اقتصاديات الاستزراع السمكى فى الوطن العربى
نظراُ لاهمية هذه لدراسة فقد قررت الجريدة أن تنشرها على حلقات اذ انها تتناول قضية تعد واحدة من اهم قضايا التنمية المستدامة فى الوطن العربى فهى تناقش اقتصاديات الاستزراع السمكى و الاحياء المائية و وسائل تنميتها عربيا .
الدراسة من اعداد الدكتور احمد برانيه استاذ اقتصاديات المصايد بمعهد التخطيط القومى و صاحب الباع الطويل فى مجال أبحاث تنمية الثروة السمكية و الآن ماذا تقول الدراسة ؟
أصبح التوسع فى أنشطة الاستزراع المائى اتجاها عالميا ، و مع التحسن المستمر فى ممارسات هذا القطاع فمن المتوقع أن تتزايد مساهمته فى الانتاج العالمى الكلى من الاسماك و الأحياء المائية الاخرى ، حيث ارتفعت من 114% عام 1986 الى 14% عام 1989 ثم الى 15.3 % عام 1990 ، 16.3 عام 1995 .
و على الرغم من ان انتاج الاستزراع المائى على مستوى العالم يمثل حوالى 16% فان قيمته تمثل حوالى ثلث قيمة الانتاج العالمى الاجمالى من الاسماك .
و يرجع ذلك الى ارتفاع نسبة المنتجات المائية ذات القيمة التسويقية العالية التى تنتجها المزارع المائية ، و هذا ما يؤكد مدى جدوى الاستزراع المائى من وجهة نظر القيمة النسبية لمنتجاته .
وبناءعلى اتجاهات النمو فى المناطق المختلفة من العالم خلال العشر سنوات الماضية ، فإنه يتوقع ان يصل الانتاج من الاستزراع المائى الى حوالى 20 الى 25 % من اجمالى كمية الانتاج العالمى من الاسماك ( المصايد الطبيعية بالاضافة الى الاستزراع المائى ) و اكثر من 50% تقريبا من قيمة هذا الانتاج .
و الأهمية الاقتصادية و الغذائية للاستزراع المائى فى العديد من الدول النامية تجذب اهتمام جهات التمويل الاجنبية و ايضا الاستثمارات المحلية و الذى تؤكده الزيادة المستمرة فى نصيب مشروعات الاستزراع المائى من اجمالى المساعدات و المنح و القروض الممنوحة لتنمية الثروة السمكية فى هذه الدول .
و أيضا زيادة الاستثمارات الحكوميةو الخاصة فى انشطة الاستزراع المائى حيث تتوفر الظروف الطبيعية المناسبة و الأيدى العاملة الرخيصة .
و يمثل الاستزراع المائى احد محاور التنمية الاقتصادية و الاجتماعية فى العديد من الدول العربية نظرا لتوفير أهم مقوماته الاساسية و هى الموارد المائية و البشرية و المالية ، حيث تقدر المساحة التى يمكن أن تستغل فى الاستزراع المائى فى الدول العربية بحوالى ( 150 ) ألف هكتار ، كما تتوفر الموارد البشرية المدربة فى العديد من الاقطار العربية نتيجة تراكم الخبرة العلمية و التطبيقية على مدى أكثر من أربعين عاما ، و ايضا توفر المراكز البحثية ، و تشير احدى الدراسات أنه فى ضوء الوضع الراهن للامكانيات المتوفرة و الممارسة الفعلية فان استغلال المساحات المتاحه للاستزراع المائى ( 150 ألف هكتار ) بمتوسط انتاجية تتراوح ما بين (2.4 ) الى (3.2 )
طن/هكتار/سنة يمكن تحقيق انتاج ما بين (360 ) الى (480 )الف طن فى العام ، يمكن أن يزيد الى (700 )الف طن مع وصول الانتاجية الى ( 4.67 ) طن/هكتار/سنة . أما بالنسبة للمواردالمالية فرغم وفرتها فإن حجم الاستثمارات العربية فى المنطقة العربية أقل بكثير عما هو مستهدف ، و أن معظم هذه الاموال ما زالت مستثمرة فى دول أجنبية لاسباب مختلفة ، و مع ذلك فقد برزت ظاهرة ايجابية منذ منتصف السبعينات بشكل خاص تتمثل فى تدفق الاستثمارات العربية فيما بين دول المنطقة بشروط ميسرة و ذلك مع التحسن فى مناخ الاستثمارمما يتيح الامكانيات لتوجيه جزء منها الى مشروعات الاستزراع المائى .
ولكن ماذا عن مدى كفاية الانتاج المحلى من الاسماك على مواجهة احتياجات الاستهلاك ؟ فى الحقيقة يمكن التمييز بين مجموعتين من الدول العربية ، حيث تضم المجموعة الاولى الدول التى تواجه عجزاُ فى الانتاج عن احتياجات الاستهلاك و هى : مصر – ليبيا – الكويت – قطر – سوريا – السودان – السعودية – الجزائر – البحرين – الاردن ، و تضم المجموعة الثانية الدول التى تحقق فائضاُ من الانتاج المحلى عن احتياجات الاستهلاك و هى : موريتانيا – المغرب – عمان – العراق – الصومال – جيبوتى – تونس – اليمن ، ويرجع ذلك الى خصوبة الموارد السمكية الطبيعية فى دول المجموعة الثانية و الانخفاض النسبى فى أعداد السكان ، و على هذا نجد ان عشر دول يتركز فيها حوالى ثلثى (63% ) السكان العرب يعجز انتاجها المحلى من الاسماك عن مواجهة احتياجات مواطنيها ، و يتم تغطية العجز فى الانتاج المحلى لهذه الدول عن طريق الواردات و التى بلغت حوالى (214 ) الف طن عام 1993 قدرت قيمتها بحوالى 238 مليون دولار . يأتى معظمها من دول غير عربية .
وبافتراض استمرار معدلات الاستهلاك السائدة عام 1990 فى الدول العربية ، فإن الاستهلاك المتوقع من الاسماك عام 2000 يقدر بحوالى 2198 الف طن بزيادة قدرها حوالى 446 الف طن (27% تقريبا ) من الاستهلاك المتاح عام 1990 ، و ان الطلب المتوقع على الاسماك عام 2000 سيزيد بحوالى 340 الف طن على اجمالى الانتاج العربى عام 1990 البالغ 1858 الف طن تقريبا ، و على هذا فان المطلوب زيادة اجمالى الانتاج العربى الحالى بهذه النسبة حتى عام 2000 اذا ما اردنا الاعتماد على مواردنا الذاتية فى سد احتياجات الاستهلاك دون الاعتماد على الخارج .
و لما كان معظم الانتاج السمكى يأتى من المصايد الطبيعية المختلفة فإنه يقع على عاتق هذه المصايد توفير جزء كبير من الاحتياجات الاستهلاكية المتوقعه ، وعليه يجب العمل على استغلال الموارد الغير المستغله فى هذه المصايد ، الا ان تنمية الموارد السمكية الطبيعية تعوقها العديد من المشاكل و الصعوبات الفغنية و البيئية و المالية و التى عاقت زيادة الانتاج بالمعدلات المطلوبة على مدى عشرات السنين ، فسياسات تنمية المصايد التى طبقت فى العديد من الدول العربية خلال السنوات السابقة قد أدت الى استنزاف العديد من المصايد و ذلك نتيجة زيادة معدلات الصيد على مستوى الاستغلال البيولوجى الامثل .
ككما ادى ارتفاع اسعار الوقود ومعدات الصيد التى يتم استيرادها من الخارج الى ارتفاع تكاليف الانتاج والذى ينتج عنه زيادة كثافة عمليات الصيد لتغطية التكاليف المتزيادة ، هذا من جانب ، و من جانب آخر فان زيادة الطلب على الاسماك فى الاسواق المحلية نتيجة الزيادة السكانية و عدم كفاية مصادر البروتين الحيوانى البديلة و ارتفاع اسعارها بالمقارنة بالاسماك ، ادى ايضا الى تكثيف
عمليات الصيد و استنزاف المصايد الطبيعية ، و قد ترك التلوث الناتج عن التوسع العمرانى و الصناعى و الزراعى و استخراج البترول فى العديد من الدول اثارسلبية على الطاقة الانتاجية للعديد من المصايد الطبيعية ، كما عاق نقص الكوادر الفنية و الخبرات المناسبة فى مجالات ادارة المصايد ، و ضخامة حجم الاستثمارات اللازمة استغلال مناطق صيد جديدة و غير تقليدية .. و فى المقابل تتوفر الامكانيات الطبيعية و المادية المتاحه لتنمية الاستزراع المائى – كما سبق أن ذكرنا – و منه تتضح الاهميه المطلقة لهذا النشاط ليس فقط فى توفير غذاء ولكن في تحقيق الامن القومي العربي باعتبار ان من لا يملك طعامه لا يملك قراره.
وتوفير غذاء بروتيني حيواني من خلال الاستزراع المائي من الممكن ان يسير في اتجاهين متوازيين
الاول : انتاج غذاء بتكلفة مناسبة لمحدودي الدخل والذين يمثلون الغالبية العظمي من سكان معظم الاقطار العربية وذلك من خلال التوسع في استزراع وتربية الاصناف ذات القيمة التسويقية المنخفضة نسبيا ( اسماك الكارب والتلابيا في مصر والعراق وبعض الدول العربية الاخري علي سبيل المثال ) .
الثاني : انتاج غذاء فاخر لمواجهة الطلب المحلي والخارجي علي اصناف تطلبها الفئات ذات الدل المرتفع او للاستهلاك السياحي ، مثل زراعى وتربية الحنشان ، والروبيان والعربي واسماك الدنيس والقاروس Bream Bass .
المحافظة علي البيئة :
ويتضمن ذلك الانشطة الاتيه : -
تدعيم المخزونات السمكية في المصايد الطبيعية :
يتيح الاستزراع المائي من خلال عمليات التفريخ الصناعي والطبيعي توفير صغار الاسماك والتي يتم اعادة تخزينها في المصايد الطبيعية بهدف تدعيم وتحسين الموارد السمكية .. مثال ذلك ما يحدث في بعض البحيرات والخزنات والسدود في كل من مصر وسوريا والجزائر وتونس واليمن والعراق ، واعادة تخزين صغار الروبيان في مصايد الخليج العربي لدولتي الكويت والبحرين .
السيطرة علي الحشائش والنباتات المائية وتطهير المجاري المائية ومكافحة الامراض المرتبطة بالمياه : -
يمثل هذا النشاط اهمية كبيرة في الدول العربية التي تتعرض شبكة مياة الري والصرف وغيرها من المجاري المائية بها الي نمو كميات كبيرة من الحشائش والنباتات المائية التي تعوق انسياب المياه والملاحة وتخلق بيئة مناسبة لتكاثر القواقع و البعوض التي تكون عادة ناقلة للامراض مما يسبب الكثير من المشاكل الصحية ، وقد أدخلت سمكة كارب الحشائش في المجاري المائية في السودان ومصر وسوريا وأثبتت كفاءة اقتصادية عالية بالمقارنة بغيرها من طرقة مقاومة الحشائش .