مدرسة الإسكندرية اللاهوتية 

نشأة هذه المدرسة وشهرتها:

وقت ما حضر مارمرقس إلى مصر كانت الإسكندرية مركزًا مهم وبارز للثقافة الوثنية، وفي مدرستها الوثنية ومكتبتها الشهيرة (مكتبة الإسكندرية) تخرَّج كثير من الفلاسفة والعلماء، فكان ضروري أن يقيم مدرسة لاهوتية لتثبيت الناس في الدين والرد على أفكار الوثنيين. وكان مارمرقس نفسه  يعرف اللغات العبرية واللاتينية واليونانية وحسب ثقافته هذه فهم مقدار خطر الفكر الوثني، وهكذا أسس مدرسة لاهوتية مسيحية في الإسكندرية عين لرئاستها العلامة يسطس.

لمدرسة الوثنية والمدرسة المسيحية ومدى العلاقة بينهما:

المدرسة الوثنية هي التي أسسها بطليموس الأول ملك مصر وقد وصلت ذروتها في العلوم والفلسفة في القرن الأول للمسيحية ولم توجد مدرسة تعادلها في دراستها الطبيعية والعلمية في الطب والتشريح والرياضة والفلك من أجل ذلك كانت هذه المدرسة منافسا للمدرسة المسيحية. بالرغم من ذلك عاشت المدرستان جنبًا إلي جنب لكل منها طابعه الجامعي الخاص والفريد بها .

ولكن هدف التعليم في المدرستين يختلف:

أولًا:

هدف الدراسة في المدرسة الوثنية هو الحصول على مركز مرموق في الدولة بينما في المدرسة المسيحية لم يكن هدفًا  بالرغم من أن خريجي هذه المدرسة يصلحون لذلك.

ثانيًا:

كان مستوى طلبة المدرسة الوثنية الأخلاقي وكذلك الأساتذة منحطًا بعكس المدرسة المسيحية فالأخلاق كانت من أبرز الخواص الاساسية عند المدرسة أساتذة وطلبة.

ثالثًا:

أن الفلسفة والعلوم كانت تدرس في المدرسة الوثنية بهدف الثقافة بينما كانت تدرس في المدرسة المسيحية لهدف ديني.

رابعًا:

كان طلبة المدرسة الوثنية من مستوى ثقافي واجتماعي معين والطلبة كانوا ذكروا فقط عكس المدرسة اللاهوتية كان التعليم عامًا لجميع لا تمييز بين السيد والعبد والذكر والأنثى الكل واحد في المسيح يسوع بالإضافة إلي أن سنوات الدراسة في المدرسة الوثنية كانت محدودة عكس المدرسة اللاهوتية فكانت غير محدودة.

المدرسة اللاهوتية (سماتها ومنهجهًا وخطة الدراسة فيها):

كان فلاسفة الوثنيون يدرسون الكتاب المقدس لكي ينتقدوه ويشككوا الناس فيه ولذلك وقفت المدرسة اللاهوتية تناهض الوثنية بكل ما أوتيت من قوة وأصبح لها دور ضروري في المنافسة الفكرية حتى إنها أدخلت في برامجها الفلسفة الوثنية بكافة  فروعها على يد القديس إكليمنضس الإسكندري Clement of Alexandria  كما نادى القديس إكليمنضس بأن الفلسفة خادمة امونيوس السقا زعيم فلاسفة الوثنين.أما عن خطة الدراسة ونظامها في الدراسة اللاهوتية لم تكن الدراسة بالمدرسة اللاهوتية دراسة عقلانية كما يظن البعض لكن كانت هناك رياضيات روحية فكانوا يصلون ويقرأون ويصومون.

وقد كانت الإكليريكية في عهدها الأول مدرسة دينية مسيحية تهتم بشرح التعليم المسيحي وتبسيطه بطريقة السؤال والجواب وكان طلابها من ثلاثة أنواع:

1 – فريق كان وثنيًا يريد أن يعرف الحقيقة، فيبحث عليها بالدراسة في هذه المدرسة.

2 – الفريق الثاني من كان وثنيًا وآمن بالمسيحية ولكنه لم يكن قد حصل على سر المعمودية وما زال يدرس ويقدم امتحانات حتى إذا جاز الامتحان النهائي يسمح له بالعماد.

3 – الفريق الثالث والأخير وهم المسيحيين، فلكي يدخلوا للعمق أكثر ولكي يزداد رسوخًا  وأيمانًا يدرس في هذه المدرسة ولكي يتمكن من الخدمة في الكنيسة والعمل على نشر المسيحية.

و لقد تناظر أساتذة وعلماء المدرستين الوثنية واللاهوتية وكان نتيجة لذلك أن اهتمت المدرسة اللاهوتية بدراسة العلوم والثقافات المتنوعة فقد أدخلت فيها علوم الطب والكيمياء والطبيعة والحساب والهندسة والفلك والجغرافيا والتاريخ والموسيقى واللغات.

ولم يكن للمدرسة الإكليريكية اللاهوتية في عهودها الأولى مبنى خاص بها  أنما كانت مركزة في علمائها. واينما يوجد أستاذها كانت توجد المدرسة – وكان الأستاذ يأخذ تلاميذه في بيته الخاص.  وقد ذكر عن العلامة أوريجانوس أشهر أساتذتها أنه كان يستأجر قاعات ليعظ فيها في أيام الاضطهاد والاستشهاد فلما كانت تلك القاعات تحطم بسببه كان يستأجر غيرها ويعلم في أي مكان. وقد كان الأستاذ له الحرية أن يعلم طلبته كما يتهيأ له الظروف وكما توصى إليه طبيعته الخاصة وحاجة الطلاب وظروفهم ولكن بعد ذلك بدأت الإكليريكية تجهز منهج خاص للدارسين ينقسم إلى ثلاث مراحل:-

 المرحلة الأولى:-

مرحلة العلوم فيها يدرسون الهندسة والفسيولوجيا والفلك (هذه الدراسة لتنمية ملكات الاستدلال والملاحظة والنظام).

المرحلة الثانية:-

دراسة الفلسفة وأقوال الفلاسفة وتفسيرها.

المرحلة الثالثة:-

مرحلة دراسة العلوم اللاهوتية وكان المنهج الجدلي هو المنهج المتبع في دراسة اللاهوت. هكذا كان لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية أهمية بارزة حتى أن الإمبراطور ثيؤدسيوس قال مرة "أن الذي يهرب من هذه المدرسة يعد كافرًا"

دور المدرسة في حياة الكنيسة وآثارها على طلبتها وخريجيها وأساتذتها:-

كانت المدرسةجزء مهم من الحياة الكنسية وقدمت ضوءًا على ضرورة العلم والتعليم بشكل عام كما خلقت قادة في الفكر وفي العمل الكنسي الرعوي على المستوى المحلي والمسكوني.

1- اهتمام المدرسة بالفلسفة اليونانية تزيل عنها أي نظرة ضيقة نحو المسيحية كتراث إقليمي يرتبط بجماعة محلية وثقافية خاصة وبهذا ربحت الكنيسة نفوس كثيرة للسيد المسيح من عينات مختلفة على كافة المستويات الفلسفية والفكرية ووصف "شان" قدرة المدرسة على الكرازة بين الفئات المتباينة خلال اتساع نظريتها قائلًا "كانت من جهة حصنًا للكنيسة ضد الأشرار... ومن جهة أخرى كانت جسر للعبور من العالم إلى الكنيسة".

2- هذا الاتجاه صنع من أساتذة المدرسة رجالًا مسكونيين (أمثال إكليمنضس واريجانوس) وفي القرون التالية حمل رجالها أمثال القديس أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير مسئوليات كنيسة على مستوى مسكوني وجاء من تلامذتها قادة فكر مسيحي أمثال القديس غريغوريوس أسقف نيصص الذي يفتخر دومًا بمعلمه القبطي العلامة أوريجانوس.

3- تمكنت المدرسة أن تروى ظمأ المسيحيين بالإسكندرية نحو المعرفة الدينية وتحثهم على الدراسة والبحث وبهذا ساهمت في إنشاء أول نظام للدراسات اللاهوتية في العالم وكانت بحق مهد اللاهوت المسيحي منها خرج رجال قادرون على الرد على أمثال  اكليمنضس  وأوريجانوس  والدفاع ضد الأريوسية مثل القديس أثناسيوس وضد نسطور مثل القديس كيرلس الكبير.

4- قيام هذه المدرسة قدم إمكانية للحصول على التعليم الذي تقدمه المدرسة الوثنية العظمي لكن بواسطة معلمين مسيحيين.


المراجع

st-takla.org

التصانيف

كنيسة قبطية أرثوذكسية  جامعات مصرية   جامعات   مسيحية   الآداب   الدّيانات   مصر