مع تفاقم فوضى المنتجات المعدلة وراثيا في البيئة المصرية حاليا اقر مجلس الوزراء مشروع قانون للسلامة الاحيائية تقدمت به وزارة البيئة مطلع الشهر الجاري ويتعلق بانتاج الزراعات والاغذية المعدلة وراثيا وتداولها وهو يلزم عملاء الشركات الاحتكارية العالمية الكبرى داخل مصر بشروط الامان الحيوي اللازمة للتداول والمتاجرة في السلع المهندسة وراثيا ويهدف القانون الى تاكيد سلامة تداول المنتجات المعدلة وراثيا

وسلامتها بيئيا وصحيا ويتضمن انشاء اللجنة القومية للسلامة الاحيائية لمنتجات التحور وتنظيم سلطة اصدار التراخيص اللازمة وبين مؤيد لتلك المنتجات باعتبارها الحل الامثل لمجابهة نقص الغذاء والزيادة المطردة في عدد سكان العالم ومعارض يرى ان العبث بالاصول الوراثية من خلال التعديلات الجينية يمكن ان يكون له عواقب وخيمة على الصحة والبيئة يقف المواطن حائرا حول ماهية تلك المنتجات وما حقيقة تلك المخاطر وهل هناك فرق بين المنتجات المعدلة والزراعات العادية وكيف يتم تنظيم تداولها في البيئة المصرية .

تقضي الهندسة الوراثية للاغذية بانتاج كميات كبيرة من المحاصيل والثمار والبذور قادرة على مواجهة الآفات الزراعية ويمكن للزراعات المعدلة وراثيا ان تنمو في بيئات مناخية متطرفة وتقاوم مبيدات الاعشاب الضارة كما يحدث في انواع مثل الارز والقمح وغيرها من المحاصيل ويشرح الدكتور طارق قابيل فى المملكة العربية السعودية ان التعديل الوراثي هو ادخال صفات وراثية جديدة على صنف ما من النباتات باستخدام التقنيات البيولوجية الحيوية ما يحسن نوعية المنتج الزراعي وجودته.

ويفرق قابيل بين النباتات المعدلة وراثيا وتلك العادية بان الهدف من زراعة النباتات العادية والنباتات المعدلة وراثيا واحد وهو انتاج انواع محسنة وذات انتاجية اكبر لكن الاختلاف هو في طرق زراعة هذه النباتات فالنباتات العادية تزرع بصورة طبيعية 100% حتى وان هجنت مع اصناف اخرى بهدف تحسين الانتاج اما النباتات المعدلة وراثيا فيتم زرعها باستخدام احدث التقنيات في عالم الهندسة الوراثية ونقل الجينات من صنف الى آخر بواسطة بعض انواع البكتيريا او عبر ما يعرف بقاذف الجينات البيولوجي ويوضح الدكتور طارق رشدى استشارى التغذية جامعة القاهرة ان ثمة من يخلط بين الاغذية العضوية اورجانك وتلك المعدلة وراثيا ويشير الى ان الاولى يراعى في زراعتها سلامة التربة من وجود اي آثار سلبية للمبيدات الزراعية قبل زراعة الثمار كما يراعى عدم استخدام الهرمونات والمواد الكيميائية فى انتاجها ما يضمن جودتها وخلوها من اي آثار سامة.

وما بين انواع كثيرة من الفواكه والخضراوات كالبصل والبازلاء والفاصوليا والطماطم تقيم الاسواق الكبرى في البيئة المصرية اقساما خاصة للاغذية الاورجانك خالد محمود صاحب مخبز خاص يقول :  فى مخبزنا نستهلك كمبيات كبيرة من القمح المحلي ولا يهمنا كثيرا ان كان هذا القمح معدل وراثيا ام لا الاهم هو توافر كميات كبيرة تسد حاجة المواطنين وهو ما تقوم به تقنيات الهندسة الوراثية من تامين انتاجية كبيرة للقمح عن طريق زراعة اصناف معدالة وراثيا واضاف محمود ان المواطن البسيط لا ينظر الى الاخطار التى تترتب على تناول منتجات مهندسة وراثيا كالقمح مثلا بقدر ما ينظر الى توافرها فى الاسواق من الاساس وهو ما يؤمن بدوره سلعا اساسية كالخبز مثلا باعتباره من اساسيات المعيشة خاصة فى ظل غلاء اسعار الارز الذي ينافس الخبز على المائدة المصرية.

استطلعت دراسة اجراها اتحاد مجالس البحث العلمي العربية على مدى شهرين عينة عشوائية من 700 مواطن مصري حول الاغذية المعدلة وراثيا وذلك من خلال الاستبيان الورقي او موقعها الالكتروني وكشفت النتائج اختلافا فى الاراء حيث يعارض %52 من المصريين الاغذية المعدلة وراثيا  ويعتقد 64 %  انها ضارة بالصحة مقابل %26  و50 % انها ضارة بالبيئة مقابل 40 % واظهرت كذلك ان نسبة كبيرة من المؤيدين والمعارضين يخلطون بين المنتجات المعدلة وراثياً وتلك التى تستخدم الاسمدة والهرمونات فى انتاجها. وكما هو متوقع  فان غالبية مؤيدى المنتجات المعدلة هم الاعلى تعلما وممن اجابوا على استمارة الاستبيان وفى تناقض واضح  فان 48 % من المستطلعين ايدوا زراعة المحاصيل المعدلة وراثيا لحل مشكلة الغذاء ورفضها47 % ما يعكس خشية من الاغذية المعدلة وراثيا ومن ضررها على صحة الانسان والبيئة.

واشارت النتائج ايضا الى ان 44 % اعتمدوا على المعلومات التى تبثها وسائل الاعلام المختلفة فى تكوين آرائهم عن الاغذية المعدلة وراثيا مقابل 29% اعتمدوا على القراءة و 17 % على الدراسة و 19 % على المؤتمرات والندوات و 36 % على نقاشات مع الاصدقاء ويرى قابيل ان التعديل الوراثى ينطوى على سلبيات ومخاطر محتملة منها على سبيل المثال امكانية انتقال الجينات من النباتات المعدلة وراثثًا الى الانسان او الحيوان  او الى الاصناف البرية للنباتات ذاتها واحتمال زيادة مقاومة الآفات للسموم المنتجة من النباتات المعدلة وراثيا  وامكانية تاثير تلك السموم في النباتات المعدلة وراثيا على كائنات حية غير مستهدفة ناهيك عن فقدان الطعم والرائحة الاصلية للعديد من المحاصيل ويقول قابيل ان الخبراء في هذا المجال يرون ان اضرار هذه النباتات لا تظهر على الفرد مباشرة بعد اكلها بل تتاخر لفترات طويلة نسبيا قد تمتد الى سنوات ولا تزال الكثير من هذه الاضرار محل جدل بين المنتجين والوكالات الصحية من رايه عب الرشيس للوكالى  راى د.احمد جلال السيد الاستاذ في كلية الزراعة جامعة عين شمس ان هناك اعتقاداً قوياً بان الاغذية المعدلة وراثيا تمثل تهديداً قوياً للجنس البشري حيث تشير الابحاث الى ارتباط اعراضها الجانبية ببعض الامراض  مثل المناعة الذاتية autoimmune disease والحساسية ضد الاغذية severe food allergies.

واضاف ان هناك دراسة اجريت مؤخرا في الوكالة الاسترالية للصحة وحفظ الغذاء كشفت ان الفئران التى تغذت على اطعمة معدلة وراثيا حققت معدلات اوزان وخصوبة اقل من الطبيعي وزادت نسبة نفوقها خمسة اضعاف. كما قل الوزن عند ولادتها وعدم القدرة على التناسل  وتعرضت الحيوانات المنوية لدى ذكور الفئران للتلف ولاحظ العلماء  وفق الدراسة  ان العديد من المزارعين فى الولايات المتحدة اشتكوا من مشاكل فى خصوبة الخنازير والابقار التي  تغذت على ذرة معدلة وراثيا  وهذا يكشف آثارها المحتملة على سلامة الحيوانات والبيئة ايضا.

من المخاطر المذكورة اعلاه تنبع اهمية اصدار تشريعات ولوائح صارمة ومنظمة للمحاصيل المعدلة وراثيا لكي تجنب او تخفف من حدتها وتراقب عملية انتشارها وتوزيعها لذلك حاولنا التواصل مع مكتب منظمة الصحة العالمية في القاهرة وتحديدا شعبة الغذاء المعنية بتنظيم تلك المنتجات بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان  لكن جواباً لم يات حتى كتابة هذه السطور.

وربما يحسم قانون السلامة الاحيائية الجدل حول اجراءات وقاية السوق المصرية من هذه المنتجات التي قد تضر بالمواطنين على المدى الطويل ويغلق الباب امام الشركات الاحتكارية الكبرى اذا ما حاولت ادخال شحنات مشبوهة و بناء على القانون  فان المخاطر المحتملة لاستخدام المنتجات المعدلة وراثيا ومنتجاتها المصنعة واطلاقها فى البيئة تتمثل فى تاثيرها على التنوع الاحيائي وصحة الانسان والنسيج الاجتماعي والاقتصادي  للمجتمع بل على الامن القومي وتاتى السلامة من خلال اعتماد الشفافية بما يتعلق ب تلك المنتجات وطرق استنباطها واجراء دراسات شاملة لتقييم المخاطر وادارتها في البيئة المتلقية عبر جهة رقابية قبل السماح بتداولها.

وينظم القانون عملية التداول من خلال مبادئ اساسية عدة اهمها الاخذ بمبدا الحيطة والحذر ومنع استخدام اى منتجات قد تضر بسلامة البيئة. وهو مبدا اقرته مصر من خلال مبادئ ريو خلال قمة الارض عام 1992 يسمح بالتحوط فى مواجهة سلوكيات قد تؤدى الى ضرر جسيم طويل المدى على البيئة الا اذا توافر دليل علمي اكيد عن غياب الضرر المحتمل.

و الراي الصريح  هو عدم امكانية التنبؤ بخطورة المنتجات المعدلة وراثيا وآثارها على البيئة المصرية او على صحة الانسان على المدى الطويل ويحتاج القانون الشركات المنتجة بفصل المنتجات المعدلة عن غيرها ووضع بطاقات تعريف واضحة عليها و من خلال ما يتضمنه القانون سيتم انشاء اللجنة القومية للسلامة الاحيائية ومن مهامها الرئيسية اصدار تراخيص بتداول تلك المنتجات للاتجار والعرض في الاسواق وتشكيل لجان فرعية متخصصة لبحث ما يحال اليها من اللجنة من طلبات للاسترشاد برايها في اتخاذ قرار الترخيص او رفضه واستطلاعات الراي فى المنتج موضوع طلب الترخيص وعقد جلسات استماع علنية لهذا الغرض وتكليف طالب الترخيص بتقديم بيانات اضافية تحتاجها اللجنة لاستيفاء شروط الطلب والتكليف باجراء دراسات تقييم المخاطر تحت اشراف اللجنة اذا تطلب الامر.

كما نص مشروع القانون على ضرورة وضع حد ادنى من البيانات اللازمة لكل طلب ترخيص منها مدة سريانه ومحتوى بطاقات التعريف المناسبة لتحقيق الشفافية المطلوبة للمستهلك  والبيانات اللازم الحاقها بمستندات الشحن وبينما تحاول السلطات المصرية تنظيم تداول هذه المنتجات يشهد العالم جدلا حولها ففي وقت سابق ساد اجماع اوروبي على فرض حظر تام على المنتجات المعدلة جينيا حيث علقت سويسرا  السماح بالزراعات المعدلة جينيّاً وتجارتها حتى سنة  2013  وايدتها السويد وتشيكيا وفي اوروبا عموما تقلصت مساحة الاراضي المزروعة ببذور معدلة جينيا من 107 آلاف هكتار عام 2008 الى 94 الف هكتار عام 2009.


المراجع

aljazeera.net

التصانيف

الحلول والبدائل  بيئة  الحفاظ على البيئة   العلوم التطبيقية