الصاحب أمين الدولة، هو الصاحب الوزير العالم العامل، الرئيس الكامل، من أفضل الوزراء، سيد الحكماء، إمام العلماء، أمين الدولة أبو الحسن بن غزال بن أبي سعيد.

كان سامرياً وأسلم، ولقب بكمال الدين، وكان مهذب الدين السامري عمه، وكان أمين الدولة هذا له الذكاء الذي لا مزيد عليه، والعلم الذي لا يصل إليه، والإنعام العام، والإحسان التام، والهمم العالية، والآلاء المتوالية، وقد بلغ من الصناعة غاياتها، وانتهى إلى نهاياتها، واشتمل على محصولها، وأتقن معرفة أصولها وفصولها، حتى قل عنه المماثل وقصر عن إدراك معاليه كل فاضل وكامل، كان أولا عند الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه بن عز الدين فرخشاه بن أيوب، معتمداً عليه في الصناعة الطبية وأعمالها، مفوضاً إليه أمور دولته وأحوالها، ولم يزل عنده إلى أن توفي الملك الأمجد، وذلك في داره بدمشق آخر نهار يوم الثلاثاء حادي عشر شهر شوال سنة ثمان وعشرين وستمائة.

وبعد ذلك استقل بالوزارة للملك الصالح عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، فساس الدولة أحسن السياسة، وبلغ في تدبر المملكة نهاية الرياسة، وثبت قواعد الملك وأيدها ورفع مباني المعالي وشيدها، وجدد معالم العلم والعلماء، وأوجد من الفضل ما لم يكن لأحد من القدماء، ولم يزل في خدمة الملك الصالح، وهو عالي القدر نافذ الأمر، مطاع الكلمة كثير العظمة إلى أن ملك دمشق الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل، وجعل نائبه بها الأمير معين الدين بن شيخ الشيوخ، وكان لما ملك دمشق أعطى الملك الصالح إسماعيل بعلبك ونقل إليها ثقله وأهله، وذلك في سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وكان أمين الدولة في مدة وزارته يحب جمع المال وحصل لصاحبه الملك الصالح إسماعيل أموالاً عظيمة جداً من أهل دمشق وقبض على كثير من أملاكهم.

وكان موافقه في ذلك قاضي القضاة بدمشق وهو رفيع الدين الجيلي والنواب، ولما بلغ نائب السلطنة بدمشق، وهو الأمير معين الدين بن شيخ الشيوخ والوزير جمال الدين ابن مطروح بدمشق وأكابر الدولة ما وصل إلى أمين الدولة من الأموال قصدوا أن يقبضوا عليه، ويستصفوا أمواله فعملوا له مكيدة، وهي أنهم استحضروه وعظموه، وقاموا له لما أتى، ولما استقر في المجلس قالوا له إن أردت أن تقيم بدمشق فابق كما أنت، وإن أردت أن تتوجه إلى صاحبك ببعلبك فافعل، فقال لا واللّه أروح إلى مخدومي وأكون عنده، ثم إنه خرج وجمع أمواله وذخائره وحواصله وجميع ما يملكه حتى الأثاث وحصر دوره وجمع الجميع على عدة بغال، وتوجه قاصداً إلى بعلبك، ولما صار ظاهر دمشق قبض عليه وأخذ جميع ما كان معه، واحتيط على أملاكه واعتقل، وكان ذلك يوم الجمعة ثاني شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ثم سير إلى الديار المصرية تحت الحوطة، وأودع السجن في قلعة القاهرة مع جماعة أخر من أصحاب الملك الصالح إسماعيل، ولما كان بعد ذلك بزمان وتوفي الملك الصالح نجم الدين أيوب بمصر في سنة سبع وأربعين وستمائة، وجاء الملك الناصر يوسف بن محمد من حلب وملك دمشق، وذلك في يوم الأحد ثامن شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة صار معه الملك الصالح إسماعيل وملوك الشام، وتوجه إلى مصر ليأخذها فخرجت عساكر مصر، وكان ملك مصر يومئذ الملك المعز عز الدين أيبك التركماني، كان قد تملك بعد وفاة أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب، والتقوا فكانت أول الكسرة على عسكر مصر، ثم عادوا وكسروا عسكر الشام، وقبض على الملك الصالح إسماعيل وجماعة كثيرة من الملوك والأمراء وحبسوا جميعهم في مصر، ثم أطلق بعضهم فيما بعد، وأما الملك الصالح إسماعيل فكان آخر العهد به وقيل إنه خنق بوتر.

حدثني الأمير سيف الدين المشدّ علي بن عمر رحمه اللّه لما سمع الوزير أمين الدولة في قلعة القاهرة بأن ملوك الشام قد كسروا عسكر مصر، ووصل الخبر إليهم بذلك من بلبيس، قال أمين الدولة لصاحب الآمر في القلعة دعنا نخرج في القلعة حتى تطلع الملوك، وتبصر ماذا تعمل معك من الخير فأطمعته نفسه، وأخرجهم وكانوا في ذلك الموضع في الحبس ثلاثة من أصحاب الملك الصالح إسماعيل وزيره أمين الدولة، وأستاذ داره ناصر الدين بن يغمور، وأمير كردي يقال له سيف الدين، فقال الكردي لهم يا قوم لا تستعجلوا مواضعكم، فإن كان الأمر صحيحاً فمصير أستاذنا يخرجنا ويعيدنا إلى ما كنا عليه ويحسن إلينا ونخلف، وإن كان الأمر غير صحيح فنكون في موضعنا لم نخرج منه فهو أسلم لنا فلم يقبلوا منه، وخرج الوزير وناصر الدين بن يغمور وبسطوا مواضع في القلعة وأمروا ونهوا، ولما صح الخبر بعكس ما أملوه أمر عز الدين التركماني لما طلع القلعة بقتل ناصر الدين بن يغمور فقتل، وأمر بشنق الوزير فشنقوه، وحكى لي من رآه لما شنق وأنه كان عليه قندورة عنابي خضراء، وسرموزة في رجليه، ولم ينظر مشنوقاً في رجليه سرموزة سواه، وأما رفيقهم الكردي فأطلقه وخلع عليه وأعطاه خيراً.

للصاحب أمين الدولة من الكتب كتاب النهج الواضح في الطب، وهو من أجل كتاب صنف في الصناعة الطبية، وأجمع لقوانينها الكلية والجزئية، وهو ينقسم إلى كتب خمسة الكتاب الأول في ذكر الأمور الطبيعية والحالات الثلاث للأبدان وأجناس الأمراض، وعلائم الأمزجة المعتدلة والطبيعية والصحية للأعضاء الرئيسة وما يقرب منها، ولأمور غيرها شديدة النفع يصلح أن تذكر في هذا الموضع، ويتبعها بالنبض والبول والبراز والبحران الكتاب الثاني في الأدوية المفردة وقواها الكتاب الثالث في الأدوية المركبة ومنافعها الكتاب الرابع في تدبير الأصحاء وعلاج الأمراض الظاهرة وأسبابها وعلائمها، وما يحتاج إليه من عمل اليد فيها وفي أكثر المواضع ويذكر فيه أيضاً تدبير الزينة وتدبير السموم الكتاب الخامس في ذكر الأمراض الباطنة وأسبابها وعلائمها وعلاجها وما يحتاج إليه من عمل اليد.


المراجع

al-hakawati.net

التصانيف

فلاسفة ورحالة   شخصيات   التاريخ   العلوم الاجتماعية