محمد روحي الخالدي
1864 – 1913 م
ولد محمد روحي الخالدي في القدس وتوفي في استانبول، أي إنّ حياته لم تصل حتى نصف قرن تمامًا، ومع ذلك فقد كانت حياةً مليئةً حافلةً.
من حيث إعداده العلمي، بدأ محمد مِن تعلّمه الإبتدائي وحتى انتهاء دراسته الجامعية. فقد حضر مدارس متنوّعةً وفي أماكن مختلفة. كان أبوه موظفًا في الدولة العثمانية، يتنقّل من بلدٍ إلى آخر فكان الإبن يرافقه حيثما يعيش ويعمل، كما إن رغبات قوية دفعت بالشاب إلى استانبول أكثر من مرةٍ. بدأ تعليمه الإبتدائي في القدس ونابلس، وتعليمه الثانوي كان في بيروت. تعلّم الموضوعات الإسلامية كالحديث والفقه والتفسير ثم بدأ دراسته العليا التّي تمّت في معهدين: المكتب الشّاهاني في عاصمة الدولة العثمانية والسوربون في باريس؛ وقد زوّده الأوّل بقضايا الإدارة والسياسة، وأتاح له الثاني الغوص في أعماق التاريخ والأدب الفرنسي.
كان روحي الخالدي يتّقن العربية ويجيد التّركية ويجمع إلى ذلك بعض الإجادة بالفرنسية. كان يملك ذهنًا متوقدًا متفتّحًا نقّادًا. وفضلاً عن ذلك، كان صدره يجيش برغبةٍ عارمةٍ للتّعلم، وهذا ما دفعه للإستمرار في طلب العلم.
شغل محمد الخالدي بعض الوظائف البسيطة في مطلع شبابه. كان موظفًا في العدلية وعُيِّن معلمًا. لكن الرجل كان طموحًا يرغب في ما هو أكبر وأنفع. وقد قوّيت رغبته في المنصب الكبير بعد أن تخرّج في المكتب الشاهاني، إذ إنّ مثل هذه الشهادة كانت تؤهّله لمنصبٍ إداريٍّ كبير، فلم يكن كثيرًا عليه أن يسعى للحصول على منصب قائمقامٍ إداريٍّ كنقطة إنطلاق. وحين ذهب إلى باريس فارًا من المضايقة التي تعرّف لها في استانبول، خاصّة بعد أن زار السّيد جمال الدين الأفغاني في منزله، ملتحقًا في السّوربون، -ويبدو أنه قضى في هذه الدراسة العليا سنتين وبعض السنة، ولما تخرّج سنة 1898-، تنبّه له أولو الأمر في عاصمة الدولة العثمانية، فعينوه قنصلاً عامًا للدّولة في بوردو، وهو المنصب الذي شغله حتى 1908.
لما انتقل روحي الخالدي إلى بوردو قنصلاً عامًا، اتّسع ميدان نشاطه. ففي الناحية الديبلوماسية، أصبح عميد السلك القنصلي في المدينة ورئيسًا لجمعية القناصل. واشترك في سنة 1907 في إقامة المعرض البحري العام في المدينة لمناسبة مرور مئة سنة على تسيير البواخر. لكن أهمّ من ذلك ما كتبه وهو في بوردو؛ فقد كان يزوّد مجلة “الهلال” في القاهرة بالمقالات العلمية رغبةً منه في نقل المعرفة والآراء إلى القارئ العربي. ولم يكتف بذلك بل طرق سبلاً جديدةً وكَتَب في أمورٍ عالجها كاتب عربيّ لأول مرة، مثل كتاباته عن فيكتور هوغو، والأدب عند الإفرنج والعرب، والكيمياء عند العرب. وكان يوقّع مقالاته بإسم “المقدسي” ذلك أن عمله الرّسمي في الدولة كان يحول دونه والكتابة. ففضّل أن يظل الأمر طي الكتمان. ولم يفرج عن اسمه إلا بعد إعلان الدستور سنة 1908. عندها عاد روحي الخالدي إلى القدس، فانتخبه أهل المدينة المقدسة نائبًا عنهم في مجلس المبعوثان (مجلس النواب العثماني) إلى جانب سعيد الحسيني، من القدس أيضًا، وحافظ السعيد من يافا. وقد جدّد انتخابه ثانية وثالثة وانتُخِب نائبًا للرئيس في واحدة من الدورتين الأخيرتين.
كتب روحي الخالدي في موضوعات متعدّدة أهمها: “تاريخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب وفيكتور هوغو” الذي ظهر سنة 1904 بإسم “المقدسي” وثم سنة 1912 وعليه إسم المؤلّف. وأصل الكتابات كان عن فيكتور هوغو ثم مقالات عن الأدب عند الافرنج والعرب نُشِرَت في مجلة “الهلال”، ثم جُمِعَت لأوّل مرة على يد كاتبٍ عربيٍّ. والكتاب الثاني هو: “الانقلاب العثماني”: أصله مقالتان كتبهما الخالدي لمجلة “الهلال” بعد حدوث الإنقلاب العثماني وكان لا يزال قنصلاً عامًا في بوردو. ثم جُمِعَت المقالتان ونُشِرَتا كتابًا سنة 1909 عن “دار الهلال” في القاهرة.