اضطرابات النوم أحلام أم حقائق 

أ.د. أحمد سالم باهمام

يعتبر طب النوم أحد التخصصات المعروفة في عالم الطب، إلا أن اهميته لم تقدر حق قدرها من قبل المشتغلين بالطب أو غيرهم وساعرض فيما يلي وصفاً موجزاً لهذا التخصص ولبعض الحقائق المهمة عنه.برغم أن الإنسان يقضي حوالي ثلث حياته نائماً، إلا أن الأكثرية لا يعرفون  الكثير عن النوم. هناك اعتقاد سائد بأن النوم عبارة عن خمول في وظائف الجسم الجسدية والعقلية يحتاجه الإنسان لتجديد نشاطه. والواقع المثبت علمياً خلاف ذلك تماماً، حيث أنه يحدث خلال النوم العديد من الأنشطة المعقدة على مستوى المخ والجسم بصفة عامة وليس كما يعتقد البعض، بل على العكس، فإن بعض الوظائف تكون أنشط خلال النوم كما أن بعض الامراض تحدث خلال النوم فقط، وتختفي مع استيقاظ المريض، وتعتبر هذا المعلومات والحقائق العلمية حديثة في عمر الزمن، حيث أن بعض المراجع الطبية لم تتطرق اليها بعد.

وقد أسرت هذه الحقيقة العلمية العلماء منذ زمن أبقراط وحتى الآن. وازداد هذا الاهتمام بالنوم واضطراباته الى ان اصبح في الوقت الراهن تخصصاً طبياً معروفاً في المجال الطبي، بل واصبحت له برامج تدريب تخصصية يمنح دارسوها درجة الزمالة الطبية وله جمعيات ومراكزه الطبية، وكدلالة أخرى على الاهتمام المتزايد باضطرابات النوم افتتاح عدد متزايد من مراكزعلاج مثل هذه الحالات ففي عام 1977م لم يكن يوجد في الولايات المتحده الامريكية الا ثلاثة مراكز معترف بها لعلاجه، ثم ازداد هذا الرقم في عام 1991م الى 301 مركزا ، بينما يصل هذا الرقم الى اكثر من 400 مركزأ في الوقت الحاضر.

ما أعراض اضطرابات النوم؟

قد يشتكي المرضي الذين يعانون من اضطرابات النوم في احياناً كثيرة من اعراض محددة مثل الارق، او زيادة النعاس اثناء النهار، والشخير، وقد يحضر بعض المرضى وهم يشتكون من اعراض مبهمة مثل الاحساس بالتعب والاكتئاب وضعف التركيز الذهني، وهذه الشكاوي قد تشببها اسباب عديده لا حصر لها وتتطلب تمحيصاً لها من قبل طبيب مختص، يكون قادراً على تشخيصها ومعالجتها في حالة كل مريض على حده تشخيصاً وعلاجاً مناسباً لحالته ولما كانت الاضطرابات المتنوعة تؤثر في طبيعة النوم وما تحدثه من ازعاجات اثناءه، لذلك ومع التطور السريع الذي لحظه هذا التخصص الطبي، نشأ اهتمام خاص لتصنيف اضطرابات النوم من قبل المختصين فيه. وهكذا وبعد نقاش مستفيض، ظهر الى الوجود في عام 1990م التصنيف العالمي لاضطرابات النوم وفيه تعداد لـ (84) اضطراباً مع ذكر المعايير التشخيصية التفصيلية التي تفصل بين اضطراب واخر وعلى اية حال فان التقويم الاكلينيكي للمرضي الذين يعانون من اضطرابات النوم تقويم مهم، الا ان النجاح في اعطاء تشخيص دقيق ومعالجة ناجعة يتطلبان وجود مركز متخصص لهذه الحالات.

وبالرغم مما ذكر آنفاً، فان اهمية هذا التخصص لم يتم ادراكه من قبل المجتمع عموماً، ومن قبل المشتغلين في الميدان الطبي خصوصاً. ولاعطاء القارئ فكرة عن مدى خطورة تجاهل هذه الاضطرابات واعتبارها كأن لم تكن، ساذكر مفصلا اضطراباً واحداً منها، وهو الاضطراب المعروف بأسم (انقطاع التنفس الانسدادي اثناء النوم). وفيه يحدث الشخير وانغلاق متكرر للمجرى الهوائي العلوي الذي يمر الاكسجين عبره الى الرئتين، وتبلغ نسبة انتشاره 2-4%في الاشخاص الذين يكونون في متوسط اعمارهم وقد تصل لى 20%في كبار السن ولنا ان نتخيل كم مريضاً يمر تحت انظارنا ونحن لا نعرف انه مصاب باضطرابات النوم. وعلاوة على ذلك ان هذا المرض مرض منتشر في المجتمعات، فان تأثيرة محسوس اذ ان بعض العلماء شبه ضرر هذا المرض بضرر التدخين واثبت علمياً بأن (انقطاع التنفس الانسدادي اثناء النوم) له صلة بعدد من الامراض، حتى انه احد اسباب الاصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع ضغط الدورة الدموية الرئوية، وعدم انتظام عمل القلب، والجلطة الدماغية، كما برهن ان نسبة الوفيات عند الذين يعانون من (انقطاع التنفس الانسدادي اثناء النوم) الحاد اعلى من غيرهم. وقد ظهر ان التشخيص الصحيح والمعالجة المناسبة (لابقاء المجاري الهوائية  مفتوحة بواسطة ضغط الهواء المستمر) تمنع بمشيئة الله ما ذكر آنفاً من مضاعفات، بل ان المريض المصاب به يكون عرضة اكثر من غيره للاصابة بضعف الادراك، وعته التفكير والفهم، وضعف الذاكره والضعف الجنسي. كما ان نسبة انتشار الاكتئاب عند المرضى الذين يعانون من هذا المرض  اعلى من غيرهم، ونظراً لاستسلام هذه الفئة من المرضى للنوم الطويل نهاراً فان نسبة خطر تعرضهم للحوادث الوظيفية او على الطرق اعلى من غيرهم بنسبة ضعفين الى ثلاث اضعاف. كما ان قدرتهم على الانتاج والتقدم تكون اقل بكثير من غيرهم من الاصحاء ويقلل علاج هذه الحالة من حدة الاعراض المصاحبة لها كثيراً. والمرضى الذين يعانون من (انقطاع التنفس الانسدادي اثناء النوم) يلجئون الى مراجعة المستشفيات والعيادات بكثرة مقارنة مع غيرهم، مما يعني زيادة اعباء الرعاية الصحية لهم في الوقت الذي كان يمكن تفادي ذلك لو ان هذه الفئة من المرضى شخصت حالتها تشخيصاً صحيحاً واعطي لها العلاج المناسب في اول الامر.

وما استعرضناه هو مرض واحد من امرض النوم. فإذا علمنا ان هنالك اكثر من 84 مرضاً واضطراباً قد تصيب الانسان في أي مرحلة عمرية فاننا وبدون شك سنبدأ في ادراك مدى جدية المشكلات الصحية التي تفرضها الاصابة باضطرابات النوم، واهمية توفر الموارد والتجهيزات المناسبة لعمل التشخيص الصحيح ووصف العلاج الناجع في مرحلة مبكرة.


المراجع

www.alnoum.com

التصانيف

حياة  صحة  صحة نفسية   العلوم التطبيقية   العلوم البحتة