فهل تقاس بالمعاير العلمية , أو بالمؤشرات الاقتصادية ؟ أو تقاس بوحدات الزمن ؟

وفى رأينا أن المقياس الاخير ( الزمن ) أهم العوامل , حيث كانت هناك مساحة زمنية فاصلة بين اكتشاف الاختراع العلمى ووقت استخدامه , ولهذا كان لعامل الزمن تأثيرة الجوهرى على العاملين الأخرين ( العلمى الاقتصادى ) , بسبب الارتباط بفروق التعقد الزمنى للقضايا المطلوب تحقيق ايجابات التكنولوجية لها . ولا يمكن التساهل مع الافكار التى أدمجت التكنولوجيا فى النظام الاقتصادى – فالتكنولوجيا لا تزال تحتفظ بطابعها العلمى البحث . طالما انها مازالت فى حيز المختبر العلمى ولم تدخل بعد مرحلة التشغيل الانتاجى ( أى لم يحدد لها بعد خط إنتاجى ) – ولهذا هناك فروق بين قياس التنكنولوجيا على أساس عملى وقياسها على أساس اقتصادى ( أى يمكن قياس التكنولوجيا على أساس الكم المكتشف لبراءات الاختراع – وكذلك يمكن قياسها على أساس الكم المنتج منها _ وكل قياس مختلف ومنفصل عن الاخر ) .

والقياس العلمى لا يتسع له الحيز المكانى هنا , وما تستهدفه هو القياس الاقتصادى للتطور التكنولوجى – وأفضل المؤشرات التى يمكننا الاستعانة بها _ وهو حسب رأينا المؤشر الملموس والذى يحقق الهدف الاساسى من الاستخدام التكنولوجى فى حياة المجتمع , وهو أثر التكنولوجيا فى ارتفاع الناتج القومى الحقيقى للفرد . فكان أهم أثر للتحول التكنولوجى فى البلدان المتقدمة هى الزيادة السريعة فى حجم الناتج القومى الاجمالى لهذه البلدان , كذلك تفيدنا الدراسة أن الارتفاع فى الناتج الفردى الحقيقى خلال المائة عام السابقة حوالى سبعة اضعاف أو يزيد قليلا , وكان النمو الحقيقى فى الانتاجية فى الواقع أعلى بكثيرمن ذلك , إذا انخفضت ساعات العمل للرجل الواحد بنبة تتراوح بين 10-40% فى البلدان المتقدمة منذ عام 1875 .

فتزايد معدل النمو فى الانتاج الحقيقى الأجمالى 3% سنويا , ما فى الناتج الفردى فكان بمعدل 27 سنويا , بينما المعدل السنوى للنمو فى عدد السكان أقل من 1% - وهذا يعنى أن النقل التكنولوجى فى اقتصاديات البلدان المتقدمة فى بداية القرن الذى ينتهى بعام 1985 كانت متواضعة إذا قورنت بالمعدلات التى وصل اليها فى نهاية القرن . غير أن الاستاذ /كوزنيتس – يرى ضخامة التحول التكنولوجى من خلال تراكمها خلال المائة عام , حيث تم له حسابها على طريقة الربح المركب , وهى ىالطريقة التى اظهرها الاستاذ/ كينز فى مؤلفه .
وحدثت اختلافات كثيرة فى تقدير هذا المعدل مع اختلاف انضمام البلدان إلى حركة التطور التكنولوجى – ولكنها أجمعت كلها على حدوث نمو فى الناتج الحقيقى للفرد باحداث التطورات التكنولوجية , فقد بينت الدراسات أن المعدل كان فى بريطانا وفرنسا 1 . 2% , 1 . 6% إلى 1 . 8& فى كل من ألمانيا وسويسرا وكندا واكريكا . أما فى السويد , والنرويج , واليابان من 3% إلى 4%

بينما كانت فى الاتحاد السوفيتى والبلدان الاشتراكية فى شرق أوروبا , وكذلك الصين أعلى من النسب فى غرب أوروبا كثيرا . ويقول الاستاذ /هيرشمان فى دراسة نشرت فى باريس عام 1971 " بينما تنطبق هذه العوامل بصفة عامة على المتأخرين فى الانضمام لركب التقدم من بين البلدان المعروفة الا بالبلدان المتقدمة , فانه ينبغى توافر الحيطة الجبرية لدى النظر فى مدى أنطباقها فى حالة البلدان النامية التى تبدأ مسيرة التطور فى وضع مختلف " . ثم يضيف الاستاذ /روسينبيرج – بعدا أخر إذ " أن أقامة صناعة للسلع الرأسمالية امر يشكل بالفعل وسيلة هامة لتأهيل الغوط الداخلية من اجل الاخذ بالتكنولوجيا الجديدة .

كما أنه يجب الاشارة إلى ان المناخ الحقوقى الدولى صارما , يخدم مصالح البلدان المتقدمة ويفرض قيود ثقيلة على الاعضاؤ الجدد فى عصر التكنولوجيا الاحتكارية لدلارجة ان اصبح من العسير امام البلدان عليها حتى تتمكن البلدان المصدرة من تأدية الخدمات الفنية والتشغيلية لهذه الاجهزة دون المحليين , وذلك يضيف الكثير إلى الارباح التى تضاف بطبيعتها إلى الحصيلة الاقتصادية للتكنولوجيا وتقلل من فكرة الفك والتكييف التى تستخدمها البلدان النامية لمحاولة تعزيز قدرتها الذاتية وهى امور لم تكن فى العهد الأول للتحول التكنولوجى للبلدان المتقدمة اليوم .

وقدم الاستاذ / كوزيتس دراسة لحجم التحول فى خلال المائة عام الاخيرة عن طريق التقديرات التالية :
أن سكان العالم البالغين كانوا 1450 مليون نسمة عام 1875 , كان منهم حوالى 150مليون نسمة تعيش فى بلدان وصل دخل الفرد فيها حوالى 500 دولار امريكى بأسعار عام 1975 , ومع انتشار النق التكنولوجى إلى البلدان الاخرى , أرتفعت هذه النسبة إلى 35% عام 1975 أى 800 مليون نسمة من اجمالى سكان العالم الذى يبلغ 4 مليار نسمة . والمهم معرفة أثر النقل التكنولوجى فى تركيب الانتاج , فقد كانت الزراعة تسهم حتى عام 1875 فى قرابة نصف الناتج لاجمالى , وكانت الصناعة تسهم بخمس الناتج . ولكن بدخول التكنولوجيا تغير التركيب الانتاجى لهذين القطاعين . فقد هبط نصيب الزراعة إلى أقل من العشر , ومعدل النمو السنوى للزراعة 1 . 4 % بينما يزداد نصيب مساهمة الصناعة إلى نصف الناتج بحلول عام 1975 وبمعدل نمو سنوى يصل إلى 4% ويلاحظ أن مجالات الخدمات كانت نرتبطة بشكل وثيق بالقطاع الصناعى وفى خط متوازى مع ناتج الصناعة .

وهذا يعنى نسبة شديدة التباين بين معدل نمو الزراعة والصناعة , ففى الوقت الذى ارتفعت الصناعة إلى قرابة 50 ضعف خلال المائة سنة الاخيرة أرتفعت الزراعة إلى 4 أضعاف فقط . وكان أثر التقدم التكنولوجى الزراعى واضحا فى زيادة الانتاجية الفردية للعامل الزراعى بينما لم يؤدى إلى زيادة كبيرة فى الناتج الاجمالى , مما كان له الاثر الاكبر فى انخفاض العمالة الزراعية وهجرتها إلى الصناعة , وبذلك أستحوزت الصناعة على النشاط الاقتصادى فى البلدان المتقدمة التى عرفت فيما بعد بالبلدان الصناعية المتقدمة .

وما هو معروف فى ديناميكية التطور التكنولوجى _ أن التطور التكنولوجى لم يكن وليد بلدا واحدا بعينه ولم تكن مراحل نمائة وتطورة مقصورة على هذا البلد فقط , ومن ثم لم تكرر التجربة بهذا الشكل فى بقية البلدان _ أى لم يكن ذلك أبدا سلوك التطور ومحصلته كانت مشاركة بين العالم المتقدم كله , فبدأ فى بعضها واستكملت باقى المراحل فى البعض الأخر , وأيضا فى بلدان نشاته وهنا نؤكد على الدور الكبير الذى قامت به الجهود المحلية فى عملية التطوير وهى المرحلة التى بالمحاكاه التكنولوجية وكانت تتم على اساس لاستيراد والفك والتكييف ثم التطوير واستحداث الجديد ولهذا نجحت هذه البلدان فى تكوين قدرتها الوطنية أولا , ثم تطويرها . وفى الحقيقة هناك فروق كبيرة بين البلدين المتقدمة نفسها فى حجم تطورها التكنيكى , وعلى الرغم ان هذه الفروق ترجع إلى عوامل لا تستطيع البلدان الصغيرة تحقيقها إلا ان هذه البلدان الصغيرة تحافظ على معدلات تطويرها التكنو لوجى الضعيفة .


المراجع

unescwa.org

التصانيف

الارض والفضاء  بيئة  تكنولوجيا   العلوم التطبيقية   العلوم البحتة