التربية البيئية بين الواقع والأمل



معالم أستراتيجية عربية للتربية البيئية دون فعل جاد قبل ثلاثين عاما عقدت في الكويت " الندوة العربية للتربية البيئية " ، خلال الفترة من 21 – 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1976 ، وذلك من أجل وضع أستراتيجية عربية للتربية البيئية إستعدادا للمؤتمر الدولي الحكومي للتربية البيئية ، الذي ينعقد في تبليسي في أكتوبر 1977 وتمخضت الندوة عن نتائج أعتبرت من الوثائق ذات الأهمية في مؤتمر تبليسي .

ومما جاء فيها : لما كان النمو الصناعي والزراعي والإجتماعي في العالم قد أدى الى تدهور مكونات البيئة ، فأصبحت حمايتها وتطويرها وتحسينها من الأمور الملحة والعاجلة ، الأمر الذي يبقى قاصرا ما لم تتبن الدول استراتيجية تربية بيئية توجه الى جمهور المواطنين ، سواء في القطاع المدرسي أو في القطاع غير المدرسي واخذا في الإعتبار الخطوات السابقة في هذا المضمار ، والتي تتمثل في التوصية 96 الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة في ستوكهولم عام 1972 ، وبرنامج المشروع المشترك بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة واليونسكو المتعلق بالتعليم الخاص بالبيئة ، في مطلع عام 1975 ، وندوة بلغراد الخاصة بالتربية البيئية في أكتوبر 1975 ، والتي صدر عنها ميثاق بلغراد ، الذي يعتبر أساس كل عمل مستقبلي في مجال التربية البيئية ، وجهود المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، والتي أكدت جميعها ضرورة إيجاد نظام تعليمي يهتم بالبيئة يشمل كل درجات التعليم ، ويتوجه للجميع من أجل تعريفهم بالبيئة ، وبالعمل البسيط الذي يمكن ان يقوموا به وفي حدود طاقاتهم لتدبير أمور بيئتهم وحمايتها ، سواء أكانت بيئة مادية او إجتماعية . .

وإنطلاقا من الإحساس بالحاجة الملحة الى ضرورة بناء خطة عربية للتربية البيئية ، فقد توصل المجتمعون الى منطلقات لأستراتيجية عربية ، يمكن تلخيص أهم معالمها وسماتها في ما يلي :

  • أولا - تطعيم مناهج التعليم بمختلف أنواعه ومراحله بالتربية البيئية بشكل متكامل مع المقررات الدراسية المختلفة في التعليم العام ، وبشكل منفصل في مراحل التعليم الجامعي .
  • ثانيا - إمداد المواطنين في جميع الأعمار ، وعلى مختلف المستويات ، بالقدر المناسب من التربية البيئية ، وذلك عن طريق وسائل الإعلام ونشاط الجمعيات المعنية .
  • ثالثا - الأخذ في الإعتبار برامج التنمية الشاملة في العالم العربي .
  • رابعا - الأخذ في الإعتبار الأمكانات العربية المتاحة للتربية البيئية .
  • خامسا - الأخذ بعين الأعتبار ان البيئة كل لا يتجزأ ، ولذا يجب ان تشمل التربية البيئية كل مجالات البيئة الإقتصادية ، والتكنولوجية ، والإجتماعية ، والتشريعية ، والثقافية ، والجمالية .
  • سادسا - التأكيد على أهمية قيام مشاركة فاعلة في توقي حدوث الأضرار والأخطار التي تتعرض لها البيئة .
  • سابعا - البحث في قضايا البيئة بنظرة قومية وعالمية ، مع مراعاة الفوارق الأقليمية .
  • ثامنا - التوجه الى الأوضاع الحالية والمستقبلية بالبيئة .
  • تاسعا - البحث في جميع قضايا التنمية من منظور بيئي .
  • عاشرا - التمسك بقيمة وضرورة التعاون والتنسيق المحلي والقومي والدولي في حل مشكلات البيئة .

لقد مرت ثلاثة عقود كاملة على صياغة هذه المنطلقات الأستراتيجية المهمة ، وهي تتسم بالموضوعية ، وقابلة للتحقيق ، لو رافقها فعل وجهود رسمية جدية وفاعلة لتنفيذها ، ولتحققت في الوطن العربي طفرة نوعية في المسألة البيئية ، وفي التنمية الوطنية ، ولأزدهرت التربية البيئية . في إفتتاحيته الشهرية ، يعرض الباحث البيئي نجيب صعب - رئيس تحرير مجلة " البيئة والتنمية " - حادثة ذات دلالة تؤكد ما ذهبنا إليه . يقول : كنا في المنامة مع مجموعة من الخبراء لبحث المساهمة العربية في تقرير توقعات البيئة العالمية الرابع (جيوـ4) الذي يحضر برنامج الأمم المتحدة للبيئة لاصداره سنة 2007 .

فلاحظنا أن التقرير الثالث, الذي صدر عام 2002, تضمن أربعة سيناريوهات كانت نتائجها جميعا كارثية على العالم العربي . وحاولنا اقتراح أسس لاتجاه إيجابي, يضع المنطقة العربية على الطريق الصحيح نحو تحقيق تنمية قابلة للاستمرار . . أحد الزملاء اقترح أن تكون "مبادرة" جامعة الدول العربية إلى مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في جوهانسبورغ عام 2002 أساسا للمساهمة العربية في التقرير العالمي الجديد . فعدنا الى نص هذه " المبادرة ", التي لم تتجاوز إعلان النيات والمواقف العمومية, ولم تضع أي خطة عمل أو آليات للتنفيذ . ولاحظنا أن " المبادرة " حددت, في فقرتها الأخيرة , 3 مجالات ذات أولوية, هي الموارد المائية ومكافحة التصحر وادارة المناطق الساحلية, ووعدت بأن "البرامج الثلاثة والمشاريع ستكون جاهزة للاعتماد من خلال الآليات الاقليمية في أواخر تشرين الأول / اكتوبر 2002" . وحين طلبنا مراجعة البرامج والمشاريع الموعودة, فوجئنا أنه بعد مرور سنتين على الموعد, لم يتم إعداد أي برنامج أو مشروع لتحويل النص العام الى مبادرات فعلية . فهل تقتصر المساهمة العربية في تقرير سنة 2007 على تمنيات خطابية, تقودنا من كارثة الى أخرى ؟ وتساءل بعضنا : لماذا لا تتجاوز مؤسساتنا البيئية, المحلية والاقليمية, العناوين العامة إلى التفاصيل ؟

ويضيف : فيما تغرق مؤسساتنا البيئية في العموميات, يستمر التدهور البيئي على مدى العالم العربي . على الأقل, فلتجمع هذه المؤسسات أرقام البنك الدولي عن التدهور البيئي, من خلال الدراسات التي نشرت في السنتين الماضيتين . فهي تظهر أن العالم العربي يخسر سنويا أكثر من 20 مليار دولار لأسباب بيئية, بخاصة تلوث الهواء والتربة والمياه وتدهور المناطق الساحلية . الخسارة الاقتصادية من التدهور البيئي تتجاوز 3 مليارات دولار في مصر وحدها, أي نحو 5 في المئة من مجمل الناتج القومي . وهي تصل الى 700 مليون دولار في سورية ، و500 مليون دولار في لبنان . هكذا, فخسارة العرب الاقتصادية من اهمال البيئة تتجاوز كل معدلات النمو . إذا , نحن واقعيا في حال إفلاس .

ويختتم صعب : آن الأوان لنضع الأصبع على الجرح, ونطور خططا عملية تكون بديلا للواقع المخزي والسيناريوهات السقيمة . ولو راجعت إجتماعات مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة لوجدت ان نجيب صعب لم يكن قاسيا في طرحه . فالوزراء ناقشوا قضايا ساخنة كثيرة ، وأصدروا قرارات عديدة ولكن ، أين التنفيذ ؟

خذ مثالا : قرر وزراء البيئة ‏في ختام اجتماع دورتهم الـ16 ، في 8/12/2004 ، عقد اجتماع خاص لتقييم الوضع البيئي في العراق ، ‏وتحديد متطلبات واحتياجات الدعم التقني وبناء القدرات البيئية فيه . وقرر مجلسهم ، بعد دراسته تقرير حول الحروب في العراق وتحقيق التنمية المستدامة ، دعوة برنامج الامم المتحدة للبيئة ، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا ‏(اسكوا) بتنسيق جهودهما حيال انشطة متعلقة بالعراق ، والاستفادة من خبرات المنظمات العربية المتخصصة واشراكها في ‏هذه الانشطة لاعادة اعمار وتاهيل ما دمرته الحروب في العراق . . وفي الشان الفلسطيني اتخذ المجلس قرارا باعداد دراسة حول المخاطر البيئية والصحية الناجمة عن مفاعل ديمونه ‏واثرها على المنطقة العربية وجدوى وضع خطة ‏عربية لمواجهة اي احتمالات لكارثة قد تقع نتيجة وجود المفاعل ، وتكليف برنامج الامم المتحدة للبيئة اجراء دراسة ‏ميدانية حول التدهور البيئي الناتج عن الممارسات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة . . فما الذي تحقق ؟ وهل تابع أحد تنفيذ هذه القرارات وغيرها ؟


المراجع

mawdoo3.com

التصانيف

النظام البيئي  بيئة  أحداث بيئية   العلوم البحتة