إن تطور الدراسات العلمية الطبية والعصبية والنفسية والتربوية، وتطور طرق التشخيص والتقنيات المتعددة ووسائل الوقاية، والعلاج والتأهيل… جعلت اضطرابات الطفولة واضحة للعيان، ولم يعتبر هناك اضطراب غامض كلياً كما كانت عليه بعض اضطرابات الطفولة في السابق مثل اضطراب التوحد (Autism).ولعل صعوبة التعامل مع هذه النوعية من الأطفال؛ أطفال التوحد، وأطفال فرط الحركة، وأطفال صعوبات التعلم، وحالات المنغولية أو التخلف العقلي، والانفعالات الشاذة أو الغريبة لهؤلاء الأطفال، واضطرابات السلوك… هي التي جعلت العديد من الاختصاصيين سابقاً ينفرون من التعامل مع هذه الحالات، التي كانت توصف بالأطفال الوحوش (The wild children) أو الأطفال المجانين (Insane children)، أو الأطفال دون طفولة (children without childhood)… إلاّ أن تقدم الدراسات العلمية، والتزاماً بحقوق الطفل في العالم، وبسبب العامل الإنساني، وضغط آباء الأطفال المتوحدين (والأطفال المعوقين) وأمهاتهم… دفع بالمسؤولين والاختصاصيين والأطباء إلى إيجاد مراكز تربوية وتأهيلية وعلاجية لمثل هذه الحالات، وكذلك تمَّ إعداد عناصر متخصصة وتأهيلها وتدريبها للإشراف على الحالات في هذه المراكز، وأصبح هناك جمعيات علمية عالمية تهتم بحالات الأطفال وخاصة حالات التوحد الأكثر صعوبة وإرباكاً وإثارة وتحدياً للعاملين في هذا المجال.

من هذه الجمعيات على سبيل المثال: الجمعية الأميركية للأطفال المتوحدين (American society for autistic children) (A S A C)، والجمعية البريطانية العالمية للتوحد (National autistic society) (N A S)، وهناك مراكز في جميع الدول الأوربية وكندا، والولايات الأميركية لرعاية أطفال التوحد، أما في الوطن العربي فهناك أيضاً عدة مراكز لتأهيل حالات التوحد مثل مركز الكويت للتوحد، ومركز أبو ظبي للتوحد، ومركز جدّة للتوحد، ومركز دار السلام، ومركز آمال للتوحد بدمشق، وفي الأردن يوجد مركز نازك الحريري للتربية الخاصة، وفي قطر مركز الشفاء للتربية الخاصة، وغيرها من المراكز، وتهتم هذه المراكز بحالات التوحد لدى الأطفال.

لم تكن هناك تعريفات واضحة للتوحد قبل تعريف ليوكانر (Leo Kanner) عام (1943م) الذي عرّف التوحد بما يلي: «اضطراب يظهر منذ الولادة، وتتضح أعراضه بعد عمر الثانية، ومن أعراض هذا الاضطراب عدم القدرة على التواصل مع الآخرين، وبأي شكل من الأشكال، (تواصل كلامي، أو تواصل عن طريق الإشارات أو التلميحات أو التعبيرات…)، وكذلك ضعف القدرة على التواصل اللغوي والكلام، وخاصة في مراحل العمر الأولى، مع ترديد لبعض الكلمات (Echolalia)، وسلوك نمطي متكرر، ومقاومة لأي تغيير في البيئة من حولهم، وضعف القدرة على التخيل، أو الربط بين الأفكار والأشياء، وأحياناً ضحك أو قهقهة دون سبب، ولكنهم يتمتعون بذاكرة عادية، ونمو جسمي عادي».ويعرّف العالم أورنتز (Ornitz. R.) (1989م) التوحد بأنه: «أحد اضطرابات النمو لدى الأطفال، دون وجود علامة عصبية واضحة، أو تغيرات كيميائية، أو خلل أيضي، أو مؤشرات على خلل جيني». وقد افترض أورنتز أن العوامل المسببة للتوحد ترجع إلى فترة قبل الولادة أو أثناءها أو بعدها، وتُحْدث هذه العوامل اضطراباً في الوظائف العقلية في المخ، والتي تنعكس بدورها وبشكل سلبي على سلوك الطفل وقدراته، ومهاراته الاجتماعية، وتواصله اللغوي. وقد وجد (أورنتز) بأن التوحد عبارة عن اضطراب في العلاقة مع الآخرين، وفي الاستجابة للأشياء والموضوعات، وفي السلوك الحسي والحركي، وفي الامكانية من على التواصل اللغوي، حيث يكون تطور اللغة بطيئاً، واستخدام كلمات بشكل يختلف عن استعمال الأطفال العاديين من نفس العمر، حيث ترتبط الكلمات بمعان غير معتادة لهذه الكلمات، ويكون التواصل عن طريق الإشارات عوضاً عن الكلمات، والانتباه يكون محدوداً، وكذلك القدرة على التركيز.


المراجع

tbeeb.net

التصانيف

حياة  صحة الأطفال   العلوم الاجتماعية   صحة