وأرضها وميادينها؛ حتى تلك التي تركت ليمارس فيها الشباب ضروب الرياضة، أو لتكون منافذ للهواء بعد أن سدت العمارات الشاهقة بل (وخنقت) أنفاس المساكين القابعين تحت رحمة تلك القصور.. وأقول فقط على سبيل المثال قضية الأموال التي رصدتها الصحافة عن بعض زعماء الحركة الشعبية، والتي بلغت ملايين الدولارات مودعة بأرقام حساباتهم في بعض البنوك، في اتهام صريح بأن تلك الأموال تخص أشخاصاً من زعماء الجنوب ذُكروا بأسمائهم.. ثم ساد الصمت بعد زوبعة صغيرة -لم تلبث أن هدأت- (تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور) ضد كل من شارك في تلك الحملة (المغرضة).. ثم ساد صمت طويل لا يزال ممتداً حتى الآن؛ لم يعكر صفوه معكر، أو يمتد نحوه تساؤل رسمي أو قانون عدلي أو تحرك سياسي حزبي معارض أو مؤيد، بل ترك الأمر كي يأخذ قسطه من الراحة أو النوم أو النسيان آخر المطاف. مثل هذه المواقف المتهاونة اللينة هي التي تغري أصحاب القلوب الضعيفة بأن يمضوا في سلوك هذا الطريق دون أن يمنعهم وازع من خلق أو ضمير أو كرامة، وتظل الرواية تتكرر فصولها بلا سأم أو حياء أو خجل؛ لأن القانون كثيراً ما يقف متردداً بلا إرادة منه؛ لأن الذين يقفون أمامه في الطريق يمنعون تمرده على القيد؛ هم أقوى منه بلا أدنى شك.. وقد كنا من قديم نسمع ونفرح عن قانون يسمونه (قانون من أين لك هذا؟) تستفتح به حكومات الماضي كلها بداية حكمها؛ إيذاناً منها بالعدل المطلق؛ بأن كل وزرائها -الذين سيحملون أمانة الحكم- سوف يخضعون لهذا القانون؛ الذي يفرض عليهم الإقرار بذمتهم بكل ما يملكونه من مال قبل دخولهم الوزارة.. ثم يقرون كذلك بما في ذمتهم من مال أو عقار حين يتركوا الوزارة.. فهل سمع أحد طوال حكم السودان أن محكمة واحدة قد اجترأت على أن تسن مثل هذا القانون؟ لماذا؟ ومن أجل من يظل مثل هذا القانون حبيساً في الصدور؟.. وهل هناك ما يمنع هذا القانون من أن يرى النور إذا كان هو الطريق الأمثل لأن يجعل وزراء كل حكومة يعيشون بعيداً عن مواقع التهم والشك والظنون، بل ويقربهم كثيراً من مواطن الطهر والعفة والأمانة.

المراجع

شبكة المشكاة الاسلامية

التصانيف

تصنيف :فكر  تصنيف :اصطلاحات   تصنيف :مصطلحات دينية