في الوقت الذي تواجه فيه مصر ازمة البروتين الحيواني, وبالذات من اللحوم الحمراء, مما أدي إلي ارتفاع اسعارها لمستويات قياسية.وجر معها اسعار الدواجن لارتفاعات جديدة, وتتوجه فيه الانظار إلي الاسماك لتلعب دورا في توفير البروتين بأسعار رخيصة في السوق للمستهلك محدود الدخل, تتجه التعديلات المقترحة علي قانون الري والصرف ـ المقدمة من وزارة الري لمجلس الوزراء ـ إلي فرض2000 جنيه علي فدان الاستزراع السمكي, مما سيدخل السمك أيضا لحلبة السباق السعري, ويضر باستثمارات في هذا القطاع لا تقل عن10 مليارات جنيه, وذلك لمجرد تحصيل نحو197 مليون جنيه فقط عن فرض هذه الرسوم المقترحة, الأمر الذي دفع المسئولين بالاتحاد التعاوني للثروة المائية واصحاب المزارع وعلماء وخبراء اقتصاديين للتحذير من التأثيرات السلبية لهذه المقترحات علي هذا القطاع المهم الذي يحدث توازنا في أسواق البروتين بالسوق المحلية.في البداية يوضح محمد الفقي رئيس الاتحاد التعاوني للثروة السمكية ان التعديلات المقترحة من وزارة الري علي قانون الري والصرف تتضمن اضافة عدد جديد من المواد منهااولا: إلغاء المزارع السمكية, والمفرخات السمكية المقامة علي المياه العذبة, والسطحية, والمياه الجوفية, وذلك علي نفقة اصحابها خلال عامين, مع سداد50 قرشا لكل متر مكعب من المياه سنويا حتي تمام الازالة. وإذا كان الفدان يستهلك8 آلاف متر مكعب مياه, فسيدفع عن الفدان4 آلاف جنيه في السنة. كما يقترح مشروع القانون ازالة جميع الاقفاص المقامة علي المياه العذبة علي نفقة اصحابها خلال مدة لا تزيد علي سنة, ودفع50 ألف جنيه لوزارة الري عن كل قفص مقابل تكاليف صيانة وتأهيل المجاري المائية.ثانيا: يحظر استخدام المياه العذبة في تغذية المزارع السمكية او اقامة اقفاص سمكية في مجاري المياه العذبة,ويتم تقنين اوضاع المزارع التي تتم تغذيتها علي مياه المصارف الزراعية, وتحصيل2000 جنيه عن كل فدان في السنة, وتغريم اصحاب المزارع المخالفة10 آلاف جنيه عن كل فدان, ولا يجوز بغير موافقة وزارة الري تخصيص أي أراض لأغراض التنمية, ويتم تقنين فتحات الري المخالفة حسب الشروط والاجراءات التي تحددها الوزارة.تأثيرات كارثيةويري الفقي انه في حالة الموافقة علي هذه التعديلات فسيكون لها تأثيرات سلبية, بل كارثية, علي قطاع الاستزراع السمكي ليس فقط علي المشروعات القائمة بل أيضا علي أي مشروعات لتنمية هذا القطاع. وحسب تقديرات الدكتور محمد فتحي رئيس هيئة الثروة السمكية فإن قطاع الاستزراع السمكي يوفر65% من احتياجات السوق المحلي أو ما يعادل693 ألف طن في السنة من اجمالي الانتاج المحلية البالغ مليونا و69 ألف طن في السنة, وهذا الانتاج لا يكفي الاستهلاك المحلي الاجمالي, فيتم استيراد نحو235 الف طن من الاسماك.وقال الدكتور فتحي إن الهيئة رفعت مذكرة لوزير الزراعة حول التأثيرات السلبية المتوقعة للتعديلات المقترحة علي قانون الري والصرف, حيث ستؤدي في حالة تطبيقها إلي التأثير مباشرة علي اسعار السمك وسترفع سعر الكيلو ما بين جنيه وجنيه ونصف الجنيه. ويصل متوسط سعر كيلو البلطي بالسوق حاليا إلي14 جنيها بدون تنظيف أو شوي أو قلي مما سيزيد من اعباء المعيشة علي محدودي الدخل.واضاف رئيس هيئة الثروة السمكية ان توفير اسماك المزارع وبالذات من البلطي, لعب دورا في ضبط الاسعار بالاسواق الشعبية, نتيجة لإدراك الدولة أهمية هذا القطاع, وتشجيع التوسع والاستثمار فيه, وقدمت الدولة حوافز منها منح اعفاءات ضرائبية لمدة عشر سنوات لمشروعات المزارع السمكية, مشيرا إلي أن استراتيجية وزارة الزراعة تستهدف التوسع في انتاج المزارع السمكية لرفع اجمالي الانتاج المحلي إلي1.7 مليون طن في السنة.وحسب آخر دراسة علمية اجريت علي هذا القطاع اشترك فيها عدد من الخبراء والاقتصاديين, فإن قطاع الاستزراع السمكي يمثل اهمية اقتصادية واجتماعية كبيرة, وليس له تأثير يذكر علي استهلاك المياه, فالمعروف ان الاسماك تستخدم المياه ولا تستهلكها,وذلك كما يقول الدكتور مجدي توفيق استاذ البيئة المائية والمدير التنفيذي للجمعية المصرية للثروة السمكية, الذي يضيف انه في ظل ندرة المياه, فإن تعظيم العائد من وحدة المياه يعتبر أحد محاور سياسات استخدام المياه, والاستزراع السمكي يحقق هذا الهدف بشكل فعال, حيث يتم استخدام نفس المقنن المائي للاستزراع النباتي في الاستزراع السمكي سواء في مزارع الأحواض أو الاقفاص السمكية في المجاري المائية, بل في بعض الاحيان اقل من محاصيل زراعية أخري, وتتعاظم الفائدة في المناطق الصحراوية من خلال الزراعة المتكاملة للانتاج السمكي والنباتي والحيواني كما في مزارع وادي النطرون.وحسب تقدير الخبير الهولندي هانز فانز التابع للمجلس الاستشاري المصري ـ الهولندي في ورشة العمل التي عقدت في فبراير الماضي, حول استخدامات المياه, ثبت أن الاحتياجات الحقيقية للمياه في المزارع السمكية, التي تنحصر في البخر, هي اقل من الاحتياجات المائية, إذا ما قورنت بمحصول قصب السكر والأرز, يليها القمح والبرسيم.المزارع في نهاية المصارفويضيف الدكتور مجدي أن اكثر من88% من المزارع السمكية تقع في اقصي المناطق الشمالية حول بحيرات البرلس والمنزلة وأدكو ومريوط, أي انها تقع في نهايات المصارف والتي تلقي بمياهها في البحيرات بدون ان تستغل, مشيرا إلي أن تطبيق معايير جودة المياه المستخدمة في مزارع الاحواض أو الاقفاص السمكية هو الضمان الوحيد لمنع أو التقليل من تلوث المياه, وقال إنه حسب الدراسات التي اجريت حول متوسط احتياجات فدان المزارع السمكية من مياه الصرف الزراعي, والتي تقدر بنحو4200 متر مكعب في السنة, فإن اجمالي هذه الاحتياجات يقدر بنحو756 مليون متر مكعب من مياه الصرف الزراعي, بالإضافة إلي10.2 مليون متر مكعب للمفرخات السمكية.وإذا ما أخذنا في الاعتبار أهمية هذا القطاع في توفير بروتين حيواني رخيص للطبقات الفقيرة, فإن ذلك يجب أخذه في الاعتبار عند وضع سياسات استخدام المياه علي قدم المساواة مع الزراعة, ومعاملتها بالمثل دون تفرقة, وبالتالي, فإن اقتراح معاملة مالية خاصة بالمياه المستخدمة في المزارع السمكية يخل بمبدأ العدالة والمساواة بين مزارعي الاسماك, ومزارعي المحاصيل الزراعية, حرصا علي استمرار دورهم في توفير الأمن الغذائي للمصريين.ومن الناحية الاقتصادية, يري الدكتور أحمد برانية خبير اقتصادات الثروة السمكية بوزارة التخطيط, ان مساحة المزارع السمكية تقدر بنحو359 ألف فدن منها179 ألف فدان مزارع مؤقتة في اراض جار استصلاحها للزراعة النباتية, ويتم استخدامها في تربية الاسماك خلال فترات غسيل التربة من الاملاح, وهذه المساحة تمثل نحو50% من مساحة المزارع السمكية المستغلة في الاستزراع السمكي, أما مساحة المزارع السمكية الدائمة, وهي اراض غير صالحة للاستزراع النباتي فتبلغ نحو180 ألف فدان, وتمثل نحو3.2% من مساحة الأراضي الزراعية المصرية, والتي تقدر بنحو8 ملايين فدان.10 مليارات جنيه استثمارات.واشار إلي أن هناك انشطة مساعدة أو خدمية تضم800 مفرخ سمكي ينتج500 مليون وحدة زريعة, بالإضافة إلي31 مصنع علف بطاقة انتاجية تبلغ420 الف طن سنويا, بجانب أنشطة حفظ وصناعة ثلج ونقل وتسويق وغيرها,وحسب الدراسات التي اجريت فإن اجمالي الاستثمارات في المزارع السمكية يقدر بنحو8616 مليون جنيه. وفي المفرخات نحو800 مليون جنيه, وفي مصانع الاعلاف استثمارات تصل لنحو600 مليون جنيه, وبالتالي, فإن اجمالي الاستثمارات في هذا القطاع الاقتصادي تتجاوز10 مليارات جنيه, واجمالي العمالة في هذا القطاع تصل إلي83 ألفا و200 عامل, وإذا كان متوسط حجم الاعالة في هذا القطاع يصل إلي6 افراد في كل أسرة, فإن اجمالي الاعالة يصل لنحو نصف مليون فرد. ومن هنا تبدو خطورة عدم النظر إلي التأثيرات السلبية المتعددة للتعديلات المقترحة علي قانون الري والصرف, خاصة أن العائد المتوقع من وراء فرض هذه الرسوم ليس كبيرا مقارنة بالتأثيرات السلبية المتعددة علي القطاع.الحصيلة197 مليون جنيه فقطفمن المتوقع ان اجمالي الحصيلة التي ستدخل لخزانة الدولة من وراء فرض هذه الرسوم يقدر بنحو197 مليون جنيه فقط, اما تسعير المياه المستخدمة في الاستزراع فإنه ستيؤدي إلي زيادة التكلفة, التي سيتم تحميلها علي اسعار المستهلك, وتوفر هذه المزارع اسماك البلطي الأكثر شعبية, وخروج عدد كبير من المزارعين بسبب ارتفاع التكلفة المتوقعة, وعدم القدرة علي تحقيق عائد مناسب علي استثماراتهم, سيؤدي إلي تداعيات خطيرة تم رصدها من خلال الدراسة التي اجراها فريق بحثي متكامل, حيث من المتوقع توقف أو خروج استثمارات تقدر بنحو8.6 مليار جنيه تمثل قيمة الاستثمارات الثابتة في انشطة الاستزراع والأنشطة المعاونة, وزيادة العجز في الميزان التجاري نتيجة التوسع في استيراد الاسماك, حيث يقدر ان قيمة استيراد الاسماك سترتفع إلي7 مليارات جنيه علي اساس احلال الفاقد من المزارع من حيث الاصناف والكميات والاسعار, وبالتالي انكشاف الأمن الغذائي السمكي في ظل تناقص الاعتماد علي المصايد الطبيعية لاسباب مختلفة, وما يمثله ذلك من ضغوط اضافية علي الدولة في ظل ارتفاع اسعار اللحوم والدواجن ونقص الانتاج المحلي منها, وبالتالي فإن التعديلات المقترحة علي قانون الري والصرف التي اعدتها وزارة الري لا تتوافق مع خطط التنمية وتحقيق الأمن الغذائي, والعمل علي سد الفجوة الغذائية من البروتين الحيواني.ويروي محمد الفقي إذا كانت القضية هي ترشيد المياه, فإنه يمكن ترشيد المياه من خلال مراقبة استخدامات المياه في المنتجعات السياحية وملاعب الجولف والحمامات والحدائق والمدن السياحية, والتي تستطيع مشروعاتها تحمل أي تكلفة, ولا تؤثر علي توفير الأمن الغذائي والمعيشة الكريمة لمحدودي الدخل.جريدة الأهرام 30 أبريل 2010
المراجع
اراضينا
التصانيف
الثروة السمكية الاستزراع السمكي المزارع السمكية