أبناؤنا ومخاطر المواقع الإباحية... كيف نحميهم؟
يعتبر التقدم التقني في واقعنا المعاصر عصب الحياة، ولا ينكر أحد مدى الانتشار الواسع للبثّ الإعلامي بما فيه المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، والتي تحتوي على ملايين المواقع المتنوعة، وكان التركيز على الشباب المسلم من جهة الأعداء لتشويه فكرهم وتحريف معتقداتهم ببثّ مئات الآلاف من المواقع الإباحية، والتي عجزت بعض الأسر عن فَهْم مخاطرها وسبل حماية فلذات أكبادهم منها بدون منعهم من الاستفادة الكاملة بمميزات الإنترنت الأخرى في كافة المجالات.
يبدأ د.مهند أمجد– 43 عامًا من سوريًا– حديثه قائلاً: "بدأ أولادي يدخلون على الإنترنت منذ فترة قليلة، وأتابع باستمرار الوارد والصادر من بريدهم الإلكتروني؛ حيث حصلت على كلمة السر الخاصة بجميع الأبناء، ولبناء الثقة بيني وبينهم أعطيتهم جميعًا كلمة السر الخاصة ببريدي الشخصي، كما أقوم بمتابعة ذاكرة جهاز الكمبيوتر بشكل مستمر لمعرفة المواقع التي يرتادونها".
وتتفق معه سهام الماجد– 28 عامًا من قطر– قائلة: "قمت بتركيب برنامج متابعة كل المعلومات الواردة والصادرة من الكمبيوتر الخاص بأبنائي، لذلك أترك لهم حرية الجلوس على الإنترنت، ومن حين لآخر أتابع أنا ووالدهم ما قام البرنامج بتسجيله، وعندما نسافر إلى المملكة العربية السعودية لزيارة أهلي أتركهم بدون متابعة؛ لأني اشتركت في خدمة لإحدى الشركات تقوم تلقائيًا بمراقبة المواقع، فأكون مطمئنة".
ويختلف معهما محمد همام– 32 عامًا من مصر قائلاً: "للأسف لم يعد هناك أمان على الأبناء، وأخشى عليهم هذا التلوث الفكري، وأرى أن الإنترنت لا لزوم له الآن، قد يحتاجونه أثناء الدراسة الجامعية عندما يكبرون، ووقتها سأكون قد قمت بتربيتهم على الخُلُق الإسلامي ولن أخشى شيئًا، أما الآن فقد طلب مني الأبناء الاشتراك بخدمة الإنترنت، لكني وضّحت لهم أنها غير مفيدة".
الفراغ سبب المشكلة
حملنا هذه الآراء وتوجهنا إلى المستشارة التربوية د.ليلى الأحدب والتي تبدأ حديثها عن أسباب اطلاع بعض الشباب والمراهقين على المواقع الإباحية قائلة: "يدخل الشباب إلى مواقع الإنترنت الإباحية بدافع الفضول بالدرجة الأولى, فالناشئ لديه جهل بعالم الجنس، وعندما تبدأ غريزته الجنسية بالظهور فإنها تدفعه للتعرف على هذا العالم, فإذا توقف الفضول عند المحاولة الأولى, فمعنى ذلك أن الوازع الديني والضمير الخلقي والفطرة السوية تَغَلَّبت على دافع الفضول, وقد تكون الغريزة الجنسية هي الدافع الأول وليس الفضول, وذلك في حالات التربية المشوهة التي لا تعلم الفتى وضع هذه الغريزة في إطارها الصحيح.
ومن الجواب الأول يمكن الاستنتاج بأن تصفُّحَ المواقع الإباحية للمرة الأولَى لا يعتبر مشكلة أخلاقية كبيرة، ولكن هذا لا يحصل في كثير من الأحيان بسبب التنشئة غير السوية, والتي تجعل الفضول مخفيًّا عن الأعين, بحيث يصبح لدى الشاب ازدواجية في الشخصية, فمثلاً عندما يأمر الأب ابنه بالصلاة ويرى الابن أباه يحجّ كل عام إلى البيت الحرام, ثم يشاهده وهو يَخْتَلِس النظر إلى المحرمات سواء في الواقع أو الفضائيات أو الإنترنت, فكيف ستكون نفسية هذا الشاب؟
ومن الأسباب الأخرى لإدمان هذه المواقع: الفراغ بكل أنواعه وخاصة الفراغ الروحي الذي يكون عند الملتزم شكليًّا دون مضمون التزام حقيقي, وأعتقد أيضًا أن التربية هي السبب؛ فكثيرًا ما يتعلم الأولاد الخوف من الناس بدل أن يزرع في نفوسهم خشية الله.
الإدمان وصعوبة السيطرة عليه!
وعن مخاطر هذه المواقع تضيف قائلة: "يسبب الدخول المستمر لمثل هذه المواقع إعلاء قيمة الغريزة الجنسية على كل ما سواها, وكثيرًا ما يتحوَّل هذا التكرار إلى إدمان تصبح السيطرة عليه من المستحيلات, وهنا يدخل الشاب في دوَّامة من المعاناة, فهو يعاني من الفراغ الروحي كسبب لهذا الدخول, ثم يصبح هذا الدخول إدمانًا مما يزيد الفراغ الروحي, ويزيد الشعور بالازدواجية, كما أن هذا الإدمان قد يؤدي إلى البحث عن إرضاء الغريزة بأي طريقة دون الاهتمام بالحلال والحرام, وليس خافيًا على أحد انتشار ممارسة العادة السرية بين الشباب، وكذلك التحرُّش، والاعتداء الجنسي على الصغار والضعاف من خدم وغيرهم.
وتضيف الأحْدَبُ قائلة: "وهنا تلعب الأسرة دورًا هامًّا في ترسيخ الإيمان بالله سبحانه، وغرس التقوى، مع منح الأولاد ثقتهم بأنفسهم بحيث لا يُعاب على الولد أمرٌ أتاه لأول مرة حتى لو كان خطأً، بل يتم تبيان الخطأ بهدوء وبدون ردّات فعل تكرِّس في نفس الناشئ الخوف من الأهل، أو حتى الخوف المغالَى فيه من العقاب الأخروي, بل يجب مناقشة كل الأمور بوضوح, ويفيد في هذا الموضوع التربية الجنسية المترافقة مع تربية أخلاقية منذ نعومة الأظفار.
فصل الخدمة هي الحل؟
ولا أعتقد فصل الآباء والأمهات خدمة الإنترنت من المنزل حلاً للمشكلة, بل الأفضل وضع الكمبيوتر في مكان عام بالنسبة للأسرة كغرفة الجلوس مثلا, واستبدال جزء حياة الولد الافتراضية عبر النت بإدماجه بالحياة الواقعية, وهو ما يفتقده كثير من شباب اليوم في أهاليهم, فالوالد مشغول بأعماله ونشاطاته والوالدة مشغولة بزياراتها أو أعمالها, ولا أحد يريد تحمُّل عبء التربية!
وهنا فالوقاية تكون بتعزيز مفاهيم الحوار في الأسرة بدءًا من الوالِدَيْنِ، مرورًا إلى الحوار بينهم وبين الأولاد, مع العودة إلى مفاهيم الأسرة الممتدة بما فيه من برٍّ وصلة رحم, علمًا بأنّ الحوار لا يمكن تعزيزه إلا بوجود مشتركات بين الأهل والأولاد, وهو شيء من الطبيعي أن يكون مفقودًا بسبب الفجوة المتعارف عليها بين الأجيال, ولسدِّها يجب التعامل بذكاء مع المشكلة قبل حدوثها, وتوقع الشر لاجتنابه، وليس للخوف منه. فمثلاً إشغال الولد بالهوايات المختلفة, وإشعاره بالمسئولية التدريجية عن أي شيء في حياته، وتنمية معاني الرحمة في قلبه، وهو ما يفجّر ينابيع الإنسانية، ويمحو النزعات الحيوانية من نفس الولد، ومنها الفوضى الجنسية.
المواقع الإباحية جريمة!
ويضيف د.محمود البنا عضو الجمعية العربية لقانون الإنترنت، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قائلاً: "تتعدد أسباب الشباب الذين يدخلون على المواقع الإباحية، ويمكن إرجاعها فيما أظنّ إلى غياب المعيار الأخلاقي من ناحية، وعدم توضيح الحكم الشرعي من ناحية ثانية.
فالمشكلة سببها ليس فقط أخلاقيًّا، وإنما شرعي بأبعاده الفقهية، كما أن غياب دور الآباء، وعدم فهمهم لدورهم في إطار الأسرة والمجتمع، أوجد انفصامًا في حياة الشباب، وعدم وجود قدوة قريبة يقتدون بها، كل هذا أوجد حالة من الانفلات الاجتماعي، أعقبه خلخلة اجتماعية تنعكس على القيم، والمبادئ والأخلاق والسلوك.
وتتعدّد المخاطر والأضرار الواقعة على الشباب نتيجة تصفح هذه المواقع حيث:
1- ضعف الوازع الديني والجانب الإيماني. وهذا بلا شك سيبدو واضحًا على الشباب لأنهم يعصون الله تعالى، ويستمرون على المعصية.
2- استمراء المعصية: وهذا في حدّ ذاته أمر يصعب جدًّا على الفرد أن يعود إلى الصواب إن وصل لهذه الدرجة؛ لأنه سيجد أكثر من مبرِّر لنفسه، وكأن الذنب صار مألوفًا مما ينذر بخطورة تنتج عن إلفه لهذه المشاهد.
3- كبت الشهوة، فهذه المواقع متنفس غير طبيعي ينتج عنه أمران إما كَبْت الشهوة، بصورة غير التي أرشد عنها النبي-صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». وهذا يؤدِّي لكثير من الأمراض.
والأمر الثاني: أن يبحث الإنسان عن متنفّس في الواقع المُعاش، وهنا يقترف أكثر من جريمة، سواء كانت جريمة النظر التي ألفها في النت أو التلفاز أو غير ذلك، أو الوقوع في المحظور، ومعلوم أن الجريمة تلحق الآخرين وأذاها يصيب المجتمع. والله تعالى عندما يحرم مُقَدِّمات الزنا حرّم ذلك لعلَّةِ عدمِ الوقوع فيه، يقول تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} سورة النور، وكذلك حرّم الله تعالى أن تخرج المرأة سافِرة.
4- تفكك المجتمع، فالذي يفعل ذلك يتوارى عن المجتمع مما يجعله يعيش في عزلة تامّة عما يتطلبه المجتمع، وبالتالي يكون عبئًا على المجتمع غير مصلح– على الأقل- فيه.
لكن يمكن وقاية الأبناء من هذه المواقع دون حرمانهم من فوائد الإنترنت بأمور كثيرة أهمها:
1- تعويدهم الحياة الفاضلة والاستقامة التي تعصمهم من الزلل.
2- لفت أنظارهم لدورهم في الحياة.
3- زيادة وتقوية إيمانهم ومراقبة الله تعالى.
4- إعطاؤهم دورًا في الحياة يؤجِّج الإيمان ويذكِّرهم بالله تعالى.
5- البحث في أصدقائهم عمن يتقي الله تعالى وتيسير سبل التواصل بهم، وكذلك إبعادهم عن أصدقاء السوء.