من وراء الغيب المجهول صاح طيف الأب المقبور، يتحدث
|
|
أهدر تركةَ أبيه، ونقَضَ وصيتَه.
|
|
أَلمْ أُوصِكَ الأمْسَ قَبْلَ الممَاتِ
|
فَأيْنَ وَصَاتِي الَّتِي مَا وَعَيْتْ؟
|
وَفِيهَا كَتبْتُ: تَزُولُ الجِبَالُ
|
ولا تَنْحنِي أَبَدًا فَانْحَنَيْتْ
|
وَفِيهَا سَتَعْصفُ هُوجُ الرِّيَاحِ
|
فَكُنْ قِمَةً صُلْبَةً فَانْحَنَيْتْ
|
وَفِيهَا سَيمتدُّ لَيلُ الأسَى
|
فَلا تَبْتَئِسْ بالأسى فَانْحَنَيْتْ
|
وَفِيهَا يَكُونُ جَفَافٌ وَجُوعٌ
|
فَمُتْ بِالطَّوَى شَامِخًا فَانْحَنَيْتْ
|
وَفِيهَا انتَصِرْ بِالثباتِ العَتِيِّ
|
وَبِالصَّبْرِ فِي عِزَةٍ فَانْحَنَيْتْ
|
وَقُلْتُ تَجَنَّبْ مَخَازِيَ الطّرِيقِ
|
ولكنْ لخزي الطريقِ انتَهَيْتْ
|
وعَانقْتَ فيه الأفاعي الكبارَ
|
ومِن سُمِّها يا غبيُّ ارتويْتْ
|
فَأين وصاةُ أبِيكَ الَّذي
|
إلى دفْء مُهجتهِ قدْ أَوَيْتْ؟
|
وكَمْ سهرَ الليلَ يَحمِي حِماكَ
|
وَيبكِي دماءً إذَا ما بَكَيْتْ
|
ويَحملُ عنْكَ هُمومَ الحَياةِ
|
ويَرْعَى الذي بعدَهُ مَا رَعَيْتْ
|
عَصيتَ وَصَاتِي التي صُغْتُها
|
بدمِّي، وللمُخزياتِ مشيْتْ
|
وكُنْتُ أَظُنُّكَ نعمَ الوريثُ
|
فكيفَ تَبيعُ الذي مَا اشتريْتْ؟
|
فبعْتَ جَوادِي الأصيلَ الكريمَ
|
وأُمًّا، وأُخْتًا، وأَرْضًا، وبَيْتْ
|
وشعرِي بعْتَ، ونخْلِي بعْتَ
|
وسيْفِي، ورُمْحِي، وسرْج الكُمَيْتْ
|
وبعْتَ سريرِي الذي فوقَهُ
|
وُلدْتَ، وكمْ نمْتَ حتى اسْتَوَيْتْ
|
للصٍّ بَغِيٍّ، عُتُلٍ، زَنِيمٍ
|
على قدميه خَسئْتَ ارتميْتْ
|
لِتَلْثَمَ نعْليه في ذِلَّةٍ
|
وتَلْعَقَ طِينهمَا.. مَا استَحَيتْ
|
فكيفَ تَبيعُ التراثَ العزيزَ
|
بكِسْرَةِ خبزٍ، ونقطةِ زَيتْ؟
| |
وتاجٍ من الشوكِ يُدمي الجبينَ
|
ووعدٍ كذوبٍ، وكِيْتٍ، وكيْتْ؟
| |
|
من البهرجاتِ.. إليهِ ارتقيْتْ؟
|
ولمْ تدْرِ أنَّكَ حين اعتليْتْ
|
هَبطْتَ بمَا أنْتَ فيهِ اعتليْتْ
|
وفي موكبِ الذُلِّ صرْتَ الأميرَ
|
ذليلاً، كسيحَ المسارِ، مشيْتْ
|
فلا تمْلكُ الأمرَ إمَّا تَشَا
|
ولا النهيَ تملكُ إمَّا نويْتْ
|
وتصدعُ بالأمرِ إمّا أُمِرْتَ
|
وينفذُ أمْرُ العِدا إن نهيْتْ
|
فلمَّا سكرْتَ بخمر الخِداعِ
|
ومالتْ بكَ الخمرُ لما انتشيْتْ
|
|
فليسَ سوى الخُسْرِ ما قدْ جَنيْتْ
|
وقلْنَا اكتفيْتَ بما قدْ جَمعْتَ
|
مِن العَارِ، لكنما ما اكتفيْتْ
|
فعن قوسِ أعدائنا قد رَمَيْتَ
|
فواحسرتاهُ على من رَمَيْتْ |
| |
بسهمكَ خرَّ عزيزٌ أَبِيُّ
|
بجمرِكَ قلبًا طهورًا.. كَوَيْتْ
|
أتحمِي حياةَ العدوِّ العقورِ
|
وأيضًا تُراثِي لهم قدْ حميْتْ؟
| |
أأبكِي عليكَ؟ أأبكِي إليكَ؟
|
أأبكِي علينَا لِمَا قدْ جَنيْتْ؟
|
ففي غدِكَ المُستباحِ الجريحِ
|
ستصرخُ ياليتني ما انحنيْتْ
|
ويرتدُّ سهمُك في مُقلتيكَ
|
ولن يُنقذَ البيتَ آلاف لَيْتْ
|
فليس لما قدْ كسرْتَ انجبارٌ
|
بما قد جررْتَ، وما قدْ غويْتْ
|
وتُدْركُ بعدَ فواتِ الأوانِ
|
بأنكَ لمَّا انْحَنَيْتَ.. انْتَهَيْتْ
|
ومَا دُمْتَ قدْ بعْتَ حتَّى الحُطامَ
|
ولم تُبْقِ أُمًّا، وأرضًا وبيْتْ
|
فإنِّي أخشي غدًا أنْ تبيعَ
|
عِظَامِي، وقبرًا بِهِ قدْ ثويْتْ
|