كلمات قالها أوردته حتفَه، كلمات هي في ذات المعنى وذات السياق لكلماتِ الطُّغاة في كل زمن، كلمات تحقق في معناها معاني الجحود والنُّكران والاستكبار؛ ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [فصلت: 15]، ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى ﴾ [غافر: 29]، ظنَّ بجبروته أنَّه يفعل ما يشاء، فهلك ولم يُغْنِ عنه ملكُه ولا بطانته ولا أتباعُه، قتله تكبُّره وعجبه لذاته واحتقاره للناس، وكلمتان فقط جعلت قاتِلَه يُعاجِله بضربةٍ أهلكته، ملك ثلاثًا وخمسين عامًا، وكان لا يبتسم ولا يضحك، وكانت العرب تَهابه، وسُمِّي مُضْرِطَ الحجارة؛ لشدته، وسمي محرقًا؛ لأنَّه حرَّق مائة من بني تميم في قصةٍ أفردتها في مقالٍ خاص، وثَّقها أصحابُ الأمثال: "الشقي وافد البراجم"، وله قصص كثيرة ذكرَتْها كتبُ الأدب، فمن هو؟ ومن قتله؟ قتله سيد قومه، وقال في قتله قصيدته المعلقة الشهيرة؛ حيث قام بها في عكاظ وفي سوق مكة، عظَّم قومُه القصيدةَ، وحفظوها، وكانت سببًا في تعرُّضهم للهجاء، فقال بعض شعراء بكر بن وائل:
أَلْهَى بَنِي تَغْلِبٍ عَنْ كُلِّ مَكْرُمَةٍ
قَصِيدَةٌ قَالَهَا عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ
|
لم يُحالفِ التوفيق عمرو بن هند الملك المتكبر في اختياره عمرَو بن كلثوم؛ لتخدمَ أمُّه أمَّه، وبدلاً من ذلك كانت نِهايته، وفي ذلك قال أفنون صريم التغلبي يفخر بفعلِ عمرو بن كلثوم في قصيدةٍ له:
لَعَمْرُكَ مَا عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ وَقَدْ دَعَا
لِتَخْدُمَ لَيْلَى أُمَّهُ بِمُوَفَّقِ
فَقَامَ ابْنُ كُلْثُومٍ إِلَى السَّيْفِ مُصْلِتًا
فَأَمْسَكَ مِنْ نُدْمَائِهِ بِالْمُخَنَّقِ
|
وفي ساعة من الساعات وقد بلغ بالملك عُجْبَه بذاتِه الذِّرْوَة، فقال مُخاطبًا جمعًا من نُدَمائه: أتعلمون أحدًا من العرب تأْنَف أمُّه أن تخدم أمي؟
سؤال جعل الصمتَ يسود لفترةٍ لم تَمتَدَّ كثيرًا، ثُمَّ بدأ البعض يتمتم، واتَّفقوا على رأي واحد، ومَن غَيْرُه "عمرو بن كلثوم"؟
الملك "وبغضب بادٍ": ولِمَ ذلك؟
النُّدماء: لأنَّ أباها مهلهل بن ربيعة، وعَمَّها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه وفخر عشيرته.
فأرسل عمرُو بن هند إلى عمرِو بن كلثوم يَستزيره، ويَسأله أن يُزِيرَ أمَّه أمَّه، فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأمر عمرو بن هند برواقه، فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهلِ مَمْلكته وأعيان قصره، فحضروا في وجوه بني تغلب، ودعا رؤساء العشائر والعِلْيَة من كل قبيلة، فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قُبَّة من جانب الرواق.
أعدَّ كلَّ شيءٍ، وأمر أمَّه أن تنحي الخدم، وأن تستخدمَ ليلى بنت المهلهل، فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف، فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق، فقالت ليلى: لتقمْ صاحبةُ الحاجة إلى حاجتها، فأعادت عليها وألَحَّت، فصاحت ليلى: واذُلاَّه، يا لَتَغْلِب، فسَمِعَها عمرو بن كلثوم، فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمرو بن هند، فعَرَف الشر في وجهه، فوَثَب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند مُعلَّقٍ بالرِّوَاق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأسَ عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرِّواق، وساقوا نَجائِبَه، وساروا نحو الجزيرة.
ففي ذلك يقول عمرو بن كلثوم قصيدتَه المعلقة، التي قام بها في عكاظ وفي سوق مكة، والتي مطلعها:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبِحِينَا
غدت القصيدةُ على كل لسان وهي من القصائد الفريدة في أدبٍ وافر، وعمرو بن كلثوم كان سَيِّدَ قومه في المنازعة التي حدثت بين تغلب وبكر، ومَثَّلَ بَكرًا فيها الحارثُ بن حِلّزة، والتي أنشد فيها قصيدته المعلقة، والتي مطلعها: آذَنَتْنَا بِبَيْنِهَا أَسْمَاءُ، ولإنْ ذهب الحارث بن حلزة بحجب الملك ولُبِّه، وأبطل دعوى تغلب، فعمرو ذهب بالملك وكبره وتغطرسه وقذف به إلى مهاوي الرَّدَى.
وكان لعمرو أخٌ له يُدْعَى مرة بن كلثوم، فقتل المنذرَ بن النعمان وأخاه، وإيَّاه عَنِيَ الأخطلُ بقوله لجرير:
أَبَنِي كُلَيْبٍ إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا
قَتَلاَ الْمُلُوكَ وَفَكَّكَا الْأَغْلاَلاَ
|
وكان لعمرو بن كلثوم ابنٌ يقال له: "عباد"، وهو قاتل بشر بن عمرو بن عدس، ولعمرو بن كلثوم عقب باقٍ، ومنهم كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر صاحب الرسائل.
وهذه معلقة عمرو بن كلثوم كما جاءت في "جمهرة أشعار العرب، (1/41)".
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ، فَاصبَحِينَا
وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الْأَنْدَرِينَا
مُشَعْشَعَةً، كَأَنَّ الحُصَّ فِيهَا
إِذَا مَا الْمَاءُ خَالطَهَا سَخِينَا
تَجُورُ بِذِي اللُّبَانَةِ عَنْ هَوَاهُ
إِذَا مَا ذَاقَهَا، حَتَّى يَلِينَا
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ، إِذَا أُمِرَّتْ
عَلَيْهِ لِمَالِهِ فِيهَا مُهِينَا
كَأَنَّ الشُّهْبَ فِي الْآذَانِ مِنْهُ
إِذَا قَرَعُوا بِحَافَّتِهَا الْجَبِينَا
صَدَدْتِ الْكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو
وَكَانَ الْكَأْسُ مَجْرَاهَا الْيَمِينَا
وَمَا شَرُّ الثَّلاَثَةِ أُمَّ عَمْرٍو
بِصَاحِبِكِ الَّذِي لاَ تَصْبَحِينَا
وَكَأْسٍ قَدْ شَرِبْتُ بِبَعْلَبَكٍّ
وَأُخْرَى فِي دِمَشْقَ وَقَاصِرِينَا
إِذَا صَمَدَتْ حُمَيَّاهَا أَرِيبًا
مِنَ الْفِتْيَانِ، خِلْتَ بِهِ جُنُونَا
فَمَا بَرِحَتْ مَجَالَ الشِّرْبِ حَتَّى
تَغَالَوْهَا، وَقَالُوا قَدْ رَوِينَا
وَإِنَّا غَدًا، وَإِنَّ اليَوْمَ رَهْنٌ
وَبَعْدَ غَدٍ بِمَا لاَ تَعْلَمِينَا
قِفِي قَبْلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِينَا
نُخَبِّرُكِ الْيَقِينَ وَتُخْبِرِينَا
بِيَوْمِ كَرِيهَةٍ ضَرْبًا وَطَعْنًا
أَقَرَّ بِهِ مَوالِيكِ العُيُونَا
قِفي نَسْأَلْكِ هَلْ أَحْدَثْتِ صَرْمًا
لِوَشْكِ الْبَيْنِ أَمْ خُنْتِ الْأَمِينَا
أَفِي لَيْلٍ يُعَاتِبُنِي أَبُوهَا
وَإِخْوَتُهَا وَهُمْ لِي ظَالِمُونَا
تُرِيكَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى خَلاَءٍ
وَقَدْ أَمِنَتْ عُيُونَ الْكَاشِحِينَا
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْمَاءَ بِكْرٍ
تَرَبَّعَتِ الْأَجَارِعَ والْمُتُونَا
وَثَدْيًا مِثْلَ حُقِّ الْعَاجِ رَخْصًا
حَصَانًا مِنْ أَكُفِّ اللاَّمِسِينَا
وَنَحْرًا مِثْلَ ضَوْءِ البَدْرِ وَافَى
بِأَتْمَامٍ أُنَاسًا، مُدْلِجِينَا
وَمَتْنَيْ لَدْنَةٍ طَالَتْ وَنَالَتْ
رَوَادِفُهَا، تَنُوءُ بِمَا يَليِنَا
وَمَأْكَمَةً يَضِيقُ الْبَابُ عَنْهَا
وَكَشْحًا قَدْ جُنِنْتُ بِهِ جُنُونَا
وسَالِفَتَيْ رُخَامٍ أَوْ بِلَنْطٍ
يَرِنُّ خَشَاشُ حَلْيِهِمَا رَنِينَا
تَذَكَّرْتُ الصِّبَا وَاشْتَقْتُ لَمَّا
رَأَيْتُ حُمُولَهَا أُصُلاً حُدِينَا
وَأَعْرَضَتِ الْيَمَامَةُ وَاشْمَخَرَّتْ
كَأَسْيَافٍ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا
فَمَا وَجَدَتْ كَوَجْدِي أُمُّ سَقْبٍ
أَضَلَّتْهُ، فَرَجَّعَتِ الحَنِينَا
وَلاَ شَمْطَاءُ لَمْ يَتْرُكْ شَقَاهَا
لَهَا مِنْ تِسْعَةٍ إِلاَّجَنِينَا
أَبَا هِنْدٍ، فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْنَا
وَأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ الْيَقِينَا
بِأَنَّا نُورِدُ الرَّايَاتِ بِيضًا
ونُصْدِرُهُنَّ حُمْرًا قَدْ رَوِينَا
فَإِنَّ الضِّغْنَ بَعْدَ الضِّغْنِ يَفْشُو
عَلَيْكَ وَيُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا
وَأَيَّامٍ لَنَا غُرٍّ طِوَالٍ
عَصَيْنَا الْمَلْكَ فِيهَا أَنْ نَدِينَا
وَسَيِّدِ مَعْشَرٍ قَدْ تَوَّجُوهُ
بِتَاجِ الْمُلْكِ يَحْمِي الْمُحْجَرِينَا
تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَليْهِ
مُقَلَّدَةً أَعِنَّتُهَا صُفُونَا
وَقَدْ هَرَّتْ كِلاَبُ الحَيِّ مِنَّا
وَشَذَّبْنَا قَتَادَةَ مَنْ يَلِينَا
وَأَنْزَلْنَا الْبُيُوتَ بِذِي طُلُوحٍ
إِلَى الشَّامَاتِ نَنْفِي الْمُوعِدِينَا
نَعُمُّ أُنَاسَنَا وَنَعِفُّ عَنْهُمْ
وَنَحْمِلُ عَنْهُمُ مَا حَمَّلُونَا
وَرِثْنَا الْمَجْدَ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ
نُطَاعِنُ دُونَهُ حَتَّى يَبِينَا
وَنَحْنُ إِذَا عِمَادُ الْحَرْبِ خَرَّتْ
عَلَى الْأَحْفَاضِ، نَمْنَعُ مَنْ يَلِينَا
نُطَاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّا
وَنَضْرِبُ بِالسُّيُوفِ إِذَا غُشِينَا
بِسُمْرٍ مِنْ قَنَا الْخَطِّيِّ لُدْنٍ
ذَوَابِلَ أَوْ بِبِيضٍ يَعْتَليِنَا
نَشُقُّ بِهَا رُؤُوسَ الْقَوْمِ شَقًّا
وَنَخْتَلِبُ الرِّقَابَ فَيَخْتَلِينَا
تَخَالُ جَمَاجِمَ الْأَبْطَالِ مِنْهُمْ
وُسُوقًا بِالْأَمَاعِزِ يَرْتَمِينَا
نَجُذُّ رُؤُوسَهُمْ فِي غَيْرِ وِتْرٍ
وَلاَ يَدْرُونَ مَاذَا يَتَّقُونَا
كَأَنَّ ثِيابَنَا مِنَّا وَمِنْهُم
خُضِبْنَ بأُرْجُوَانٍ أَوْ طُلِينَا
كَأَنَّ سُيُوفَنَا فِينَا وَفِيهِمْ
مَخَاريقٌ بِأَيْدِي لاَعِبِينَا
إِذَا مَا عَيَّ بِالْإِسْنَافِ حَيٌّ
مِنَ الهَوْلِ الْمُشَبَّهِ أَنْ يَكُونَا
نَصَبْنَا مِثْلَ رَهْوَةَ ذَاتَ حَدٍّ
مُحَافَظَةًَ وَكُنَّا السَّابِقِينَا
بِفِتْيَانٍ يَرَوْنَ الْقَتْلَ مَجْدًا
وَشِيبٍ فِي الْحُرُوبِ مُجَرَّبِينَا
يُدَهْدُونَ الرُّؤوسَ كَمَا تُدَهْدِي
حَزَاوِرَةٌ بِأَبْطَحِها الْكُرِينَا
حُدَيَّا النَّاسِ كُلِّهِمِ جَمِيعًا
مُقَارَعَةً بَنِيهِمْ عَنْ بَنِينَا
فَأَمَّا يَوْمَ خَشْيَتِنَا عَلَيْهِمْ
فَتُصْبِحُ خَيْلُنَا عُصَبًا ثُبِينَا
وَأَمَّا يَوْمَ لاَ نَخْشَى عَلَيْهِمْ
فَنُمْعِنُ غَارَةً مُتَلَبِّبِينَا
بِرَأْسٍ مِن بَنِي جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ
نَدُقُّ بِهِ السُّهُولَةَ وَالْحُزُونَا
بِأَيِّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ
نَكُونُ لِقَيْلِكُمْ فِيهَا قَطِينَا
بِأَيِّ مَشِيئَةٍ عَمْرَو بنَ هِنْدٍ
تُطِيعُ بِنَا الْوُشَاةَ وَتَزْدَرِينَا
تُهَدِّدُنَا وَتُوعِدُنَا رُوَيْدًا
مَتَى كُنَّا لِأُمِّكَ مَقْتَوِينَا؟
وَإِنَّ قَنَاتَنَا يَا عَمْرُو أَعْيَت
عَلَى الْأَعْدَاءِ قَبْلَكَ أَنْ تَلِينَا
إِذَا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ
وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةًَ زَبُونَا
عَشَوْزَنَةً إِذَا غُمِزَتْ أَرَنَّتْ
تَشُجُّ قَفَا الْمُثَقَّفِ وَالْجَبِينَا
فَهَلْ حُدِّثْتَ عَنْ جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ
بِنَقْصٍ فِي الْخُطُوبِ الْأَوَّلِينَا
وَرِثْنَا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بْنِ سَيْفٍ
أَبَاحَ لَنَا حُصُونَ الْمَجْدِ دِينَا
وَرِثْتُ مُهَلْهَلاً والْخَيْرَ مِنْهُ
زُهَيْرًا، نِعْمَ ذُخْرُ الذَّاخِرِينَا
وَعَتَّابًا وَكُلْثُومًا جَمِيعًا
بِهِمْ نِلْنَا تُرَاثَ الْأَكْرَمِينَا
وَذَا الْبُرَةِ الَّذِي حُدِّثْتَ عَنْهُ
بهِ نُحْمَى، ونَحْمِي الْمُحْجَزِينَا
وَمِنَّا قَبْلَهُ السَّاعِي كُلَيْبٌ
فَأَيُّ الْمَجْدِ إِلاَّ قَدْ وَلِينَا؟
مَتَى تُعْقَدْ قَرِينَتُنَا بِحَبْلٍ
تَجُذَّ الْحَبْلَ أَوْ تَقِصِ الْقَرِينَا
وَنُوجَدُ نَحْنُ أَمْنَعَهُمْ ذِمَارًا
وَأَوْفَاهُمْ إِذَا عَقَدُوا يَمِينَا
وَنَحْنُ غَدَاةَ أُوقِدَ فِي خَزَازَى
رَفَدْنَا فَوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِينَا
وَنَحْنُ الْحَابِسُونَ لِذِي أُرَاطٍ
تَسِفُّ الْجِلَّةَ الْخُورَ الدَّرِينَا
فَكُنَّا الْأَيْمَنِينَ إِذَا الْتَقَيْنَا
وَكَانَ الْأَيْسَرِينَ بَنُو أَبِينَا
فَصَالُوا صَوْلَةً فِيمَنْ يَلِيهِمْ
وَصُلْنَا صَوْلَةً فِيمَنْ يَلِينَا
فَآبُوا بالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا
وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا
إِلَيْكُمْ يَا بَنِي بَكْرٍ إِلَيْكُم
أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنَّا الْيَقِينَا
أَلَمَّا تَعْلَمُوا مِنَّا وَمِنْكُمْ
كَتَائِبَ يَطَّعِنَّ وَيَرْتَمِينَا
نَقُودُ الْخَيْلَ دَامِيَةً كِلاَهَا
إِلَى الْأَعْدَاءِ لاَحِقَةً بُطُونَا
عَلَيْنَا الْبَيْضُ وَالْيَلَبُ اليَمَانِي
وَأَسْيَافٌ يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينَا
عَلَيْنَا كُلُّ سَابِغَةٍ دِلاَصٍ
تَرَى تَحْتَ النِّجَادِ لَهَا غُضُونَا
إِذَا وُضِعَتْ عَنِ الْأَبْطَالِ يَوْمًا
رَأَيْتَ لَهَا جُلُودَ الْقَوْمِ جُونَا
كَأَنَّ مُتُونَهُنَّ مُتُونُ غُدْرٍ
تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ إِذَا جَرِينَا
وَتَحْمِلُنَا غَدَاةَ الرَّوْعِ جُرْدٌ
عُرِفْنَ لَنَا نَقَائِذَ وَافْتُلِينَا
وَرَدْنَ دَوَارِعًا وَخَرَجْنَ شُعْثًا
كَأَمْثَالِ الرَّصَائِعِ قَدْ بَلِينَا
وَرِثْنَاهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍ
وَنُورِثُهَا إِذَا مِتْنَا بَنِينَا
وَقَدْ عَلِمَ الْقَبَائِلُ غَيْرَ فَخْرٍ
إِذَا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنِينَا
بِأَنَّا الْعَاصِمُونَ إِذَا أُطِعْنَا
وَأَنَّا الْغَارِمُونَ إِذَا عُصِينَا
وَأَنَّا الْمُنْعِمُونَ إِذَا قَدَرْنَا
وَأَنَّا الْمُهْلِكُونَ إذا أُتِينَا
وَأَنَّا الْحَاكِمُونَ بِمَا أَرَدْنَا
وَأَنَّا النَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِينَا
وَأَنَّا التَّارِكُونَ لِمَا سَخِطْنَا
وَأَنَّا الْآخِذُونَ لِمَا هَوِينَا
وَأَنَّا الطَّالِبُونَ إِذَا نَقَمْنَا
وَأَنَّا الضَّارِبُونَ إِذَا ابْتُلِينَا
وَأَنَّا النَّازِلُونَ بِكُلِّ ثَغْرٍ
يَخَافُ النَّازِلُونَ بِهِ الْمَنُونَا
وَنشْرَبُ إنْ وَرَدْنا الْمَاءَ صَفْوًا
وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدَرًا وَطِينَا
أَلاَ سَائِلْ بَنِي الطَّمَّاحِ عَنَّا
وَدُعْمِيًّا فَكَيْفَ وَجَدْتُمُونَا؟
نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الْأَضْيَافِ مِنَّا
فَعَجَّلْنَا القِرَى أَنْ تَشْتِمُونَا
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنا قِرَاكُمْ
قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونَا
مَتَى نَنْقُلْ إِلَى قَوْمٍ رَحَانَا
يَكُونُوا فِي اللِّقَاءِ لَهَا طَحِينَا
يَكُونُ ثِفَالُهَا شَرْقِيَّ نَجْدٍ
وَلُهْوَتُهَا قُضَاعَةَ أَجْمَعِينَا
عَلَى آثَارِنَا بِيضٌ حِسَانٌ
نُحَاذِرُ أَنْ تُفَارِقَ أَوْ تَهُونَا
ظَعَائِنُ مِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ بَكْرٍ
خَلَطْنَ لِمِيسَمٍ حَسَبًا وَدِينَا
أَخَذْنَ عَلَى فَوَارِسِهِنَّ عَهْدًا
إِذَا لاَقَوْا فَوَارِسَ مُعْلِمِينَا
لَيَسْتَلِبُنَّ أَبْدَانًا وَبِيضًا
وَأَسْرَى فِي الْحَدِيدِ مُقَرَّنِينَا
إِذَا مَا رُحْنَ يَمْشِينَ الْهُوَيْنَى
كَمَا اضْطَرَبَتْ مُتُونُ الشَّارِبِينَا
يَقُتْنَ جِيَادَنَا، وَيَقُلْنَ لَسْتُمْ
بُعُولَتَنَا إِذَا لَمْ تَمْنَعُونَا
إِذَا لَمْ نَحْمِهِنَّ، فَلاَ بَقِينَا
لِشَيْءٍ بَعْدَهُنَّ، وَلاَ حَيِينَا
وَمَا مَنَعَ الظَّعَائِنَ مِثْلُ ضَرْبٍ
تَرَى مِنْهُ السَّوَاعِدَ كَالقُلِينَا
إِذَا مَا الْمَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفًا
أَبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الْخَسْفَ فِينَا
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أحَدٌ عَلَيْنَا
فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا
وَنَعْدُو حَيْثُ لاَ يُعْدَى عَلَيْنَا
وَنَضْرِبُ بِالْمَوَاسِي مَنْ يَلِينَا
أَلاَ لاَ يَحْسَبِ الْأَعْدَاءُ أَنَّا
تَضَعْضَعْنَا وَأَنَّا قَدْ فَنِينَا
تَرَانَا بَارِزِينَ وَكُلُّ حَيٍّ
قَدِ اتَّخَذَوا مَخَافَتَنَا قَرِينَا
كَأَنَّا وَالسُّيُوفُ مُسَلَّلاَتٌ
وَلَدْنَا النَّاسَ طُرًّا أَجْمَعِينَا
مَلَأْنَا الْبَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا
كَذَاكَ الْبَحْرَ نَمْلَؤُهُ سَفِينَا
إِذَا بَلَغَ الْفِطَامَ لَنَا رَضِيعٌ
تَخِرُّ لَهُ الْجَبَابِرُ سَاجِدِينَا
لَنَا الدُّنْيَا وَمَنْ أَضْحَى عَلَيْهَا
وَنَبْطِشُ حِينَ نَبْطِشُ قَادِرِينَا
تَنَادَى الْمُصْعَبَانِ وَآلُ بَكْرٍ
وَنَادَوْا يَا لَكِنْدَةَ أَجْمَعِينَا
فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلاَّبُونَ قِدْمًا
وَإنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا
| |
|
بقي أن أذكر أنَّ القصيدة من الوافر، وأنَّني ذكرت بعضًا من قصص الملك عمرو بن هند في هذه المقالة وفيما سبق، وسأذكر قصصًا أخرى له فيما يتبع من مقالات.
المراجع
aljazeera.net
التصانيف
تصنيف :قصص مجتمع مجتمع الآداب قصة
|