يرتبط مستقبل التنمية فى مصر بتوافير احتياجاتها من الوقود الاحفورى ( النفط والغاز الطبيعى ) الذى يعتبر عصب الطاقة والصناعة والتقدم الاقتصادى والاجتماعى فى الحاضر والمستقبل المنظور , ولذا فإنه من الضرورى أن يكون لمصر رؤياها الاستراتيجية التى تضمن الاستثمار الامثل والمستدام لثروتها الاحفورية بما يعزز زيادة مخزوناتها الاحتياطية منها , ويستجيب فى الوقت ذاته لاحتيجاتها المستقبلية ومعدلات الاستهلاك المتزايدة .

وتمكن اهم ركائز التنمية المستدامة لموارد الطاقة الاولية بمصر فى الإدارة الفعالة لهذه الموارد على النحو الذى يجعلها موصولة الإمدادات لمعدلات نمو مرتفعة ترتقى بالاقتصاد المصرى لبلوغ الرخاء النسبى المنشود , وحافظة فى الوقت ذاته للبيئة والصحة الإنسانية فى إطار المعايير الرفيعة للتماسك الإيكولوجى والحياة الامنة المستقرة .من هذا المنطلق أعلن قطاع البترول فى استراتيجيته التى عرضها وزير البترول على الرئيس محمد حسنى مبارك فى يناير 2000 اهدافه لتنمية الطاقة المستدامة على النحو التالى :

  • زيادة ثروات مصر البترولية ودعم الاحتياطات من النفط والغاز .
  • إمداد خطة التنمية باحتياجتها من الطاقة البترولية .
  • تعظيم حصيلة الخزانة العامة للدولة من النقد الاجنبى والمحلى وذلك بتعظيم الصادرات وترشيد الواردات البترولية والبتروكيماوية .
  • تنشيط جذب الاستثمارات العالمية والعربية .
  • زيادة فرص العمل .

ولقد صاغ قطاع البترول أهدافه هذه استنادا إلى حقيقة أن مصر صارت خلال السنوات القليلة الماضية واحدة من الدول ذات الاحتياطات الكبيرة من الغاز الطبيعى فى العالم , حيث ارتفع الاحتياطى المؤكد من 36.5 تريليون قدم مكعب فى يوليو 1999 إلى نحو 56.5 تريليون قدم مكعب فى مايو 2002 بالإضافة إلى ما يتراوح من 80 إلى 100 تريليون قدم مكعب احتياطى مرجح جارى تأكيده خلال الفترة القادمة . ويطرح قطاع البترول استراتيجيته على أساسا تصدير الغاز الطبيعى كوسيلة لدعم ميزان النقد الاجنبى لقطاع البترول ورفع جزء من العبء الذى يتحمله فى سداد تكلفة تنمية حقول الغازات الطبيعية الجديدة , وتحقيق عائد من النقد الأجنبى لدعم خطط التنمية , دون تأثير على الاحتياجات المحلية المطلوبة للتنمية المستدامة , ودون الأجحاف بحق الأجيال القادمة فى نصيبها العادل من الثورة الاحفورية , وذلك بتوجيه ثلث الاحتياطى لخدمة الاستهلاك المحلى , وثلث الاحتياطى لخدمة الاستهلاك المحلى , وثلث أخر للتصدير , والاحتفاظ بالثلث الأخير رصيدا استراتيجيا للاجيال الثادمة .

وتهدف السياسة المعلنة لوزارة البترول إلى الأسواق لتصدير الغاز الطبيعى إما عن طريق خطوط الانابيب البرية أو البحرية , أو عن طريق تشييد مصانع لإسالة الغاز ونقله فى ناقلات خاصة إلى محطات فى الدول المستهلكة تضطلع بإعادته للحالة الغازية , أيهما اثر اقتصادا وأيسر تقنيا , وقد وقعت بالفعل عدة عقود مهمة فى هذا السبيل مع كبريات الشرات العاملة فى مجال البترول والغاز الطبيعى فى العالم , وأيضا مع العديد من الدول العربية الشقيقة . وعلى التوازى مع ذلك تستهدف السياسة التى تتبناها وزارة البترول تعظيم استخدام الغازات الطبيعية - بأعتبارها وقودا صديقا للبيئة أيضا فى كافة الأنشطة الاقتصادية , وفتح مجالات وأسواق جديدة لاستخدامات الغاز بما يحقق الاستغلال الامثل للموارد المحلية للطاقة , ويحافظ فى الوقت ذاته على أمن وسلامة البيئة والصحة الإنسانية .

أما الثروة النفطية فتقدر الاحتياطيات المؤكدة منها حاليا بحولى 3.7 بليون برميل من الزيت والمتكثفات لكنها محفوفة بمخاطر التناقص الطبيعى والتدريجى فى إنتاج الزيت الخام , نظرا لتقادم الحقول الكبرى المنتجة , وزيتدة معدلات استهلاك المنتجات البترولية بمعدلات تفوق الزيادة فى الإنتاج , الامر الذى دفع بمصر إلى استيراد بعضها من الخارج خلال السنوات الماضية مما يمثل تحديا يتطلب فكرا جديدا واداء متميزا للحفاظ على النفط كمصدر مستدام للطاقة الأولية لاطول فترة مستقبلية ممكنة , الامر الذى يتطلب تحسين معدلات الاستخراج باستخدام تنولوجيا متطورة , وتثيف البحث الاستشافى عن حقول نفطية جديدة .

على أن المستدامة تعنى ذلك فى هذا الإطار عدم الإخلال بسلامة البيئة , وتدنية التأثيات الضارة الناتجة عن عمليات إنتاج البترول وتصنيعه واستخدامة , سواء من خلال الإجراءات الاحترازية ضد حوادث الناقلات والحفارات والتلوث البحرى وما إليها , أو بالعمليات الإنتاجية النظيفة لمراحل الصناعة البترولية , أو بالمنتجات الصديقة للبيئة كالمنتجات البترولية منخفضة الكبريت والبنزين عالى الأوكتين الخالى من الرصاص المنتج من وحدات تحسين النافثا والأمرة للحد من تلوث الهواء , أو بالأستخدامات الحافظة للبيئة من التدهور الشديد التحول إلى تشغيل المركبات بالغاز الطبيعى بديلا عن البنزين , والتحول إلى إنتاج الكهرباء أيضا بالغاز الطبيعى بديلا عن المازوت , وأيضا بتضمين البعد البيئى شروط الاتفاقيات , والالتزام الصارم والتشريعات البيئية.

وتشير إحصاءات إنتاج الطاقة الاولية بمصر شاملة النفط والغاز الطيعى والطاقة الهيدروهربية والفحم  إلى ان الإنتاج السنوى لها عام 1999/2000 قد بلغ 59.69 مليون طن مكافىء نفط بلغ إنتاج الغازات الطبيعية منها 16.2 مليون طن مكافىء نفط بزيادة قدرها 3 مليون طن عن العام الذى سبقه , الأمر الذى يؤكد تنامى إحلال الغازات الطبيعية محل المنتجات النفطية عاما بعد عام كتعزيز متواصل لمستدامية الطاقة , وهو ما يتبدى على نحو ظاهر فى الطاقة الكهربية المولدة من مصادر حرارية التى قاربت عام 1999/2000 حوالى 59 مليار كيلووات ساعة , بلغت نسبة استهلاك الغاز الطبيعى إلى إجمالى الوقود المستخدم فى إنتاجها نحو 85% , ولم تكن تتعدى 4% فى نهاية السبعينات . ويبدو ذلك جليا فى الاستهلاك القطاعى للمنتجات البترولية والغازات الطبيعية حيث بلغ استهلاك قطاع الكهرباء من المازوت عام 1999/2000 حوالى 3.29 مليون طن مكافىء نفط ومن الغازات الطبيعية مقدار 9.88 مليونطن مكافىء نفط , والاتجاه حاليا إلى بلوغ هذا الاستهلاك مرتبة 100% غازات طبيعية حالما تمتد شبكة الغاز الطبيعى إلى مكافة محطات القوى الكربية فى وقت قريب .

وتمتد تنمية الطاقة المتدامة لتشمل الانتقال إلى نمط جديد من الاتفاقيات مع الشريك الاجنبى اكثر عدلا وإنصافا بما يحقق صالح الوطن فى المشارة والتسعير , ويؤدى فى الوقت ذاته إلى جذب المزيد من الاستثمارات خاصة فى مجال الغاز اطبيعى , لاسيما فى ظل امتلاك مصر لعناصر قوة مبدئية يتقدمها الاستقرار السياسى والاجتماعي , واحترام مصر لتعهداتها واتفاقيتها , والنظام المصرفى المتطور , والبنية الاساسية المتكاملة , والخبرة المتميزة فى مجال الطاقة . على أن مستدامية الطاقة يعين ذلك ان تبدع توافقا ابتكاريا فريدا لمعضلة المواءمة بين تصنيع الغاز الطبيعى وتصديره فى ظل المفاضلة المستمرة بين اقتصاديات التصنيع والتصدير , وفى مواجهة احتياجات الاجيال القادمة من الطاقة , وتوقعات ارتفاع أسعارها فى الاسواق العالمية و واحتمالية نضوب الاحتياطات المصرية من النفط , خاصة وأن الاحتياطات البترولية المؤكدة ( سوائل وغازات ) المعلنة ليست ملكا خالصا لمصر , وإنما يتعلق بها نصيب الشريك الاجنبى الذى تمتد عقوده مع مصر إلى نحو 35 عاما , وهى مدة تزيد على عمر اكبر الحقول , ومن ثم فغن أية استراتيجية تستهدف تنمية مستدامة للطاقة الاحتياطية اكثر من نصفها .

وينقلها ذلك على الفو إلى تحليل الطلب الاجمالى المستقبلى على كل من المنتجات البترولية والغازات الطبيعية واو على المدى المتوسط حتى عام 2020 , وإمكانات مجابهته , ما يستند إلى دراسات بدائل الإنتاج والاستهلاك , خاصة بديل (سيناريو ) النمو الذى تستهدفه الدولة , إذ تشير أرقام الاستهلاك , خلال عقد التسعينيات إلى أن مرونة الطاقة معبرا عنها بنسبة معدل نمو استهلاكها إلى معدل نمو الناتج المحلى الاجمالى GDP قد تراوحت حول 1.3 , اى بما يعنى أن نمو الناتج المحلى الاجمالى بمعدل 1 % سنويا يتبعه نمو استهلاك الطاقة بمعدل 1.3 % سنويا فمع افتراض وضع برامج صارمة لترشيد الطاقة ورفع كفاءتها بما يمكن أن يؤدى إلى خفض تلك المرونة إلى ثلاثة أرباع الواحد الصحيح , أى ما يعادل المتوسط العالمى فى وقتها الراهن , وبفرض أن مصر ستحقق نموا اقتصاديا بمعدل 7 % سنويا فى المتوسط حتى عام 2020 على النحو الوارد فى استراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية .

فإن معدل نمو الاستهلاك المحلى من البترول ولاغاز يمكن ان ينخفض إلى نحو 5.25 % سنويا فى المتوسط , وبذلك تبلغ احتياجات مصر المجمعة من البترول والغاز خلال الفترة حتى 2020 نحو 1100 مليون طن مكافئ نفط , وإذا رغبت مصر فى تحقيق حصيلة صافية صافية من صادرات البترول والغاز فى حدود 1.8 مليار دولار سنويا فى المتوسط على أساس سعر متوقع 25 دولارا للبراميل , فسوف يلزم توفير حصة للتصدير لحساب مصر لا تقل عن 10 مليون طن سنويا , وبذلك يبلغ إجمالى الصادرات على مدى السنوات حتى 2020 نحو 200 مليون طن , وبذلك يبلغ إجمالى احتياجات مصر من البترول والغاز ( متضمنا الصادرات ) نحو 1300 مليون طن مكافىء نفط , ولكى نتوصل لتقدير حجم الإنتاج المطلوب من البترول والغاز , ومن ثم حجم الاحتياطيات التى تساندة خلا الفترة المذكورة , وينبغى أن تضيف إلى الاحتياطات المحلية كمية مماثلة التغطية نصيب الشركات الأجنبية العاملة فى مصر مقابل استرداد نفقاتها وحصتها الإضافية فى الإنتاج وفقا للأتفقيات السارية . وبذلك يبلغ المستهدف إنتاجه من البترول والغاز على مدى الفترة حتى 2020 نحو 2600 مليون طن مافئ نفط , وذلك بفرض تنفيذ مشروعات ترشيد ورفع فاءة الطاقة كى ينمو الاستهلاك فقط بمعدل 5.25 % سنويا فى المتوسط .

وبمقارنة هذا الرقم بما هو معلن كاحتياطات مؤكدة فى الوقت الحاضر – ولا تتجاوز 1880مليون طن مكافئ نفط – ( 3.7 مليار برميل زيت ومكثفات , 56.5 تريليون قدم مكعب غاز ) , وحتى فى وجود احتياطى مرجح من الغاز يبلغ حوالى مائة تريليون قدم مكعب ( يبلغ نصيب مصر منها حوالى 50 تريليون قدم مكعب ) , وتتضح الأهمية الاستراتيجية للإجابة الابداعية المطلوبة لمعضلة المفاضلة بين تصدير الغاز أو الاحتفاظ به محليا , ومواجهة احتياجات الاجيال القادمة .وليس ذل فحسب بل هذه التوقعات تظهر ان مصر قد تجابه مشكلة حقيقية تعترض مستدامية الطاقة لديها ربما قبل نهاية الخمسة والعشرين عاما القادمة , الأمر الذى يتطلب برنامجا تكامليا مبدعا للحفاظ على مستدمية الطاقة بشقيها الجوهريين : استيقاء استمرارية وجودة الإمداد , وتقليص التأثيرات البيئية محليا وإقليميا وعالميا .وتوجد على الأقل عشرة مجالات أساسية للفعل الأيجابى هى بمثابة الخطوات الحرجة لإبداع الظروف الإطارية التى يمكن لصناعة الطاقة فى مصر ان تعمل من خلالها لإحراز غايات الطاقة المستدامة : نوالية الطاقة ( توفير خدمات الطاقة المحدثة للجميع ) , وإتاحية الطاقة ( استمرارية وجودة الإمداد ) ومقبولية الطاقة ( القبض على ناصية المناحى الاجتماعية والبيئية .


المراجع

irena.org

التصانيف

الحلول والبدائل  بيئة  الطاقة المتجددة   العلوم البحتة   العلوم التطبيقية