تواجه صناعة توليد الكهرباء بالولايات المتحدة أكبر مشكلة منذ حادث ثري مايل آيلاند عام 1979 الذي تسبب في إلغاء الاستثمار في محطات نووية جديدة طوال فترة جيل كاملة. أما هذه المرة فإن محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم، هي المعرضة للخطر. ذلك أن القوانين الجديدة التي تحكم التلوث الصادر من محطات الفحم التي اقترحتها وكالة حماية البيئة التابعة للحكومة الأميركية من شأنها إجبار ما يصل إلى 20 في المئة من تلك المحطات على الإغلاق، بحسب محللين وتنفيذيين بهذا القطاع.

وقالت المنظمات الأميركية المعنية بمبادئ الأسواق الحرة وتقليل السيطرة الحكومية والفيدرالية على التجارة والصناعة، إن مشروع القوانين الجديدة ستكون له آثار سلبية جسيمة، تشمل البطالة وزيادة حادة لأسعار الكهرباء، بل قد تؤدي في نهاية المطاف إلى انقطاع الكهرباء في بعض المناطق بالولايات المتحدة. وقد أدت المخاوف من هذه الآثار، إلى وضع بعض المواد التشريعية أمام الكونجرس لتقليص صلاحيات وكالة حماية البيئة وإيقاف القوانين الجديدة.

ومن المسائل المثيرة للجدل ما إن كان لقيود التلوث هذا التأثير المدمر بالفعل، حيث أجرت لجنة بالكونجرس بحثاً، ذهب إلى أن التوقعات المنذرة بمخاطر شديدة كانت مبنية على فرضيات مبالغ فيها عن خطط وكالة حماية البيئة، غير أن التأثير المالي على شركات الكهرباء الأميركية قد يكون كبيراً. إذ أن القوانين الجديدة الرامية إلى تقليل أضرار الصحة العامة من التلوث الصناعي، تشمل قيوداً أكثر صرامة على الكيماويات السامة في غازات عادم محطات الكهرباء وعلى استخدام المياه وعلى التخلص من رماد الفحم.

أول القوانين المقرر إعمالها هو قانون تلوث الهواء في الولايات المتحدة الأميركية الذي يقلص الانبعاثات المسموح بها من ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين وهي الغازات التي تسبب الأمطار الحمضية. وكان هذا القانون قد صيغ بالتفصيل في شهر يوليو ومن المقرر العمل به اعتباراً من عام 2012. وهناك عدة طرق يمكن لمصانع توليد الكهرباء أن تفي بمتطلبات قانون تلوث الهواء، ففي مقدورها شراء مزيد من تصاريح التلوث في نظام المبادلة لانبعاثات الغاز الحمضي.

وفي وسعها إحراق مزيد من الفحم المحتوي على نسبة قليلة من الكبريت. كما أنه في مقدورها الاستثمار في مزيد من معدات تخليص غازات المداخن من الكبريت أو الاستفادة من المعدات المركبة فعلاً أو التقليل من استخدام المحطات غير المزودة بتلك المعدات. غير أن لجميع تلك الخيارات مساوئ مقترنة بها، وربما لا يكون من المجدي في نهاية المطاف الحفاظ على تشغيل محطات الفحم القديمة والأقل كفاءة.

ويرجح أن تستبدل محطات الفحم تلك بدفعة جديدة من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز ذات الانبعاثات الأقل والتي يمكن أن تستفيد من أسعار الوقود المنخفضة بفضل ازدهار الغاز الصخري بالولايات المتحدة. وتتفاوت عواقب هذا الأمر على شركات الكهرباء. حيث قال دنيال فورد المحلل في باركليز كابيتال، إنه يتعين على الشركات التي تخضع أعمالها للقيود أن تحمل المستهلكين فروق التكلفة. وبالنسبة للشركات غير الخاضعة للقيود، يتوقف ذلك على خليط وقودها.

وربما تربح الشركات التي تعمل بالغاز أو بالطاقة النووية، نظراً لأن وكالة حماية البيئة ستزيد أسعار الكهرباء، ولكن الشركات التي تعمل بالفحم ستكون هي الخاسرة، وذهب محللون من سانفورد بيرنستاين إلى أن شركات كهرباء مثل ساذرن كومباني وأميركان إلكتريك باور وديوك اينرجي وبروجريس انيرجي، تضطر على الأرجح إلى تقليص كثير من سعة توليد الكهرباء بها. وتعتبر شركات سكانا وانترجريس وجينون وفيرست اينرجي وساذرن وايه إي بي، الأكثر عرضة لفقدان نسبة كبيرة من إجمالي الطاقة الإنتاجية.

وتتزايد شكاوى تلك الشركات بشكل علني من المخاطر التي تهددها في هذا الشأن. وقالت شركة إيه إي بي في شهر يونيو الماضي إن القوانين الجديدة قد تكبدها خسارة ما بين 6 و8 مليار دولار قبل نهاية العقد، حيث إنها خططت لإغلاق خمس محطات تعمل بالفحم، ووصل الأمر بمايكل موريس رئيس مجلس إدارة إيه اي بي ورئيسها التنفيذي، إلى أن وصف جدول الالتزام الزمني، بأنه بعيد تماماً عن المنطق.

وربما تكمن المشكلة الأخطر في تكساس التي تعاني فيها أكبر شركة كهرباء في الولايات المتحدة اينرجي فيوتشير هولدنجز بالفعل من عبء الدين البالغ 45 مليار دولار الذي يحسب عليها منذ عام 2007، وهناك مخاوف دائمة من انقطاع الكهرباء في ولاية تكساس خلال الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة الذي يؤدي إلى زيادة استخدام مكيفات الهواء وإلى انقطاع الكهرباء غير المتوقع.

واشتكى ريك بيري حاكم ولاية تكساس من قوانين وكالة حماية البيئة التي تقضي في رأيه على فرص الوظائف، ووصف هذه القوانين بأنها “مدمرة”. كما اعترضت شركة اينرجي فيوتشير هولدنجز بشدة على تلك القوانين، وقالت إن الأضرار الخطيرة على تكساس لا مبرر لها وإن الجدول الزمني غير منطقي الأمر الذي يضر بفرص العمل في تكساس، وبالأسعار وبإمدادات الكهرباء في الولاية.

وطلبت شركة أينرجي فيوتشير هولدنجز ضمن شركات أخرى من وكالة حماية البيئة إرجاء العمل بقانون تلوث البيئة وهي حالياً في انتظار رد منها. فإذا رفضت الوكالة فمن المرجح أن تتخذ بعض الشركات والولايات إجراءات قانونية. وتوقع برانين ماكبي الخبير في مؤسسة بنتك اينرجي الاستشارية أن تمهل وكالة حماية البيئة الشركات مزيداً من الوقت ربما من خلال إعمال القوانين الجديدة على مراحل تستغرق عدة سنوات.

ولا توجد سعة كافية في الولايات المتحدة لتركيب جميع معدات نزع الكبريت وبناء محطات جديدة تعمل بالغاز وخطوط الأنابيب اللازمة للوفاء بجدول وكالة حماية البيئة الزمني. غير أنه أضاف أن الوكالة تبدو مصممة على تنفيذ استراتيجيتها. ثم قال: “تجمع أوساط قطاع الطاقة على أنه ينبغي إرجاء القوانين بطريقة أو بأخرى”. نقلاً عن: «فاينانشيال تايمز» ترجمة: عماد الدين زكي


المراجع

alittihad.ae

التصانيف

الحلول والبدائل  بيئة  الطاقة المتجددة   العلوم التطبيقية