لا شك في ان الزيادة السكانية غير الطبيعية ( الانفجار السكاني ) تعتبر من اهم مسببات التدهور البيئي ، لانها تؤدي الى الصراع البشري في مستلزمات الحياة من الموارد الطبيعية سواء من المحاصيل الزراعية أو المياه أو الثروة المعدنية أو من الغذاء او حتى من الحصول على الاراضي والمساكن . ولا يقتصر الامر على ذلك بل يتعداه الى حدوث مشاكل بيئية تؤدي الى تدهور الاوضاع البيئية بشكل عام نتيجة زيادة الطلب على الموارد ومن ثم تتدهور البيئة .

وقد حدث تراجع كبير مثلا في خصوبة التربة مما ادى الى تدميرها نتجة التكالب على زراعة الاراضي بشكل واسع للحصول على اكبر كمية من المحاصيل الزراعية من اجل الحصول على غذاء يكفي لتلك الأعداد المتزايدة من البشر, كما ظهرت بعض المشكلات البيئية التي لم يعهدها الانسان من قبل انتشار التصحر و الجفاف وزيادة الملوثات في الهواء والماء التربة وانقراض الكثير من الأنواع النباتية والحيوانية . كما تسببت زيادة استخدام المخصبات الزراعية للحصول على انتاج أوفر من المحاصيل الى استنزاف لقدرة هذه الاراضي الزراعية على العطاء نتيجة إجهادها . ايضا اصبح هناك صراع هائل على مصادر المياره العذبه مما انذر في كثير من الاحيان بحدوث حرب من اجل المياه . كل هذه المشكلات هي ننتيجة للسلوكيات اللاواعية للانسان تجاه البيئة والناتجة عن الزيادة الكبيرة في عدد السكان خاصة بعد أن شهد النمو السكاني في العالم تغيرا كبيرا وزيادة هائلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويرجع العلماء هذه الزيادة الكبيرة في عدد السكان الى تطور الرعاية الصحية وصناعة الدواء بالاضافة الى برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية مما أدي الى انخفاض كبير في معدلات الوفيات مع بقاء معدل المواليد المرتفعة كما هي في معظم دول العالم خاصة في الدول النامية , الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع الفجوة بين المواليد والوفيات , وبالتالي ارتفاع الزيادة السكانية الطبيعية . لذلك ارتفع عدد سكان العالم الى ثلاثة مليارات نسمة العام 1960 وإلى اربعة مليارات نسمة العام 1974 والى خمسة مليارات العام 1987 وإلى ستة مليارات العام 2000 والى ما يقارب سبعة مليارات نسمة هذا العام (2001 ) .

كما نلاحظ من الاحصائيات العالمية ان المدن ترتفع فيها كثافة السكان ارتفاعا كبيرا عنها في الريف , ذلك لان الارض في المدن هي مقر للسكن بالدرجة الاولى , بينما يمثل العمل الزراعي الاستخدام الرئيسي لارض الريف 

كما ان معدلات النمو السكاني في المدن تزيد عنها في الريف ويرجع ذلك الى تيارات الهجرة المتدفقة من الريف للمدن , وهي ظاهرة منتشرة في العالم خاصة في دول العالم النامي , ويؤدي ذ لك الى حدوث نمو سريع في عدد
سكان المدن مما يكون له اثار سلبية , اذ ان تزايد الطلب في المدن على الماء والغذاء والطاقة ووجود كمية كبيرة من النفايات وضرورة التخلص من هذه النفايات يؤدي الى الاخلال بالتوازن البيئي .
ومما يذكر في هذا المجال ان المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليون نسمة مثلا تستهلك في اليوم حوالي 6255 طنا من
المياه , 9500 طن من الوقود , 2000 طن من الاغذية , بينما ينتج عنها في نفس الوقت 5000 طن من عوادم
المياه , 2000 طن من الفضلات الصلبة , 950 طن من ملوثات الهواء, وهذه الارقام تعبر عن متوسط عالمي تقريبي مع ملاحظة ان هناك فروقا بين المدن , فمدينة نيويورك مثلا ينتج عنها اربعة امثال ما ينتج عن مدينة
نيودلهي من النفايات بالنسبة الى الشخص الواحد.
ونلاحظ ان البشر في البلاد الفقيرة تنحصر امانيهم في الحصول على متطلباتهم اليومية فقط من دون النظر الى ماسيجلبه ذلك من ضرر على بيئاتهم في المستقبل , وهم بذلك يلجأون الى استنزاف بيئاتهم من اجل معيشتهم
اليومية, من غذاء اوكساء او حتى ماء . لذلك يلجأون الى كل الطرق الممكنة والتي كثيرا ما تكون طرقا غير سليمة
لتوفير اقل قدر ممكن من هذه المتطلبات ... وفي هذا الصدد يعانون الكثير من الجهد,وتقول ساندرا بوستيل في كتابها الواحة الاخيرة الذي صدر في لندن العام 1992 "في كاليفورنيا يستخدم كل شخص مئات اللترات من الماء يوميا ,
وفي نفس الوقت يقوم سكان جنوب الصحراء الافريقية بقضاء ساعات في المشي بحثا عن كمية من الماء تكفي للشرب فقط, كما يقضون ما بين 5و 6 ساعات يوميا مشيا على الاقدام للحصول على اخشاب الاشجار والشجيرات لاستخدامها في الطهو او للحصول على الطاقة " وهذا بالطبع على حساب انشطة اخرى اكثر انتاجية .
علما بان البشر سيزيدون على سطح الكرة الارضية بصورة مرعبة , حيث سيصل سكان الكوكب الارضي الى حوالي 11 مليار انسان في العام 2050 وهذه صورة خطيرة جدا وممكنة الحدوث في وقت اقرب من ذلك ..
كيف لا وسكان الهند مثلا يزيدون في الاسبوع الواحد وفق معدلات الزيادة الحالية بمقدار 350 الف نسمة , وهي
نفس عدد الزيادة في دول الاتحاد الاوروبي (15 دولة ) في كل عام , فضلا عن ارتفاع مستوى المعيشة والمستوى
الصحي في اوروبا مقارنه بالدول النامية والتي تتميز بالمدن المكدسة . ولعل اقرب مثال لذلك هو ما يحدث في مصر
وما نشاهده من تكدس سكاني في القاهرة وكافة المدن المصرية , علاوة على التلوث والاختناق رغمم المحاولات الجبارة التي تبذلها الحكومة واجهزة الحكم المحلي بالمدن المصرية وما ينتج عن هذا التكدس من مخلفات زائدة
على الحد و ظهور احياء عشوائية , حيث تصرف النفايات الناتجة عن اعداد السكان المتزايدة في الانهاروالترع
مما يقلل من كميات المياه النظيفة والنقية الصالحة للاستخدام البشري, وكم من مدن عادية كانت منذ 50 عام فقط
من اجمل المدن وانظفها واصبح العيش بها لا يطاق الان , واذكر مدينتي التي نشات بها في مصر وهي مدينة
زفتى التي كانت تتميز بشوارعها الجميلة المشجرة والنظيفة وحدائقها الغناء ونيلها الجميل وكورنيشها المميز
اصبحت اليوم مدينة مدينة مكدسة بالسكان والسيارات , تجد القمامة بها في كل شارع بينما اختفت حدائقها لتحل محلها المباني الحكومية . ماذا حدث؟ وكيف؟ لا ادري انه بسبب الزيادة السكانية .هذا فقط مثال على ما حدث لعشرات المدن المصرية .

وهناك ايضا الوضع الغذائي في العالم بسبب قلة مصادر الغذاء بصفة عامة علاوة على التزايد المستمر في عدد سكان الكرة الارضية على الرغم من خطط التنمية الشاملة في دول العالم وتزايد الشعور بالمسؤولية تجاه مشكلة الامن الغذائي العالمي , علاوة على الامر الذي سيزيد من تفاقم مشكلة النقص في نصيب الفرد من الاراضي الزراعية نتيجة استنزاف هذه الاراضي في بناء مساكن جديدة تفي باعداد السكان الجدد .وبالرغم من مضاعفة الطلب على الموارد الطبيعية المحدودة خاصة المياه والغذاء علاوة على ان جميع المؤشرات تدل على تاكل نحو مليون فدان من الاراضي الزراعية سنويا بفعل الرياح والى الانجراف بفعل المياه , ولعل ما حدث في باكستان في العام قبل الماضي ( اغسطس 2010 ) من فيضانات اتت على الكثير من الاراضي ودمرت كميات هائلة من المحاصيل الزراعية وشردت الالاف من البشر لهو اكبر دليل على ذلك .
كما يلاحظ انه وفقا لتقارير الامم المتحدة ومنظمة الاغذية والزراعية (الفاو ) فان الثروة السمكية في العالم قد استنفدت
بدرجة كبيرة وذلك بسبب الاستغلال الجائر وسوء الاستهلاك مما يعرض هذه الثروة الى خطر الاندثار, كما اشارت التقارير الدولية الى ان امدادات العالم من الحبوب قد تراجعت الى الحد الادنى خاصة في دول العالم العربي . كما ان الامن الغذائي العربي يرتبط بالامن المائي بدرجة كبيرة وذلك لان انتاج الغذاء يحتاج الى توافرر المياه اللازمة
للزراعة , وتشير تقارير الامم المتحدة الى ان عدد ضحايا الجوع بلغ في العام 2010 نحو 680 مليون نسمة منهم 250 مليون في افؤيقيا فقط , وانه يوجد في الدول العربية حوالي 73 مليون عربي ما زالوا يعيشون تحت مستوى خط الفقر, بالاضافة الى وجود ستين مليون عربي بعانون الامية , ويستورد الوطن العربي حوالي 18 في المائة
من حبوب العالم ( وتعتبر مصر اكبر مستورد للقمح في العالم . ولا شك في ان استمرار هذه المعدلات سيؤدي
الى حدوث مجاعة لا محال في ذلك .

لذلك توجد ضرورة الى اتخاذ الدول العربية لاجراءات سياسية واقتصادية مبكرة من ا جل استعمال وسائل وطرق
التصنيع المختلفة والمتخصصة مع الاستفادة من توافر الاراضي الخصبة الصالحة للزراعة بكثرة في السودان والعراق وغيرها بينما , نرى ان رؤوس الاموال العربية ما زالت تستثمر بعيدا عن موطنها الاصلي الذي هو في امس الحاجة اليها .
ويرى بعض الباحثين انه من السخرية ان نطلب من فقراء الدول النامية ترك الغابات مثلا منتصبة الاشجار والافيال ترعى فيها بسلام والباندا تاكل الفواكه على الاشجار في نفس الوقت الذي لا يجد فيه هؤلاء المساكين من بني البشر ما يسدون به رمقهم او مسكنا متواضعا يقيمون فيه , فاشجار الغابات هي اكبر مستهلك لغاز ثاني اكسيد الكربون المنطلق من المصانع ووسائل النقل , وهي ايضا الرئة التي تتيح الحصول على الهواء النقي, وهي السد الذي يمنع ارتفاع معدل درحات الحرارة في جو الارض وتمنع اشعاعها مرة اخرى الى الفضاء الخارجي , لكننا نرى ان كل هذه الفوائد لا تساوي شيئا في سبيل الحصول على الغذاء عند الانسان المحتاج الفقير .

وهنا لا بد من التعرض الى مشكلة ازالة الغابات والتي تؤدي الى زيادة حدة التلوث في الغلاف الجوي والى عواقب وخيمة على البيئة العالمية . فالغابات هي الضحية البيئية الاولى لتطور الانسان منذ بدء الخليقة على سطح الارض , سواء باجتثات اشجارها ونباتاتها او باحراقها عن عمد من اجل تحويل هذه الغابات الى ارضي زراعية او لبناء مساكن عليها . او الحصول على الاخشاب وحتى الحرائق التي تشب في الغابات نتيجة ارتفاع معدلات درجات الحرارة , فان الانسان هو المتسبب الرئيسي الاول فيها لانه بافعاله يتسبب في حدوثها وان كان بطريقة غير مباشرة وما نراه الان من نشوب الحرائق في غابات الولايات المتحدة الامريكية وروسيا وجنوب تركيا بسبب ارتفاع درجات الحراره الجوية لاكبر دليل على ذلك .
وقد ازداد تخريب الانسان للطبيعة بازدياد الطلب على المادة التي يستخرجها , او كلما شكلت هذه المادة سلعة تجارية يمكن تصديرها للخارج, وكان من جراء ذلك ان تعرضت الغابات الاستوائية للاستثمار غير الرشيد من دون تقدير الانسان للخسائر التي تنشأ نتيجة لذلك ’ ويعود هذا اما نتيجة لجهلة بدور هذه الغابات في حياته ( مخزن للطاقة الشمسية , مصدر لغاز الاكسجين اللازم للحياة , الدواء, المحافظة التنوع البيولوجي , امتصاص ثاني اكسيد الكربون من الجو ... الخ ) او نتيجة لجشعه للحصول على المال . فالانسان يعمل على تدمير نفسه باختياره عن طريق تدميره لبيئته باستخدامه اسهل الطرق لحل مشاكله.
وتعد قضية الحفاظ على التنوع البيولوجي من اهم القضايا المرتبطة بازالة الغابات والتي سوف نلقي الضوء على هذه
القضية المهمة في موضعها .


المراجع

موسوعة البيئة

التصانيف

المشاكل البيئية  بيئة  مشاكل وحلول   العلوم التطبيقية   العلوم البحتة