الجزء السادس - ذكر أبي ذؤيب وخبره ونسبه

ذكر أبي ذؤيب وخبره ونسبه

هو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار. وهو أحد المخضرمين ممن أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم فحسن إسلامه. ومات في غزاة إفريقية.
أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال: كان أبو ذؤيب شاعراً فحلا لا غميزة فيه ولا وهن.


وقال ابن سلام: قال أبو عمرو بن العلاء: سئل حسان بن ثابت: من أشعر الناس؟ قال: أحيا أم رجلاً؟ قالوا: حيا؛ قال: أشعر الناس حيا هذيل، وأشعر هذيل غير مدافع أبو ذؤيب.


قال ابن سلام: ليس هذا من قول أبي عمرو ونحن نقوله.


أخبرني أبو خليفة قال حدثنا محمد بن سلام قال أخبرني محمد بن معاذ العمري قال: في التوراة: أبو ذؤيب مؤلف زوراً، وكان اسم الشاعر بالسريانية مؤلف زورا. فأخبرت بذلك بعض أصحاب العربية، وهو كثير بن إسحاق، فعجب منه وقال: قد بلغني ذاك. وكان فصيحاً كثير الغريب متمكناً في الشعر.


قال أبو زيد عمر بن شبة: تقدم أبو ذؤيب جميع شعراء هذيل بقصيدته العينية التي يرثي فيها بنيه. يعني قوله:

أمن المنون وريبه تـتـوجـع

 

والدهر ليس بمعتب من يخزع

وهذه يقولها في بنين له خمسة أصيبوا في عام واحد بالطاعون ورثاهم فيها.


وسنذكر جميع ما يغنى فيه منها على أثر أخباره هذه.


أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن مصعب الزبيري، وأخبرني حرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال: كان أبو ذؤيب الهذلي خرج في جند عبد الله بن سعد بن أبي سرح أحد بني عامر بن لؤي إلى إفريقية سنة ست وعشرين غازياً إفرنجة في زمن عثمان.


فلما فتح عبد الله بن سعد إفريقية وما والاها بعث عبد الله بن الزبير - وكان في جنده- بشيراً إلى عثمان بن عفان، وبعث معه نفراً فيهم أبو ذؤيب.


ففي عبد الله يقول أبو ذؤيب:

فصاحب صدق كسيد الـضـرا

 

ء ينهض في الغزو نهضاً نجيحاً

في قصيدة له. فلما قدموا مصر مات أبو ذؤب بها. وقدم ابن الزبير على عثمان، وهو يومئذ، في قول ابن الزبير، ابن ست وعشرين سنة؛ وفي قول الواقدي ابن أربع وعشرين سنة. وبشر عبد الله عند مقدمه بخبيب بن عبد الله بن الزبير وبأخيه عروة. بن الزبير، وكانا ولدا في ذلك العام، وخبيب أكبرهما. قال مصعب: فسمعت أبي والزبير بن خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يقولان: قال عبد الله بن الزبير: أحاط بنا جرجير صاحب إفريقية وهو ملك إفرنجة في عشرين ألفا ومائة ألف ونحن في عشرين ألفا؛ فضاق بالمسلمين أمرهم واختلفوا في الرأي، فدخل عبد الله بن سعد فسطاطه يخلو يفكر. قال عبد الله بن الزبير: فرأيت عورة من جرجير والناس على مصافهم، رأيته على برذون أشهب خفف أصحابه منقطعاً منهم، معه جاريتان له تظلانه من الشمس بريش الطواويس. فجئت فسطاط عبد الله فطلبت الإذن عليه من حاجبه؛ فقال: إنه في شأنكم وإنه قد أمرني أن امسك الناس عنه. قال: فدرت فأتيت مؤخر فسطاطه فرفعته ودخلت عليه، فإذا هو مستلق على فراشه؛ ففزع وقال: ما الذي أدخلك علي يا بن الزبير؟ فقلت: إيه وإيه! كل أزب نفور! إني رأيت عورة من عدونا فرجوت الفرصة فيه وخشيث فواتها، فاخرج فاندب الناس إلي. قال: وما هي؟ فأخبرته؛ فقال: عور لعمري! ثم خرج فرأى ما رأيت؛ فقال: أيها الناس، انتدبوا مع ابن الزبير إلى عدوكم. فاخترت ثلاثين فارساً، وقلت: إني حامل اضربوا عن ظهري فإني سأكفيكم من ألقى إن شاء الله تعالى.


فحملت في الوجه الذي هو فيه وحملوا فذبوا عني حتى خرقتهم إلى أرض خالية، وتبينته فصمدت صمده؛ فوالله ما حسب إلا أني رسول ولا ظن أكثر أصحابه إلا ذاك، حتى رأى ما بي من أثر السلاح، فثنى بزذونه هارباً، فأدركته فطعنته فسقط، ورميت بنفسي عليه، واتقت جاريتاه عنه السيف فقطعت يد إحداهما. وأجهزت عليه ثم رفعت رأسه في رمحي، وجال أصحابه وحمل المسلمون في ناحيتي وكبروا فقتلوهم كيف شاءوا، وكانت الهزيمة.


فقال لي عبد الله بن سعد: ما أحد أحق بالبشارة منك، فبعثني إلى عثمان. وقدم مروان بعدي على عثمان حين اطمأنوا وباعوا المغنم وقسموه.


وكان مروان قد صفق على الخمس بخمسمائة ألف، فوضعها عنه عثمان، فكان ذلك مما تكلم فيه بسببه.


فقال عبد الرحمن بن حنبل بن مليل - وكان هو وأخوه كلدة أخوي صفوان بن أمية بن خلف لأمه، وهي صفية بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وكان أبوهما ممن سقط من اليمن إلى مكة-:

أحلف بالله جهـد الـيمـي

 

ن ما ترك الله أمراً سـدى

ولكن خلقت لـنـا فـتـنة

 

لكي نبتلى فيك أو تبتـلـى

دعوت الطريد فـأدنـيتـه

 

خلافاً لسنة من قد مضـى

وأعطيت مروان خمس العبا

 

د ظلماً لهم وحميت الحمى

وما لا أتاك به الأشـعـري

 

من الفيء أعطيته من دنـا

وأن الأمينـين قـد بـينـا

 

منار الطريق عليه الهـدى

فما أخذا درهـمـاً غـيلةً

 

ول اقسما درهماً في هوى

قال: والمال الذي ذكر أن الأشعري جاء به ما كان أبو موسى قدم به على عثمان من العراق، فأعطى عبد الله بن أسيد بن أبي العيص منه مائة ألف درهم، وقيل: ثلثمائة ألف درهم؛ فأنكر الناس ذلك.


أخبرني أحمد بن عبيد الله قال حدثنا عمر بن شبة عن محمد بن يحيى عن عبد العزيز- أظنه ابن الدراوردي - قال: ابن بجرة الذي ذكره أبو ذؤيب رجل من بني عبيد بن عويج بن عدي بن كعب من قريش، ولم يسكنوا مكة ولا المدينة قط، وبالمدينة منهم وامرأة، ولهم موال أشهر منهم، يقال لهم بنو سجفان.


وكان ابن بجرة هذا خماراً. وهذا الصوت الذي ذكرناه من لحن حكم الوادي المختار من قصيدة لأبي ذؤيب طويلة. فمما يغنى فيه: منها:

أساءلت رسم الدار أم لم تسـائل

 

عن الحي أم عن عهده بالأوائل

عفا غير رسم الدار ما إن تبينـه

 

وعفر ظباء قد ثوت في المنازل

فلو أن ما عند ابن بجرة عندهـا

 

من الخمر لم تبلل لهاتي بناطل

فتلك التي لا يذهب الدهر حبهـا

 

ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل

غناه الغريض ثقيلا أول بالوسطى. ويقال: إن لمعبد فيه أيضاً لحناً. قوله: أساءلت يخاطب نفسه. ويروى: عن السكن أو عن أهله. والسكن. الذي كانوا فيه. وقال الأصمعي: السكن: سكن الدار. والسكن: المنزل أيضاً. ويروى: عفا غير نؤى الدار. والنؤى: حاجز يجعل حول بيوت الأعراب لئلا يصل المطر إليها. ويروى - وهو الصحيح-:

وأقطاع طفي قد عفت في المعاقل

والطفي: خوص المقل. والمعاقل: حيث نزلوا فامتنعوا، واحدها معقل. وواحد الطفي: طفية. وأرزمت: حنت. والحائل: الأنثى. والسقب: الذكر.


ومنها:

وإن حديثاً منك لو تـبـذلـينـه

 

جنى النحل في ألبان عوذ مطافل

مطافل أبكار حديث نتـاجـهـا

 

تشاب بماء مثل ماء المفاصـل

غناه ابن سريج رملاً بالوسطى. جنى النحل: العسل. والعوذ: جمع عائذ، الناقة حين تضع فهي عائذ، فإذا تبعها ولدها قيل لها مطفل.


والمفاصل: منفصل السهل من الجبل حيث يكون الرضراض ، والماء الذي يستنقع فيها أطيب المياه. وتشاب: تخلط.


وأخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي: أن أبا ذؤيب إنما عنى بقوله: مطافل أبكار أن لبن الأبكار أطيب الألبان، وهو لبنها لأول بطن وضعت. قال: وكذلك العسل فإن أطيبه ما كاد من بكر النحل. قال: وحدثني كردين قال: كتب الحجاج إلى عامله على فارس: ابعث إلي بعسل من عسل خلار ، من النحل الأبكار، من الدستفشار، الذي لم تمسه النار.


فأما قصيدته العينية التي فضل بها، فمما يغنى به منها:

أمن المنون وريبها تتـوجـع

 

والدهر ليس بمعتب من يجزع

قالت أمامة ما لجسمك شاحبـاً

 

منذ ابتذلت ومثل مالك ينفـع

أم ما لجنبك لا يلائم مضجعـاً

 

إلا أقض عليك ذاك المضجع

فأجبتها أن ما لجسـمـي أنـه

 

أودى بني من البلاد فودعـوا

عروضه من الكامل. غناه ابن محرز ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالبنصر في مجراها.


قال الأصمعي: سميت المنون منوناً لأنها تذهب بمنة كل شيء وهي قوته.


وروى الأصمعي: وريبه فذكر المنون. والشاحب: المغير المهزول. يقال: شحب يشحب. ابتذلت: امتهنت نفسك وكرهت الدعة والزينة ولزمت العمل والسفر ومثل مالك يغنيك عن هذا، فاشتر لنفسك من يكفيك ذلك ويقوم لك به. ويلائم: يوافق. أقض عليك أي خشن فلم تستطع أن تضطجع عليه. والقضض: الرمل والحصى. قال الراجز:

إن أحيحاً مات من غير مـرض

 

ووجد في مرمضه حيث ارتمض

عساقل وجبأ فيهـا قـضـض

 

 

وودعوا: ذهبوا. استعمل ذلك في الذهاب لأن من عادة المفارق أن يودع.


أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني أحمد بن عمر النحوي قال حدثني أبي عن الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال: لما مات جعفر بن المنصور الأكبر مشى المنصور في جنازته من المدينة إلى مقابر قريش، ومشى الناس أجمعون معه حتى دفنه، ثم انصرف إلى قصره. ثم أقبل على الربيع فقال: يا ربيع، انظر من في أهلي ينشدني:

أمن المنون وريبها تتوجع

حتى أتسلى بها عن مصيبتي. قال الربيع: فخرجت إلى بني هاشم وهم بأجمعهم حضور، فسألتهم عنها، فلم يكن فيهم أحد يحفظها، فرجعت فأخبرته؛ فقال: والله لمصيبتي بأهل بيتي ألا يكون فيهم أحد يحفظ هذا لقلة رغبتهم في الأدب أعظم وأشد علي من مصيبتي بابني.


ثم قال: انظر هل في القواد والعوام من الجند من يعرفها، فإني أحب أن أسمعها من إنسان ينشدها. فخرجت فاعترضت الناس فلم أجد أحدا ينشدها إلا شيخاً كبيراً مؤدباً قد انصرف من موضع تأديبه، فسألته: هل تحفظ شيئاً من الشعر؟ فقال: نعم، شعر أبي ذؤيب. فقلت: أنشدني. فابتدأ هذه القصيدة العينية. فقلت له: أنت بغيتي. ثم أوصلته إلى المنصور فاستنشده إياها.
فلما قال:

والدهر ليس بمعتب من يجزع

قال: صدق والله، فأنشدني هذا البيت مائة مرة ليتردد هذا المصراع علي؛ فأنشده، ثم مر فيها. فلما انتهى إلى قوله:

والدهر لا يبقى على حدثانه

 

جون السراة له جدائد أربع

قال: سلا أبو ذؤيب عند هذا القول. ثم أمر الشيخ بالانصراف. فاتبعته فقلت له: أأمر لك أمير المؤمنين بشيء؟ فأراني صرة في يده فيها مائة درهم.


حدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال: كان أبو ذؤيب الهذلي يهوى امرأة يقال لها أم عمرو، وكان يرسل إليها خالد بن زهير فخانه فيها، وكذلك كان أبو ذؤيب فعل برجل يقال له عويم بن مالك بن عويمر وكان رسوله إليها. فلما علم أبو ذؤيب بما فعل خالد صرمها. فأرسلت تترضاه، فلم يفعل، وقال فيها:

تريدين كيما تجمعـينـي وخـالـدا

 

وهل يجمع السيفان ويحك في غمد

أخالد ما راعـيت مـنـي قـرابة

 

فتحفظني بالغيب أو بعض ما تبدي

دعاك إليها مقلتـاهـا وجـيدهـا

 

فملت كما مال المحب على عمـد

وكنت كرقراق السـراب إذا بـدا

 

لقوم وقد بات المطي بهم يخـدي

فآليت لا أنفـك أحـدو قـصـيدة

 

تكون وإياها بها مـثـلاً بـعـدي

غناه ابن سريج خفيف رمل بالبنصر. الغيب: السر.
والرقراق: الجاري. ويروى: أحذو قصيدة. فمن قال: أحذو بالذال المعجمة أراد أصنع، ومن قال: أحدوا أراد أغني.
وقال أبو ذؤيب في ذلك :

وما حمل البختي عـام غـياره

 

عليه الوسوق برها وشعيرهـا

أتى قرية كانت كثيراً طعامهـا

 

كرفغ التراب كل شيء يميرها

الرفغ من التراب: الكثير اللين-.

فقيل تحمل فوق طوقك إنـهـا

 

مطبعة من يأتها لا يضـيرهـا

بأعظم مما كنت حملت خـالـداً

 

وبعض أمانات الرجال غرورها

ولو أنني حملته البزل ما مشـت

 

به البزل حتى تتلئب صدورهـا

تتلئب: تستقيم وتنتصب وتمتد وتتتابع -:

خليلي الذي دلى لغي خليلـتـي

 

جهاراً فكل قد أصاب عرورها

يقال: عره بكذا أي أصابه به-:

فشأنكها، إني أمـين وإنـنـي

 

إذا ما تحالى مثلها لا أطورها

تحالى: من الحلاوة. أطورها: أقربها-:

أحاذر يوماً أن تبين قرينتـي

 

ويسلمها أحرازها ونصيرها

الأحراز: الحصون. قرينتي: نفسي-:

وما أنفس الـفـتـيان إلا قـرائن

 

تبين ويبقى هـامـهـا وقـبـور

فنفسك فاحفظها ولا تفش للـعـدا

 

من السر ما يطوى عليه ضميرها

وما يحفظ المكتوم من سر أهلـه

 

إذا عقد الأسرار ضاع كبـيرهـا

من القوم إلا ذو عفـاف يعـينـه

 

على ذاك منه صدق نفس وخيرها

رعى خالد سري ليالي نـفـسـه

 

توالى على قصد السبيل أمورهـا

فلما ترامـاه الـشـبـاب وغـيه

 

وفي النفس منه فتنة وفجورهـا

لوى رأسه عـنـي ومـال بـوده

 

أغانيج خود كان فينـا يزورهـا

تعلقـه مـنـهـا دلال ومـقـلة

 

تظل لأصحاب الشقاء تـديرهـا

فإن حـرامـاً أن أخـون أمـانة

 

وآمن نفساً ليس عندي ضميرهـا

فأجابه خالد بن زهير:

لا يبعدن الله لبـك إذ غـزا

 

وسافر والأحلام جم عثورها

غزا وسافر لبك: ذهب عنك. والعثور: من العثار وهو الخطأ-:

وكنت إماماً للعشيرة تنتـهـي

 

إليك إذا ضاقت بأمر صدورها

لعلك إما أم عمرو تـبـدلـت

 

سواك خليلا شاتمي تستخيرها

الاستخارة: الاستعطاف-:

فإن التي فينا زعمت ومثلها

 

لفيك ولكني أراك تجورها

تجورها. تعرض عنها-:

ألم تنتقذها من عويم بن مالـك

 

وأنت صفي نفسه وسجيرهـا

فلا تجزعن من سنة أنت سرتها

 

فأول راض سنة من يسيرهـا

ويروى قد أسرتها، أي جعلتها سائرة. ومن رواه هكذا روى يسيرها لأن مستقبل أفعل أسارها يسيرها. ويسيرها مستقبل سار السيرة يسيرها-.

فإن كنت تشكو من خليل مخانة

 

فتلك الجوازي عقبها ونصورها

عقبها: يريد عاقبتها. ونصورها أي تنصر عليك، الواحد نصر -.

وإن كنت تبغي للظلامة مركـبـاً

 

ذلولاً فإني ليس عندي بعـيرهـا

نشأت عسيراً لا تلين عـريكـتـي

 

ولم يغل يوماً فوق ظهري كورها

متى ما تشأ أحملك والرأس مـائل

 

على صعبة حرف وشيك طمورها

فلا تك كالثور الذي دفـنـت لـه

 

حديدة حتف ثم أمسـى يثـيرهـا

يطيل ثواء عـنـدهـا لـيردهـا

 

وهيهات منه دارها وقصـورهـا

وقاسمها بالله جهـداً لأنـتـم

 

ألذ من السلوى إذا ما نشورها

 

           

نشورها: نجتنيها. السلوى هاهنا: العسل-.

فلم يغن عنه خدعه يوم أزمعت

 

صريمتها والنفس مر ضميرها

ولم يلف جلدا حازماً ذا عزيمة

 

وذا قوة ينفي بها من يزورها

فأقصر ولم تأخذك مني سحابة

 

ينفر شاء المقلعين خـريرهـا

المقلعين: الذين أصابهم القلع وهو السحاب-.

ولا تسبقن الناس مني بخمـطة

 

من السم مذرور عليها ذرورها

أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا السكن بن سعيد قال حدثنا العباس بن هشام قال حدثني أبو عمرو عبد الله بن الحارث الهذلي من أهل المدينة قال: خرج أبو ذؤيب مع ابنه وابن أخ له يقال له أبو عبيد، حتى قدموا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال له: أفي العمل أفضل يا أمير المؤمنين؟ قال: الإيمان بالله ورسوله. قال: قد فعلت، فأنه أفضل بعده؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قال: ذلك كان علي وإنى لا أرجو جنة ولا أخاف نارا. ثم خرج فغزا أرض الروم مع المسلمين. فلما قفلوا أخذه الموت؛ فأراد ابنه وابن أخيه أن يتخلفا عليه جميعاً فمنعهما صاحب الساقة وقال: ليتخلف عليه أحدكما وليعلم أنه مقتول. فقال لهما أبو ذؤيب. اقترعا، فطارت القرعة لأبي عبيد، فتخلف عليه ومضى ابنه مع الناس. فكان أبو عبيد يحدث قال قال لي أبو ذؤيب: يا أبا عبيد، احفر ذلك الجرف برمحك ثم اعضد من الشجر بسيفك ثم اجررني إلى هذا النهر فإنك لا تفرغ حتى أفرغ، فاغسلني وكفني ثم اجعلني في حفيري وانثل علي الجرف برمحك، وألق علي الغصون والشجر، ثم اتبع الناس فإن لهم رهجة تراها في الأفق إذا مشيت كأنها جهامة.


قال: فما أخطأ مما قال شيئاً، ولولا نعته لم أهتد لأثر الجيش. وقال وهو يجود بنفسه:

أبا عبيد رفع الـكـتـاب

 

واقترب الموعد والحساب

وعند رحلي جمل نجـاب

 

أحمر في حاركه انصباب

ثم مضيت حتى لحقت الناس. فكان يقال: إن أهل الإسلام أبعدوا الأثر في بلد الروم، فما كان وراء قبر أبي ذؤيب قبر يعرف لأحد من المسلمين.


المراجع

al-hakawati.net

التصانيف

فنون   الفنون   التاريخ