عندما تنظر إلى جو مدينة كعمان مثلا من داخلها أو من منطقة قريبة منها ، ترى قبة من الضياء المصفر أو بين البياض و الحمرة يلف جوها . هذا الوهج Glow هو ما يعرف بالتلوث الضوئي . وقد أصبحت المشكلة عالمية بحيث لا تخلو مدينة كبرى من مثل هذا التلوث.

لماذا يعد هذا الوهج تلوثا ؟ ذلك لأنه لا يسمح للناظر إلى السماء بأن يرى من أجرامها إلا ما كان شديد اللمعان . إذ أنه من الصعب أن ترى في المدن الكبرى سوى نجوم القدر الأول و الثاني أي أشد النجوم لمعانا و التي تليها فقط . بينما يمكن أن ترى نجوم القدر السادس ( أي النجوم الخافتة جدا ) بالعين المجردة في الأجواء غير الملوثة ضوئيا . و الأمر ذاته ينصرف على المقراب ( التلسكوب ) إذ تنقص قدرته على رؤية الأجرام السماوية تبعا لشدة التلوث الضوئي . و من أمثلة ذلك أن مرصد جبل و لسون Mount Wilson Observatory المطل على حوض مدينة لوس أنجليس الأمريكية أصبحت قدرته الآن في رؤية الأجرام السماوية 11% مما كانت عليه عندما بني أول مرة . و هو كما ترى هدر للأموال و مشكلة لعلماء الفلك و هواته . و من ثم يضطر علماء الفلك و هواته إلى السفر عشرات بل مئات الكيلومترات خارج المدن ليتمكنوا من رؤية الأجرام السماوية و متابعة بحوثهم أو أن يبنوا مراصدهم في أماكن نائية ليتخلصوا من التلوث الضوئي . مرة أخرى تستطيع أن ترى زيادة التكاليف المادية بالإضافة إلى اضطراب بحوثهم و أعمالهم . يتضح من ذلك أن المتضرر الأكبر من التلوث الضوئي هم الفلكيون و هواة الفلك.

يصدر التلوث الضوئي من مجموع الإضاءة في المدن كإضاءة الطرق السريعة و الشوارع و البيوت و الأماكن العامة و غير ذلك . و هي خدمات تقدمها البلديات للسكان و سائقي السيارات لتلافي حوادث الطرق ليلا و منع الجريمة و السرقة في الأجواء المظلمة . غير أن الأمر ليس بهذه البساطة . فمع أن إضاءة المدن ليست صحيحة لأنها لا تراعي تلوث الجو بالضياء . و من طرق الإضاءة غير الصحيحة نذكر:

  • أن مصابيح الإضاءة ترسل جزءا مهما من نورها فوق الأفق . هذا الضوء يتبعثر في الجو مسببا الوهج غير المرغوب فيه . و كلما كانت زاوية خروج الضوء أقرب إلى الأفق كان التلوث أشد . فالضوء الذي يعلو الأفق بزاوية 10 درجات مثلا أشد تلويثا للجو من الضوء الذي يخرج رأسيا إلى الأعلى بسبب مرور الأول مسافة أطول في الجو . هذا النوع من الإضاءة هو أيضا ضار بسائقي السيارات في الليل لأنه يقع على عين السائق من مسافة ليست قصيرة . مما قد يسبب له حادثا مروريا . و أفضل طريقة لحل هذه المسألة هو أن تكون الإضاءة نحو الأرض بوضع عاكس جيد فوق المصباح يضيء الأرض ( وهو المهم ) و لا يضيء السماء.
  • اختيار نوع المصباح المستعمل في الإضاءة . والأفضل هي المصابيح التي تصرف قدرا أقل من الطاقة مع إعطاء كمية الإضاءة نفسها . قارن بين المصابيح الكهربائية التالية من حيث شدة الإضاءة و الطاقة المستهلكة:
  1. مصباح الصوديوم منخفض الضغط Low Pressure Sodium أصفر الضياء.
  2. مصباح الصوديوم عالي الضغط High Pressure Sodium أرجواني الضياء.
  3. مصباح بخار الزئبق Mercury Vapor أزرق / أبيض الضياء .
  4. المصابيح العادية Incandescent Bulbs أصفر / أبيض الضياء.

في الحالات الثلاث الأولى يستعمل بخار الصوديوم و الزئبق بينما في الرابعة يستعمل سلك يتوهج فيعطي الضياء . تنتج كمية الإضاءة ذاتها من أنواع المصابيح الأربعة في المثال التالي على الرغم من الاختلاف الكبير في كمية الطاقة المستهلكة . 55 واط من النوع الأول = 100 واط من الثاني = 175 واط من الثالث = 400 واط من الرابع . و من ثم فإن استعمال النوع الأول هو الأفضل لتقليل كمية الطاقة المستهلة ( بلغت بليون دولار في السنة في الولايات المتحدة الأمريكية ) لما في ذلك من تقليل لكمية الوقود الأحفوري المستهلك و لما فيه من تقليل الملوثات الناتجة عن ذلك.


المراجع

bibalex.org

التصانيف

تلوث   بيئة   العلوم البحتة