خبر أبي قطيفة نسبه هو عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط. واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. هذا الذي عليه النسابون. وذكر الهيثم بن عدي في “كتاب المثالب” أن أبا عمرو بن أمية كان عبداً لأمية اسمه ذكوان فاستلحقه. وذكر أن دغفلاً النسابة دخل على معاوية فقال له: من رأيت من علية قريش؟ فقال: رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس. فقال: صفهما لي. فقال: كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه، في جبينه نور النبوة وعز الملك، يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب. قال: فصف أمية. قال: رأيته شيخاً قصيراً نحيف الجسم ضريراً يقوده عبده ذكوان. فقال: مه، ذاك ابنه أبو عمرو. فقال: هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه، وأما الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به. ثم نعود إلى سياقة النسب من لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. والنضر عند أكثر النسابين أصل قريش، فمن ولده النضر عد منهم، ومن لم يلده فليس منهم. وقال بعض نسابي قريش: بل فهر بن مالك “أصل” قريش، فمن لم يلده فليس من قريش. ثم نعود للنسب إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وولد إلياس يقال لهم خندف، سموا بأمهم خندف وهو لقبها، واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وهي أم مدركة وطابخة وقمعة بني إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب – وقيل: أشجب – بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم، هذا النسب الذي رواه نسابو العرب وروي عن ابن شهاب الزهري وهو من علماء قريش وفقهائها. وقام قوم آخرون من النسابين ممن أخذ – فيما يزعم – عن دغفل وغيره: معد بن عدنان بن أدد بن آمين بن شاجيب بن نبت بن ثعلبة بن عنز بن سرائج بن ملحم بن العوام بن المحتمل بن رائمة بن العقيان بن علة ابن شحدود بن الضرب بن عيفر بن إبراهيم بن إسماعيل بن رزين بن أعوج بن المطعم بن الطمح بن القسور بن عتود بن دعدع بن محمود بن الرائد بن بدوان بن أمامة بن دوس بن حصين بن النزال بن الغمير بن محشر بن معذر بن صيفي بن نبت بن قيدار بن إسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهما وعلى أنبيائه أجمعين وسلم تسليماً. ثم أجمعوا أن إبراهيم بن آزر وهو اسمه بالعربية كما ذكره الله تعالى في كتابه، وهو في التوراة بالعبرانية تارح بن ناحور، وقيل: الناحر بن الشارع وهو شاروع بن أرغو وهو الرامح بن فالغ – وهو قاسم الأرض الذي قسمها بين أهلها – بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهو الرافد بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم ابن لامك وهو في لغة العرب ملكان ابن المتوشلخ وهو المنوف بن أخنخ وهو إدريس نبي الله عليه السلام بن يارد وهو الرائد بن مهلايل بن قينان وهو قنان بن أنوش وهو الطاهر بن شيثٍ وهو هبة الله. يقال له أيضاً شاث بن آدم أبي البشر صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وعلى نبينا محمد خاصة وسلم تسليماً. هذا الذي في أيدي الناس من النسب على اختلافهم فيه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم تكذيبٌ للنسابين ودفعٌ لهم. وروي أيضاً خلافٌ لأسماء بعض الأباء. وقد شرحت ذلك في “كتاب النسب” شرحاً يستغنى به عن غيره. ذكر العنابس والأعياص من بني أمية وأن أبا قطيفة من الأولين وأبو قطيفة وأهله من العنابس من بني أمية. وكان لأمية من الولد أحد عشر ذكراً، كل واحد منهم يكنى باسم صاحبه، وهم العاص وأبو العاص، والعيص وأبو العيص، وعمرو وأبو عمرو، وحرب وأبو حرب، وسفيان وأبو سفيان، والعويص لا كنى له. فمنهم الأعياص فيما أخبرنا حرمي بن أبي العلاء – واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق، والطوسي – واسمه أحمد بن سليمان – قالا: حدثنا الزبير بن بكار عن محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه قال: الأعياص: العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص والعُويص. ومنهم العنابس وهم حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو. وإنما سموا العنابس لأنهم ثبتوا مع أخيهم حرب بن أمية بعكاظ وعقلوا أنفسهم وقاتلوا قتالاً شديداً فشبهوا بالأسد، والأسد يقال لها العنابس، واحدها عنبسة. وفي الأعياص يقول عبد الله بن فضالة الأسدي: من الأعياص أو من آل حرب أغر كغرة الفرس الـجـواد والسبب في قوله هذا الشعر ما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة، وحدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز، قال: حدثنا المدائني وابن غزالة، قالوا: أتى عبد الله بن فضالة بن شريك الوالبي ثم الأسدي من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن الزبير، فقال له: نفدت نفقتي ونقبت راحلتي. قال: فأحضرها، فقال… أقبل بها، أدبر بها، ففعل. فقال: ارقعها بسبتٍ واخصفها بهلبٍ وأنجد بها يبرد خفها وسر البردين تصح. فقال ابن فضالة: إني أتيتك مستحملاً ولم آتك مستوصفاً، فلعن الله ناقةً حملتني إليك قال ابن الزبير: إن وراكبها. فانصرف عنه ابن فضالة وقال: أقول لغلمتي شدوا ركـابـي أجاوز بطن مكة في سـواد فما لي حين أقطع ذات عرقٍ إلى ابن الكاهلية من معـاد سيبعد بيننا نص الـمـطـايا وتعليق الأداوى والـمـزاد وكل معبدٍ قـد أعـلـمـتـه مناسمهن طلاع الـنـجـاد أرى الحاجات عند أبي خبيبٍ نكدن ولا أمـية بـالـبـلاد من الأعياص أو من آل حرب أغر كغرة الفرس الـجـواد أبو خبيب: عبد الله بن الزبير، كان يكنى أبا بكر. وخبيب: ابن له هو أكبر ولده، ولم يكن يكنيه به إلا من ذمه، يجعله كاللقب له. قال: فقال ابن الزبير لما بلغه هذا الشعر: علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها وهي خير عماته. قال اليزيدي: “إن” ها هنا بمعنى نعم، كأنه إقرارٌ بما قال. ومثله قول ابن قيس الرقيات: ويقلن شيبٌ قـد عـلا ك وقد كبرت فقلت إنه عود إلى نسب أبي قطيفة وأم أبي معيطٍ آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ولها يقول نابغة بني جعدة: وشاركنا قريشاً في تقاها وفي أنسابها شرك العنان بما ولدت نساء بني هلالٍ وما ولدت نساء بني أبان وكانت آمنة هذه تحت أمية بن عب شمس، فولدت له العاص وأبا العاص وأبا العيص والعويص وصفية وتوبة وأروى بني أمية. فلما مات أمية تزوجها بعده ابنه أبو عمرو – وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، يتزوج الرجل امرأة ابيه بعده – فولدت له أبا معيطٍ، فكان بنو أمية من آمنة إخوة أبي معيط وعمومته، أخبرني بذلك كله الطوسي عن الزبير بن بكار. قال الزبير: وحدثني عمي مصعب قال: زعموا أن ابنها أبا العاص زوجها أخاه أبا عمرو، وكان هذا نكاحاً تنكحه الجاهلية. فأنزل الله تعالى تحريمه، قال الله تعالى: “ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً”، فسمي نكاح المقت. مقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وما قالته قتيلة بنت الحارث من الشعر ترثي أخاها وأسر عقبة بن أبي معيط في يوم بدر، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً. حدثنا بذلك محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق في خبر ذكره طويلٍ، وحدثني به أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري، قالوا جميعاً. قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً. فقال له – وقد أمر بذلك فيه -: يا محمد، أأنا خاصةً من قريش؟ قال نعم. قال: فمن للصبية بعدي؟ قال: النار. فلذلك يسمى بنو أبي معيط صبية النار. واختلف في قاتله، فقيل: إن علي بن أبي طالب تولى قتله. وهذا من رواية بعض الكوفيين، حدثني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: أخبرني المنذر بن محمد اللخمي قال حدثنا سليمان بن عباد قال حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت المدني عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً يوم بدر فضرب عنق عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث. وروى ابن إسحاق أن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري قتله، وأن الذي قتله علي بن أبي طالب النضر بن الحارث بن كلدة. أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني الحسن بن عثمان قال حدثني ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن أصحابه، وحدثنا محمد بن جرير قال حدثنا “أحمد” بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أصحابه، قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبراً: أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه، ثم أقبل من بدر حتى إذا كان ب “الصفراء” قتل النضر بن الحارث بن كلدة أحد بني عبد الدار، أمر علياً أن يضرب عنقه، قال عمر بن شبة في حديثه ب “الأثيل”، فقالت أخته قتيلة بنت الحارث ترثيه: يا راكبـاً إن الأثـيل مـظـنةٌ من صبح خامسةٍ وأنت موفق أبلغ به مـيتـاً بـأن تـحـيةً ما إن تزال بها النجائب تخفق مني إليك وعبرةً مسـفـوحةً جادت بدرتها وأخرى تخنـق هل يسمعن النمضر إن ناديتـه إن كان يسمع هالك لا ينطـق ظلت سيوف بني أبيه تنوشـه لله أرحامٌ هنـاك تـشـقـق صبراً يقاد إلى المنية متعـبـاً رسف المقيد وهو عانٍ موثق أمحمدٌ ولأنت نسـل نـجـيبةٍ في قومها والفحل فحلٌ معرق ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق أو كنت قابل فديةٍ فـلـيأتـين بأعز ما يغلو لديك وينـفـق والنضر أقرب من أخذت بزلةٍ وأحقهم إن كان عتقٌ يعـتـق فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته”. فيقال: إن شعرها أكرم شعر موتورةٍ وأعفه وأكفه وأحلمه. قال ابن إسحاق: وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيطٍ. قال حين أمر به أن يقتل: فمن للصبية يا محمد؟ قال: النار. فقلته عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أحد بني عمرو بن عوف. حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأدمي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي قال حدثني عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيطٍ فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخنقه به خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر – رحمة الله عليه – حتى أخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ولاية الوليد بن عقبة الكوفة في خلافة عثمان ثم عزله عنها وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان بن عفان لأمه، أمهما أروى بنت عامر بن كريز، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. والبيضاء وعبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم توءمان. وكان عقبة بن أبي معيط تزوج أروى بعد وفاة عفان، فولدت له الوليد وخالداً وعمارة وأم كلثوم، كل هؤلاء إخوة عثمان لأمه. وولي عثمان الوليد بن عقبة في خلافته الكوفة، فشرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران فزاد في الصلاة، وشهد عليه بذلك عند عثمان فجلده الحد. وسيأتي خبره بعد هذا في موضعه. وأبو قطيفة عمرو بن الوليد يكنى أبا الوليد. وأبو قطيفة لقبٌ لقب به. وأمه بنت الربيع بن ذي الخمار من بني أسد بن خزيمة. نفي ابن الزبير أبا قطيفة فيمن نقله عن المدينة في وقعة الحرة قال أبو قطيفة هذا الشعر حين نفاه ابن الزبير مع بني أمية عن المدينة، مع نظائر له تشوقاً إليها. حدثني بالسبب في ذلك أحمد بن محمد بن شبيب بن أبي شيبة البزار، قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني، وأخبرني ببعضه أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثني أبي قال حدثني وهب بن جرير عن أبيه في كتابه المسمى “كتاب الأزارقة”، ونسخت بعضه من كتابٍ منسوبٍ إلى الهيثم بن عدي. واللفظ للمدائني في الخبر ما اتسق، فإذا انقطع أو اختلف نسبت الخلاف إلى راويه. قال الهيثم بن عدي أخبرنا ابن عياش عن مجالد عن الشعبي وعن ابن أبي الجهم ومحمد بن المنتشر: خروج ابن الزبير على بني أمية ووفد يزيد بن معاوية له أن الحسين بن علي بن أبي طالب لما سار إلى العراق، شمر ابن الزبير للأمر الذي أراده ولبس المعافري وشبر بطنه وقال: إنما بطني شبر، وما عسى أن يسع الشبر وجعل يظهر عيب بني أمية ويدعو إلى خلافهم. فأمهله يزيد سنةً، ثم بعث إليه عشرةً من أهل الشأم عليهم النعمان بن بشير. وكان أهل الشأم يسمون أولئك العشرة النفر الركب، منهم عبد الله بن عضاه الأشعري، وروح بن زنباع الجذامي، وسعد بن حمزة الهمداني، ومالك بن هبيرة السكوني، وأبو كبشة السكسكي، وزمل بن عمرو العذري، وعبد الله بن مسعود، وقيل: ابن مسعدة الفزاي، وأخوه عبد الرحمن، وشريك بن عبد الله الكناني، وعبد الله بن عامر الهمداني، وجعل عليهم، النعمان بن بشير، فأقبلوا حتى قدموا مكة على عبد الله بن الزبير، وكان النعمان يخلو به في الحجر كثيراً. فقال له عبد الله بن عضاةٍ يوماً: يا ابن الزبير، إن هذا الأنصاري والله ما أمر بشيء إلا وقد أمرنا بمثله إلا أنه قد أمر علينا، إني والله ما أدري ما بين المهاجرين والأنصار. فقال ابن الزبير: يا ابن عضاه، مالي ولك إنما أنا بمنزلة حمامة من حمام مكة، أفكنت قاتلاً حماماً من حمام مكة؟ قال: نعم، وما حرمة حمام مكة يا غلام، ائتني بقوسي وأسهمي، فأتاه بقوسه وأسهمه، فأخذ سهماً فوضعه في كبد القوس ثم سدده نحو حمامة من حمام المسجد وقال: يا حمامة، أيشرب يزيد بن معاوية الخمر؟ قولي نعم، فوالله: لئن فعلت لأرمينك. يا حمامة، أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك؟ والله لئن فعلت لأرمينك. فقال ابن الزبير: ويحك أويتكلم الطائر؟ قال: لا ولكنك يا ابن الزبير تتكلم. أقسم بالله لتبايعن طائعاً أو مكرهاً أو لتتعرفن راية الأشعريين في هذه البطحاء، ثم لا أعظم من حقها ما تعظم. فقال ابن الزبير: أوتستحل الحرم قال: إنما يستحله من ألحد فيه. فحبسهم شهراً ثم ردهم إلى يزيد بن معاوية ولم يجبه إلى شيء. وفي رواية أحمد بن الجعد: وقال بعض الشعراء – وهو أبو العباس الأعمى، واسمه السائب بن فروخ يذكر ذلك وشبر ابن الزبير بطنه - مازال في سورة الأعراف يدرسها حتى بدا لي مثل الخز في اللـين لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقد أفضلت فضلاً كثيراً للمسـاكـين قال الهيثم: ثم إن ابن الزبير مضى إلى صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر، فذكر لها أن خروجه كان غضباً لله تعالى ورسوله – عليه السلام – والمهاجرين والأنصار من أثرة معاوية وابنه “وأهله” بالفيء، وسألها مسألته أن يبايعه. فلما قدمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده، وأثنت عليه وقالت: ما يدعو إلا إلى طاعة الله جل وعز، وأكثرت القول في ذلك. فقال لها: أما رأيت بغلات معاوية اللواتي كان يحج عليهن الشهب، فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن قال المدائني في خبره: وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالأه على ذلك أكثر الناس. فدخل عليه عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة وأهل المدينة المسجد وأتوا المنبر فخلعوا يزيد. فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي: خلعت يزيد كما خلعت عمامتي، ونزعها عن رأسه وقال: إني لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي، ولكن عدو الله سكير خمير. وقال آخر: خلعته كما خلعت نعلي. وقال آخر: خلعته كما خلعت ثوبي. وقال آخر: قد خلعته كما خلعت خفي، حتى كثرت العمائم والنعال والخفاف، وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك، وامتنع منه عبد الله بن عمر ومحمد بن علي بن أبي طالب وجرى بين محمد خاصةً وبين أصحاب ابن الزبير فيه قولٌ كثير، حتى أرادوا إكراهه على ذلك، فخرج إلى مكة، وكان هذا أول ما هاج الشر بينه وبين ابن الزبير. وقعة الحرة قال المدائني: واجتمع أهل المدينة لإخراج بني أمية عنها، فأخذوا عليهم العهود ألا يعينوا عليهم الجيش، وأن يردوهم عنهم، فإن لم يقدروا على ردهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم. فقال لهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان: أنشدكم الله في دمائكم وطاعتكم فإن الجنود تأتيكم وتطؤكم، وأعذر لكم ألا تخرجوا أميركم، إنكم إن ظفرتم وأنا مقيمٌ بين أظهركم فما أيسر شأني وأقدركم على إخراجي وما أقول هذا إلا نظراً لكم أريد به حقن دمائكم. فشتموه وشتموا يزيد، وقالوا: لا نبدأ إلا بك، ثم نخرجهم بعدك. فأتى مروان عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى، فضم عيالنا. فقال: لست من أمركم وأمر هؤلاء في شيء. فقام مروان وهو يقول: قبح الله هذا أمراً وهذا ديناً. ثم أتى علي بن الحسين فسأله أن يضم أهله وثقله ففعل، ووجههم وامرأته أم أبان بنت عثمان إلى الطائف ومعها ابناه: عبد الله ومحمد. فعرض حريثٌ رقاصة – وهو مولى لبني بهز من سليم كان بعض عمال المدينة قطع رجله فكان إذا مشى كأنه يرقص، فسمي رقاصة – لثقل مروان وفيه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فضربته بعضاً فكادت تدق عنقه، فولى ومضى. ومضوا إلى الطائف وأخرجوا بني أمية. فحس بهم سليمان بن أبي الجهم العدوي وحريث رقاصة، فأراد مروان أن يصلي بمن معه فمنعوه، وقالوا: لا يصلي والله بالناس أبداً، ولكن إن أراد أن يصلي بأهله فليصل، فصلى بهم ومضى. فمر مروان بعبد الرحمن بن أزهر الزهري، فقال له: هلم إلي يا أبا عبد الملك، فلا يصل إليك مكروه ما بقي رجلٌ من بني زهرة. فقال له: وصلتك رحمٌ، قومنا على أمرٍ فأكره أن أعرضك لهم. وقال ابن عمر بعد ذلك – لما أخرجوا وندم على ما كان قاله لمروان -: لو وجدت سبيلاً إلى نصر هؤلاء لفعلت، فقد ظلموا وبغي عليهم. فقال ابنه سالم: لو كلمت هؤلاء القوم فقال: يا بني، لا ينزع هؤلاء القوم عما هم عليه، وهم بعين الله، إن أراد أن يغير غير. قال: فمضوا “إلى ذي خشبٍ”، وفيهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن أبي سفيان، واتبعهم العبيد والصبيان والسفلة يرمونهم. ثم رجع حريث رقاصة وأصحابه إلى المدينة، وأقامت بنو أمية ب “ذي خشب” عشرة أيام، وسرحوا حبيب بن كرة إلى يزيد بن معاوية يعلمونه، وكتبوا إليه يسالونه الغوث. وبلغ أهل المدينة أنهم وجهوا رجلاً إلى يزيد، فخرج محمد بن عمرو بن حزم ورجل من بني سليم من بهز وحريث رقاصة وخمسون راكباً فأزعجوا بني أمية منها، فنخس حريثٌ بمروان فكاد يسقط عن ناقته، فتأخر عنها وزجرها وفقال: اعلي واسلمي. فلما كانوا “بالسويداء” عرض لهم مولى لمروان، فقال: جعلت فداك لو نزلت فأرحت وتغديت فالغداء حاضر كثير قد أدرك. فقال: لا يدعني رقاصة وأشباهه، وعسى أن يمكن الله منه فتقطع يده. ونظر مروان إلى ماله ب “ذي خشب” فقال: لا مال إلا ما أحرزته العياب فمضوا فنزلوا حقيلاً أو وادي القرى، وفي ذلك يقول الأحوص: لا ترثين لـحـزمـيٍّ رأيت بـه ضراً ولو سقط الحزمي في النار الناخسين بمروانٍ بـذي خـشـبٍ والمقحمين على عثمان في الدار قال المدائني: فدخل حبيب بن كرة على يزيد – وهو واضعٌ رجله في طستٍ لوجع كان يجده – بكتاب بني أمية وأخبره الخبر. فقال: أما كان بنو أمية ومواليهم ألف رجل؟ قال: بلى وثلاثة آلاف. قال: أفعجزوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟ قال: كثرهم الناس ولم تكن لهم بهم طاقةٌ. فندب الناس وأمر عليهم صخر بن أبي الجهم القيني، أحداً إلا قصر وما صاحبهم غيري، إني رأيت في منامي شجرة غرقدٍ تصيح: على يدي مسلم، فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلاً يقول: أدرك ثأرك أهل المدينة قتلة عثمان فخرج مسلمٌ وكان من قصة الحرة ما كان على يده، وليس هذا موضعه. فقال أبو قطيفة في ذلك – لما أخرجوا عن المدينة -: صوت من غير المائة فيه لحنان شعر أبي قطيفة في تشوقه إلى المدينة بكى أحدُ لما تـحـمـل أهـلـه فكيف بذي وجد من القوم آلـف من أجل أبي بكرٍ جلت عن بلادها أمـية، والأيام ذات تـصـارف عروضه من الطويل، وفيه ثقيلٌ أول. والغناء لسائب خائرٍ، خفيف ثقيلٍ أول بالوسطى، ذكر ذلك حمادٌ عن أبيه، وذكر أن فيه لحناً آخر لأهل المدينة لا يعرف صاحبه. قال الهيثم في خبره: وقال أبو العباس الأعمى في ذلك: قد حل في دار البلاط مـجـوعٌ ودار أبي العاص التميمي حنتف فلم أر مثل الحي حين تحمـلـوا ولا مثلنا عن مثلهم يتـنـكـف وقال أبو قطيفة أيضاً: من غير المائة فيه ثلاث ألحان بكى أحدٌ لما تحمـل أهـلـه فسلعٌ فدار المال أمست تصدع وبالشأم إخواني وجل عشيرتي فقد جعلت نفسي إليهم تطلـع عروضه من الطويل. غنى فيه دحمان، ولحنه ثقيلٌ أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق. وفيه لمعبد ثقيلٌ أول بالوسطى من رواية حبش. وذكر إسحاق أن فيه لحناً في خفيف الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر مجهول الصانع. وقال أبو قطيفة أيضاً: صوت من غير المائة المختارة ليت شعري: هل البلاط كعهدي والمصلى إلى قصور العقيق؟ لامني في هـواك يا أم يحـيى من مبينٍ بغـشـه أو صـديق عروضه من الخفيف. غناه معبد ويقال دحمان، ولحنه ثقيلٌ أول بالسبابة في مجرى الوسطى، وذكر إسحاق أنه لا يعرف صاحبه. حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن يونس بن الوليد قال: كان ابن الزبير قد نفى أبا قطيفة مع من نفاه من بني أمية عن المدينة إلى الشأم، فلما طال مقامه بها قال: ألا ليت شعري هل تغير بعـدنـا قباءٌ وهل زال العقيق وحاضره؟ وهل برحت بطحاء قبر محـمـدٍ أراهط غرٌ من قريشٍ تبـاكـره لهم منتهى حبي وصفو مـودتـي ومحض الهوى مني وللناس سائره قال وقال أيضاً: صوت من غير المائة المختارة ليت شعري وأين منـي لـيت أعلى العهد يلبـنٌ فـبـرام؟ أم كعهدي العقيق أم غـيرتـه بعدي الـحـادثـات والأيام؟ وبأهلي بدلت عكا ولـخـمـاً وجذاماً، وأين منـي جـذام وتبدلت من مساكـن قـومـي والقصور التي بهـا الآطـام كل قصرٍ مـشـيدٍ ذي أواسٍ يتغنى على ذراه الـحـمـام إقر مني السلام إن جئت قومي وقليلٌ لهـم لـدي الـسـلام عروضه من الخفيف، غناه معبد، ولحنه ثقيلٌ بالخنصر في مجرى البنصر. و “يلبن” و “برام”: موضعان. والآطام: جمع أطم، وهي القصور والحصون. وقال الأصمعي: الآطام: الدور المسطحة السقوف. وفي رواية ابن عمار: “ذي أواشٍ” بالشين معجمةً، كأنه أراد به أن هذه القصور موشيةٌ أي منقوشة. ورواه إسحاق: “أواس” بالسين غير معجمة، وقال: واحدها آسيٌّ، وهو الأصل. قال ويقال: فلانٌ في آسية، أي في أصله. والآسي والأساس واحد. وذرا كل شيء: أعاليه، وهو جمعٌ، واحدته ذروة. ويروى: أبلغن السلام إن جئت قومي وروى الزبير بن بكار هذه الأبيات لأبي قطيفة، وزاد فيها: أقطع الليل كلـه بـاكـتـئابٍ وزفـيرٍ فـمـا أكـاد أنـام نحو قومي إذ فرقت بيننا الـدا ر وحادت عن قصدها الأحلام خشيةً أن تصيبهم عنـت الـده ر وحربٌ يشيب منها الغـلام فلقد حان أن يكون لهـذا الـده ر عنا تبـاعـدٌ وانـصـرام عفو ابن الزبير عن أبي قطيفة وعودته إلى المدينة وموته حين وصوله إليها رجع الخبر إلى سياقته من رواية ابن عمار. وأخبرنا بمثله من هذا الموضع الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن الحزامي، وهو إبراهيم بن المنذر، عن مطرف بن عبد الله المدني قالا: إن ابن الزبير لما بلغه شعر أبي قطيفة هذا قال: حن والله أبو قطيفة وعليه السلام ورحمة الله، من لقيه فليخبره أنه آمنٌ فليرجع. فأخبر بذلك فانكفأ إلى المدينة راجعاً، فلم يصل إليها حتى مات. قال ابن عمار: فحدثت عن المدائني أن امرأةً من أهل المدينة تزوجها رجل من أهل الشأم، فخرج بها إلى بلده على كرهٍ منها، فسمعت منشداً ينشد شعر أبي قطيفة هذا، فشهقت شهقةً وخرت على وجهها ميتةً، هكذا ذكر ابن عمار في خبره. وأخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد: قرأت على أبي عن أيوب بن عباية قال قال حدثني سعيد بن عائشة مولى آل المطلب بن عبد مناف قال: خرجت امرأة من بني زهرة في خفٍ، فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشأم فأعجبته، فسأل عنها فنسبت له، فخطبها إلى أهلها فزوجوه إياها بكرهٍ منها، فخرج بها إلى الشأم. “وخرجت مخرجاً”، فسمعت متمثلاً يقول: صوت من غير المائة المختارة ألا ليت شعري هل تغير بـعـدنـا جبوب المصلى أم كعهدي القرائن؟ وهل أدؤرٌ حول البلاط عـوامـرٌ من الحي أم هل بالمدينة ساكـن؟ إذا برقت نحو الحجـاز سـحـابةٌ دعا الشوق مني برقها المتـيامـن فلم أتركنها رغبةً عـن بـلادهـا ولكنـه مـا قـدر الـلـه كـائن عروضه من الطويل، يقال: إن لمعبد فيه لحناً، قال: فتنفست بين النساء فوقعت ميتة. قال أيوب: فحدثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت الأعرج فقال: أتعرفها؟ قلت لا. قال: هي والله عمتي حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف. أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الرياشي قال: أخبرني ابن عائشة، قال: لما أجلى ابن الزبير بني أمية عن الحجاز قال أيمن بن خريم الأسدي: كأن بني أمـية يوم راحـوا وعري عن منازلهم صرار شماريخ الجبال إذا تـردت بزينتها وجادتها القـطـار وأخبرني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا بن محمد سعدٍ الكراني، قال: حدثنا العمري عن العتبى قال: كتب أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة إلى أبيه وهو متولي الكوفة لعثمان بن عفان: من مبلغٌ عني الأمير بأنـنـي أرقٌ بلا داء سوى الإنـعـاظ إن لم تغثني خفت إثمك أو أرى في الدار محدوداً بزرق لحاظ يعني دار عثمان التي تقام فيها الحدود. فابتاع له جارية بالكوفة وبعث بها إليه. أخبرني عبد الله بن محمد الرازي، قال: حدثنا الخراز عن المدائني، قال: كان أبو قطيفة من شعراء قريش، وكان ممن نفاه ابن الزبير مع بني أمية إلى الشأم، فقال في ذلك: وما أخرجتنا رغبةٌ عن بلادنـا ولكنه ما قـدر الـلـه كـائن أحن إلى تلك الوجوه صـبـابةً كأني أسير في السلاسل راهن وكان يتحرق على المدينة، فأتى عباد بن زياد ذات يوم عبد الملك فقال له: إن خاله أخبره أن العراقين قد فتحا. فقال عبد الملك لأبي قطيفة لما يعلمه من حبه المدينة: أما تسمع ما يقوله عباد عن خاله؟ قد طابت لك المدينة الآن. فقال أبو قطيفة: إني لأحمق من يمشي على قدمٍ إن غرني من حياتي خال عباد أنشا يقول لنا المصران قد فتحا ودون ذلك يومٌ شـره بـادي قال: وأذن له ابن الزبير في الرجوع، فرجع فمات في طريقه. قصر سعيد بن العاص بالعرصة وشيء من أخباره وأما خبر القصر الذي تقدم ذكره وبيعه من معاوية، فأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال ذكر مصعب بن عمار بن مصعب بن عروة بن الزبير: أن سعيد بن العاص لما حضرته الوفاة وهو في قصره هذا، قال له ابنه عمرو: لو نزلت إلى المدينة فقال: يا بني، إن قومي لن يضنوا علي بأن يحملوني على رقابهم ساعةً من نهار، وإذا أنا مت فآذنهم، فإذا واريتني فانطلق إلى معاوية فانعني له، وانظر في ديني، واعلم أنه سيعرض عليك قضاءه فلا تفعل، واعرض عليه قصري هذا، فإني إنما اتخذته نزهةً وليس بمال. فلما مات آذن به الناس، فحملوه من قصره حتى دفن بالبقيع، ورواحل عمرو بن سعيد مناخة، فعزاه الناس على قبره وودعوه، فكان هو أول من نعاه لمعاوية، فتوجع له وترحم عليه، ثم قال: هل ترك ديناً؟ قال: نعم. “قال: كم هو؟ قال:” ثلثمائة ألف “درهم”. قال: هي علي. قال: قد ظن ذلك وأمرني ألا أقبله منك، وأن أعرض عليك بعض ماله فتبتاعه فيكون قضاء دينه منه. قال: فاعرض “علي”. قال: قصره بالعرصة. قال: قد أخذته بدينه. قال: هو لك على أن تحملها إلى المدينة وتجعلها بالوافية. قال: نعم. فحملها له إلى المدينة وفرقها في غرمائه، وكان أكثرها عداتٍ. فأتاه شابٌ من قريش بصك فيه عشرون ألف درهم بشهادة سعيدٍ على نفسه وشهادة مولىً له عليه. فأرسل إلى المولى فأقرأه الصك، فلما قرأه بكى وقال: نعم هذا خطه وهذه شهادتي عليه. فقال له عمرو: من أين يكون لهذا الفتى عليه عشرون ألف درهم وإنما هو صعلوك من صعاليك قريش؟ قال: أخبرك عنه، مر سعيدٌ بعد عزله، فاعترض له هذا الفتى ومشى معه حتى صار إلى منزله، فوقف له سعيد فقال: ألك حاجةٌ؟ قال: لا، إلا أني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك. فقال لي: ائتني بصحيفة، فأتيته بهذه، فكتب له على نفسه هذا الدين وقال: إنك لم تصادف عندنا شيئاً فخذ هذا، فإذا جاءنا شيء فأتنا. فقال عمرو: لا جرم والله لا يأخذها إلا بالوافية، أعطيه إياها، فدفع إليه عشرين ألف درهم وافيةً. أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الصلت بن مسعود، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا هارون المدائني قال: كان الرجل يأتي سعيد بن العاص يسأله فلا يكون عنده، فيقول: ما عندي، ولكن أكتب علي به، فيكتب عليه كتاباً، فيقول: تروني أخذت منه ثمن هذا؟ لا، ولكنه يجيء فيسألني فينزو دم وجهه في وجهي فأكره رده. فأتاه مولىً لقريش بابن مولاه وهو غلام فقال: إن أبا هذا قد هلك وقد أردنا تزويجه. فقال: ما عندي، ولكن خذ ما شئت في أمانتي. فلما مات سعيد بن العاص جاء الرجل إلى عمرو بن سعيد فقال: إني أتيت أباك بابن فلان، وأخبره بالقصة. فقال له عمرو: فكم أخذت؟ قال: عشرة آلاف. فأقبل عمرو على القوم فقال: من رأى أعجز من هذا يقول له سعيدٌ: خذ ما شئت في أمانتي فيأخذ عشرة آلاف لو أخذت مائة ألفٍ لأديتها عنك. اعتداد أبي قطيفة بنسبه وهجوه عبد الملك بن مروان أخبرني عمي قال: حدثنا الكراني قال: حدثنا العمري عن ابن الكلبي، قال: قال أبو قطيفة – وكانت أمه وأم خالد بن الوليد بن عقبة عمة أروى بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب -: أنا ابن أبي معيطٍ حين أنـمـى لأكرم ضئضىءٍ وأعز جـيل وأنمي للعقائل مـن قـصـيٍّ ومخزومٍ فما أنا بـالـضـئيل وأروى من كريزٍ قد نمتـنـي وأروى الخير بنت أبي عقـيل كلا الحيين مـن هـذا وهـذا لعمر أبيك في الشرف الطويل فعدد مثـلـهـن أبـا ذبـابٍ ليعلم ما تقول ذوو العـقـول فما الزرقاء لي أما فـأخـزى ولا لي في الأزارق من سبيل قال: يعني بأبي الذباب عبد الملك. والزرقاء: إحدى أمهاته من كندة، وكان يعير بها. أخبرني الحسن بن علي، قال: أخبرني محمد بن زكريا، قال: حدثنا قعنب بن المحرز، قال: حدثنا المدائني، قال: بلغ أبا قطيفة أن عبد الملك بن مروان يتنقصه، فقال: نبئت أن ابن العملـس عـابـنـي ومن ذا من الناس البريء المسلم؟ من أنتم من أنتم خبرونا من أنـتـم فقد جعلت أشياء تبدو وتـكـتـم فبلغ ذلك عبد الملك فقال: ما ظننت أنا نجهل، والله لولا رعايتي لحرمته لألحقته بما يعلم، ولقطعت جلده بالسياط. شعر أبي قطيفة في امرأته بعد طلاقها أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن العتبي قال: طلق أبو قطيفة امرأته، فتزوجها رجلٌ من أهل العراق، ثم ندم بعد أن رحل بها الرجل وصارت له، فقال: فيا أسفا لفرقة أم عمـرٍو ورحلة أهلها نحو العراق فليس إلى زيارتها سـبـيلٌ ولا حتى القيامة من تلاقي وعل الله يرجعهـا إلـينـا بموتٍ من حليلٍ أو طلاق فأرجع شامتاً وتقر عينـي ويجمع شملنا بعد افتـراق مقتل سعيد بن عثمان بالمدينة أخبرني عمي ومحمد بن جعفر قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا محمد بن علي بن أبي حسان عن هشام بن محمد عن خالد بن سعيد عن أبيه، قال: استعمل معاوية سعيد بن عثمان على خراسان، فلما عزله قدم المدينة بمالٍ وسلاحٍ وثلاثين عبداً من السغد، فأمرهم أن يبنوا له داراً. فبينا هو جالسٌ فيها ومعه ابن سيحان وابن زينة وخالد بن عقبة وأبو قطيفة إذ تآمروا بينهم فقتلوه، فقال أبو قطيفة يرثيه – وقيل إنها لخالد بن عقبة -: يا عين جودي بدمعٍ منك تهتانـا وابكي سعيد بن عثمان بن عفانا إن ابن زينة لم تصدق مودتـه وفر عنه ابن أرطاة بن سيحانا

المراجع

ar.al-hakawati.net/2011/12/28/%D8%AE%D8%A8%D8%B1-%D8%A3%D8%A8%D9%8A-%D9%82%D8%B7%D9%8A%D9%81%D8%A9/موسوعة الحكواتي

التصانيف

فنون