أهمية التنوع البيولوجي
أولا : التونع البيولوجي والطب
تتأثر صحة الإنسان بتدمير التنوع البيولوجي تأثرا مباشرا ، فلا نستطيع إنكار فضل النباتات والأعشاب في علاج الأمراض . فقد قدر العلماء أن أكثر من 40 في المائة من الأدوية التى تباع في الدول المتقدمة مستخلصة من أنواع نباتية برية . كما أن اكثر من 80 في المائة من سكان البلاد الفقيرة يعتمدون على الأعشاب والنباتات الطبية وكذلك على منتوجات حيوانية في العلاج .
ويذكر العلماء أن هناك حوالي 200 ألف نوع نباتي تستخدم في إنتاج الأدوية وفي العلاج على مستوى العالم ، كما أن الوطن العربي يستخدم وبشكل واسع الكثير من العقاقير الطبية ذات الأصل النباتي أو الحيواني منذ قديم الأزل ، وحتى العالم الغربي بدأ الأن في العودة إلى الأدوية النباتية الأصل نظرا إلى ما وجده من أثار سيئة نتيجة استخدامه الأدوية المصنعة كيميائيا وما تسببه من أمراض وأعراض جانبية لا علاج لها . فالإنسان منذ القدم كان يتبع الطريقة نفسها ، فقد عرف طريق التداوي بالأعشاب والنباتات المختلفة عندما لا حظ سلوك ما حوله من طيور وحيوانات تجاه بعض النباتات . وفجرت هذه الملاحظات تساؤلات الإنسان حولها حتى اكتشف بعض أسرارها إما بالمصادفة أو بالتجريب . وفي هذا الصدد نذكر أنه في كوريا لاحظ المزارعون أن الحيوانات التى تأكل من نبات معين تزداد عندها الرغبة الجنسية وتزداد الخصوبة لديها ، فبدأوا في استخدام هذه النباتات كأدوية شاع صيتها في الأوساط العلاجية لمشاكل الضعف الجنسي عند الرجال وهو ما نعرفه الأن بالجنسنج ومن هذا النبات صنعت أدوية كثيرة تستخدم الأن بنجاح كبير. ويذكر التاريخ القديم المحاولات الجادة لتجميع المعلومات التى تراكمت عن الأعشاب والنباتات الطبية وطرق التداوي بها ، وذلك في الحضارات المصرية والأشورية والصينية القديمة والهندية . ويذكر لنا التاريخ كثيرا من المحاولات العلمية الجادة لتجميع ما تراكم من خبرات تجريبية لدى الناس فيما يخص النباتات واستعمالاتها وفوائدها . واقترن ذلك بمحاولة تدوين هذه المعلومات خوفا من الضياع والنسيان وبذلك حفظت عبر أجيال وأجيال ، وحضارات قديمة ليس من السهل أن نجزم أيها كانت لها اليد الطولى في مجال التداوى بالأعشاب والنباتات المختلفة .
ومن أقدم ما وصل إلينا منها برديات الحضارة المصؤية القديمة ومن اشهرها بردية إيبرس (Papyrus Ebers 1550 ) العام 1550 ق.م . والكتاب الطبي الذي وضعه الملك أثونيس خليفة الملك مينا العظيم والذي يدل على أن المصريين القدماء كان لهم إلمام كبير بإسرار كثيرة عن النباتات التي ما زالت تعرف إلى الأن بفوائدها الطبية نثل نباتات : البردقوش – الأس – بصل الغار- البلوط – البلسان – التوت – التين – الجاوي – الجوز – الحبة السوداء الحميص – الحشيش – الحناء – الخروع – الخشخاش – الخطمية – الزعفران – الزنزلخت – الزيتون – السمسم السنط – الصفصاف – السنامكي – الصبار – الشعير – الشبت – الشمر – الينسون – الكراوية – الكزبرة – الكمون العرعر – الفلفل الأسود – القرطم – القرفة – الكافور – الكتان – المر – النعناع – النيلة – وغيرها الكثير .
بيد أن العرب كان لهم فضل كبير في زيادة المعارف عن النباتات الطبية وفوائدها على أسس علمية حديثة وذلك منذ العام 700 وسوف تظل إسهامات علماء المسلمين في هذا المجال مثاؤ الإعجاب من أمثال جابر بن حيان والرازي وابن سينا وابن البيطار ثم داود الأنطاكي والذي ما زالت تذكرته الشهيرة معمولا بها حتى الأن .
وانتقلت هلوم العرب ومعارفهم عبر الأندلس إلى أوروبا التى بدأ نور العلم والنهضة يسطع عليها فكانت هذه العلوم هي منطلق الحضارة العلمية الحديثة في الغرب كله .
وزاد الاهتمام بالنباتات حتى أن كثيرا من الشركات الاستعمارية بل بعض الدول الغربية تحتكر تجارة التوابل والنباتات الطبية . ويكفي أن تعرف أن هولندا قد احتكرت كل ما دخل الأسواق العالمية من نبات الكينة ، هذا كمثال فقط .
وقد استعملت بعض الحيوانات في الطب مثل حيوان السقنقور وبعض السلاحف والقواقع وسمك القرش وغيرها . ولكن استخدام مثل هذه الكائنات ( نباتية وحيوانية ) مصدرا للدواء يؤدي إلى تهديدها بالانقراض إلى درجة أن بعضها أصبح نادرا ، لذلك يعد الحفاظ على هذه الأنواع سواء منها النباتي أو الحيواني أمرا في غاية الأهمية . وتقدر قيمة سوق الدواء من المصادر النباتية في العالم سنويا بـ 75 إلى 150 مليار دولار (UNEP, World Bank, WRI 2000 ) ولا شك في أن المحيط الحيوي تعيش فيه ألاف الأنواع من النباتات والحيوانات التى لم تعرف فوائدها حتى الأن ، وانقراضها يعتبر ضياعا لفرض عديدة في علاج أمراض كثيرة لم يكتشف لها دواء فعال حتى الأن ، وبالطبع فإن التنوع البيولوجي يمثل المخزن لهذه الأنواع .
ثانيا : التنوع البيولوجي والغذاء
إن المحافظة على الأنواع تمكن النظم البيئية من الاستمرار في العطاء لحفظ التوازن من جهة ولسد احتياجات الإنسان المختلفة من جهة أخرى . إذن فالتنوع البيولوجي له قيمة أقتصادية للإنسان ويتضح ذلك في مجالات عديدة أهمها الزراعة الصناعة ، فالتنوع البيولوجي يعتبر شيئل مهما كمصدر للأصول الجينية للغذاء أو للمحاصيل الزراعية ولذلك يعتبر قاعدة للأمن الغذائي للإنسان ، فكثير من الأنواع الحية تفي بمتطلبات الإنسان من غذاء وكساء ووقود ودواء .... إلخ . كذلك تساعد على صون التربة وتحسين خصائصها ، وتثبيت الظروف المناخية وحماية مناطق توزيع المياه ، فالكائنات الحية من نباتات وحيوانات هي مصدر الغذاء للإنسان والحيوان ، وقد أمدتنا الطبيعة بمصادر وراثية غير محدودة من مليارات التباينات الوراثية . فلو نظرنا إلى الغذاء الكربوهيدراتي الذي نتناوله مثل القمح والذرة ، نرى أن أوصولها كانت من نباتات برية ، لكن الإنسان استخدمها في غذائه ، وهناك الكثير من الأنواع البرية القريبة منها ستظل مخزنا عظيما للصفات الوراثية لتحسين هذه المحاصيل واستنباط سالالات جديدة مقاومة للأفات أو للمتغيرات البيئية . فمثلا أدت التحسينات التى دخلت على نبات الأرز – كما أوردنا سابقا إلى الحصول على أنواع عديدة منه ، كما اكتشف أخيرا نوع من القمح في تركيا لم بكن يستخدم قبل ذلك ، ولكن أمكن استخدامه في إنتاج سالالات جديدة من القمح بالتهجين مع الأصناف المعروفة لإنتاج سالالات جديدة مقاومة للأمراض ، كذلك أمكن تهجين الطماطم مع سلالة برية منها في بيرو بأمريكا الجنوبية ، والحصول على نوع جديد من الطماطم المقاومة لفطرة الفيوزاريم التى تصيب الطماطم ، وقد أثر ذلك بالطبع على زيادة محصول الطماطم في العالم زيادة ملحوظة . كما أمكن استخدام أنواع برية أخرى للحصول على طماطم ذات محتوى أكثر من السكر لرفع قيمتها الغذائية . والأمثلة على ذلك كثيرة ، فعلماء النبات يحسنون المحاصيل والخضراوات والفاكهة وراثيا ليجعلوها أكثر مقاومة للأفات عن طريق المادة الوراثية الموجودة في النباتات البرية القريبة . وقد وجد العلماء أنه برغم استخدام التقنيات الحديثة في التحسين فإن الجينات اللازمة لتحسين السالالات لا بد أن تؤخذ من نباتات وسالالات برية مختلفة ، أي من الكائنات الحية وليس بصنع طفرات عن طريق المواد المشعة كما كان يحدث أحيانا .
ومن الأمثلة على ذلك ، نقل أنواع من الشعير الإثيوبي المقاوم للأمراض الفيروسية إلى كاليفونيا مما وفر حوالي 160 مليون دولار سنويا كانت تنفق على مقاومة الأفات والأمراض الفيروسية للشعير ( UNEP 1995 ) كذلك في تربية الحيوانات ، فإن المحافظة على تنوع الأنواع البرية يفيد كثيرا في المستقبل كمصدر للغذاء خاصة أن بعض الحيوانات الموجودة في أفريقيا مثلا مقاومة للأمراض أكثر من الماشية المعروفة لدينا كالجاموس والأغنام والطيور وتحتاج إلى كمية أقل من الماء ، وبالتهجين بينها وبين الأنواع المعروفة لدينا أمكن الحصول على سالالات تحمل الصفات المرغوبة .
المراجع
sotor.com
التصانيف
المشاكل البيئية بيئة مشاكل وحلول العلوم البحتة