أخبار هلال ونسبه
نسبه وهو شاعر أموي شجاع أكول
هو، فيما ذكر خالد بن كلثوم، هلال بن الأسعر بن خالد بن الأرقم بن قسيم بن ناشرة بن رزام بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وأظنه قد أدرك الدولة العابشية، وكان رجلاً شديداً عظيم الخلق أكولاً معدوداً من الأكلة. قال أبو عمرو: وكان هلال فارساً شجاعاً شديد البأس والبطش أكثر الناس أكلاً وأعظمهم في حرب غناء”. هذا لفظ أبو عمرو. وقال أبو عمرو: وعمر بن هلال بن أسعر عمراً طويلاً ومات بعد بلايا عظام مرت على رأسه. قال: زكان رجل من قومه من بني رزام بن مالك يقال له المغيرة بن قنبر يعوله ويفضل عليه ويحتمل ثقله وثقل عياله فهلك، فقال هلال يرثيه: كان المغيرة بن قنبر يعوله فلما مات رثاه:
ألا ليت المغيرة كـان حـياً
وأفنى قبله الناس الفـنـاء
لبيك على المغيرة كل خيلٍ
إذا أفنى عرائكها اللـقـاء
ويبك على المغيرة كل كـلٍ
فقير كان ينعشه العـطـاء
ويبك على المغيرة كل جيش
تمور لدى معاركه الدمـاء
فتى الفتيان فارس كل حربٍ
إذا شالت وقد رفع اللـواء
لقد وارى جديد الأرض منه
خصالاً عقد عصمتها الوفاء
فصبراً للنوائب إن ألـمـت
إذا ماضاق بالحدث الفضاء
هزبر تنجلي الغمرات عنه
نقي العرض همته العلاء
إذا شهد الكريهة خاض منها
بحوراً لاتكدرهـا الـدلاء
جسور لايروع عـنـد روعٍ
ولايثني عزيمتـه أتـقـاء
حليم في مشاهـده إذا مـا
حبا الحلماء أطلقها المراء
حميد في عشيرتـه فـقـيد
يطيب عليه في الملأ الثناء
فإن تكن المنية أقصـدتـه
وحم عليه بالتلف القضـاء
فقد أودى به كـرم وخـير
وعود بالفضائل وابـتـداء
وجود لايضـم إلـيه جـوداً
مراهنه إذا جد الـجـراء
كان عادي الخلق صبوراً على الجوع: وقال خالد بن كلثوم: كان هلال بن الأسعر، فيما ذكروا، مع الإبل فيأكل ماوجد عند أهله ثم يرجع إليها ولايتزود طعاماً ولاشراباً حتى يرجع يوم ورودها، لايذوق فيما بين ذلك طعاماً ولاشراباً، وكان عادي الخلق لاتوصف صفته.
حكايات عن قوته
قال خالد بن كلثوم فحدثنا عنه من أدركه: أنه كان يوماً في إبل له، وذلم عند الظهيرة قي يوم شديد وقع الشمس محتدم الهاجرة وقد عمد إلى عصاه فطرح عليها كساءه ثم أدخل رأسه تحت كسائه من الشمس، فبينا هو كذلك إذ مر به رجلان أحدهما من بني نهشل والآخر من بني فقيم، كانا أشد تميميين في ذلك الزمان بطشاً، يقال لأحدهما الهياج، وقد أقبلا من البحرين ومعهما أنواط من تمر هجر، وكان هلال بناحية الصعاب؛ فلما انتهيا إلى الإبل، ولايعرفان هلالاً بوحهه ولايعرفان أن الإبل له، ناديا: ياراعي، أعندك شراب تسقينا؟ وهما يظنانه عبداً لبعضهم؛ فناداهما هلال ورأسه تحت كسائه: عليكما الناقة التي صفتها كذا في موضع كذا فأنيخاها فإن عليها وطبين من لبنٍ، فاشربا منهما مابدا لكما. قال فقال له أحدهما: ويحك? انهض ياغلام فأت بذلك اللبن? فقال لهما: إن تك لكما حاجة فستأتيانها فتجدان الوطبين فتشربان؛ قال فقال أحدهما: إنك يابن اللخناء لغليظ الكلام، قم فاسقنا، ثم دنا من هلال وهو على تلك الحال. وقال لهما، حيث قال له أحدهما: ((إنك يابن اللخناء لغليظ الكلام، قم فاسقنا، ثم دنا من هلال وهو على تلك الحال. وقال لهما، حيث قال له أحدهما: (إنك يا ابن اللخناء لغليظ الكلام)، أراكما والله ستلقيان هواناً وصغاراً؛ وسمعا ذلك منه، فدنا أحدهما فأهوى له ضرباً بالسوط على عجزه وهو مضطجع، فتناول هلال يده فاجتذبه إليه ورماه تحت فخذه ثم ضغطه ضغطة”، فنادى صاحبه: ويحك أغثني قد قتلني فدنا صاحبه منه، فتناوله هلال أيضاً فاجتذبه فرمى به تحت فخذه الأخرى، ثم أخذ برقابهما فجعل يضك برؤوسهما بعضاً ببعض لايستطيعان أن يمتنعا منه؛ فقال أحدهما: كن هلالاً ولا نبالي ماصنعت؛ فقال لهما: أنا والله هلال، ولا والله لاتفلتان مني حتى تعطياني عهداً وميثاقاً لاتخيسان به: به: لتأتيان المربد إذا قدمتما البصرة، ثم لتناديان بأعلى أصواتكما بما كان مني ومنكما؛ فعاهداه وأعطياه نوطاً من التمر الذي معهما، وقدما البصرة فأتيا المربد فناديا بما كان منه ومنهما.
وحدث خالد عن كنيف بن عبد الله المازني قال: كنت يوماً مع هلال ونحن نبغي لإبلاً لنا، فدفعنا إلى قوم من بكر بن وائل وقد لغبنا وعطشنا، وإذا نحن بفتية شباب عند ركية لهم وقد وردت إبلهم، فلما رأوا هلالاً استهولوا خلقه وقامته، فقام رجلان منهم إليه فقال له أحدهما: ياعبد الله، هل لك في الصراع؟ فقال له هلال: أنا إلى غير ذلك أحوج؛ قال: وماهو؟ قال: إلى لبنٍ و ماءٍ فإنني لغب ظمآن؛ قال: ماأنت بذائق من ذلك شيئاً حتى تعطينا عهداً لتجنيبننا إلى الصراع أذا أرحت ورويت؛ فقال لهما هلال: إنني لكم ضيف، والضيف لايصارع ” “آهله و” رب منزله، وأنتم مكتفون من ذلك بما أقول لكم: اعمدوا إلى أشد فحل في إبلكم وأهيبه صولة” وإلى أشد رجل منكم ذراعاً، فإن لم أقبض على هامة البعير وعلى يد صاحبكم فلا يمتنع الرجل ولا البعير حتى أدخل يد الرجل في فم البعير، فإن لم أفعل ذلك فقد صرعتموني، وإن فعلته علمتم أن صراع أحدكم أيسر من ذلك. قال: فعجبوا من مقالته تلك، وأومئوا إلى فحل في إبلهم هائج صائلٍ قطمٍ؛ فأتاه هلال ومعه نفر من أولئك القوم وشيخ لهم، فأخذ بهامة الفحل مما فوق مشفره فضغطها ضغطة جرجر الفحل منها واستخذى ورغا، وقال: ليعطني من أحببتم يده أولجها في فم هذا الفحل. قال فقال الشيخ: ياقوم تنكبوا هذا الشيطان، فوالله ماسمعت فلاناً – يعني الفحل – جرجر منذ بزل قبل اليوم، فلا تعرضوا لهذا الشيطان. وجعلوا يتبعونه وينظرون إلى خطوه ويعجبون من طول أعضائه حتى جازهم.
صارع في المدينة عبداً بأمر أميرها: قال وحدثنا من سمع هلالاً يقول قدمت المدينة وعليها رجل من آل مروان، فلم أزل أضع عن إبلي وعليها أحمال للتجار حتى أخذ بيدي وقيل لي: أجب الأمير. قال: قلت لهم: ويلكم إبلي وأحمالي فقيل: لابأس على إبلك وأحمالك. قال: فانطلق بي حتى أدخلت على الأمير، فسلمت عليه ثم قلت: جعلت فداك ?? إبلي وأمانتي. قال فقال: نحن ضامنون لإبلك وأمانتك حتى نؤديها إليك. قال فقلت عند ذلك: فمل حاجة الأمير إلي جعلني الله فداه؟ قال فقال لي- وإلى جنبه رجل أصفر، لا والله مارأيت رجلاً قط أشد خلقاً منه ولاأغلظ عنقاً، ماأدري أطوله أكثر أم عرضه -: إن هذا العبد الذي ترى لاوالله ماترك بالمدينة عربياً يصارع إلا صرعه، وبلغني عنك قوة، فأردت أن يجري الله صرع هذا العبد على يديك فتدرك ماعنده من أوتار العرب. قال فقلت: جعلني الله فداء الأمير، إني لغب نصب جائع، فإن رأى الأمير أن يدعني اليوم حتى أضع عن إبلي وأؤدي أمانتي وأريح يومي هذا وأجيئه غداً فليفعل. قال فقال لأعوانه: انطلقوا معه فأعينوه على الوضع عن إبله وأداء أمانته وانطلقوا به إلى المطبخ فأشبعوه؛ ففعلوا جميع ماأمرهم به. قال: فظللت بقية يومي وبت ليلتي تل: بأحسن حالٍ شبعاً وراحة” وصلاح أمر، فلما كان من الغد غدوت عليه وعلي جبة لي صوف وبت وليس علي إزار إلا أني قد شددت بعمامتي وسطي، فلما كان من الغد غدوت عليه وعلي جبة لي صوف وبت وليس علي إزار إلا أني قد شددت بعمامتي وسطي، فسلمت عليه فرد علي السلام، وقال للأصفر: قم إليه، فقد أرى أنه أتاك الله بما يخزيك؛ فقال العبد: اتزر باأعرابي؛ فأخذت بتي فاتزرت به على جبتي؛ فقال: هيهات -هذا لايثبت، إذا قبضت عليه جاء في يدي؛ قال فقلت: والله مالي من إزار؛ قال: فدعا الأمير بملحفة مارأيت قبلها ولاعلا جلدي مثلها، فشددت بها على حقوي وخلعت الجبة؛ قال: وجعل العبد يدور حولي ويريد ختلي وأنا منه وجل ولاأدري كيف أصنع به، ثم دنا مني دنوة فنقد جبهتي نقدة”حتى” ظننت أنه قد شجني وأوجعني، فغاظني ذلك، فجعلت أنظر في خلقه بم أقبض منه، فما وجدت في خلقه شيئاً أصغر من رأسه، فوضعت إبهامي في صدغيه وأصابعي الأخر في أصل أذنيه، ثم غمزته غمزة صاح منها: قتلتني: قتلتني: فقال الأمير: اغمس رأس العبد في التراب؛ قال فقلتله: ذلك لك علي؛ قال: فغمست والله رأسه في التراب ووقع شبيهاً بالمغشي عليه، فضحك الأمير حتى استلقى وأمر لي بجائزةٍ وكسوةٍ وانصرفت.
قتل رجلاً من بني جلان استجار بمعاذ فقبض عليه للثأر منه، ثم فر إلى اليمين وشعره في ذلك: قال أبو الفرج: ولهلالٍ أحاديث كثيرة من أعاجيب شدته. وقد ذكره حاجب بن ذبيان فقال لقوم من بني ربابٍ من بني حنيفة في سيء كان بينهم فيه أربع ضربات بالسيف، فقال حاجب:
وقائلةٍ وباكية بـشـجـوٍ
لبئس سيف بني ربـاب
ولو لاقى هلال بني رزام
لعجله إلى يوم الحسـاب
وكان هلال بن الأسعر هضربه رجل من بني عنزة ثم من بني جلان يقال له عبيد بن جري في شيء كان بينهما، فشجه وخمشه خماشة”، فأتى هلال بن جلان فقال: إن صاحبكم قد فعل بي ماترون فخذوا لي بحقي، فأوعدوه وزجروه؛ فخرج من عندهم وهو يقول: عسى أن يكون لهذا جزاء حتى أتى بلاد قومه؛ فمضى لذلك هلالاً وما كان بينه وبينه فتخوفه؛ فسأل عن أعز أهل الماء، فقيل له: معاذ بن جعدة بن ثابت بن زرارة بن ربيعة بن سيار بن رزام بن مازن؛ فأتاه فوجده غائباً عن الماء، فعقد عبيد بن جري طرف ثيابه إلى جانب طنب بيت معاذ- وكانت العرب إذا فعلت ذلك وجب على المعقود بطنب بيته للمستجير به أن يجبره وأن يطلب له بظلامته – وكان يوم فعل ذلك غائباً عن الماء، فقيل: رجل استجار بآل معاذ بن جعدة. ثم خرج عبيد بن جري ليستقي، فوافق قدوم هلال بإبله يوم وروده، وكان إنما يقدمها في الأيام، فلما نظر هلال إلى ابن جري ذكر ما كان بينه وبينه، ولم يعلم باستجارته بمعاذ بن جعدة، فطلب شيئاً يضربه به فلم يجده، فانتزع المحور من السانية فعلاه به ضربة” على رأسه فصرع وقيذاً، وقيل: قتل هلال بن الأسعر جار معذ بن جعدة ? فلما سمع ذلك هلال تخوف بني جعدة فصرع وقيذاً، وقيل: قتل هلال بن الأسعر جار معاذ بن حعدة فلما سمع ذلك هلال تخوف بني جعدة الرزاميين، وهم بنو عمهظن فأتى راحلته ليركبها. قال هلال: فأتتني خولة بنت يزيد بن ثابت أخي بني جعدة بن ثابت، وهي جدة أبي السفاح زهيد بن عبد الله بن مالك أم أبيه، فتعلقت بثوب هلال، ثم قالت: أي عدو الله قتلت جارنا والله لاتفارقني حتى يأتيك رجالنا قال هلال: والمحور في يدي لم أضعه؛ قال: فهممت أن أعلو به رأس خولة، ثم قلت في نفسي: عجوز لها سن وقرابة قال: فضربتها برجلي ضربة” رميت بها من بعيد، ثم أتيت ناقتي فأركبها ثم أضربها هارباً. وجاء معاذ بن جعدة وإخوته – وهم يومئذ تسعة إخوة -وعبد الله بن مالك زوج لبنت معاذ”و” يقال لها جبيلة، وهو مع ذلك ابن عمتهم خولة بنت يزيد بن ثابت، فهو معهم كأنه معضهم؛ فجاؤوا من آخر النهار فسمعوا الواعية على الجلاني وهو دنف لم يمت، فسألوا عن تلك الواعية فأخبروا بما كان من استجارة الجلاني بمعاذ بن جعدة وضرب هلال له من بعد ذلك؛ فركب الأخوة التسعة وعبد الله بن مالك عاشرهم، وكانوا أمثال الجبال في شدة خلقهم مع نجدتهم، وركبوا معهم بعشرة غلمةٍ لهم أشد منهم خلقاً لايقع لأحد منهم سهم في غير موضع يريده من رميته، حتى تبعوا هلالاً؛ وقد نسل هلال من الهرب يومه ذلك كله وليلته، فلما أصبح أمنهم وظن أن قد أبعد في الأرض ونجا منهم؛ وتبعوه، فلما أصبحوا من تلك الليلة قصوا أثرهظن وكان لايخفى أثره على أحد لعظم قدمه، فلحقوه من بعد الغد، فلما أدركوه وهو عشرون ومعهم النبل والقسي والسيوف والترسة، ناداهم: يابني جعدة، إني أنشدكم الله ? أن أكون قتلت رجلاً غريباً طلبته بترةٍ تقتلوني وأنا ابن عمكم وظن أن الجلاني قد مات، ولك يكن مات إلى أن تبعوه وأخذوه؛ فقال معاذ: والله لو أيقنا أنه قد مات ماناظرنا بك القتل من ساعتنا ولكنا تركناه ولم يمت، ولسنا نحب قتلك إلا أن تمتنع منا، ولانقدم عليك حتى نعلم مايصنع جارنا؛ فقاتلهم وامتنع منهم، فجعل معاذ يقول لأصحابه وغلمانه: لاترموه بالنبل ولاتضربوه بالسيوف، ولكن ارموه بالحجارة واضربوه بالعصي حتى تأخذوه؛ ففعلوا ذلك، فما قدروا على أخذه حتى كسروا من إحدى يديه ثلاث أصابع ومن الأخرى إصبعين، ودقوا ضلعين من أضلاعه وأكثروا الشجاج في رأسه، ثم أخذوه وما كادوا يقدرون على أخذه، فوضعوا في رجله أدهم، ثم جاءوا به وهومعروض على بعير حتى انتهوا به إلى الوقبى فدفعوه إلى الجلاني ولم يمت بعد، فقالوا: انطلقوا به معكم إلى بلادكم ولاتحدثوا في أمره شيئاً حتى تنظروا مايصنع بصاحبكم، فإن مات فاقتلوه وإن حيي فأعلمونا حتى نحمل لكم أرش الجناية. فقال الجلانيون: وفت ذمتكم يابني جعدة، وجزاكم الله أفضل مايجزي به خيار الجيران، إنا نتخوف أن ينزعه منا قومكم إن خليتم عنا وعنهم وهو في أيدينا؛ فقال اهم معاذ: فإني أحمله معكم وأشيعكم حتى تردوا بلادكم، ففعلوا ذلك، فحمل معروضاً على بعير وركبت أخته جماء بنت الأسعر معه، وجعل يقول: قتلتني بنو جعدة وتأتيه أخته بمغرة فيشربها فيقال: يمشي بالدم، لأن بين جعدة فرثوا كبده في جوفه. فلما بلغوا أدنى لبلاد بكر بن وائل قال الجلانيون لمعاذ وأصحابه: أدام الله عزكم، وقد وفيتم فانصرفوا. وجعل هلال يريهم أنه يمشي في الليلة عشرين مرة. فلما ثقل الجلاني وتخوف هلال أن يموت من ليلته أو يصبح ميتاً، تبرز هلال كما كان يصنع وفي رجله الأدهم كأنه يقضي حاجة، ووضع كساءه على عصاه في ليلة ظلماء، ثم اعتمد على الأدهم فحطمه، ثم طار تحت ليلته على رجليه، وكان أدل الناس فتنكب الطريق التي تعرف ويطلب فيها وجعل يسلك المسالك التي لا يطمع فيها. حتى انتهى إلى رجل من بني أثاثه بن مازن يقال له السعر بن يزيد ين طلق بن جبيلة بن أثاثة بن مازن، فحمله السعر على ناقه له يقال لها ملوة، فركبها ثم تجنب بها الطريق فأخذ نحوبلاد قيس بن عيلان، تخوفاً من بني مازن أن يتبعوه أيضاً فيأخذوه، فسار ثلاث ليال وأيامها حتى نزل اليوم الرابع، فنحر الناقة فأكل لحمها كله إلا فضلة فضلت منها فاحتملها، ثم أتى بلاد اليمن فوقع بها، فلبث زماناً وذلك عند مقام الحجاج بالعراق، فبلغ إفلاته من بالبصرة من بكر بن وائل، فانطلقوا إلى الحجاج فاستعدوه وأخبروه بقتله صاحبهم؛ فيعث الحجاج إلى عبد الله بن شعبة بن العلقم، وهو يومئذ عريف بني مازن حاضرتهم وباديتهم، فقال له: لتأتيني بهلال أو لأفعلن بك ولأفعلن؛ فقال له عبد الله بن شعبة: إن أصحاب هلال وبني عمه قد صنعوا كذا وكذا: فاقتص عليه ماصنعوا في طلبه وأخذه ودفعه إلى الجلانيين وتشييعهم إياه حتى وردزا بلاد بكر بن وائل؛ فقال له الحجاج: ويلك ماتقول؟ قال فقال بعض البكريين: صدق، أصلح الله الأمير؛ قال فقال الحجاج: فلا يرغم الله أنوفكم، اشهدوا أني قد آمنت كل قريب لهلال وحميم وعريف ومنعت من أخذ أحدٍ به ومن طلبه حتى يظفر به البكريون أو يموت قبل ذلك. فلما وقع هلال إلى بلاد اليمن بعث إلى بني رزام بن مازن بشعر يعاتبهم فيه ويعظم عليهم حقه ويذكر قرابته، وذلك أن سائر بني مازن قاموا ليحملوا ذلك الدم، فقال معاذ: لا أرضى والله أن يحمل لجاري دم واحد حتى يحمل له دم ولجواري دم آخر، وإن أراج هلال الأمان وسطنا حمل له دم ثالث؛ فقال هلال في ذلك:
بني مازن لاتطردوني فـإنـنـي
أخوكم وإن جزت جرائرهـا يدي
ولاتثلجوا أكباد بـكـر بـن وائل
يترك أخيكم كالخليع الـمـطـرد
ولاتجعلوا حفظي بظهر وتحفظـا
بعيداً ببغضـاء يروح ويغـتـدي
فإن القريب حيث كان قـريبـكـم
وكيف بقطع الكف من سائر اليد
وإن البعيد إن دنا فهـو جـاركـم
وإن شط عنكم فهو أبعـد أبـعـد
وإني وإن أوجدتموني لـحـافـظ
لكم حفظ راض عنكم غير موجد
سيحمي حماكم بي وإن كنت غائباً
أغـر إذا مـاريع لـم يتـبـلـد
وتعلم بكر أنكـم حـيث كـنـتـم
وكنت من الأرض الغريبة محتدي
وأني ثقيل حيث كنت على العـدا
وأني وإن اوحدت لست بـأوحـد
وأنهم لما أرادوا هـضـيمـتـي
منوا بجمبع القلب عضب مهنـد
حسام متى يعزم على الأمر بأتـه
ولم يتوقف للعواقـب فـي غـد
وهم بدءوا بالبغي حتى إذا جـزوا
بأفعالهم قالوا لـجـازيهـم قـد
فلم يك منهم في البديهة منصـف
ولم يك فيهم في العواقب مهتـدي
ولم يفعلوا فعل الحليم فيجمـلـوا
ولم يفعلوا فعل العزيز الـمـؤيد
فإن يسر لي إيعاد بكرٍ فـربـمـا
منعت الكرى بالغيظ من متوعـد
ورب حمى قوم أبحـت ومـوردٍ
وردت بفتيان الصبـاح ومـورد
وسجف دجوجي من الليل حالـكٍ
رفعت بعجلي الرجل موارة الـيد
سفينة خواضٍ بحور هـمـومـه
فيلي التياث العزم عند الـتـردد
جسور على الأمر المهيب إذا ونى
أخو الفتك ركابٍ قرى المتـهـدد
وقال وهو بأرض اليمن:
أقول وقد جاوزت نعمي وناقـتـي
تحن إلى جنبي فليج مع الفـجـر
سقى الله ياناق البلاد التـي بـهـا
هواك، وإن عنا نأت، سبل القطـر
فما عن قلى منا لها خفت الـنـوى
بنا على مراعيها وكـثـبـانـهـا
ولكن صرف الدهر فرق بـينـنـا
وبين الأداني، والفتى غرض الدهر
فسقياً لصحراء الأهالة مـربـعـاً
وللوقبى من منزل دمث مـثـري
وسقياً ورعياً حيث حلت لـمـازنٍ
وأيامها الغر المحجـلة الـزهـر
قال خالد بن كلثوم: ولما دفع هلال إلى أولياء الجلاني ليقتلوه بصاحبهم جاء رجل يقال له: حفيد كان هلال قد وتره فقال: والله لأونبنه ولأصغرن إليه نفسي وهو في القيود مصبور للقتل، فأتاه فلم يدع له شيئاً مما يكره إلا عدة عليه. قال: وإلى جنب هلالٍ حجر يملأ الكف، فأخذه هلال به للرجل فأصاب جبينه فاجتلف جلفة من وجهه ورأسه، ثم رمى بها وقال: خذ القصاص مني الآن، وأنشأ يقول:
أنا ضربت كرباً وزيداً
وثابتاً مشيتـهـم رويدا
كما أفدت حينه عبـيدا
وقد ضربت بعده حفيدا
قال: وهؤلاء كلهم من بني رزام بن مازن، وكلهم كان هلال قد نكأ فيهم
أدى عنه ديسم الدية لبني جلان فمدحه
قال خالد بن كلثوم: ولما طال مقام هلال باليمن نهضت بنو مازنٍ بأجمعهم إلى بني رزام بن مازن رهط هلال ورهط معاذ بن كعدة جار الجلاني المقتول، فقالوا: إنكم قد أسأتم بابن عمكم وجزتم الحد في الطلب بدم جاركم، فنحن نحمل لكم ماأردتم، فحمل ديسم بن المنهال بن خزيمة بن شهاب بن أثاثة بن ضباب بن حجية بن كابية بن حرقوص بن مازن الذي طلب معاذ بن جعدة أن يحمل لجاره، لفضل عزه وموضعه في عشيرته، وكان الذي طلب ثلثمائة بعيرٍ؛ فقال هلال في ذلك:
ان ابن كابية المرزأ ديسـمـاً
وارى الزناد بعيد ضوء النار
من كان يحمل ماتحمل ديسـم
من حائل فنـق وأم حـوار
عيت بنو عمرو بحمل هنـائد
فيها العشار ملابىء الأبكـار
حتى تلافاها كـريم سـابـق
بالخير حل منـازل الأخـيار
حتى إذا وردت جميعاً أرزمت
جلان بعد تشمـس ونـفـار
ترعى بصحراء الإهالة روبة
والعنظوان منابت الجرجـار
أعان قمير بن سعد علي بكر بن وائل وقال في ذلك شعراً: وقال خالد بن كلثوم: كان قمير بن سعد مصدقاً على بكر بن وائل، فوجد منهم رجلاً قد سرق صدقته، فأخذه قمير ليحبسه، فوثب قومه وأرادوا أن يحولوا بين قميرٍ وبينه وهلال حاضر، فلما رأى ذلك هلال وثب على البكريين فجعل يأخذ الرجلين منهم فيكنفهما ويناطح بين رؤوسهما، فانتهى إلى قمير أعوانه فقهروا البكريين؛ فقال هلال في ذلك:
دعاني قمـير دعـوة فـأجـبـتـه
فأي امرىءٍ في الحرب حين دعاني
معي مخذم قد أخلص القـين حـده
يخفض عند الروع روع جنـانـي
ومازلت مذ شدت يميني حجـزتـي
أحارب أو في ظل حربٍ ترانـي
أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا حكيم بن سعد عن زفر بن هبيرة قال:
حبسه بلال بن أبي بردة وأفنكه فيسم
تقاوم هلال بن أسعر المازني، وهو أحد بني رزام بن مازن، ونهيس الجلاني من عنزة وهما يسقيان إبلهما، فخذف هلال نهيساً بمحور في يده فأصابه فمات، فاستعدى ولده بلال بن أبي بردة على هلالٍ فحبسه فأسلمه قومه بنو رزام وعمل في أمره ديسم بن المنهال أحد بين كابية بن حرقوص فافتكه بثلاث ديات، فقال هلال يمدحه:
تدارك ديسم حسباً ومـجـداً
رزاماً بعدما انشقت عصاها
همو حملوا المئين فألحقوها
بأهليها فكان لهم سنـاهـا
وماكانت لتحمـلـهـا رزام
بأستاه معقصة لحـاسـهـا
بكابية بن حرقـوص وجـد
كريم لافتى إلا فـتـاهـا الحديث عن هلال في نهمه وكثرة أكله
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثني نصر بن علي الجهضمي قال حدثنا الأصمعي، وأخبرني أبو عبيد محمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي قال حدثنا فضل بن الحسن قال حدثنا نصر بن علي عن الأصمعي قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال: قلت لهلال بن أسعر: مأكلة أكلتها بلغتني عنك؟ قال: جعت مرة ومعي بعيري فنحرته وأكلته إلا ماحملت منه على ظهري، قال أبو عبيد في حديثه عن فضل: ثم أردت امرأتي فم أقدر على جماعها؛ فقالت لي: ويحك كيف تصل إلي وبيني وبينك بعير قال المعتمر: فقلت له: كم تكفيك هذه الأكلة؟ قال: أربعة أيام. وحدجثني به أبن عمار قال حدثني عبد الله بن أبي سعد قال حدثني أحمد بن معاوية عن الأصمعي عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال: قلت لهلال بن الأسعر – هكذا قال ابن أبي سعد: معتمر عن أبيه وقال في خبره: فقلت له؛ كم تكفيك هذه الأكلة؟ فقال: خمساً أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا نصر بن علي قال حدثني الأصمعي قال حدثني شيخ من بني مازن قال: أتانا هلال بن أسعر المازني فأكل جميع مابيتنا، فبعثنا إلى الجيران نقترض الخبز فلما رأى الخبز قد اختلف عليه قال: كأنكم أرسلتم إلى الجيران، أعندكم سويق؟ قلنا: نعم، فجئته بجراب طويل فيه سويق وببرنية نبيذٍ، فصب السويق كله وصب عليه النبيذ حتى أتى على السويق والنبيذ كله.
أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أحمد بن الحارث عن المدائني: أن هلال بن أسعر مر على رجل نمن بني مازن بالبصرة وقد حمل من بستانه رطباً في زواريق، فجلس على زورق صغير منها وقد كثب الرطب فيه وغطي بالبواري؛ قال له: يابن عم آكل من رطبك هذا؟ قال: نعم؛ قال: مايكفيني؟ قال: مايكفيك؛ فجلس على صدر الزورق وجعل يأكل إلى أن اكتفى، ثم قام فانصرف، فكشف الزورق فإذا هو مملوء نوى قد أكل رطبه وألقى النوى فيه.
قال المدائني وحدثني من سأله عن أعجب شيء أكله، فقال: مائتي رغيف مع مكوك ملح.
أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني الحسن ين علي بن منصور الأهوازي، وكان كهلاً سرياً معدلاً، قال حدثني شبان النيلي عن صدقة بن عبيد المازني قال: أولم علي أبي لما تزوجت فعملنا عشر جفان ثريداً من جزور. فكان أول من جاءنا هلال بن أسعر المازني، فقدمنا إليه جفنة فأكلها ثم أخرى ثم أخرى حتى أتى على العشر، ثم استسقى فأتي بقربةٍ من نبيذ فوضع طرفها في شدقه ففرغها في جوفه، ثم قام فخرج؛ فاستأنفنا عمل الطعام.
حدث أبو عمرو بن العلاء أنه لم ير أطول منه
أخبرني الجوهري قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا نصر بن علي عن الأصمعي قال: حدثني أبو عمرو بن العلاء قال: رأيت هلال بن أسعر ميتاً ولم أره حياً، فما رأيت أحداً على سرير أطول منه.
غنى مخارق الرشيد فأعتقه
أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن يزيد قال حدثني بعض حاشية السلطان قال: غنى إبراهيم الموصلي الرشيد يوماً:
ياريع سلمى لقد هيجت لي طربا
زدت الفؤاد على علاته وصبـا
-قال: والصنعة فيه لرجل من أهل الكوفة يقال له عزون -فأعجب به الرشيد وطرب له واستعاده مراراً؛ فقال له الموصلي: يا أمير المؤمنين فكيف لو سمعته من عبدك مخارق، فإن أخذه عني وهو يفضل فيه الخلق جميعاً ويفضلني، فأمر بإحضار مخارقٍ، فأحضر فقال له غنني:
ياريع سلمى لقد هيجت لي طربا
زدت الفؤاد على علاته وصبـا
فغناه إياه؛ فبكى وقال: سل حاجتك قال مخارق: فقلت: تعتقني ياأمير المؤمنينمن الرق وتشرفني بولائك، أعتقك الله من النار، قال: أنت حر لوجه الله، أعد الصوت؛ قال: فأعدته، فبكى وقال: سل حاجتك، فقلت: يأمر لي أمير المؤمنين بمنزل وفرشه ومايصلحه وخادم فيه؛ قال: ذلك لك، أعده؛ فأعدته فيكى وقال: سل حاجتك؛ قلت: حاجتي ياأمير المؤمنين أن يطيل الله بقاءك ويديم عزك زيجعلني من كل سوء فداءك؛ قال: فكان إبراهيم الموصلي سبب عتقه بهذا الصوت أخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف وكيع قال حدثني هارون بن مخارق، وحدثني به الصولي أيضاً عن وكيع عن هارون بن مخارق قال: كان أبي إذا غنى هذا الصوت:
ياريع سلمى لقد هيجت لي طربا
زدت الفؤاد على علاته وصبـا
يقول: أنا مولى هذا الصوت؛ فقلت له يوماً: ياأبت، وكيف ذلك؟ فقال: غنيته مولاي الرشيد فبكى وقال: أحسنت، أعد فأعدت؛ فبكى وقال: أحسنت
أنت حر لوجه الله وأمر لي بخمسة آلاف دينار، فأنا مولى هذا الصوت بعد مولاي، وذكر قريباً مما ذكره المبرد من باقي الخبر.
حدثني الحسن بن علي قال حدثنا ابن أبي الدنيا قال حدثني إسحاق النجعي عن حسين بن الضحاك عن مخارق: أن الرشيد أقبل يوماً على المغنين وهو مضطجع، فقال: من منكم يغني:
ياريع سلمى لقد هيجت لي طرباً
زدت الفؤاد على علاته وصبـا
قال: فقمت فقلت: أنا، فقال: هاته؛ فغنيته فطرب وشرب، ثم قال: علي بهرثمة، فقلت في نفسي: ماتراه يريد منه | فجاءوا بهرثمة فأدخل إليه وهو يجر سيفه، فقال: ياهرثمة، مخارق الشاري الذي قتلناه بناحية الموصل ما كانت كنيته؟ فقال: أبو المهنا؛ فقال: انصرف فانصرف؛ ثم أقبل علي فقال: قد كنيتك أبا المهنا لإحسانك، وأمر لي بمائة ألف درهم، فانصرفت بها وبالكنية.
صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابه
وخل كنت عين الرشد منه
إذا نظرت ومستمعاً سميعا
أطاف بغيه فعدلت عـنـه
وقلت له أرى أمراً فظيعاً
الشعر لعروة بن الورد، والغناء في اللحن المختار لسياط ثاني ثقيل بالبنصر عن عمرو بن بانة. وفيه لإبراهيم ماخوري بالوسطى عن عمرو أيضاً.
المراجع
ar.al-hakawati.net/2011/12/28/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D9%87%D9%84%D8%A7%D9%84-%D9%88%D9%86%D8%B3%D8%A8%D9%87/موسوعة الحكواتي
التصانيف
فنون
|