أبو إسحاق محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور المشهور عنه قصة وامعتصماه. ولد المعتصم بالله سنة 179 هـ. أمه أم ولد من مولدات الكوفة اسمها ماردة وكانت أحظى الناس عند الرشيد. وتُوفى المعتصم في سامراء سنة 227 هـ.
تولى “المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد” الخلافة بعد أخيه المأمون، لقد بويع له بالخلافة يوم مات أخوه المأمون بـ”طرطوس”.
كان المعتصم أبيض أضهب اللحيه طويلها، مربوعا مشربا بحمره، ذا شجاعه وهمه عاليه، وقوه مفرطه،(كان يقرأ ويكتب قراءه ضعيفه، وكان مع ذلك فصيحا مهيبا، عالي الهمه، حتى قيل انه كان أهيب الخلفاء العباسيين).
في سنة 221هـ بنى المعتصم مدينة “سُرَّ مَنْ رَأَى” أو “سَامِرَّاء”؛ وذلك أن بغداد ضاقت بكثرة الغلمان الترك الذين جلبهم المعتصم، فاجتمع إليه رجال من بغداد، وقالوا: إن لم تخرج عنا بهذا الجند حاربناك. قال: وكيف تحاربونني؟ قالوا: بسهام الأسحار. قال: لا طاقة لى بذلك، فكان ذلك سبب بنائه “سر من رأى” وإقامته بها.
ولا ينسى التاريخ للمعتصم فتح عمورية سنة 223هـ/ 838م، يوم نادت باسمه امرأة عربية على حدود بلاد الروم اعتُدِىَ عليها، فصرخت قائلة: وامعتصماه
في هذه السنة 223 هـ غزا الروم وفتح “عمورية”، وسجل أبو تمام هذا الفتح العظيم في قصيدة رائعة. هذا هو المعتصم رجل النجدة والشهامة العربية، كتب إليه ملك الروم كتابًا يتهدده فيه، فأمر أن يكتب جوابه، فلما قرئ عليه لم يرضه، وقال للكاتب: اكتب.
بسم الله الرحمن الرحيم.. أما بعد، فقد قرأت كتابك، وسمعت ندائك، والجواب ما ترى لا ما تسمع: (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) [الرعد: 42]. قال إسحق الموصلى: سمعتُه يقول: من طلب الحق بما هُو له وعليه؛ أدركه.
تحركت في عهده ثورات: ثورة الزط، وهم قوم من السند (باكستان وبنجلاديش الآن)، وانضم إليهم نفر من العبيد فشجعوهم على قطع الطريق، وعصيان الخليفة، وكان ذلك سنة 220هـ/835م؛ حيث عاثوا بالبصرة فسادًا، وقطعوا الطريق ونهبوا الغلات، فندب “المعتصم” أحد قواده بقتالهم وانتصر عليهم.
وكانت هناك طائفة أخرى تسمى “الخُرَّمية” تنسب إلى أحد الزنادقة، ويسمى بابك الخرمي وانضم خلق كثير من أهل بلاد فارس حوله، وكان أول ظهور لهم سنة 021هـ، واستفحل أمرهم، فلما صار الأمر إلى المعتصم سنة 220هـ/ 835م، أخذ في إصلاح ما أفسده الخرمية بقيادة الأفشين حيدر بن كاوس، فتمكن من الانتصار عليهم، وجئ بزعيمهم بابك إلى المعتصم فأمر بقطع يدى بابك ورجليه، ثم جز رأسه وشق بطنه. لقد قتل من المسلمين في مدة ظهوره مائتى ألف وخمسة وخمسين ألف وخمسمائة إنسان، وأسر خلقًا لا يحصون[بحاجة لمصدر].
وثار أحد العلويين بـ”الطالقان” من “خراسان” وهو محمد بن القاسم بن على بن الحسين بن علي بن أبى طالب، فقاتله عبد الله ابن طاهر مرة بعد أخرى حتى قبض عليه وسيق إلى السجن. وهكذا كانت تقوم ثورات ويقضى عليها، ولكن ذلك لم يمنع المعتصم من الاهتمام بالعمران والبناء فبنى مدينة سامرّا أو (سر من رأى) بشرقى نهر دجلة، ومد إليها نهرًا سماه نهر الإسحاقى. وعندما احترقت “سوق الكرخ” عوض التجار عن خسائرهم، واهتم بالبريد في أيامه حتى أصبحت الرسائل تصل بسرعة أكثر مما كانت عليه من قبل.
كان المعتصم محبّا للعنصر التركى، حتى اجتمع له منهم أربعة آلاف جندى، وأقطعهم الإقطاعات الكبيرة في مدينة سامرّا حتى لايضايق أهل بغداد، وكما كان للفرس دورهم في حياة الدولة العباسية منذ نشأتها فإن العنصر التركى أصبح له دوره.
كانت خلافته ثمانى سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، وهو ثامن الخلفاء من بنى العباس، ومات عن ثمانية بنين وثماني بنات، وتولى الخلافة سنة ثمان عشرة ومئتين، وفتح ثمانية فتوح فكان يلقب ب”المثمن”، وكان معروفا بطيبة النفس، و كان من أعظم الخلفاء وأكثرهم هيبة.
جاء في كتاب “المعارف” للدينوري:
” وهو محمد بن هارون كنيته أبو إسحاق وأمه ماردة أمة، وكان أبو إسحاق مع أخيه حين توفي في بلاد الروم، والعباس بن المأمون، فأراد الناس أن يبايعوا للعباس فأبى العباس وسلم إلى أبي إسحاق الأمر فتوجه أبو إسحاق نحو بغداد مسرعاً خوفاً على نفسه من جماعة من القواد كانوا هموا به فوردها مستهل شهر رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين فأقام بها سنتين ثم مضى إلى سر من رأى سنة عشرين ومائتين بعد الفطر بأتراكه، فابتنى فيها واتخذها داراً ومعسكراً، ونزلت الروم زبطرة فتوجه أبو إسحاق غازياً في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين ومائتين، ففتح عمورية في شهر رمضان من هذه السنة ثم أقبل منصرفاً وأوقع بالعباس بن المأمون وبعجيف في طريقه، ووافى سر من رأى في ذي الحجة من تلك السنة وتوفي إبراهيم بن المهدي بسر من رأى، وفي شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين وصلب الأفشين سنة ست وعشرين ومائتين وتوفي أبو إسحاق لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر، وفي هذا الشهر توفي بشر بن الحرث الزاهد”.
ورد في “سير أعلام النبلاء” للذهبي:
” الخليفة أبو إسحاق محمد بن الرشيد هارون بن محمد المهدي بن المنصور العباسي. ولد سنة ثمانين ومئة وأمه ماردة أم ولد. روى عن أبيه وأخيه المأمون يسيراً روى عنه إسحاق الموصلي وحمدون بن إسماعيل. بويع بعهد من المأمون في رابع عشر رجب سنة ثمان عشرة. وكان أبيص أصهب اللحية طويلها ربع القامة مشرب اللون ذا قوة وبطش وشجاعة وهيبة لكنه نزر العلم.
قيل كان معه غلام في المكتب فمات الغلام فقال له أبوه يا محمد مات غلامك قال نعم يا سيدي واستراح من الكتاب فقال أو إن الكتاب ليبلغ منك هذا دعوه فكانت قراءته صعيفة.
قال خليفة حج بالناس سنة مئتين.
قال الرياشي كتب طاغية الروم إلى المعتصم يتهدده فأمر بجوابه فلما عرض عليه رماه وقال للكاتب اكتب أما بعد فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك والجواب ما ترى لا ما تسمع ” وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار”.
قلت وامتحن الناس بخلق القرآن وكتب بذلك إلى الأمصار وأخذ بذلك المؤذنين وفقهاء المكاتب ودام ذلك حتى أزاله المتوكل بعد أربعة عشر عاماً.
وكان في سنة 218الوباء المفرط والقحط بمصر ومات أكثرهم وأمر المعتصم بهد طوانة التي بذر المأمون في بنائها من عامين بيوت الأموال واشتد البلاء ببابك وهزم الجيوش ودخل في دينه خلائق من العجم وعسكر بهمذان فبرز لقتاله إسحاق المصعبي فكانت ملحمة عظمى فيقال قتل منهم ستون ألفاً وهرب باقيهم إلي الروم.
وظهر سنة محمد بن القاسم العلوي يدعو إلى الرضى من آل محمد وتمت له حروب إلي أن قيده ابن طاهر ثم هرب من السجن وأضمرته البلاد.
وفي سنة عشرين عقد المعتصم للأفشين في جيش لجب لقتال بابك فتمت ملحمة انهزم فيها بابك إلى موغان ومنها إلى مدينة تسمى البذ.
وفي رمضان كانت محنة الإمام أحمد في القرآن وضرب بالسياط حتى زال عقله ولم يجب فأطلقوه وأمر المعتصم بإنشاء مدينة سامرا اشترى أرضها من رهبان بالقاطول وغضب علي وزيره الفضل بن مروان وأخذ منه نحوا من عشرة آلاف ألف دينار ونفاه واستوزر محمد بن الزيات واعتنى باقتناء المماليك الترك وبعث إلى النواحي في شرائهم وألبسهم الحرير والذهب وفي سنة221 كانت وقعة بين العسكر وبابك.
وحج فيها حنبل فقال رأيت كسوة الكعبة وقد كتب فيها في الدارات ليس كمثله شيء وهو اللطيف الخبير فحدثت به أبا عبد الله فقال قاتل الله الخبيث عمد إلى كلام الله فغيره عنى ابن أبي داود.
وفي سنة اثنتين وعشرين كان المصاف بين بابك الخرمي وبين الأفشين فطحنه الأفشين واستباح عسكره وهرب ثم إنه أسر بعد فصول طويلة وكان أحد الأبطال أخاف الإسلام وأهله وهزم الجيوش عشرين سنة وغلب على أذربيجان وغيرها وأراد أن يقيم الملة المجوسية وظهر في أيامه المازيار أيضاً بالمجوسية بطبرستان وعظم البلاء.
وكان المعتصم والمأمون قد أنفقوا على حرب بابك قناطير مقنطرة من الذهب والفضة ففي هذه السنة بعث المعتصم نفقات إلي جيشه مع الأفشين فكانت ثلاثين ألف ألف درهم وأخذت البذ مدينة بابك اللعين واختفى في غيضة وأسر أهله وأولاده وقطع دابر الخرمية.
ثم ورد أمان من المعتصم لبابك فبعث به الأفشين إليه مع اثنين وكتب ابنه إليه يشير عليه بقبول الأمان فلما دخلاً إلى الشعراء التي فيها بابك قتل أحدهما وقال للأخر امض إلى ابن الفاعلة ابني فقل لو كان ابني للحق بي ثم مزق الأمان وفارق الغيضة وصعد الجبل في طرق يعرفها لا تسلك وكان الأفشين قد رتب الكمناء في المضايق فنجا بابك ولجأ إلى جبال أرمينية فلقيه سهل البطريق فقال الطلب وراءك فانزل عندي فنزل وركن إليه فبعث البطريق إلى الأفشين بذلك فجاء فرسان فأحاطوا به وأخذوه وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألف درهم ولمن جاء برأسه ألف ألف فأعطي البطريق ألف ألف وأطلق له خراجه عشرين سنة. وقال المسعودي هرب بابك بأخيه وأهله وخواصه في زي التجار فنزل بأرض أرمينية بعمل سهل بن سنباط فابتاعوا شاة من راع فنكرهم فأتى سهلا فأعلمه فقال هذا بابك بلا شك فركب في أجناده حتى أتى بابك فترجل وسلم عليه بالملك وقال قم إلي قصرك فأنا عبدك فمضى معه ومد السماط له وأكل معه فقال بابك امثلك يأكل معي فوقف واعتذر ثم أحضر حداداً ليقيده فقال أعذراً يا سهل قال يا ابن الفاعلة إنما أنت راعي بقر ثم قيد اتباعه وكاتب الأفشين فجهز أربعة آلاف فتسلموه وجاء سهل فخلع عليه الأفشين وبعثت بطاقة بذلك إلى بغداد فضج الناس بالتكبير والشكر لله ثم قدموا ببابك في صفر سنة ثلاث.
وكان المعتصم يبعث كل يوم بخلعة وفرس للأفشين ومن سروره بذلك رتب البريد منه إلى الأفشين فكان يجيئه الخبر في أربعة أيام وذلك مسيرة شهر ثم أتي أحمد بن أبي داود متنكراً في الليل فشاهد بابك ثم أعلم المعتصم فما صبر وأتاه متنكراً فتأمله.
وكان هذا الشقي ثنوياً على دين ماني ومزدك يقول بتناسخ الأرواح ويستحل البنت وأمها.
وقيل كان ولد زنى وكانت أمه عوراء يقال لها رومية العلجة وكان علي بن مزدكان يدعي أنه زنى بها وبابك منه.
وقيل كانت صعلوكة من قرى أذربيجان فزنى بها نبطي فحملت منه ببابك فربي بابك أجيراً في القرية وكان هناك قوم من الخرمية لهم كبيران جاوندان وعمران فتفرس جاوندان النجابة في بابك فاكتراه من أمه فهويته زوجة جاوندان وأطلعته على الأسرار ثم قتل زوجها في محاربة لابن عمه فزعمت أن زوجها استخلف بابك فصدقها الجميع فأمرهم أن يقتلوا من وجدوه في الليل فأصبح عدة قتلى وأنضاف إليهم كل شرير وقاطع طريق وصار أمر بابك إلى ما صار وكانت دولته عشرين سنة بل أزيد وكان معه نحو من عشرين ألف مقاتل فارغين من الدين وبعضهم زنادقة وقتلوا وسبوا وأخذوا الحصون.
نعم وأمر المعتصم فأركب بابك فيلا وألبسه الديباج وقلنسوة كبيرة من سمور وطافوا به ثم قطعت أربعته وهو ساكت ثم ذبح وطيف برأسه بسامراء ثم بعث بأخيه إلى بغداد فعمل به كذلك ويقال كان أشجع من بابك فقال يا بابك قد عملت ما لم يعمله أحد فاصبر صبراً لم يصبره أحد قال سوف ترى فلما قطعوا يده خضب صورته بالدم فقال المعتصم لم فعلت قال إنك أمرت بقطع أطرافي وفي نفسك أن لا تكويها فينزف الدم فيصفر لوني فتظنونه جزعاً مني فقال لولا أن أفعاله لا تسوغ الصنيعة والعفو لاستبقيته ثم أحرق .
وقيل إنه أباد من الأمة خلائق وبخط الإمام ابن الصلاح أن قتلى بابك بلغوا ألف ألف وخمس مئة ألف وأحصي قتلي أبي مسلم الخراساني فبلغوا ألفي ألف.
وفيها التقي طاغية الروم والأفشين فهزمه ولكن بعد أيام وخرب المعتصم أنقرة وأنكى في الروم وأخذ عمورية عنوة وأوطأ الروم خوفاً وذلا وأخذ بثأر الإسلام من الطاغية توفيل بن ميخائيل الذي أغار على زبطرة وملطية فدخل المعتصم الروم في مئتي ألف مقاتل وأزيد حتى لقيل كان في خمس مئة ألف وصمم على محاصرة قسطنطينية فأتاه ما أزعجه من خروج العباس بن المأمون عليه فظفر بالعباس وكان العباس بديع الحسن وكان بليداً غزا في أيام أبيه الروم وولي الحزيرة وذهبت منه الخلافة بغيبته ثم نخاه عجيف وشجعه علي الخروج ووافقه عدة أمراء وعرف المعتصم فأخذ العباس فقيل غمه بكساء حتى تلف بمنبج .
وقيل إن يحيى بن أكثم نظر إليه فتبسم المأمون فروى يحيى حديثا في النظر إلى الوجه الحسن فقال المأمون اتق الله فهذا الحديث كذب-.
ولما عظم الأفشين باستئصاله لبابك طلب نيابة خراسان وبلغه خروج المازيار ومحاربته لابن طاهر فدس من استماله له وقوى عزمه وخرب المازيار البلاد وقتل وعسف.
ثم جهز المعتصم في سنة أربع وعشرين الأفشين لحربه وبعث ابن طاهر جيشاً عليهم عمه لحربه أيضاً وجرت حروب يطول بسطها وقتل المازيار.
وفي سنة خمس قبض المعتصم على الأفشين وكان عدوا لابن طاهر وابن أبي داود فعقراه وألقيا في ذهن المعتصم أنه يريد قتلك فتهدد كاتبه فاعترف وقال أمرني أن أكتب إلى المازيار إنه لم يبق غيري وغيرك وجيش الخليفة عند ابن طاهر وما عند الخليفة سواي فإن هزمت ابن طاهر كفيتك المعتصم ويخلص لنا الدين الأبيض- يعني المجوسية -وكان يتهم بها فوهب المعتصم للكاتب ذهباً وقال إن نطقت قتلتك. وعن ابن أبي داود قال دخلت عليه وهو يبكي ويقلق وقال لي رجل أنفقت عليه ألفي ألف دينار ويريد قتلي قد تصدقت بعشرة آلاف ألف درهم فخدها ففرقها.
وكان الأفشين قد بعث أموالا له إلى أشروسنة وهم بالهرب إليها ثم هيأ دعوة ليسم فيها المعتصم وقواده فإن لم يجىء سم القواد ويذهب إلى أرمينية ومنها إلى أشروسنة فما تهيأ له ذلك وقبض عليه المعتصم وعلي ابنه حسن وأتي بالمازيار أسيراً.
فقيل أحضر هو والأفشين وموبذ ملك السغد ومرزبان عند المعتصم فأحضر اثنان فعريا فإذا أجنابهما عرية من اللحم فقال ابن الزيات للأفشين يا حيدر تعرفهما قال نعم هذا مؤذن وهذا إمام بنيا مسجداً بأشروسنة ضربتهما ألف سوط لأن بيني وبين ملوك السغد عهدا أن أترك كل قوم على دينهم فوثب هذان على بيت أصنام أشروسنة فرمياً الأصنام وعملاه مسجداً فضربتهما.
قال ابن الزيات فما كتاب قد زينته بالذهب والجواهر فيه الكفر قال كتاب ورثته من أبى فيه أداب وحكم للأكاسرة فأخذ منه الأدب وأدع ما سواه مثل كتاب كليلة ودمنة.
فقال ابن الزيات للموبذ ما تقول قال إنه يأكل المخنوقة ويحملني على أكلها ويقول لحمها أرطب وقال لي إني دخلت لهؤلاء في كل ما أكره حتى أكلت الزيت وركبت الجمل ولبست النعل غير أني ما حلقت عانتي قط ولم يختتن وكان الموبذ مجوسياً وأسلم بعد قال الأفشين خبروني عن هذا المتكلم أثفة هو في دينه قالوا لا فكيف تصدقونه فقام المرزبان فقال يا أفشين كيف يكتب إليك أهل مملكتك قال كما يكتبون إلي أبائي إلى الإله من عبده قال ابن أبي داود فما أبقيت لفرعون قال خفت فسادهم بتغيير العادة.
قال له إسحاق بن إبراهيم المصعبي كيف تحلف فصدقك وأنت تدعي ما يدعي فروعون قال يا إسحاق هذه سورة قرأها عجيف على علي بن هشام وأنت تقرؤها علي فانظر من يقرؤها عليك.
ثم تقدم مازيار فقيل أتعرفه قال نعم قالوا هل كاتبته قال لا فقالوا للمازيار أكتب إليك قال كتب إلي أخوه على لسانه إنه لم يكن ينصر هذا الدين الأبيض غيري وغيرك وغير بابك فأما بابك فبحمقه قتل نفسه فإن خالفت لم يكن للخليفة من يرى لقتالك غيري ومعي الفرسان وأهل النجدة والبأس فإن وجهت إليك لم يبق أحد يحاربنا إلا العرب والمغاربة والأتراك فأما العربي فمنزلته ككلب أطرح له كسرة ثم أضرب رأسه بالدبوس وهؤلاء الذئاب يعني المغاربة فأكلة رأس وأما التركي فرنما هي ساعة وتنفد سهامهم ثم تجول عليهم الخيل جولة ويعود الدين إلى ما كان.
فقال الأفشين هذا يدعي على أخي ولو كنت قد كتبت بهذا إليه لأخدعه لكان غير مستنكر وكنت آخذ برقبته فزجره ابن أبي داود وقال أختين أنت قال لا قال لم قال خفت التلف قال أنت تلقي الحروب وتخاف من قطعة قلفة قال تلك ضرورة أصبر عليها وتلك القلفة لا أخرج بها من الإسلام فقال أحمد قد بان لكم أمره. وفيها سقطت أكثر الأهواز من الزلزلة ودامت أياماً.
وفي سنة ست وقع برد كالبيض من السماء قتل ثلاث مئة وسبعين نفساً.
ومنع الأفشين المذكور من الطعام حتى هلك ثم صلب ميتا وأحرق مع أصنام عنده وهو من أولاد الأكاسرة وكان أكبر الدولة.
وأما المازيار واسمه محمد بن قارن فظالم غاشم جبار ظهر بطبرستان وحارب عسكر المعتصم ثم أسر فضرب حتى مات وصلب وترك أموالاً لا تنحصر.
وفي سنة227 ظهر أبو حرب المبرقع بفلسطين وزعم أنه السفياني ودعا إلى إقامة الحق وكان قتل جندياً آذى زوجته ثم ألبس وجهه برقعاً وأقام بالغور واستفحل أمره واجتمع عليه أهل البر وتفاقم الأمر فسار لحربه أمير دمشق رجاء الحصاري في ألف فارس فوجده في زهاء مئة ألف فهابه فلما جاء وقت الزراعة تفرقوا حتي بقي في نحو ألفين فالتقوا وكان المبرقع شجاعاً مقداماً فحمل على الجيش فأفرجوا فأحاطوا به فأسروه وسجن فمات.
قال ابن عائذ واقع رجاء أهل المرج وجسرين وكفر بطنا وسقبا وقتل خلق.
وقيل بيت أهل كفربطنا فقتل أزيد من مئة ألف وقتل الأطفال وقتل من الجند ثلاث مئة.
قال نفطويه يقال للمعتصم المثمن فإنه ثامن بني العباس وتملك ثماني سنين وثمانية أشهر وله فتوحات ثمانية بابك وعمورية والزط وبحر البصرة وقلعة الأجراف وعرب ديار ربيعة والشاري وفتح مصر يعني قهر أهلها قبل خلافته وقتل ثمانية بابك والأفشين ومازيار وباطيس ورئيس الزنادقة و عجيفاً وقارون وأمير الرافضة. وقال غير نفطويه خلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار وثمانية عشر ألف ألف درهم وثمانين ألف فرس وثمانية آلاف مملوك وثمانية آلاف جارية وبني ثمانية قصور وقيل بلغ مماليكه ثمانية عشر ألفاً وكان ذا سطوة إذا غضب لا يبالي من قتل.
قال إسحاق الموصلي دخلت عليه وعنده قينة تغني فقال كيف ترى قلت تقهر الغناء برفق وتجيله برفق وتخرج من شيء إلى ما هو أحسن منه وفي صوتها شجاً وشذور أحسن من در علي نحور فقال وصفك لها أحسن خذها لك فامتنعت لعلمي بمحبته لها فأعطاني مقدار قيمتها.
قيل لما تجهز لغزو عمورية زعم المنجمون أنه طالع نحس ويكسر فانتصر فقال أبو تمام تلك القصيدة:
السيف أصدق أنباء من الـكـتـب
في حده الحد بين الجد والـلـعـب
والعلم في شهب الأرمـاح لامـعة
بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية أم أين النـجـوم ومـا
صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخـرصـاً وأحـاديثـاً مـلـفـقة
ليست بنبع إذا عـدت ولا غـرب
عن أحمد بن أبي دواد قال كان المعتصم يخرج إلي ساعده ويقول عضه بأكبر قوتك فأقول ما تطيب نفسي فيقول لا يضرني فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلاًعن الأسنان وقبض على جندي ظالم فسمعت صوت عظامه ثم أرسله فسقط.
وعن ابن أبي دواد وذكر المعتصم فبالغ وقال كنت أزامله في سفره ووصف سعة أخلاقه.
قال الخطيب كثر عسكر المعتصم وضاقت عليهم بغداد فبنى مدينة سر من رأى وتحول إليها وتسمي أيضاً العسكر. وقيل كان عليق دواب المعتصم خمسين ألف مخلاة.
وقيل إنه قال في مرضه ” حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة “. الأنعام 44 وقال علي بن الجعد جعل المعتصم يقول ذهبت الحيلة فليس حيلة حتى صمت.
وقيل إنه قال أوخذ وحدي من بين هذا الخلق .
وله نظم وسط وكلمات جيدة .
وقيل إنه جعل زند رجل بين أصبعيه فكسره.
قيل إنه قال عاقل عاقل مرتين أحمق.
قال إسحاق المصعبي والله ما رأيت مثل المعتصم رجلاً لقد رأيته يملي كتاباً ويقرأ كتاباً ويعقد بيده وإنه لينشد شعراً يتمثل به.
مات المعتصم يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومئتين وله سبع وأربعون سنة وسبعة أشهر ودفن بسر من رأى وصلى عليه ابنه الواثق.
وقيل إنه قال اللهم إني أخافك من قبلي ولا أخافك من قبلك وأرجوك من قبلك قبلي ولا أرجوك من قبلي”.
المراجع
al-hakawati.la.utexas.edu
التصانيف
سياسيين العلوم الاجتماعية شخصيات
|