تعريف المبادرة الوطنية الأمريكية لتكنووجيا النانو
تزايدت أهمية التطبيقات المختلفة لـ"النانو تكنولوجي" في المجالات العسكرية والأمنية، وذلك في ظل سباق التسلح العالمي بين القوى الكبرى، وبحثها عن أسلحة أكثر كفاءة ودقة وأقل تكلفة، وذات أحجام صغيرة تؤدي الغرض المطلوب، ولا تحتاج إلى مستودعات ضخمه لتخزينها.
وانطلاقاً من هذه الأهمية، أصدر "معهد دراسات وتحليلات الدفاع الهندي"IDSA دراسة تحت عنوان: "النانو تكنولوجي.. المجال الناشئ لمستقبل التطبيقات العسكرية"، وهي الدراسة التي أعدها الباحث في المعهد "سانجيف تومار" Tomar Sanjiv.
وتناولت الدراسة تاريخ تقنية النانو وخصائص المواد متناهية الصغر (النانوية) التي توفر الأساس لتطوير تطبيقات مبتكرة. كما قدمت عرضاً مفصلاً لمبادرات "النانو تكنولوجي" في بعض الدول الكبرى في العالم، مع التركيز على استخداماتها في التطبيقات العسكرية. وتوضح الدراسة أيضاً مخاطر الاستخدامات غير الآمنة لتكنولوجيا النانو في المجالات العسكرية.
مفهوم "النانو تكنولوجي"
يعتبر "النانو تكنولوجي" مصطلحاً جماعياً Collective نظراً لانتمائه لعائلة من التخصصات العلمية والتكنولوجية التي تتعامل مع المواد والهياكل التي تُقاس أبعادها بالنانومتر (هو جزء من المليون من الملليمتر)، ويهتم بدراسة المواد والأجهزة والأنظمة على المقياس الذري والجزيئي بهدف معالجتها لاستكشاف خصائصها وتوظيفها. ومن المتوقع أن يكون لتقنية النانو تأثيراً بعيداً المدى على مختلف جوانب الحياة الصناعية والطبية والعسكرية.
وأصبح "النانو تكنولوجي" مجالاً رئيسياً للبحث والتطوير في العقدين الأخيرين، كما أصبح تأثيره على التطبيقات المتعلقة بالدفاع واضحاً في جميع أنحاء العالم. وتتركز جهود البحث والتطوير في مجال الدفاع على زيادة القدرة على القيادة والتحكم والتحمل والحماية.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لـ"النانو تكنولوجي" أن يؤثر بصورة مباشرة على التطبيقات العسكرية المتعلقة بما يلي: (التسلل، وتجهيز الإشارات، وتوليد الطاقة، وتطوير الهياكل الذكية والقوية، وزيادة عمر وأداء المركبات والمعدات والأسلحة، وتخفيض تكاليف الصيانة، وزيادة القدرات الوظيفية، واستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد من خلال المواد متناهية الصغر).
وطبقاً للدراسة، من المرجح أن تتميز الحروب المستقبلية بقصر مدتها، وحدتها، والتركيز على المعلومات. وهذا هو المجال الذي من المرجح أن تلعب فيه "النانو تكنولوجي" دوراً حاسماً في زيادة فاعلية القدرات القتالية.
تطبيقات النانو تكنولوجي العسكرية في بعض الدول
أشارت الدراسة إلى أن البحث والتطوير في مجال "النانو تكنولوجي" هو موضع اهتمام أكثر من 60 دولة في الوقت الراهن، فإضافة إلى الدول التي أفردت لها الدراسة جزءاً خاصاً لشرح هذا التطور، فإن ثمة دول اخرى تطور أبحاث "النانو تكنولوجي"، ومنها على سبيل المثال (أستراليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهونج كونج، وسنغافورة، وإسرائيل، وإيران، وتايلاند، وتايوان).
وقد تناولت الدراسة بشيء من التفصيل البحث والتطوير في مجال "النانو تكنولوجي" في عدد من دول العالم، كما يتضح في الآتي:ـ
الولايات المتحدة الأمريكية:
بدأت في دراسة "النانو تكنولوجي" في عام 2000، وخصصت ميزانية تُقدر ب ـ500 مليون دولار من أجل المبادرة الوطنية لتقنية النانو (NNI). واعتباراً من السنة المالية 2001 وحتى عام 2013، خصصت الولايات المتحدة نحو 17,9 مليار دولار لأبحاث تكنولوجيا النانو، بمشاركة ثماني وكالات حكومية في البداية، ثم ارتفع العدد ليصبح 27 وكالة.
وقد حدد "معهد البحوث التكنونانوية العسكرية" Institute for Soldier Nanotechnologies (ISN) خمسة مجالات للبحوث الاستراتيجية تركز على: (أجهزة الاستشعار المصغرة، والسرعة، والطائرات القتالية بدون طيار، وتطوير التدريب على تطبيقات الواقع الافتراضي، وتعزيز الأداء البشري).
الصين:
بدأت الصين رحلة البحث والتطوير في تكنولوجيا النانو في وقت مبكر منذ عام 1989 عندما تم إنشاء "مضاعف القوة الذرية" Atomic Force multiplier، وأعقبه "مجهر المسح النفقي" Scanning Tunnelling Microscope، والتي تعتبر الأدوات الرئيسية لأبحاث تكنولوجيا النانو. وتعد الصين واحدة من أسواق "النانو تكنولوجي" الأسرع نمواً في العالم بقيمة تقدر بنحو 145 مليار دولار بحلول عام 2015.
وفي عام 2006 نشرت مقالة صينية سبعة تطبيقات عسكرية صينية لتكنولوجيا النانو، تضم ما يلي: (أسطوانات النانو nanodiscs التي تعتبر سعتها التخزينية أكبر "مليون مرة" من أجهزة الكمبيوتر الحالية، وهياكل النانو nanostructures التي تعد أقوى "100 مرة" من الفولاذ، والقدرة على صنع أسلحة جينية، وسترات رقيقة تتمتع بالقدرة على امتصاص موجات الرادار بهدف التخفي والتسلل، وصنع الأسلحة الصغيرة، والأقمار الصناعية متناهية الصغر (النانوية)، ومعدات الجنود).
روسيا:
بادرت الحكومة الروسية بقيادة الرئيس "فلاديمير بوتين" في أبريل 2007 بدراسة وتطوير تكنولوجيا النانو، وتم تخصيص ميزانية لهذا الغرض قدرها أكثر من 100 مليار روبل (3,3 مليار دولار).
وتقوم روسيا بتطوير تكنولوجيا النانو في التطبيقات العسكرية في مجال وقود الصواريخ، وتطوير الزي العسكري، وتصنيع المواد متناهية الصغر، وتصنيع سترات النانو لطائرات الميج والسوخوي.
اليابان:
تعتبر تقنية النانو في اليابان أحد المجالات ذات الأولوية، ويتم توفير الدعم المالي لها من قِبل العديد من الوزارات. وفي عام 2001، وضعت الخطة الأساسية للعلوم والتكنولوجيا الأهداف الأولية للبحوث في مجال تكنولوجيا النانو.
وعلى الرغم من عدم وجود أدلة مباشرة تشير إلى تطوير تطبيقات عسكرية للنانو تكنولوجي في اليابان، إلا أن إرشادات برنامج الدفاع الوطني للسنة المالية 2014 وما بعدها، والتي وضعت المبادئ التوجيهية الجديدة للدفاع الوطني في اليابان، أبرزت حقيقة أن الاستراتيجية العسكرية والتوازن العسكري سيتأثران بشكل كبير جرَّاء التقدم وانتشار التقنيات الحديثة بما في ذلك "النانو تكنولوجي".
الاتحاد الأوروبي:
ترجع المحاولة الأولى للاتحاد الأوروبي للتعاطي مع تكنولوجيا النانو إلى عام 1996. وفي عام 2002 تم الاعتراف بتكنولوجيا النانو باعتبارها واحدة من الأولويات السبعة من خلال البرنامج الإطاري السادس FP6 للبحث والابتكار، مع ميزانية تُقدر بـ 1300 مليون يورو لتكنولوجيا النانو وحدها، وارتفعت لتصل إلى 3475 مليون يورو في البرنامج الإطاري السابع (2007 – 2013)، ثم تم تطبيق مبادرة "آفاق 2020" في وقت لاحق بميزانية تقدر بمليار يورو.
وتوضح الدراسة أن الأبحاث والتمويل ذات الصلة بمجال الدفاع في الاتحاد الأوروبي تضم عدداً من البلدان مثل المملكة المتحدة والسويد وفرنسا، وتشمل المجالات البحثية (أجهزة استشعار نانو، والأجهزة الإلكترونية، وتصنيع المواد متناهية الصغر، والحماية من المخاطر النووية والكيميائية والبيولوجية، والحروب الإلكترونية، واستخدامات الجنود).
الهند:
أدركت الهند إمكانيات تكنولوجيا النانو في وقت مبكر في عام 2001، وخصصت ميزانية قدرها حوالي 60 مليون روبية، ثم ارتفعت في عام 2007 لتصبح 10 مليارات روبية. وتساهم العديد من الدوائر الحكومية في هذا المجال، بما في ذلك منظمة أبحاث وتطوير الدفاع الهندية DRDO التي قامت بتأسيس منشآت للبحث ولإنتاج المواد متناهية الصغر (النانوية) في حيدر أباد ودلهي وكانبور بتكلفة إجمالية قدرها 10 مليارات روبية.
كما دخلت الهند أيضاً في برامج ثنائية لتطوير النانو تكنولوجي مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا وإيطاليا وتايوان والولايات المتحدة، وبدأ القطاع الخاص بها الاهتمام بتكنولوجيا النانو، فقامت شركتان كبيرتان بإنشاء مراكز للبحث والتطوير في مجال النانو.
وتشير الدراسة إلى أن الجهود المبذولة من قِبل الحكومة الهندية قد أدت لإحراز تقدم ملحوظ في مجالات النانو، ويتمثل في: الأنظمة الميكانيكية الكهربائية الصغيرة MEMS، والأنظمة الميكانيكية الكهربائية الدقيقة (النانوية) NEMS، وأجهزة الاستشعار المتقدمة والتطبيقات في مجال الطاقة، وتطوير أجهزة للحماية من الهجمات النووية والبيولوجية والكيميائية NBC، فضلاً عن إمكانية تطوير المركبات الجوية غير المأهولة (UAVs) ومركبات القتال الجوي بدون طيار (UCAVs)، لخفض معدل الإصابات، ودعم القدرات القتالية والعمليات العسكرية في المناطق المأهولة، والمناطق صعبة التضاريس.
باكستان:
بدأت مبادرة تقنية النانو في باكستان في عام 2003 من خلال اللجنة الوطنية للتكنولوجيا وعلم النانو (NCNST) التي أسستها الحكومة لفترة أولية مدتها ثلاث سنوات باستثمار بلغ 11 مليون دولار، ثم تم وضع خطة مفصلة في ديسمبر 2013 بتمويل إجمالي قدره 25 مليون دولار تقريباً.
وتشير الدراسة إلى أن إنشاء مختبرات للتطبيقات الدفاعية يُعد من الأهداف الرئيسية لهذه المبادرة، مع التركيز بشكل خاص على البحث والتطوير في مجال الفضاء والملابس الواقية. وحديثاً، تم اقتراح إنشاء مؤسسة باكستان لتقنية النانو، والتي من المقرر أن تضع خططاً حول تقنية النانو لمدة خمسة و10 سنوات.
كوريا الجنوبية:
من بين النمور الآسيوية، تعتبر كوريا الجنوبية هي الدولة الرائدة في مجال تكنولوجيا النانو. وقد بدأت مبادرة تقنية النانو الوطنية الكورية في ديسمبر 2000 من قِبل مجلس العلوم والتكنولوجيا الوطني (NSTC)، ويبلغ استثمارها في هذا المجال نحو 4,85 مليار دولار خلال الفترة من 2005- 2015. ولدى كوريا الجنوبية ثلاثة برامج بحثية رائدة في مجال "النانو تكنولوجي"، وخمسة مرافق حكومية لتصنيع وتطوير تكنولوجيا النانو.
مخاطر وتحديات استخدام "النانو تكنولوجي"
على الرغم من الفوائد المتوقعة من استخدام "النانو تكنولوجي"، فإن التقنيات المستخدمة للتحكم في الجزيئات والأجهزة والنظم متناهية الصغر (النانوية) والتنبؤ بسلوكها، لاتزال غير ناضجة وبحجاة لمزيد من الابتكار.
ونتيجة لذلك، فإن آثار استخدام "النانو تكنولوجي" على المدى الطويل غير معروفة للآن، فبالنسبة لجسم الإنسان، لا يمكن الجزم بنتائج دخول بعض المواد (النانوية) إليه، فقد يؤدي ذلك إلى تأثيرات سامة (تسميم الجينات)، مما يؤثر سلباً على الجسم البشري بشكل عام. علاوة على أنه لا يمكن التنبؤ بتأثيرها على البيئة أيضاً، حيث يمكن أن يسبب "النانو تكنولوجي" ضرراً لا يمكن إصلاحه.
وعلى الرغم من هذه الشكوك، فإن أحد التقديرات يشير إلى هناك استخدام لأكثر من 1600 تطبيق من تطبيقات النانو تكنولوجي في مجالات (الإنتاج الغذائي، والصناعات التحويلية، والهندسة البشرية، والرعاية الصحية، والإلكترونيات، وتوليد الطاقة، والحروب الحديثة) في مختلف أنحاء العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن الجهود الحالية تتركز على تنظيم ومراقبة استخدام هذه التطبيقات على المستويين الوطني والإقليمي. أما على المستوى الدولي، يوجد عدد محدود من المبادرات؛ ومن ثم يقع على عاتق الحكومات والهيئات التنظيمية مسؤولية المراقبة والإشراف، في الوقت الذي يرى فيه العلماء والخبراء أن أساليب إدارة المخاطر التقليدية غير كافية للتعامل مع ومعالجة المخاطر الناجمة عن استخدام المواد متناهية الصغر (النانوية).
ختاماً، أكدت الدراسة أنه على الرغم من أن تقارب "النانو تكنولوجي" مع "التكنولوجيا الحيوية" biotechnology، فمن المرجح أن يتم العمل بشكل أكبر على توفير قدر أكبر من الأمان، مع عدم استبعاد الآثار السلبية، والتي قد تتمثل في خلق جراثيم مُسببة للأمراض الوراثية.
لذلك، من الضروري تحقيق نوع من التوازن بين عملية البحث والتطوير من ناحية، وتطوير التطبيقات الآمنة من ناحية أخرى، بسبب الثغرات الموجودة في تطبيقات "النانو تكنولوجي"، والتي قد يكون لها انعكاسات سلبية على الإنسان والبيئة في المستقبل.
المراجع
futureuae.com
التصانيف
الارض والفضاء تكنولوجيا العلوم البحتة العلوم التطبيقية