المجتمعات الحيوية
يعد النوع Species وحدة بناء المجتمعات الحيوية . إذ يوجد في كل نظام بيئي عدد من أنواع الكائنات الحية يميزه عن غيره . فالنوع يشمل جميع الكائنات الحية المتشابهة وراثيا و القادرة على التكاثر و إنجاب الأجيال المخصبة . و يتكون النوع من الأفراد . فالنوع البشري مثلا مكون من أكثر من 6 بلايين من الأفراد . نطلق على مجموع الأفراد من النوع نفسه التي تعيش في مكان واحد في الوقت نفسه التعداد Population
. بينما نسمي جميع أنواع الكائنات الحية التي تعيش في منطقة واحدة وتتفاعل مع بعضها بعضا مجتمعا حيويا أو اختصارا مجتمعا Community . أما النظم البيئية المتشابهة مناخيا أو المرتبطة مع بعضها بعضا فتدعى الأقاليم الحيوية Biomes مثل إقليم الغابات الاستوائية و إقليم الصحارى . واضح أن الأقاليم الحيوية أكثر اتساعا و تعقيدا من النظم البيئية الطبيعية إلا أنها تمثل المجتمعات التي تعيش و تعتمد على العوامل البيئية غير الحية نفسها ، مع بعض الاختلاف بين أنواع الكائنات الحية في الأماكن الجغرافية المختلفة من الإقليم الحيوي . و أخيرا يشمل الغلاف الحيوي Biosphere جميع الأقاليم الحيوية الموجودة على سطح الأرض و فوقه متضافرة . و من ناحية أخرى يمكن النظر إلى الغلاف الحيوي على أنه إقليم بيئي طبيعي هائل Super Ecosystem يتكون من جميع أنواع الكائنات الحية الموجودة فوق الأرض و تحت سطحها و في الغلاف الجوي مع بيئاتها المختلفة التي تعيش فيها .
التركيب الحيوي للنظم البيئية الطبيعية Biotic Sructure
على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين النظم البيئية الطبيعية ، إلا أنها تشترك في صفة واحدة وهي التركيب الحيوي الذي يعتمد على علاقات التغذية بين الأعضاء المختلفة . إذ أن أي نظام بيئي طبيعي يحتوي على ثلاثة أنواع من الكائنات الحية مرتبطة غذائيا مع بعضها بعضا . و هي:
المنتجات هي غالبا من النباتات الخضراء والطحالب التي تقوم بصنع غذائها بنفسها Autotrophs فيما يعرف بعملية البناء الضوئي ( التمثيل الضوئي ) Photosynthesis . ولذا سميت منتجات . و في هذه العملية تأخذ المنتجات غاز ثاني أكسيد الكربون من الجو بوجود أشعة الشمس و الماء و تنتج سكر الجلوكوز الذي يزود المنتجات بالطاقة اللازمة لعملياتها الحيوية ، و ينطلق غاز الأكسجين كما يظهر في المعادلة التالية:
6H2O + 6CO2 + energy ( طاقة شمسية ) كلوروفيل و انزيمات ---- C6H12O6 + 6O2
ثم تقوم المنتجات بتحويل سكر الجلوكوز إلى مركبات عضوية Organic Compounds معقدة تشمل الكربوهيدرات و البروتينات و الدهون و غيرها تبني بها أنسجتها و أجزاءها المختلفة بوجود العناصر الغذائية الأخرى Mineral Nutrients كالنيتروجين و الفسفور و البوتاسيوم و الكبريت التي تقوم بامتصاصها من مياه التربة أو من الماء مباشرة . . و الكلوروفيل صبغ أخضر اللون في المنتجات و هو الذي يستعمل الطاقة الشمسية لإتمام عملية التمثيل الضوئي . و بذلك تعرف النباتات التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي بلونها الأخضر . و ينبغي أن نذكر هنا أن هناك أنواعا من البكتيريا تحصل على الطاقة بطريقة كيميائية دون ما حاجة لأشعة الشمس عن طريق اختزل أو أكسدة بعض المركبات الكيميائية مثل بكتيريا الكبريت و النيتروجين . و من جهة أخرى تعتبر جميع المركبات الكيميائية و المواد الموجودة في الهواء و الماء و الصخور والتربة التي لا ترتبط بنشاطات الكائنات الحية موادا غير عضوية Inorganic Compounds .
وقد كان واضحا مما سبق أن النباتات الخضراء في عملية التمثيل الضوئي تستعمل أشعة الشمس كمصدر للطاقة لإنتاج المواد العضوية المعقدة التي تبني منها أجسامها . و من ثم فإن جزءا من طاقة الإشعاع الشمسي يحفظ في هذه المواد العضوية . دعنا نسمي المواد العضوية المكونة لأجسام الكائنات الحية " الكتلة الحية Biomass " . و يمكن القول أيضا بأن الكتلة الحية هي الطاقة المختزنة في المادة العضوية كما سيتضح بعد قليل . تعتمد جميع الكائنات الحية الأخرى في النظم البيئية الطبيعية في تغذيتها على الكتلة الحية في المنتجات بما في ذلك جميع أنواع الحيوانات و معظم الكائنات المجهرية كالبكتيريا ، و الفطريات و حتى بعض النباتات العليا التي لا تحتوي على الكلوروفيل و لا تقوم بعملية التمثيل الضوئي كالغليون الهندي Indian Pipe . و من ثم فالنباتات الخضراء هي المقومات الأساسية لأي نظام بيئي طبيعي . وي مكن تسمية المنتجات أيضا الكائنات ذات التغذية Autotophs تمييزالها عن غيرها من الكائنات التي تعتمد في غذائها على غيرها و المسماة كائنات غير ذاتية التغذية Heterotrophs و هي المستهلكات Consumers و المحللات Decomposers .
أسلفنا القول في أن المستهلكات لا تصنع غذاءها بل تتغذى على المنتجات أو على بعضها . و يمكننا تصنيف المستهلكات في النظم البيئية إلى عدة مجموعات اعتمادا على مصدر غذائها . فالمستهلكات الأولية Primary Consumers هي الحيوانات التي تتغذى مباشرة على المنتجات و يمكن تسميتها أيضا العواشب أو آكلة الأعشاب و هي تتفاوت في الحجم ما بين الفيل و العث ( سوس الخشب ) Mite الصغير الحجم . أما الحيوانات التي تتغذى على المستهلكات الأولية فتسمى مستهلكات ثانوية Secondary Consumers . فالغزال الذي يقتات على العشب يعد مستهلكا أوليا ، و الذئب مستهلك ثانوي عندما يتغذى على الغزال . و يمكن أن توجد مستهلكات ثلاثية أو رباعية أو حتى من مستوى أعلى من ذلك . فالذئب عندما يتغذى على الثعلب فإنه يكون مستهلكا ثلاثيا . و بالإضافة إلى ذلك فإن بعض الحيوانات يمكن أن يكون لها أكثر من موقع على مقياس المستهلكات . فالإنسان مثلا يعتبر مستهلكا أوليا عندما يأكل الخضراوات و الفواكه ، و مستهلكا ثانويا عندما يأكل لحم الخاروف الذي يأكل العشب ، و مستهلكا ثلاثيا عندما يأكل الأسماك التي تتغذى على أسماك أصغر منها و التي بدورها تأكل الطحالب البحرية .
تسمى المستهلكات الثانوية و الأعلى منها بآكلات اللحم أو اللواحم Carnivores أو المفترسات ( الضواري ) Predators . أما المستهلكات التي تتغذى على النباتات و الحيوانات معا فتسمى مستهلكات اختيارية Omnivores . و هناك مجموعة خاصة من المستهلكات هي الطفيليات Parasites . و هي الكائنات التي قد تكون نباتية أو حيوانية و التي تعيش في داخل الكائن الحي أو عليه و الذي يدعى العائل Host . و تتغذى عليه خلال فترة من الزمان ولكن لا تؤدي إلى قتله مباشرة ، بل إلى إضعافه بحيث يمكن أن يموت بسهولة إذا تعرض للأمراض ، أو أن تقتله المفترسات بدون عناء . و من أمثلة الطفيليات الديدان كالإسكارس و بعض الكائنات وحيدة الخلية Protozoans و بعض الحشرات و حتى بعض الثدييات كالخفاش Vampire Bats . و من النباتات الحامول أو الهالوك Dodder الذي يتطفل على نبات البندورة مثلا .
-
آكلات الفتات و المحللات Detritus Feeders and Decomposers
تتغذى كثير من الكائنات الحية على النباتات الميتة كالأوراق الساقطة و الأغصان و غيرها و إفرازات الحيوانات Fecal Wastes و جثث الحيوانات الميتة تدعى آكلات الفتات Detritus Feeders و من الأمثلة عليها دودة الأرض وجراد البحر Crayfish و النمل الأبيض Termites و خنفس الخشب Wood Beetles . و يمكن تقسيم آكلات الفتات ، كما هو الحال في المستهلكات ، إلى آكلات فتات أولية Primary Detritus Feeders و هي التي تتغذى مباشرة على فتات الكائنات الميتة . و آكلات الفتات الثانوية Secondary Detritus Feeders و هي التي تتغذى على آكلات الفتات الأولية ، و هكذا . و توجد مجموعة مهمة من آكلات الفتات الأولية و هي المحللات Decomposers ، وهي بالتحديد الفطريات والبكتيريا . و في الحقيقة لا تقوم الفطريات و البكتيريا بأكل أوراق النباتات و خشب النباتات الميتة مباشرة ، بل تعمل على تحللها أو تعفنها Rotting
. إذ تقوم الفطريات و البكتيريا بإفراز أنزيمات هضمية Digestive Enzymes تعمل على تحلل مادة الخشب مثلا ، إلى سكريات أحادية تستطيع امتصاصها كمصدر للغذاء . و يدعى هذا النوع من التغذية بالتغذية الامتصاصية Absorptive Nutrition . و غير ذلك فإن المحللات عموما تقوم بتحليل المواد العضوية الميتة أيا كان مصدرها إلى عناصرها الأولية التي تعود إلى دوراتها الطبيعية . و في الوقت نفسه تعتبر الفطريات و البكتيريا غذاء آكلات الفتات الثانوية كالأوليات وحيدة الخلية Protozoans . و من الجدير بالذكر ، أن المحللات تحتل المرتبة الثانية في الأهمية بعد المنتجات في النظم البيئية الطبيعية . ذلك لأنها تعمل على إعادة المواد إلى دوراتها الطبيعية . فلو لم تقم المحلات بدورها لبقيت المواد المغذية ( أو حتى العناصر المختلفة ) محبوسة في المركبات العضوية للكائنات الميتة و النفايات الملقاة على سطح الأرض و لم تستطع الأجيال المقبلة من الكائنات الحية الاستفادة منها .
العلاقات الغذائية: السلاسل الغذائية و الشبكات الغذائية و مستويات التغذية Feeding Relationships : Food Chains , Food Webs , and Trophic Levels
من أهم العلاقات بين المكونات الحية للنظم البيئية الطبيعية هي اعتماد بعضها على بعض في التغذية ، إذ يوجد العديد من مسارات التغذية في النظم البيئية الطبيعية . منها أن الكائن الحي يمكن أن يتغذى على كائن ثان و في الوقت نفسه يمكن أن يتغذى عليه ( يأكله ) كائن ثالث ، وهكذا . ويسمى كل مسار من هذه المسارات بالسلسلة الغذائية Food Chain . و مع أنه بالإمكان تتبع كل مسار أو كل سلسلة غذائية لوحدها ، إلا أنه في الواقع تتشابك أو تتداخل السلاسل الغذائية بعضها ببعض مشكلة ما يسمى بالشبكة الغذائية Food Web . فعلى سبيل المثال تعتمد العواشب في غذائها على أكثر من نوع واحد من النباتات ، و في الوقت نفسه يأكهلا العديد من المستهلكات الثانوية ( آكلات اللحوم ) أو آكلات اللحوم و النباتات . و بالتالي تتداخل السلاسل الغذائية المختلفة مكونة الشبكة الغذائية .
و على الرغم من العدد الكبير للسلاسل الغذائية و التعقيد الشديد للشبكات الغذائية ، فإن العلاقات الغذائية في النظم البيئية محكومة بعلاقة كلية بسيطة . و هي أن جميع السلاسل الغذائية تبدأ بالمنتجات فالمستهلكات فالمحللات . و تسمى هذه المستويات المتعاقبة مستويات التغذية Trophic Levels . تنتمي جميع المنتجات إلى المستوى الغذائي الأول ، بينما تنتمي المستهلكات الأولية ( أو العواشب ) سواء أكانت تعتمد على المنتجات الحية أو الميتة إلى المستوى الغذائي الثاني . و تشكل الكائنات التي تتغذى على العواشب المستوى الغذائي الثالث ، و هكذا .
و سواء نظرنا إلى التركيب الحيوي للنظم البيئية الطبيعية من خلال السلسلة الغذائية أو الشبكة الغذائية أو المستويات الغذائية ، فإننا نجد أنه خلال أي خطوة من خطوات التغذية يحدث انتقال رئيسي للعناصر الغذائية الكيميائية و الطاقة المخزونة من الكائن الحي أو المستوى الغذائي إلى الكائن أو المستوى الغذائي التالي . ما هو عدد المستويات الغذائية في النظم البيئية الطبيعية ؟ غالبا لا تزيد عن ثلاثة أو أربعة مستويات على اليابسة وقد تصل إلى خمسة في البحار . و هذه الإجابة تمليها المشاهدة المباشرة للنظم البيئية .
يمكننا أن نحسب ما يسمى الكتلة الحية Biomass ، و هي المجموع الكلي للطاقة المختزنة في كتلة جميع الكائنات التي تشكل إحدى مستويات التغذية . و ذلك بأخذ عينات مناسبة من الكائنات و وزنها . و كنتيجة لذلك ، وجد أن الكتلة الحية في النظم البيئية القارية تنقص بمقدار 90 - 99 عند الانتقال من مستوى غذائي لمستوى أعلى منه . فإذا كانت الكتلة الحية للمنتجات في أحد المراعي مثلا 40000 كغم / دونم ، فإن الكتلة الحية للعواشب التي تعيش في الدونم الواحد لا تزيد عن 4000 كغم ، بينما لا تزيد الكتلة الحية لآكلات اللحوم التي تعيش في الدونم الواحد عن 400كغم .
دعنا ننظر إلى الموضوع بطريقة أخرى و هي التحدث عن انتقال الطاقة خلال السلاسل الغذائية و ما بين المستويات الغذائية في النظم البيئية الطبيعية . الفكرة نفسها تبقى صحيحة كما هو موضح فيما يلي . قلنا سابقا أن المنتجات تختزن طاقة الإشعاع الشمسي ( طاقة حرارية ) بعد تحويلها إلى طاقة كيميائية في الكتلة الحية . و ما يهمنا هنا أن المنتجات تستفيد قرابة 1 من الطاقة الشمسية التي تسقط في محيط المنتجات في النظم البيئية الطبيعية ( القارية و البحرية ) . و يمكن أن يزيد ذلك إلى قرابة 5% في أفضل الحالات .
و عندما تتغذى المستهلكات الأولية على المنتجات يمكنها أن تستفيد من قرابة 10% من الطاقة المخزونة من الغذاء النباتي ( أي من المنتجات ) و تستعملها في نموها ( بناء كتلتها الحية ) و في و ظائفها التي تحتاج للطاقة كالحركة و التنفس و عمليات البناء و الهدم بشكل عام . و عندما تتغذى المستهلكات الثانوية على المستهلكات الأولية ، تستفيد بدورها من حوالي 10 من الطاقة المخزونة في الغذاء الحيواني و يتبدد الباقي ( 90 ) أيضا على شكل حرارة ، و هكذا .
فعلى سبيل المثال ، لو سقطت كمية من الطاقة الشمسية تبلغ 1000000 كيلو كالوري على المتر المربع في السنة في المراعي ، فإن الأعشاب تستفيد 1% من الطاقة الشمسية الساقطة عليها ، أي 10000 كيلو كالوري / م2 / سنة ، و عندما تأكل العواشب ( كالأغنام و الأبقار ) العشب فإنها تستفيد من حوالي 10% من الطاقة التي اكتسبتها من هذا الغذاء ، أي حوالي 1000 كيلو كالوري للعواشب التي تغذت على عشب المتر المربع الواحد في السنة . و إذا ما أكل الإنسان هذه الأغنام أو الأبقار فإنه يستفيد أيضا من 10 من الطاقة الكيميائية المخزونة في لحومها . أي أن الأشخاص الذي أكلوا هذه الكمية من الأغنام أو الأبقار يستفيدون من حوالي 100 كيلو كالوري .
و من الواضح أنه كلما ارتفعنا في المستويات الغذائية يحدث نقصان في الكتلة الحية . و يمكن التعبير عن هذه العلاقة بيانيا بما يسمى هرم الكتلة الحية أو هرم التبيؤ . و سبب نقصان الكتلة الحية عند الانتقال من مستوى غذائي لمستوى أعلى منه هو أن جزءا كبيرا من الغذاء الذي تأخذه المستهلكات لا ينتقل إلى أنسجة أعضائها ، بل يخرج على شكل فضلات و يحرق جزء آخر منه في الجسم لحصول المستهلك على الطاقة الكامنة فيه لاستعمالها في أنشطته المختلفة كالحركة والتنفس . و في النهاية يتبدد على شكل حرارة ضائعة تنتقل إلى المحيط المجاور . و بذلك نستنج أنه لا بد من حصول نقصان في الكتلة الحية عند الانتقال إلى المستوى الغذائي الأعلى . و هذا مهم جدا في النظم البيئية الطبيعية . لأن جميع المستهلكات تعتمد على مدد مستمر Continual Input من المواد العضوية الجديدة التي تنتجها النباتات الخضراء ( المنتجات ) ، و التي بدونها سينفد غذاء المستهلكات و ستموت جوعا لأن موادها العضوية ( أو كتلتها الحية ) سوف تتحطم لتحرير الطاقة المختزنة فيها من أجل استعمالها في نشاطاتها الحياتية المختلفة .
و في النهاية و عند موت المنتجات و المستهلكات تقوم المحللات بالتغذي على الكتلة الحية الباقية في المادة العضوية الموجودة فتحللها إلى عناصرها الأولية و تتحرر العناصر الكيميائية فيها و تعاد مرة أخرى إلى خزاناتها الأصلية كالتربة و الرسوبيات و المياه السطحية و الجوفية و المحيطات ، حيث تقوم المنتجات مرة ثانية بامتصاصها و تعيدها كتلة حية جاهزة للمستهلكات . و بذلك تتشكل دورة مغلقة . أما الطاقة التي كانت موجودة في الكتلة الحية في مستوياتها المختلفة . فقد استعملتها الكائنات الحية في أثناء حياتها للنمو و نتج عنها الحرارة التي تنبعث إلى الفضاء الخارجي في أثناء عمليات التنفس .
أهرام التبيؤ Ecological Pyramids
أن كمية الكتلة الحية و كمية الطاقة المختزنة فيها تنقصان من المنتجات في اتجاه المستهلكات العليا . و يمكن القول أن أعداد الكائنات تتناقص أيضا في الاتجاه نفسه . هذا هو مفهوم هرم التبيؤ . فقاعدته العريضة تتمثل في الأعداد الكبيرة من المنتجات و كمية الكتلة و الطاقة الكبيرة فيها . أما قمته الضيقة فتمثلها المستهلكات العليا قليلة الأعداد قليلة الكتلة الحية و الطاقة . و اعتمادا على مبدأ نقصان الكتلة الحيوية و الطاقة من المستويات الغذائية المنخفضة إلى المستويات الغذائية العالية فإن التغذية على المستويات الدنيا ( كالقمح بدل اللحوم مثلا ) توفر الكثير من الكتلة الحيوية لمواجهة مشكلات نقص الغذاء عالميا .
العلاقات غير الغذائية Non - feeding Relationships
توجد في النظم البيئية الطبيعية علاقات أخرى غير تلك التي تحدثنا عنها في السلاسل و الشبكات الغذائية . في مثل هذه العلاقات الجديدة يستفيد كلا النوعين بمنفعة متبادلة . و تسمى هذه الظاهرة المنفعة التبادلية Mutualism . و خير مثال على ذلك المنفعة المتبادلة ما بين الحشرات و الأزهار . فالأولى تمتص الرحيق Nectar و الثانية تتلقح .
و في بعض الحالات تصبح علاقات المنفعة المتبادلة قوية بحيث لا يستطيع الكائنان أن يعيشا منفصلين . و مثال ذلك الأشنيات Lichens التي تتكون بالفعل من كائنين: الفطريات و الطحالب . إذ تزود الفطريات الطحالب بالملجأ بحيث تستطيع أن تعيش في موطن جاف Dry Habitat من الصعب أن تعيش فيه لوحدها ، بينما تزودها الطحالب بالطعام الذي تنتجه في عملية التمثيل الضوئي . و تسمى هذه العلاقة بالعلاقة التكافلية Symbiotic Relationship . و هناك أمثلة أخرى كثيرة .
العلاقات التنافسية Competitive Relationships
تبعا للشبكة الغذائية ، يتوقع أن يحدث تنافس بين أنواع الحيوانات المختلفة للحصول على الغذاء . و في الحقيقة لا يحدث مثل هذا التنافس إلا نادرا ، بسبب أن الأنواع المختلفة من الحيوانات تعيش في مواطن Habitat مختلفة وذات أنماط حياتية مختلفة Niches . و يقصد بالموطن المكان الذي يعيش فيه نوع محدد و يزدهر فيه و يتحدد بفعل مجموعات النباتات و البيئة الطبيعية السائدة فيه . فغابة الأشجار متساقطة الأوراق و المستنقعات و المراعي العشبية المفتوحة هي مواطن مختلفة . و حتى إذا عاشت الأنواع المختلفة في نفس الموطن ، يكون التنافس محدودا أو معدوما بسبب أنماط الحياة المختلفة لهذه الأنواع المختلفة .
فنمط الحيوان الحياتي Animal's Niche يعني ما يأكل الحيوان ، و أين ومتى يأكل ، وأين يجد المأوى ، وأين يبني العش ، و هكذا . وبسبب هذه الأنماط المعيشية المختلفة ، يمكن للأنواع المتنافسة Competitors أن تعيش بسلام في الموطن نفسه . فعلى سبيل المثال يتغذى نقار الخشب Woodpecker على الحشرات في خشب الشجر الميت ، بينما تتغذى الطيور الأخرى على الحبوب . كذلك تعيش أنواع مختلفة من الطيور المغردة بسلام مع بعضها في الغابات ، لأنها تتغذى على الحشرات التي تعيش في مستويات الأشجار المختلفة . و لكن يمكن أن يوجد تنافس بين الأنواع المختلفة عندما تتداخل المواطن أو يكون لها نفس الأنماط الحياتية . فعلى سبيل المثال ، عندما يدخل نوع من قارة إلى قارة أخرى ، يحدث تنافس بين هذا النوع الدخيل و النوع الأصلي ، مما يؤدي إلى هلاك أحدهما و بقاء الآخر . و مثال آخر هو التنافس ما بين النباتات المزهرة أو الخضروات مع الأعشاب Weeds ، الذي يعتبر تنافسا مستمرا على الماء و العناصر المغذية و حتى الضوء عندما تنمو جميعها في مكان واحد .
العوامل البيئية غير الحية Abiotic Factors
تتأثر النظم الطبيعية بالعديد من العوامل الفيزيائية و الكيميائية المتداخلة ، و هي ما تسمى العوامل غير الحية . و تشمل هذه معدل الأمطار من حيث الكمية و التوزيع خلال العام بالإضافة إلى كمية الرطوبة في التربة ، و درجة الحرارة من حيث الدرجات العليا و الدنيا و المعدل ، والضوء ، و الرياح ، و العناصر الكيميائية الغذائية Chemical Nutrients ، و درجة الحموضة ( pH ) و الملوحة ، و الحرائق و التضاريس . أما في النظم البيئية المائية ، فإن العوامل غير الحية الرئيسية هي الملوحة ( الماء العذب مقابل الماء المالح ) ، درجة حرارة الماء ، العناصر الكيميائية الغذائية ، المواد المكونة لقاع البحر ( صخور أو رمل أو غرين ) ، عمق الماء و عكورته ( كمية الضوء التي تصل لقاع الماء ) ، و التيارات البحرية . إن وجود هذه العوامل أو غيابها ، أو زيادتها أو نقصانها قد يؤثر على مقدرة الكائنات الحية على المعيشة . و لكن تتأثر الأنواع المختلفة بكل واحد من هذه العوامل بطرق مختلفة . و تبعا لتجاوب الأنواع المختلفة مع هذه العوامل البيئية غير الحية تتحدد إمكانية وجود الأنواع أو عدم و جودها في جزء من المنطقة أو في المنطقة جميعها . و نتيجة لذلك ، تستطيع بعض الكائنات الحية البقاء و غيرها لا يستطيع ، و هذا ما يحدد طبيعة النظام البيئي الطبيعي المعني .
مدى تحمل الكائنات للعوامل البيئية غير الحية Optimum Zones of Stress, and Limits of Tolerance
من المفاهيم الأساسية في علم البيئة أن لكل نوع من الكائنات الحية ظروفا طبيعية ( عوامل غير حية ) يعيش فيها قد لا تشبه ظروف الأنواع الأخرى . فالفيل و النخيل تعيش في البيئات الدافئة نسبيا . و النباتات الخضراء لا تعيش دون ضياء و نباتات الظل لا تفضل أشعة الشمس المباشرة . إلى غير ذلك من الأمثلة . و لقد دلت التجارب على وجود ما يسمى الظرف ( العامل ) الأمثل Optimum ، و هو مقدار العامل الذي يؤمن الحياة المثلى لذلك الكائن . حتى إذا تدنى هذا العامل أو ارتفع أصبحت حياة الكائن في كرب . لكنه لن يموت إلا إذا كان التغير في العامل تغيرا جذريا زيادة أو نقصانا .