لم يتمالك "أمجد" نفسه وهو يرى الطبيبة تمسك بيدها طفلته الأولى "حلا" التي رأت النور قبل ثوان قليلة بعد مخاض عسير لزوجته "ميساء"، فانهمرت الدموع من عينيه بغزارة، وهو يتمتم بكلمات الحمد والشكر لله على نعمته داعيًا إياه أن يرزق الجميع الذرية الصالحة.
يقول أمجد: "لم أتخيل يومًا أنني سأصبح أبًا، وسأكون مسئولًا عن وليد صغير لا يقوى على شيء سوى البكاء..فرحتي والله لا توصف، أحمد الله أنا وزوجتي ليل نهار وفي كل سجدة على هذه النعمة التي أنعم بها علينا.. أدعوه أن يعينني وإياها على أن نربي ابنتنا التربية الصالحة وننشئها النشأة الإسلامية الصحيحة؛ حتى تكون مفخرة وعتقًا لنا من النار بإذن الله".
واليوم وبعد مرور نحو 10 أشهر على ميلاد "حلا"..عدنا لنرصد حال الزوجين أمجد وميساء، التي تقول: إنه ورغم كون "حلا" الابنة الأولى، إلا أن تجربتها في مساعدتها لأخواتها اللواتي تزوجن وأنجبن قبلها على تربية أبنائهن أكسبتها خبرة كبيرة في طريقة التعامل مع طفلتها الصغيرة.
وتضيف: "عندما كانت إحدى شقيقاتي تلد، كنت أذهب مع أمي إلى المستشفى وأرقد إلى جانبها؛ أخفف عنها آلام المخاض والولادة.. وعندما أرى الطفل يخرج للحياة أسارع إلى احتضانه وأضمه إلى صدري وكأنني أمه.. وبعد أن تعود إلى بيتها تكون مرهقة جدًا، فأتكفل بمساعدتها في أعمال البيت وفي كل ما يتعلق بالمولود الجديد.
وتتابع: "لذا عندما وضعْت حلا، تعبت من آلام المخاض والولادة، لكن بعد أن تعافيت جسديًا لم أجد تلك الصعوبة في التعامل معها، رغم كونها البِكر، فأنا أستطيع أن أدرك متى تحتاج إلى الرضاعة أو تغيير الملابس أو غيرها من الأمور، واليوم وبعد أن باتت على أعتاب شهرها العاشر أجد نفسي أكثر تأقلمًا معها".
لكن حالة الزوج أمجد لا تبدو على ما يرام، فهو يحتاج إلى أن ينام عامًا كاملًا كما يقول؛ حتى يعوض ما فاته خلال الأشهر الماضية من بعد ولادة حلا. ويضيف وهو يفرك بعينيه: "أدركت الآن أن الله سبحان وتعالى الذي خلق البشر أجمعين وضع في الإناث ميزات حتى يستطعن أن يقمن بما هو ملقًى على عاتقهن من مهام، اعترف أننا كرجال نعجز عن القيام بها".
ويضيف "تجربة حمل زوجتي ووضعها، كانت مفيدة جدًا لي رغم صعوبتها، فقد جعلتني أدرك تمام الإدراك ما عانته والدتي بارك الله فيها وأمد لنا في عمرها وباقي الأمهات خلال حملهن ووضعهن، فلا أحد يستطيع أن يعلم مدى الألم الذي تعاني منه المرأة طيلة فترة الحمل والوضع إلا من عاش التجربة".
ويتابع، وقد بدت عليه علامات الاندهاش: "عندما كانت زوجتي تطلب مني أن أساعدها في أعمال البيت؛ لأنها متعبة من الحمل، كنت استغرب، وغالبًا ما أرفض، وأقول في نفسي: "شو فرق عليها قبل الحمل وبعده"، لكنني عندما كنت أرافقها للطبيبة لفحص الجنين تغيرت نظرتي شيئًا فشيئًا، وما جعلني أقر بأنهن يتحملن من الألم والتعب ما قد تنوء به الجبال، هي تلك اللحظات التي كانت تتألم بها خلال المخاض والولادة، فقد شعرت أنها ستموت، لذا فقد قررت أن أكون متعاونًا إلى أبعد حد".
تراجع الحماسة
المضحك في قصة هذه العائلة الصغيرة، أن الزوج لم يكن يدرك أن ما سيأتي لن يكون أسهل مما فات.
تقول الزوجة: "لا أنكر أنه في الأسابيع الأولى كان متعاونًا جدًا، خاصة أنني من شدة الألم لم أكن أفارق الفراش إلا نادرًا، فقد كان يقوم بمعظم أعمال البيت، وفي الليل كان يستيقظ فور سماعه بكاء حلا ويحملها ويحاول إسكاتها، وقد ظهرت عليه علامات الإعياء والتعب، لكنه وبعد فترة قصيرة تراجع حماسُه، ولم يعد يلقي بالًا للكثير من الأمور التي تخصني وتخص حلا".
وتمضي تسرد حكاية زوجها "صار نومه ثقيلًا، ولو بقيت حلا تبكي طويلًا لا يستيقظ، كما أنه وفور شعوره أنني بت قادرة على الحركة والقيام ببعض أعمال المنزل لم يعد يساعدني كما كان من قبل".
ولكن الزوجة تعود وتقر أنه لولا مساعدته لها في تلك الفترة الحساسة لكانت حياتهما أصعب، كما تقر أنه ورغم تراجع دوره في مساعدتها إلا أنه ما زال حتى اليوم ينفذ بعض أعمال المنزل ويساعدها أيضًا في الاعتناء بابنتهما، وخاصة بعد أن عادت للعمل بعد انتهاء إجازة الولادة والوضع".
تقول: "عندما أذهب للعمل، فإنه يقوم بالاعتناء بها فيغير لها ملابسها وفوطتها ويرتب حالها قبل أن يوصلها للحضانة بنفسه، كما أنه يساعدني في أعمال البيت عندما تكون حلا "منكدة وتبكي وأنا مشغولة بها جدًا".
أمجد يشير إلى أن عالم الطفل عالم مستقل لوحده، بحاجة إلى متابعة حثيثة وعلى مدار الساعة، فهو ينام ويصحو ويبكي ويضحك ويلعب ويتعب ويمرض وأمور أخرى كثيرة، ويضيف: "أصعب تلك اللحظات عندما تبدأ الأسنان بالبروز، تلك أيام بالغة الصعوبة، فهو يبكي باستمرار؛ نظرًا للألم الشديد الذي تسببه هذه الحالة للصغار، كما أن حساسية الطفل وسرعة تأثره بمحيطه تبدو جلية تحديدًا عندما يذهب إلى الحضانة ويختلط بأطفال آخرين قد يكون بعضهم مريضًا وقد تنتقل العدوى له، وندخل في دوامة جديدة من زيارات الأطباء، ويستلزم الأمر أحيانًا المبيت في المستشفى وهكذا دواليك.. أحداث لا تتوقف مع الطفل الصغير".
ويختم حديثه معنا قائلًا: "رغم كل هذا، فأنا أحب الصغار كثيرًا، وأشكر الله دومًا أن رزقنا بحلا، فلا أتخيل حياتي دونها.. ومهما فعلت ابنتي سأجده أحلى من العسل على قلبي.. يبتسم ويتابع: "عندما تأتي أمي لتزورنا ونشكو لها حالنا تضحك وتقول لي: لم تر شيئًا بعد، فتربية الأطفال ليست بالمهمة السهلة على الإطلاق، كما أنك بحديثك هذا تعيدني للوراء سنين طويلة، عندما كنت أنت صغيرًا وتفعل مثلها بل وأكثر، وكيف أن الأيام تمر سريعة وها أنت اليوم أصبحت أبًا وعليك أن تتحمل المسئولية بجدارة كبيرة".
ويُجمع علماء الاجتماع والمختصين بتربية الطفل، على أن الشراكة بين الزوجين في الاعتناء وتربية الأبناء أمر بالغ الأهمية للطفل ذاته ولكليهما أيضًا. مؤكدين أن ترك هذه المهمة الشاقة على كاهل الأم فقط ليس بالأمر السليم، لذا على الأزواج أن يقوموا بواجبهم تجاه الزوجة التي تحملت أعباء الحمل والولادة وما ترتب على ذلك، أولًا كواجب عليهم تجاه زوجاتهم وأبنائهم، وكذلك لما للأمر من أثر إيجابي سيعود على الطفل في المستقبل القريب.
كيف نتعامل مع الطفل في سنه الأولى؟
"سديل" ابنة خالة "حلا"، في الثانية من عمرها، تبدو عليها علامات الذكاء المبكر، لذا فهي تحاول كغيرها من الأطفال في مثل هذه السن اكتشاف العالم المحيط بنهم، ومحاولة لمس كل الأغراض التي تصلها يدها.
أم "سديل"، تشير إلى أنها "عزلت" كل شيء يسهل وصولها إليه، فلم تبقِ شيئًا على الطاولات، من أوانٍ زجاجية وعلب المحارم والأوراق، وكذلك بعض التحف الموضوعة على الأرض، حتى وصل الأمر إلى إخفاء أو رفع سلات النفايات من الغرف حتى لا تبعث بها سديل.
تقول: "طفلتي نشيطة وذكية، شعرت بذلك منذ أن بدأت تقف على قدميها وتحاول المسير؛ لأنها كانت بكل ما تستطيعه من قوة وبإصرار واضح الوصول إلى الأغراض القريبة منها، كأنها تستكشفها، وعندما تراني أبعدها عنها تبدأ بالبكاء ولا تسكت إلا عندما أرجع وأعيد تلك الأغراض إلى مكانها".
وقصة سديل مشابهة للغالبية العظمى من الأطفال في ذالك السن، لذا فقد خلص المختصون في تربية الطفل إلى عدة نصائح للأمهات للتعامل مع أبنائهن، وهي:
- يفضل أن لا تتركي أمام طفلك تحفًا أو أغراضًا يُمنع الاقتراب منها، فأنت تريدين منزلاً وجوًا هادئًا نفسيًا، وليست نفسية متوترة.
ولكن مع هذا، اتركي بعض الأشياء العادية والتي يفضل أن لا يلمسها الطفل، ولكن إن لمسها، لا تسبب خرابًا ولا يؤذي نفسه. وهذا حتى يعتاد على أن في البيت أشياء ليست له، ولا يصح له أن يلمسها، وبهذا يتعلم نفس الشيء إن ذهب إلى منزل أحد للزيارة معك.
- إن اقترب من الشيء، احمليه وقولي له لا، وأبعديه عن هذا الشيء وأعطيه شيئًا يخصه، لا تقولي له لا بلا تعويض؛ حتى يعرف المقارنة، أن هذا له وذاك ليس له. وإن رمى الشيء وذهب كما سبق، احمليه، وانظري إليه مباشرة وقولي له بجدية: لا تمسك.
فإن كرر، امسكي يده وقولي له لا، واضربي يده بيد خفيفة.. تذكري "خفيفة"، هنا لا نريد الألم، بل مجرد إشعار بالخطأ. ربما يومين أو ثلاثة وسيعتاد على هذه الأشياء ولن تعني له الكثير.
- في هذا العمر، يهتم الطفل كثيرًا باللعب، ويصبح اهتمامه بالألوان والقصص أكثر. كما يحفظ ويقلد كثيرًا، فاستغلي هذه الفرصة لتحفيظه بعض آيات القرآن، والحروف الأبجدية، والألوان، والأرقام... ولكن لا تجلسي وتعلمي.. لا أبدًا، بل من خلال اللعب.. في هذا الوقت لا تكاد تخلو لعبة من التعليم، فهذه تغني الحروف الأبجدية وتسأل الطفل عنها، وتلك تعلم الأشكال والألوان، وغيرها الكثير..
- ضعي طفلك في حضنك والعبي معه ألعابًا تعليمية ترفيهية على الانترنت، واسأليه بعض الأسئلة رغم صغر سنه، ستكتشفين أنه يستوعب بدرجة كبيرة، حتى لو لم يكن يعرف الكلام.
ولكن نصيحة، إن كنت في بلد أجنبي، لا تتركي طفلك في اليوم أكثر من نصف ساعة على التلفزيون، فلن تصدقي الكم الهائل من المعلومات التي يتشربها في هذا الوقت، وستجدينه يتكلم باللغة الأجنبية خلال فترة قصيرة. أما إن كنت في بلد عربي، فالمسألة أمان ولكن بالنسبة للتلفزيون "ارميه من الشباك".
- كل وقت تقضيه مع طفلك هو وقت يستفيد فيه الطفل، تكلمي معه كثيرًا، كرري العبارات التي تريدينه أن يتعلمها، مثل سبحان الله، ما شاء الله.. عندما تبدئين الأكل، قولي بصوت عال: بسم الله.. هذه الجمل سيتعلمها ويتقنها رغم صغر سنه لكثرة ترددها على مسمعه.
- غنّ له الأناشيد الخاصة بالأطفال وهي كثيرة جدًا، سيحبها أكثر من أي شيء، عوّدي سمعه على سماع القرآن بصوت قارئ جميل الصوت.. الأفكار كثيرة التي تستغلي بها عقله الصافي.