( خواطر بين يدي سيد الشهور )
{رمضان}

إعداد :
عبيدالله بن أحمد القحطاني


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ذي النعم الوافرة والخيرات المتكاثرة والصلاة والسلام على رسول الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة.
أمابعد.
ففي انتظار سيد الشهور رمضان كتبت هذه الخواطر آمل أن نتأملها معاً لحاجتنا إليها كتبتها لنفسي أولا ثم أذكر بها من يقرأها..
فأقول مستعينا بالله.

ما الذي يحصل في أول ليلة من رمضان ؟

الجواب : تبادل التهاني بدخول شهر رمضان الناس تتبادل التهاني بشكل غير مسبوق، ملايين الرسائل تحصيها شركات الاتصالات في تلك الليلة.
فأكبر نسبة تواصل بالرسائل والمكالمات تتم في ليلة دخول شهر رمضان، كلها تهاني، لماذا الناس يهنئ بعضهم بعضًا؟

لماذا هذه التهاني؟


لو أن أحداً اتصل بي وقال لي مبارك عليك شهر رمضان،
أو أنا اتصلت به.
فسألته أو سألني لماذا تبارك لي برمضان؟ ما هو جوابي؟ وما هو جوابك أنت؟
لماذا هذه التهاني تزف من الكبير والصغير والرجال والنساء والصالح والطالح، كل الناس؟

هذا سؤال لابد أن نجيب عليه،
لابد للتهنئة من معنى،
من تخرج من دراسة تهنيه لها معنى
من توظف
من تزوج
من بنى بيتا
من رزق مولوداً إلــخ

كل هذه التهاني لها معنى، نهنئه لأنا نعرف فيه معنى لهذه التهنئة،
إذاً لماذا تهنئني برمضان؟ ولماذا أنا أهنئك برمضان؟
ما هو المعنى الذي وضعته في بالي عندما أهنئ غيري، أو غيري يهنئني؟ ما هي المعاني؟
تأمل وحاول الإجابة على السؤال.

هل هذه التهنئة مبعثها مثلًا أن رمضان شهر المغفرة؟

يمكن بعض الناس يضع في ذهنه هذا الأمر، يقول صح في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه . ومن قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه) رواه مسلم
ولما عند مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».
فأنا أهنئكم بشهر سيغفر لكم فيه..

عندما يهنئني إنسان هل أستشعر هذه الفرحة فعلًا يا أخي والله إني أستحق أن أنال التهنئة برمضان، لأن الله في هذا الشهر سيغفر لي ما تقدم من ذنبي،.

هل نستشعر معنى مغفرة الله فنفرح بها ونسر؟

تعالوا نرى، هل هذا ينطبق علينا أم لا؟

من المعلوم أن من الأشياء التي تحدث بها المغفرة كثرة الاستغفار، فكيف هو حالنا مع الاستغفار؟
وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله في اليوم بالمئات، فلو أننا نستشعر قيمة المغفرة، حقيقة لرأيتنا من أكثر الناس استغفارًا، لكننا في الحقيقة من أقل الناس استغفارًا ـ إلا القليل ممن رحم الله ـ ومن راجع حاله بصدق تبين له تقصيره.
إذًا يا إخوان عندما نقول نهنئ بعضنا في رمضان بسبب المغفرة، نتذكر هذا لو أن المغفرة مهمة في حياتنا لرأيتنا كثيرًا ما نستغفر الله.

لو كنا نستشعر خطورة المعاصي والذنوب والسيئات علينا في الدنيا والآخرة لعظمت المغفرة في نفوسنا وعظم عندنا كل عمل تحصل لنا المغفرة بسببه ومن ذلك شهر رمضان فنقول فعلًا إذا غفر الله لنا نجونا، فلذلك نستحق هذه التهنئة.

تأملوا في أحوال أقوام أهمهم أمر المغفرة.


1 -
عن أبي قتادة رضي الله عنه - عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قامَ فيهم فذَكرَ لَهم أنَّ الجِهادَ في سبيلِ اللَّهِ والإيمانَ باللَّهِ أفضلُ الأعمالِ فقامَ رجلٌ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ أرأيتَ إن قتلتُ في سبيلِ اللَّهِ أيُكفِّرُ عنِّي خطايايَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:( نعم إن قتلتَ في سبيلِ اللَّهِ وأنتَ صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غيرُ مدبرٍ. ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كيفَ قلتَ؟ قالُ: أرأيتَ إن قتلتُ في سبيلِ اللَّهِ أيُكفِّرُ عنِّي خطايايَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نعم وأنتَ صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غيرُ مدبرٍ إلاَّ الدَّينَ فإنَّ جبريلَ قالَ لي ذلِكَ )رواه مسلم والترمذي

سأل أرأيت إن أنا قُتلت في سبيل الله، ماذا يريد؟ هل قال أكون في الفردوس الأعلى؟ هل قال أدخل الجنة؟ هل قال كم لي من الحور العين؟ لا شيء من ذلك.
شيء واحد فقط يفكر فيه، يا رسول الله أرأيت إن أنا قتلت في سبيل الله أيكفر لي خطاياي ؟
هذا الرجل ماذا سيقدم من أجل المغفرة؟
سيقدم روحه يقتل فلا يبالي ، أهم شيء عنده، لو أني ذهبت الآن وقتلت في سبيل الله هل يغفر الله لي؟

أرأيت، لاحظ الفرق، هذا رجل تهمه المغفرة، يعرف قيمتها، عنده إحساس بمعنى مغفرة الله جل وعلا،

2 -
مثال آخر فرعون يقول للسحرة بعد أن آمنوا {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ

  • قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ
* إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} سورة الشعراء
افعل ما تريد، تقطع رؤوسنا قطعها، تريد أن تقطع أيدينا وأرجلنا من خلاف اليمنى مع اليسرى واليسرى مع اليمنى وتعلقنا على الشجر حتى نموت افعل ذلك، كل هذا لا نبالي به ،
لماذا؟
{إنا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا}ففي سبيل تحصيل هذه المغفرة ما عندنا مانع يحصل لنا أي شيء،
إذًا يا إخواني المغفرة أمرها عظيم، وإذا تحصلت للعبد في هذا الشهر فقد تحصل على خير كثير.
وأقول أيضاً لمن طمع فيها ماذا فعلت لتحظى بها في هذا الشهر؟
هل المُصِرْ على ذنبه طالب مغفرة؟
هل من يدخل عليه الشهر وهو لم يتب ويقلع عن الذنب طالب مغفرة ؟
لابد من تحقق شروط التوبة وبعدها نطمع في تحقيق المغفرة في شهر الرحمة والمغفرة.
ولكن العجب الذي لا ينقضي أن يطمع طامع في هذه المغفرة وهو لم يفارق من ذنوبه ما يرجو صفح الله عنه ..

فلنقلع عن ذنوبنا ومعاصينا ، ولنندم على فعلها ، ولنعزم على ألا نعود إليها ،
وعندها نتعرض لنفحات الله وهباته في رمضان.
ونطمع في المغفرة ، التي إن حرم العبد منها في رمضان فالحرمان سبيل إلى أمر خطير يبينه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صعِدَ المنبرَ فقال : ( آمين ، آمين ، آمين ) . قيل : يا رسولَ اللهِ ! إنك صعدت المنبرَ فقلتَ : " آمين ، آمين ، آمين " . فقال : إنَّ جبرائيلَ عليه السلامُ أتاني فقال : من أدرك شهرَ رمضانَ فلم يُغفَرْ له فدخل النارَ فأبعدَه اللهُ ، قل : " آمين " ، فقلتُ : " آمين . . "
قال الألباني : في صحيح الترغيب حسن صحيح
يالها من دعوة يدعو بها سيد الملائكة ويؤمن على دعاءه سيد البشر ألا نخشى سوء عاقبتها.

أحبتي...
ولازلنا في هذه الفقرة، النبي صلى الله عليه وسلم جعل لهذه المغفرة شرطاً فقال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ». وقال «من قام رمضان إيمانًا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه» كما تقدم
كم مضى علينا في الأعمار؟ وكم صمنا من الشهور فيما مضى؟ نسأل الله يتقبل، هل منا من وقف يسأل نفسه هل حصلت هذا الشرط لتحصل لي المغفرة أم لا ؟
النبي صلى الله عليه وسلم يضع هذا القيد «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا» من حرف الشرط، صام فعل الشرط، صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، ما هو جواب الشرط؟ غفر له ما تقدم من ذنبه.
هل أحد منا معاشر الصائمين فكر ما معنى إيمانًا واحتسابًا؟

هل أفكر كيف أصوم رمضان إيمانًا واحتسابًا؟


( إيمانًا) أي إيمانا بالله، هذا أول شيء، إيمانًا بأنه ربك وأنت العبد، ولذلك تفعل هذا الذي تفعله طاعة وامتثالًا لأمره لأنه سيّدك، لأنه ربك، لأنه إلهك، لأنه معبودك، وأنت عبد، تطيع ما أمرك به.
هذا وجه من وجوه قوله( إيمانًا)

أيضا ( إيمانًا) بأنه جل وعلا أعلم بما يصلح شأنك، وبما يفرض عليك فتؤمن أن هذا التكليف منطلقه حكمة الله هذا يدخل في إيمانًا، ليس المقصود بهذا التشريع تعذيب الإنسان بل تهذيبه، ولذلك في الحديث الصحيح «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أما قوله احتسابًا، فما معنى احتسابًا؟


هذه مسألة مهمة أيضًا، يعني أنت تريد الثواب من الله جل وعلا.
إذاً اعمل العمل لله وحده وعندما تنتهي منه ترجو قبوله كأنما تقول يا رب هذا عملي جازني وحاسبني عليه.
هل يمكن أن أقوم بعمل لغير الله وأطلب من الله أن يثيبني ويحاسبني عليه؟ مستحيل
فأنت لا يمكن تأخذ ثوابا إلا على عمل فكرت فيه قبل أن تقوم به وقصدت به وجه الله.

أنتقل بعدها لسؤال آخر..

هل التهنئة هنا لأنه شهر الدعاء المستجاب؟

ممكن

ولم لا يكون كذلك؟ والله سبحانه وتعالى قد جاء بآية عظيمة في الدعاء
وجعلها في ثنايا آيات الصيام وهي قوله تعالى ﴿وَإِذا سَأَلَكَ عِبادي عَنّي فَإِنّي قَريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَليَستَجيبوا لي وَليُؤمِنوا بي لَعَلَّهُم يَرشُدونَ﴾
[البقرة: ١٨٦] وكأنما هي لفت للنظر أن هناك علاقة بين الصوم والدعاء
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول:( ثلاثُ دَعَواتٍ مُستجاباتٍ : دعوةُ الصائِمِ ، ودعوةُ المظلُومِ ، ودعوةُ المسافِرِ)
رواه أبو هريرة وصححه في الألباني في صحيح الجامع -.

إذا انتبه أنت الآن في موسم من مواسم الدعاء، أدع يستجب لك، اسأل ربك ما تريد، فهل هذا هو المقصود بالتهنئة؟ إذا كان الجواب نعم فماذا أعددت من حاجات؟ وهل تعلم متى تسأل ربك؟ وكيف سيكون الدعاء؟ هذا أمر مهم.
إخواني: كم من مشكلة انحلت، والله الذي لا إله غيره بالدعاء في رمضان وكم من حاجة قضيت، كم من مشكلة مالية انتهت؟ كم من مريض شفي وأمر قضي كل ذلك حصل بسبب إلحاح العبد على ربه جل وعلا في شهر الصيام.
لا شك أن الباب مفتوح دائمًا لكن نحن نطمع في شهر الصيام أن يكون الأمر أعظم، لأن صلواتنا أكثر سجداتنا أكثر انقطاع الإنسان للعبادة الإقبال على الله أكبر، الحالة التي يكون عليها الإنسان الذل والتذلل والضعف، ولذلك من المعلوم أن أرجى أوقات الدعاء عند الفطر وقد ورد هذا عن جمع من الصحابة ومعلوم أن أضعف ما يكون الإنسان عند ساعة الإفطار، منكسر جائع عطشان .فعندها يدعو فيستجيب الله جل وعلا.
إذا هذا معنى عظيم آخر من معاني التهنئة فيستحق هذا، لأنه شهر الدعاء فلا بد أن تجهز من الآن ماذا تريد من ربك جل وعلا؟.
لكن قبلها هل تعرف آداب الدعاء وشروطه وموانع الإجابة؟
تعلمها.
كم هو رصيدك الذهني يعني محفوظاتك من الأدعية النبوية الصحيحة؟
ونقف مع حديث يهمنا جداً فيما يتعلق بموضوع الدعاء
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ ، واعلمُوا أنَّ اللهَ لا يَستجيبُ دُعاءً من قلْبٍ غافِلٍ لاهٍ)
حسنه الألباني في صحيح الجامع.

لاحظ موقنون متى يأتي عندنا هذا اليقين؟ وما معنى اليقين؟ معناه لا تدعو وأنت تفكر في كيف أوتستعظم شيئاً أن تسأله..
للتوضيح
شخص مريض مرض خطير جدًا، نقول أدعُ الله أن يشفيك، فيقول يا رب اشفني، ثم يقول لكن الدكتور قال لي أن ما في أمل، إذا يدعو بلا يقين.
آخر يقول مديون وعليّ كذا وكذا ، يعدد لك مما عليه من الدّين، تقول له عليك بالدعاء فيدعو ثم يقول هذي مبالغ كبيرة جداً كيف تذهب؟ ما عنده يقين.
فعدم اليقين حرمك الإجابة والله لو سألت الله بيقين لأتاك الفرج من حيث لا تحتسب،
وتتمة نفس الحديث قال «واعلموا أن الله لا يستجيب الدعاء ممن قلبه غافل لاه» وهذا أيضاً من عدم اليقين.
ترى داعياً رافعاً يديه دقائق يدعو فلو سألته ماذا سألت ربك؟ ماذا طلبت؟ ربما لا يجيبك حسبه أنه دعا وكفى.
وكم من الدعاء رددناه عشرات المرات ولا استجابة والسبب غفلة القلب عند الدعاء أو عدم فهم معنى ما ندعو به.

فأحضر قلبك واعرف دعواتك وافهم معاني ماتدعو به وإلا كان الداعي غافلاً لاهيا لا يستجاب له.

جهز قائمة الطلبات والحاجات التي تريدها وادع بها لتجدها عند الله جل وعلا.
أقول- ولله المثل الأعلى- والله يا إخوان لو قيل الملك أو الأمير أو الغني الفلاني فتح بابه لذوي الحاجات الذي عنده طلبات يأتي بها ويتفضل،
ما رأيكم يا جماعة؟ من يأتي لحاجة يستحضر طلباته ويجهزها أو يأتي هكذا؟
طبعاً يأتي محضر كل شيء، الذي ما يعرفه يكتبه؛
فكيف بمن بابه دائما مفتوح ويقول( ادعوني أستجب لكم)
فهذه فرصة الآن، نعم نستحق أن نهنئ بعضنا بعضًا برمضان لأن شهر الدعاء

ثالثا :

هل الفرحة والتهاني
لان شهر رمضان شهر العتق من النيران؟ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من شَهْرِ رمضانَ : صُفِّدَتِ الشَّياطينُ ومرَدةُ الجنِّ ، وغُلِّقَت أبوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ ، وفُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ ، ويُنادي مُنادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ، ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِرْ وللَّهِ عُتقاءُ منَ النَّارِ ، وذلكَ كلُّ لَيلةٍ)رواه الترمذي وصححه الألباني
الله أكبر كيف لا نفرح ونهنئ بعضنا بعضا بموسم العتق من النيران التي ما خوف الله عباده بشئ أشد منها
﴿لَهُم مِن فَوقِهِم ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَمِن تَحتِهِم ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقونِ﴾
[الزمر: ١٦]
لكن تأملوا وقت العتق إنه في الليل فما من ليلة ينقشع ظلامها من ليالي رمضان إلا وقد سطرت فيها قائمة تحمل أسماء (عتقاء الله من النار) وذلك كل ليلة ، ألا يحدونا الأمل أن نكون منهم ؟
اذاً فدعني أسألك في أي شيء ستمضي ليالي رمضان ؟

من ترون أولى الناس بهذا الإكرام الرباني؟
هل هم أهل اللهو والعبث والسمر وضياع الأوقات أو متابعة الشاشات والفضائيات والجوالات أو الاجتماع في الملاعب والاستراحات.
أم هم من باتوا لربهم سجداً وقياماً يتلون كتاب الله ويستغفرون ربهم بالأسحار ويبكون من خشيته في ظلمة الليل..

الله الله في حفظ ليالي رمضان من الضياع والعبث.
والله الله في التعرض لنفحات الباري سبحانه فيها خاصة عشرها الأخيرة
عسى نفحة من نفحات الرحيم تصيب العبد بعتق رقبته من النار فلا يشقى بعدها أبداً

رابعا :
هل نتبادل التهاني لأن العبادة في رمضان لها لذة تختلف عن لذتها في غير رمضان؟
لا شك أن هذا هو المفروض.
ينبغي أن يكون للصوم لذة، وللصلاة لذة، وللقيام لذة، وللطاعات لذة، في شهر رمضان ليست لغيره.
يا ليت هذا الأمر يحصل لنا، نعم من حاول أن يجد هذه اللذة سيجدها والله ولا شك، العبادات لها لذة لا تعدلها لذة، لكن ما كلٌ يوفق إليها، لا نريد رمضان جاف من المعاني العظيمة.
لا نريد صيام جاف، لا نريد قيام جاف، نريد لذة لهذه العبادات تؤثر فينا، في سلوكنا، في سمتنا، في بكائنا، في خشوعنا، في حركة قلوبنا، في رقي الإيمان عندنا، في تغيرنا للأفضل بعد رمضان هذه الأمور كلها لا تحصل إلا إذا تلذذنا بهذه العبادات.
ولذلك وجدنا في سلفنا من كانوا يتمنون أن السنة كلها رمضان، فهل عندنا مثل ذلك؟ لا يمكن الإنسان أن يتمنى دوام عبادة أو يدوم عليها أو يكثر منها إلا إذا شعر بلذتها.

فالذي يقول يا ليت السنة كلها رمضان شعر بهذه اللذة فيتمنى أن يستمر هذا الخير ولا ينقطع، رمضان للعبادة في نهاره معاني ولها في ليله معاني أخرى .

خامساً :
هل أقول نفرح برمضان ونتبادل التهاني لأن رمضان فرصة للتغيير ، فيقول الواحد منا نويت في هذا الشهر أن أغير، نويت أن أقمع هذه النفس التواقة للمعاصي والسيئات، فأترك أشياء كنت أفعلها، فرمضان أنسب وقت لتركها والإقلاع عنها مستعينًا بالله، ثم بالدعاء.
فرصة أن أغير من حالي فأفعل أشياء كنت أتكاسل عنها مما أمرني الله به فكنت مفرطاً فيه.
رمضان فرصة لتعميق الرقابة الذاتية بيننا وبين الله. ومحاولة بلوغ مقامة الإحسان..
نحن حال الصوم نترك الطعام والشراب ومشتهيات النفس لمن؟
سبحان الله الواحد منا بين الناس صائم، وفي شقته صائم، وفي غرفته الخاصة صائم وفي مطبخه أمامَه أكله وشربه والله ما يطلع عليه أحد، ولا يمكن أن يضع يده على كأس الماء، ولا يمكن يتذوق أي شيء حتى يؤذن المغرب، وحساس جدًا. للتأكد من صحة صومه. ما يبدأ بالإفطار حتى يتأكد من دخول الوقت لماذا كل هذا؟
من الذي يعلم بك إن أكلت وأنت في بيتك؟ من يدري عنك لو شربت وأنت في غرفتك؟ من يدري عنك لو استمتعت بأهلك وأنت معهم في بيتك؟ من يتابعك ويحاسبك؟
تترك ذلك كله لأجل من؟ لأجل الله، ولذلك في الحديث القدسي عن أبي سعيد الخدري إن الله تعالى يقول «إن الصوم لي وأنا أجزي به» رواه مسلم
نعم الصوم لله فقط، ليس لأحد سواه إذا فهذا تدريب على أن تراقب الله في كل أحيانك، ليس فقط في الصيام.
فتترك ما حرم الله عليك في خلواتك لأنك تعلم أن الذي كان مطلعًا عليك وأنت صائم، مطلع عليك في أحوالك كلها،
كذلك نتعود على إدراك صلاة الجماعة، على أن يكون لك علاقة قوية بكتاب الله، كم هجرنا القرآن، فرصة في رمضان. أن نقرأ ونتدبر ونتلذذ بقراءته فتتعلق به قلوبنا.
المحافظة على الأذكار
لزوم المسجد لطاعة الله
حفظ الجوارح من الحرام لأن رمضان يهذبها.

أم أن الفرحة والتهاني التي نتبادلها بسبب الأجواء الرمضانية التي لا توجد إلا في رمضان على مستوى المجتمع، على مستوى الأسرة، على مستوى العائلة، على مستوى المأكولات، والمشروبات والجلسات والتمشيات والسهرات، إن كان كذلك فهذه مشكلة.
وأغلب ظني والله أعلم في وقتنا هذا الذي نحن فيه أن أغلب الناس تهانيها لا تدور إلا حول هذا الموضوع.
ولذلك أصحاب الفضائيات أعدوا العدة لإشباع هذا الجانب لدى الكثير لماذا؟ لأنهم مع الأسف الشديد استشعروا منا هذا الشيء استشعروا أن الأمة فرحتها برمضان هي حول هذه المواضيع.
رمضان غير، مسلسلات رمضان غير، وسهرات رمضان غير، وطلعات رمضان غير،ولأجل ذلك الآن فنادق الكبيرة في بعض المناطق تجعل سهرات تجعل مقاهي تجعل ملاهي.
فلا يكن هذا قصارى ما نفرح بسببه برمضان.

قبل الختام يبقى سؤال مهم جدًا.

ما هو أفضل رمضان مر بك في حياتك؟
طبعاً من ناحية التعبد والطاعة.
كم صمت رمضان فيما مضى؟
عشرين ثلاثين خمسة وعشرين خمسة عشر، عشرة كم؟
ما هو أفضل رمضان مر عليك في حياتك، هذا سؤال مهم جدًا، سؤال وجيه، فأين الجواب؟ لا أدري

الجواب عندك، لكني أقول إعمل ، إحرص ، اجتهد أن يكون رمضان القادم والمقبل عليك بعد أيام أفضل رمضان مر عليك في حياتك، فلا تدري تعيش لمثله أم لا؟

والأعمال بالخواتيم،
احذر أن تكون رمضان القادم أقل درجة مما قبله والله ما هذا بفلاح،
لكن اجتهد كل الاجتهاد، واحرص كل الحرص أن يكون رمضان هذا أفضل رمضان مر بك فيما مضى من عمرك.
أنظر واستعرض ما أفضل رمضان مر عليك؟
مشكلة إذا كنا يمر علينا رمضان قمة في الأداء والعبادة وفي الطاعة وفي الامتثال وفي كل ما يحبه الله جل وعلا ويرضاه، ثم نأتي رمضان بعده وننزل، هذا خلل كبير لا بد أن تكون مرتفع،
بكل شيء،
كم ختمت القرآن رمضان الماضي؟
مرة واحدة مثلا، رمضان الحالي اجتهد فيه لتختم مرتين،

لزومك للمسجد كيف كنت؟ تحدد من الآن، لابد يكون لك علاقة بالمسجد في هذا الشهر تختلف عما مضى.
والله عبادة لزوم المسجد من ألذ العبادات لمن تمتع بها، لكن قليل من يستمتع بها، ولو أن الإنسان عود نفسه عليها لاستشعر أموراً والله ما يستشعرها في أي مكان، ولا في أي بقعة غير بيوت الله.
تغشاك الرحمة وأنت في مسجد من المساجد، الملائكة تدعو لك بالمغفرة والرحمة
فهذه العبادة لا بد أن تتميز بها بهذا الشهر، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنها من أعظم ما يمحو الذنوب والخطايا، « أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَرْفَعُ اللهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ، وَيَمْحُو بِهِ الْخَطَايَا؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ كَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط»..رواه مسلم
ومعلوم أن الاعتكاف يرتبط برمضان وهو أفضل أنواع لزوم المسجد فاحرص عليه.

ومن الوسائل المعينة على ذلك الاستعانة بالله والدعاء ألح على الله أن يجعل هذا الشهر هو أفضل رمضان مر عليك فيما مضى من عمرك،
وقد جرب البعض مثل هذا الأمر، وقال ألحيت على الله بالدعاء فوجدت استجابة، وجدت فعلًا أنني في هذا الشهر الذي ألححت على الله بالدعاء وفقت لأعمال لم أكن قد وفقت إليها في رمضانات مضت.

انتبهوا يا إخوان من الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس، نحافظ أو نحرص على نوافل مع تفريط البعض في ماذا؟ في فرائض، ينام عن الفجر والعصر ويحرص على التراويح.
ما ينفعك هذا لو حافظت على الفرائض وحسب ولم تصل نوافل ولا تراويح لكان أحب إلى الله من ملايين النوافل مع تضييع الفرائض ففي الحديث «ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه»
كذلك يترك الإنسان بعض اللمم، معاصي صغيرة أو لمم، لكنه واقع في كبائر، فهذا خطأ لا بد يكون عندي ترتيب أولويات في الفعل والترك
احرص على ترك الكبائر والحذر منها أكثر من حرصك على ترك الصغائر، لأن من سوء عاقبة الكبيرة أنها تكتب عليك وتحرمك حتى من مغفرة الصغائر.
الله جل وعلا يقول في كتابه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}سورة النساء
انظر الشرط {إِنْ تَجْتَنِبُوا}،

وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الصلواتُ الخمْسُ ، والجُمعةُ إلى الجُمعةِ و رَمضانُ إلى رمضانَ ، مُكفَِّراتٌ لما بينهُنَّ إذا اجْتُنِبتْ الكبائِرَ) صحيح الجامع
ختاما نستقبل شهرنا بالتوبة يا عباد الله، كل هذه الأمور التي نتكلم عنها، نحتاج فيها إلى التوبة الصادقة.
التوبة التي تمحو الذنوب والخطايا توبة صادقة ، لماذا؟ لأن الذنوب تحول بين العبد وبين القيام بالطاعات، وبين التلذذ بها، يحول بينه وبين ذلك ما ران على قلبه من الذنوب والخطايا والسيئات.
لذلك أيها الإخوة الأحبة تذكر هذا الحديث عند أحمد وغيره عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» صححه الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى.
ليس الرزق والله مالًا فقط، بل والله إن العمل الصالح رزق، والله الذي لا إله غيره ما يقوم أي عبد بطاعة إلا قد رزقه الله حبها والإتيان بها.
فلذلك نقول لا تحرم نفسك هذا الرزق بسبب الذنوب والمعاصي، أيضًا مما أوصي به: املأ قلبك عزيمة بالاجتهاد في الطاعات،
انظر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ربه كما في حديث ابن عباس :( ربِّ اجعلْني لك شَكَّارًا لك ذَكَّارًا لك رهَّابًا لك مِطواعًا لك مُخبِتًا إليك أَوَّاهًا مُنيبًا)رواه الترمذي وقال حسن صحيح
سبع حاجات يطلبها النبي صلى الله عليه وسلم بعدين لاحظ بصيغة ماذا؟ بصيغة المبالغة، لم يقل اجعلني ذاكرًا ولا شاكرًا؟ لا بل قال اجعلني لك ذكارا كثير الذكر،لك شكار، كثير الشكر رهابا كثير الرهبة والخوف، مطواعا كثير الطاعة.
إليك أواهًا وهو الذي يعود، يرجع إلى الله كل ما أذنب عاد، منيبا، مخبتا يا الله ما أعظم هذه الأشياء،
املأ قلبك بعزيمة صادقة
أنك تريد أن تشكر الله، تذكر الله، تقرأ القرآن، تتصدق، تعمل الطاعات،
ما فائدة هذه العزيمة؟
العزيمة أين مكانها القلب؟
من الذي يطلع على القلب؟
الله سبحانه وتعالى.
ماذا قال الله؟ ﴿طاعَةٌ وَقَولٌ مَعروفٌ فَإِذا عَزَمَ الأَمرُ فَلَو صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيرًا لَهُم﴾[محمد: ٢١]
إذا كنت صادق مع الله ، أبشر.
إذا علم الله منك أنك صادق في عزيمتك، والله الذي لا إله غيره يفتح لك هذه الأبواب للطاعات، هذا مهم،
هذه فائدة أولى للعزيمة.
والفائدة الثانية أنك إذا حيل بينك وبين هذا الذي عزمت عليه بأي سبب لا تملك رده فأبشر فالله يعطيك ما عزمت عليه، تقلبات الحياة لا يعلمها الإنسان ولا يدري ما الذي يجري عليه.
قد يحول بينك وبين القيام بهذه الأشياء التي عزمت عليها سبب من الأسباب نسأل الله يكتب لنا ولكم السلامة والعافية، إذا حيل بينك وبينها كتب الله لك ما عزمت عليه، ما دمت صادقًا في عزيمتك، ما حال بينك وبينها إلا عدم القدرة على أن تفعل.
إذًا توبة صادقة، عزيمة صادقة على استغلال شهر الصيام، والدعاء الدعاء في هذا الوقت بأن يبلغك الله رمضان، وفي إقباله أن يبلغك تمامه، وأن يعينك على ما ذكرنا، فهذه أمور مهمة، إشارات عابرة وخطرات نفعنا الله بها أجمعين والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.
 


المراجع

saaid.net

التصانيف

أدب   العلوم الاجتماعية