صورة لبعض علماء المسلمين

هو التابعي الجليل ربيعة بن أبي عبد الرحمن فَرُّوخ، عالم عصره ومفتي المدينة الإمام مالك، جمع بين العلم والعمل ورجاحة العقل وبصيرة الرأي حتى لقب بربيعة الرأي .

قال عنه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق : ما يسرني أن أمي ولدت لي أخاً ممن ترون من أهل المدينة إلا ربيعة الرأي.

أدرك بعض أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسمع أنس بن مالك والسائب بن يزيد وسعيد بن المسيب وطائفة.

وروى عنه: السفيانان وشعبة وحماد بن سلمة وسليمان بن بلال ومالك بن أنس ومسعر والليث بن سعد وخلق سواهم،ممن كان علمهم نواة الفقه والعلم والاجتهاد،ومصدر ثراء الحضارة الإسلامية إلى الآن .

ميلاده ونشأته

ولد ونشأ في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وأقبل منذ صغره على طلب العلم وسماعه فلزم من تبقى من الصحابة في المدينة مثل أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ كما لزم مشاهير العلماء من التابعين أمثال:عروة بن الزبير وابن شهاب الزهري والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق،حتى صار وعاء العلم ومقصد طلابه،حتى قيل إن مجلسه يحصى فيه أربعون معتماً،ممن تفرغوا لطلب العلم ووهبوا حياتهم له،مثل مالك بن أنس  رحمهم الله جميعا ..

وبلغ من أثره في الحياة العلمية والفقهية في عصره أن قال مالك فيه: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن.

وساعد على ذلك أنه كان يجمع مع العلم رجاحة العقل والغيرة على الدين والورع والعبادة وحسن الأدب والخلق؛حتى إن أم الإمام مالك ـ وكانت امرأة صالحة ـ لما هيأته لطلب العلم قالت له:اذهب إلى ربيعة الرأي فتعلم من أدبه قبل علمه؛مما يعني أنه قد اشتهر بأدبه الواسع بين سكان المدينة،وتميز به على غيره من علماء عصره .

وبالفعل فقد صار الرجل ذا فضل كبير في تكوين فكر الإمام مالك وتفوقه على أقرانه،وعلى فكره الراجح،وقد ظهر ذلك جليا في كتابه الموطأ الذي أراد المنصور أن يجعله مرجعا عاما لعامة الرعية في أمور الفقه والمعاملات وقضاياهم الحياتية .

إجلال العلماء له وثناء هم عليه : وكان رحمه الله ينال إعجاب وتقدير علماء عصره وما بعد عصره،يقول عبيد الله بن عمر:كان يحيى بن سعيد يحدثنا فإذا طلع ربيعة قطع يحيى حديثه إجلالاً لربيعة وإعظاماً له، وليس ربيعة بأسن منه؛وكان كل واحد منهما مجلاً لصاحبه،وكان ربيعة يقول له وهو يمازحه في الشيء من الفتيا: هذا خير لك مما تحوز من الدنيا.

وقال يحيى بن سعيد:ما رأيت أحداً أسدّ ( من السداد )عقلاً من ربيعة.

وقال الليث:كان صاحب معضلات أهل المدينة،ورئيسهم في الفتيا.

وقال سوار بن عبد الله العنبري:ما رأيت أحداً قط مثل ربيعة الرأي قيل:ولا الحسن؟ قال:ولا الحسن،ولا ابن سيرين.

وقال مالك: قدم ابن شهاب المدينة،فأخذ بيد ربيعة ودخلا إلى بيت الديوان،فما خرجا إلى العصر،خرج ابن شهاب وهو يقول:ما ظننت بالمدينة مثل ربيعة؛وخرج ربيعة وهو يقول:ما ظننت أن أحداً بلغ من العلم ما يلغ ابن شهاب.

وكان القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق يقول:ما يسرني أن أمي ولدت لي أخاً ممن ترون من أهل المدينة إلا ربيعة الرأي.

وقال يونس بن يزيد:شهدت أبا حنيفة في مجلس ربيعة،فكان مجهود أبي حنيفة أن يفهم ما يقول ربيعة.

وقال أيضا :وصار ربِيعة إِلى فقه وفضل،وما كان بالمدينة رجل واحد أسخى نفسا بما فِي يديه لصديق،أَو لابن صديق،أَو لباغ يبتغيه منه،كان يستصحبه القوم فيأبى صحبة أحد إِلا أحدا لا يتزود معه، ولم يكن في يده ما يحمل ذاك.

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: لما جئت العراق جاءني أهل العراق فقالوا:حدثنا عن ربيعة الرأي، قال: فقلت:يا أهل العراق،تقولون:ربيعة الرأي، لا والله، ما رأيت أحداً أحوط لسنة منه.

وقال ابن الماجشون: ما رأيت أحداً أحفظ لسنة من ربيعة.

قال يحيى بن سعيد: ما رأيت أحدا أفطن من ربيعة بن أَبي عبد الرحمن.

وقال عبد العزيز الدراوردي: كان فقيها عالما حافظا للفقه .

وقال مالك: لما مات القاسم وسالم أفضى الأمر إلى ربيعة.

وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت أحدا أفطن من ربيعة .

وقال عبد الرحمن بن زيد:وصار ربيعة إلى فقه وفضل وعفاف ..

وقال محمد بن عمر الواقدي: كانت له مروءة وسخاء،مع فقهه وعلمه.وكانت له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.وكان ربما اجتمع هو وأبو الزناد في حلقة,ثم افترقا بعد فجلس هذا في حلقة وهذا في حلقة.

تحذيره من إسناد العلم إلى غير أهله وعاقبة ذلك الوخيمة على الأمة : وكان شديد الغيرة على الإسلام وتشريعاته، يتألم عندما يتصدر له من ليس بأهل للصدارة،فعن ابن عيينة قال: بكى ربيعة يوما فقيل:ما يبكيك؟ قال:رياء حاضر وشهوة خفية والناس عند علمائهم كصبيان في حجور أمهاتهم،إن أمروهم ائتمروا،وإن نهوهم انتهوا.

وعن إسماعيل بن أبي أويس قال:سمعت خالي مالك بن أنس يقول:قال لي ربيعة الرأي،وكان أستاذ مالك:يا مالك من السفلة؟ قال: قلت:من أكل بدينه؛ فقال:من سفلة السفلة؟ قال:من أصلح دنيا غيره بفساد دنيه؛ قال: فصدرني.

تصديه للمبتدعة والقدرية : وكان ـ رحمه الله ـ من أوائل من تصدوا للمبتدعة والقدرية الذين تأثروا بأفكار المندسين بين المسلمين من أبناء الملل الأخرى لخلخة عقول الموحدين،ومظاهر ذلك ما ذكره  سفيان بن عيينة أنه:سئل عن قوله تعالى:” الرَّحْمَنُ على الْعَرْشِ استوى”فقال:الاستواء غير مجهول،والكيف غير معقول،ومن الله الرسالة،وعلى الرسول البلاغ،وعلينا التصديق.

وقال أبو ضمرة: وقف ربيعة على قوم يتذاكرون القدر فقال ما معناه:إن كنتم صادقين فلما في أيديكم أعظم مما في يدي ربكم إن كان الخير والشر بأيديكم.

– وجاء في أصول الاعتقاد أن غيلان القدري قال له:يا أبا عثمان أيرضى الله عز وجل أن يعصى؟قال له ربيعة:أفيعصى قسرا؟

وفي رواية أخرى ذكرها ابن عبد البر أن غيلان القدري وقف به فقال له:يا أبا عثمان،أرأيت الذي منعني الهدى،ومنحني الردى،أأحسن إلي أم أساء؟فقال ربيعة:إن كان منعك شيئا هو لك،فقد ظلمك،وإن كان فضله يؤتيه من يشاء، فما ظلمك شيئا.

وكان يقول:إنما أخشى على هذه الأمة ثلاثا:العصبية والقدرية والرواية فإني أراها تزيد.

تحذيره من التكلم أو الإفتاء بغير علم 

وكان يحذر من التكلم بغير علم لأن في ذلك افتراء على الله عز وجل،كما قال تعالى:” وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ”[النحل: 116]وحرص على غرس ذلك في قلوب تلامذته حتى قبيل مماته،يقول عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة إنه قال له في مرضه الذي مات فيه:يا أبا عثمانإنا قد تعلمنا منك،وربما جاءنا من يستفتينا في الشيء لم نسمع فيه شيئاً، فنرى أن رأينا له خير من رأيه لنفسه فنفتيه؟فقال ربيعة:أجلسوني،فجلس ثم قال:ويحك يا عبد العزيزلأن تموت جاهلاً خير لك من أن تقول في شيء بغير علم،لا،لا،لا؛ ثلاث مرات.

من أقواله الحكيمة :

ـ رأينا لمن بعدنا خير لهم من رأيهم لأنفسهم .

ـ العلم وسيلة كل فضيلة.

ـ الْمُرُوءَة سِتّ خِصَال:ثَلَاثَة فِي الْحَضَ،وَثَلَاثَة فِي السّفر،فَفِي الْحَضَر تِلَاوَة الْقُرْآن،وَعمارَة مَسَاجِد اللَّه،واتخاذ الْقرى فِي اللَّه،وَالَّتِي فِي السّفر،فبذل الزَّاد،وَحسن الْخلق،وَكَثْرَة المزاح فِي غير مَعْصِيّة.

ـ مُنْتَهى الصَّبْر  أن يكون يَوْم تصبيه الْمُصِيبَة مثله قبل أَن تصيبه.

ـ من إخواننا من نرجو بركة دعائه،ولو شهد عندنا بشهادة ما قبلناها.

عبادته وإقباله على الله عز وجل في بداية أمره :

وكان رحمه الله مقبلا على ربه مجتهدا في عبادته؛حتى قبل أن يعلو شأنه في العلم،بل إن ذلك ربما كان سبب سطوع نجمه،قال ابن زيد:مكث ربيعة بن أبي عبد الرحمن دهراً طويلاً عابداً،يصلي الليل والنهار،صاحب عبادة؛ثم نزع عن ذلك إلى أن جالس القوم،فجالس القاسم فنطق بلب وعقل ..

رجاحة عقله، وقدرته على استنباط الأحكام الفقهية

 واشتهر رحمه الله كما ذكرت من قبل برجاحة عقله والقدرة على استنباط الأحكام الفقهية،وهي الحكمة التي قال عنها الله عز وجل:” ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ” يقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:كان القاسم إذا سئل عن شيء قال:سلوا هذا لربيعة قال:فإن كان شيء في كتاب الله أخبرهم به القاسم أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم،وإلا قال:سلوا هذا لربيعة أو سالم.

نصحه لتلامذته بالورع عند التحدث : وكان ينصح تلامذته بالورع عند التكلم عند الله عز وجل،فها هو يقول لمالك وهو يعده:مثل الذي يعجل بالفتيا قبل أن يتثبت كمثل الذي يأخذ شيئاً من الأرض لا يدري ما هو.

ويقول له أيضا: قال لي ابن خلدة وكان نعم القاضي:يا ربيعة، أراك تفتي الناس، فإذا جاءك الرجل يسألك فلا تكن همتك أن تخرجه مما وقع فيه، ولتكن همتك أن تتخلص مما سألك عنه.

ويردد على مسامع طلابه أن إياس بن معاوية قال له:إن البناء إذا بني على غير أس،لم يكد أن يعتدل.يريد بذلك المفتي الذي يتكلم على غير أصل يبني عليه كلامه.

ويذكر لهم ما ينبغي أن يكون عليه طلاب العلم فيقول:لقد رأيت مشيخة المدينة وإن لهم لغدائر وعليهم الممصر والمورد في أيديهم مخاصر وفي أيديهم آثار الحناء في هيئة الفتيان ودين أحدهم أبعد من الثريا إذا أريد على دينه .

وقد سن بذلك للعلماء بعده منهجا عظيما ألا وهو نقل الخبرة لمن بعدهم مع نقل العلم ليتوارث الاثنان معا .

ويقول للزهري: إن حالي ليست تشبه حالك،قال:وكيف،قال:أنا أقول برأيي،من شاء أخذه ومن شاء تركه،وأنت تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم،فيحفظ.

كرمه وسخاؤه : وكان رحمه الله كريما سخيا وصار مضرب المثل في ذلك،يقول ابن زيد:” وما كان بالمدينة رجل واحد كان أسخى نفساً بما في يده لصديق أو لابن صديق،أو لباغ يبتغيه منه،كان يستصحبه القوم فيأبى صحبة أحد إلا أحداً لا يتزود معه،ولم يكن في يده ما يحمل ذلك.

وكان من الأجواد، أنفق على إخوانه أربعين ألف دينار،وهذا مبلغ هائل إذ يقدر في العصر الحديث بـحوالي 150 ألف جرام ذهب أي 15 كيلو ذهبا .

يقول ابن وهب: أنفق ربيعة على إخوانه أربعين ألف دينار،ثُمَّ جعل يسأل إخوانه فِي إخوانه، فقال أهله: أذهبت مالك وأنت دائب تخلق جاهك؟ قال: فقال: لا يزال هذا دأبي ودأبهم،ما وجدت أحدا يعطيني على جاهي..

وكان إذا مرض فجلس في بيته وضع المائدة لعوَّاده، فلا تزال موضوعة،فكلما دخل إليه قوم يعودونه قال:أصيبوا أصيبوا،فلا يزال كذلك حتى يخرج، وذلك بكلفة.

وقال سليمان بن بلال: دخلت منزل ربيعة وهو يريد الحج فهو يتجهز لذلك، فرأيت رَحَّاءين يطحنان السكر.

فراره من القضاء : كان شديد الورع لدرجة جعلته يفر من القضاء وصحبة السلطان ويمتنع عن عطائه وجوائزه، فقد طلبه المنصور فذهب إليه من باب طاعة ولي الأمر،وهناك عرض عليه القضاء ولكنه رفضه، فأمر له بعطية فلم يقبلها، يقول مالك: لما قدم ربيعة بن أبي عبد الرحمن على أمير المؤمنين أَبي العباس أمر له بجائزة، فأبى أن يقبلها فأعطاه خمسة آلاف درهم يشتري بها جارية حين أبى أن يقبلها،فأبى أن يقبلها.

فعل ذلك وهو يعلم أن اتصاله بالأمراء قد يجلب له الصيت ويكثر من أتباعه الذين يتتلمذون على يديه، ومن النوادر في ذلك أن بكر بن عبد الله الصنعاني قال: أتينا مالكا فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي،وكنا نستزيده من حديث ربيعة،  فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة وهو نائم في ذلك الطاق،فأتينا ربيعة فأنبهناه وقلنا له: أنت ربيعة؟ قال نعم، فقلنا: كيف حظي بك مالك وأنت لم تحظ بنفسك؟ قال: أما أن مثقالا من دولة خير من حمل بعير من علم.

قدرته الفائقة على دحض أهل البدعة : وكان له قدرة فائقة على دحض الخصم، يقول أنس بن عياض: إن غيلان وقف على ربيعة فقال: يا ربيعة،أنت الذي يزعم أن الله يحب أن يعصى؟ فقال: ويلك يا غيلان أفأنت الذي يزعم أن الله يعصى قسراً؟

فهبت بعد ذلك غيلان، وانتهت ـ كما قال بعض العلماء ـ أقصر مناظرة في التاريخ .

حرصه على الالتزام بالسنة : ورغم ما اشتهر عنه من أخذ بالرأي إلا أنه كان حريصا على اتباع السنة والعمل بها والتقيد بها في فقه: قال عبد العزيز بن أبي سلمة: والله ما رأيت أحدا أحوط لسنة منه ..

اهتمامه بالسنة العملية المتواترة بالتناقل : وبجانب أخذه بالسنة النبوية كان يأخذ بأعمال أهل المدينة المتوارثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويقول : ألف عن ألف أحب إلي من واحد عن واحد،لأن واحداً عن واحد ينزع السنَّة من أيديكم .

وفي رواية لمالك أنه كان يرى أن عمل أهل المدينة في أمر ديني هو رواية ألف عن ألف حتى يصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا خالفها خبر آحاد كان ضعيف النسبة للرسول – صلى الله عليه وسلم- فتقدم عليه.

التقدير المتبادل بينه وبين العلماء ، قال ابن القاسم عن مالك: قدم الزهري فأخذ بيد ربيعة، ودخلا المنزل، فما خرجا إلى العصر،وخرج ابن شهاب يقول:ما ظننت أن بالمدينة مثل ربيعة.

اعتزازه بالعلم وللعلم : وكان لا يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في مجلس يحمل وقار العلم، فقد ذكر أنه دخل على الوليد بن يزيد وهو خليفة، فقال الوليد: يا ربيعة حدثنا. وربيعة هو شيخ الإمام مالك بن أنس، وهو مفتي المدينة قبل مالك فقال ربيعة: ما أحدث شيئاً. فلما خرج من عنده قال ربيعة لأصحابه: أما سمعتم هذا الذي يقول: يا ربيعة حدثنا كأنه يقول: يا ربيعة غننا.

وعن مالك قال: قال لي ربيعة حين أراد الخروج إلى العراق إن سمعت أني حدثتهم شيئا أو أفتيتهم فلا تعدني شيئا فكان كما قال لما قدمها لزم بيته، فلم يخرج إليهم ولم يحدثهم بشيء حتى رجع.

روايته من الأحاديث ما يدلل به آراه الفقهية : ورغم ما شيع عنه أنه من أهل الرأي إلا أنه كان يستدل بالأحاديث على آرائه الفقهية،فعند حديثه عن قتل المسلم بالمعاهد يروي عَنِ ابنِ عمر:«أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتَلَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ» .

ويروي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى باليمين مع الشاهد.

كما كان يرجح في دلالة الحديث الفقهية،فهو يقول في حديث إرضاع الكبير:هذا الحديث مخصوص في سالم،مما يعني أنه لا يجوز تعميم حكمه .

ويقول في حديث:”لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه”إنه الذي يتوضأ ويغتسل ولا ينوي وضوءاً للصلاة ولا غسلاً للجنابة.

أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر : وكان ينصح كل مسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،حتى ولو كان مقصرا،ويقول : سمعت سعيد بن جبير يقول:لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر بمعروف ولا نهى عن منكر قال مالك:وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء.

استفائه لقلبه فيما يشك فيه : وكان يضع ميزانا لقبوله الأخبار التي يشك في صحتها قائم على قول النبي صلى الله عليه وسلم:” إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وترون أنه منكم قريب،فأنا أولاكم به،وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد، فأنا أبعدكم منه» . الحديث في صحيح ابن حبان ومسند أحمد .

نماذج من تفسيراته القرآنية : وكان في تفسيره للآيات القرآنية يقتصر على بيان ما يستخلص من الآيان من معان فقهية ودلالية، فهو يقول في قوله تعالى:”والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا”هن العُجَّز، اللائي إذا رآهن الرجال استقذروهن، فأما من كانت فيها بقية من جمال،وهي محل الشهوة،فلا تدخل في هذه الآية،{ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ }عند الرجال،يعني: يضعن بعض ثيابهن،وهي الجلباب والرداء الذي فوق الثياب،والقناع الذي فوق الخمار،فأما الخمار فلا يجوز وضعه.

ويقول في تفسير قول الله تعالى:”ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده”  الأشد الحلم ..

وفاته : وقد توفي بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة، وقيل: سنة ثلاث ومائة. وقيل توفي بالأنبار في رحلته إلى المنصور. 


المراجع

islamonline.net

التصانيف

فقهاء  وفيات 136 هـ  تابعون  اعلام   العلوم الاجتماعية   التاريخ