شرح حديث: إن الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيباً

(شرح الأربعين النووية)


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾[المؤمنون: 51]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعثَ أغبرَ يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنى يستجاب له؟))؛ رواه مسلمٌ.


منزلة الحديث:

قال الإمام النووي - رحمه الله -: هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام، ومباني الأحكام[1].


قال الطوفي رحمه الله: واعلم أن هذا الحديث عظيم النفع؛ لأنه يتضمن بيان حكم الدعاء، وشرطه، ومانعه[2].


قال ابن دقيق العيد رحمه الله: وهذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام، ومباني الأحكام، وفيه الحث على الإنفاق من الحلال، والنهي عن الإنفاق من غيره، وأن المأكول والمشروب والملبوس ونحوهما ينبغي أن يكون حلالًا خالصًا لا شبهة فيه[3].


وقيل: هو أصل في الحث على تحري الحلال واجتناب الحرام في المأكل والمشرب والملبَس.


غريب الحديث:

إن الله طيبٌ: أي طاهر منزَّه عن النقائص.

لا يقبل إلا طيبًا: أي حلالًا.

أشعث: ثائر شعر الرأس؛ لعدم تسريحه ومشطه.

أغبر: أي غيَّر الغبارُ لون شعره.

يمد يديه إلى السماء: يرفعهما داعيًا.

فأنى يستجاب له؟: كيف ومن أين يستجاب له؟


شرح الحديث:

((إن الله طيبٌ))؛ أي: منزه عن النقائص، ومقدس عن الآفات والعيوب، وطيب في ذاته، وطيب في صفاته، وطيب في أفعاله.


((لا يقبل إلا طيبًا))؛ أي: إنه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا من المفسدات كالرياء والعُجب، ولا من الأموال إلا ما كان حلالًا؛ لأن لفظ طيب يتضمن المدح والتشريف، فلا يتقرب إليه سبحانه وتعالى إلا بما يناسبه في ذلك المعنى، وهو الإخلاص في الأعمال وخيار الأموال؛ كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 110]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 267].


((وإن الله)) لما خلق لعباده ما في الأرض جميعًا وأباحه لهم سوى ما حرم عليهم ((أمر المؤمنين))؛ أي: والمؤمنات ((بما أمر به المرسلين)) فسوَّى بينهم في الخطاب بوجوب أكل الحلال، ((فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾؛ أي: الحلال، ﴿ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]))، إنَّ أمرَ الله تعالى للرسل وأمره للمؤمنين واحد؛ أن يأكلوا من الطيبات، وأما الخبائث فإنها حرام عليهم؛ لقوله تعالى في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157].


((ثم ذكر))؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم ((الرجل يطيل السفر أشعث أغبر)) قال النووي - رحمه الله -: أي إنه يطيل السفر في وجوه الطاعات؛ كحجٍّ وزيارة مستحبَّة، وصلة رحم، وغير ذلك؛ اهـ.


((يمد يديه إلى السماء)) يرفعهما داعيًا متذللًا، ((يا رب)) أعطني كذا، ((يا رب)) اصرف عني كذا.


((ومطعمه حرامٌ، ومشربه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنى))؛ أي: كيف ((يستجاب له)) وهذه صفتُه، وهذا حاله، فلا يستجاب له؛ لإثم مطعمه ومشربه.


الفوائد من الحديث:

1- بيان شرط الدعاء وموانعه وآدابه، ومنها أن يكون الداعي طيب المأكل والمشرب، وألا يدعو بمعصية وبمُحال، ومنها أن يكون حاضر القلب؛ للنهي عن الدعاء مع الغفلة، وأن يحسن ظنه بالإجابة، ومنها ألا يستعجل.

2- وصف الله تعالى بالطيب ذاتًا وصفاتٍ وأفعالًا.

3- تنزيه الله تعالى عن كل نقص.

4- أن من الأعمال ما يقبله الله، ومنها ما لا يقبله.

5- الله لا يقبل إلا طيبًا.

6- تعظيم شأن الحلال، وعلوُّ قدره عند الله عز وجل.

7- تشريف المؤمنين؛ حيث أمرهم الله بما أمر به المرسلين.

8- المطعم مِن الحرام يمنع قبول العمل، وإجابة الدعاء.



[1] شرح مسلم للنووي (7/ 88 ح 1015).

[2] التعيين في شرح الأربعين للطوفي (117، 118).

[3] شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (42).


المراجع

alukah.net

التصانيف

تصنيف :قصص   مجتمع   قصة