على هذه الكُرَةِ الأرضية المُهتزّهْ
وتحت هذا المَطَر الكبريتيِّ الأسودْ
وفي هذه المُدُنِ التي لا تقرأُ... ولا تكتبْ
الوطنُ يَتفتَّتُ تحت أقدامي
والتاريخُ عَرَبةٌ مات سائقُها
وذاكرتي ملأى بعشرات الثُقُوبْ...
فلا الشوارعُ لها ذاتُ الأسماءْ
ولا صناديقُ البريد احتفظتْ بلونها الأحمرْ
ولا الحمائمُ تَستوطن ذات العناوينْ...
لم أعُدْ قادرةً على الحُبِّ... ولا على الكراهيَهْ
ولا على الصَمْتِ, ولا على الصُرَاخْ
ولا على النِسْيان, ولا على التَذَكُّرْ
لم أعُدْ قادرةً على مُمَارسة أُنوثتي...
فأشواقي ذهبتْ في إجازةٍ طويلَهْ
انتهت مُدَّةُ استعمالها...
أحاول أن أرسُمَ بحراً... قزحيَّ الألوانْ
لا تُشْنَقُ أشجارُها بتُهْمةِ العَمالهْ
ولا تُعتقلُ فراشَاتُها بتُهمَة كتابة الشِعْر...
تركضُ في براري الحريّهْ...
وأحاولُ أن أرسمَ مَرْكَباً
يأخُذُني معك إلى آخر الدنيا...
لا يجلدُني خمسين جَلْدةً... لأنني أحبُّك
فلا أجدُ محكمةً تصغي إلى أقوالي...
ولا قاضِياً يقبَلُ شَهَادتي...
ماذا أفعلُ في مقاهي العالم وحدي?
ماذا أفعل بالفناجينِ التي تأتي... وتَروُحْ?
وبالحُزْنِ الذي يأتي... ولا يروُحْ?
وبالضَجَرِ الذي يطلعُ كلّ رُبْعِ ساعهْ
ماذا أفعلُ بتُراثِكَ العاطفيّ
المَزْرُوعِ في دمي كأشجارِ الياسمين?
ماذا أفعلُ بصوتِكَ الذي ينقُرُ كالديكِ...
التي تسبح كأسماك القِرْشِ في مياه ذاكرتي
ماذا أفعلُ بَبَصماتِ ذوقِكَ... على أثاث غرفتي
ماذا أفعلُ بفصيلةِ دمي?...
يا أيُّها المسافرُ ليلاً ونهاراً
يا صديق الأزمنة الوَرْديّهْ?
ليست فلسطين وحدَها هي التي تحترقْ
وعشرات الأقنعةِ, والملابس التنكريَّهْ...
وليست الطيورُ, والأسماكُ وحدَها
ولكنَّ الإنسانَ العربيَّ هو الذي يختنقْ
داخل (الهولوكوستِ) الكبيرْ...
يا أيها الصديق الذي أحتاجُ الى ذراعَيْهِ في وقت ضَعْفي
وإلى ثباته في وقت انهياري
كل ما حولي عروضُ مسرحيَّهْ
والأبطالُ الذين طالما صفَّقتُ لهم
لم يكونوا أكثر من ظاهرةٍ صَوْتيَّهْ...
يا سيِّدي يا الذي دوماً يعيدُ ترتيبَ أيَّامي
أريد أن أتكئ على حنان كَلِماتِكْ
وأريدُ أن أدخلَ في شرايينِ يَدَيكْ
حتى لا أظلَّ في المنفى...