الديمقراطية أمر مطلوب في الحياة الزوجية لكى تسير سفينة الحياة الزوجية بسلام وأمان وتتخطى الأمواج العاتية والأهوال الخطيرة التى ستواجة الزوجين، لذا فلابد للتعاون والتشاور أن يسود فيما بينهم وأن لا يستحوذ أحد الطرفين على مجريات الأمور، دون إشراك الطرف الاخر فى إتخاذ القرار وإبداء الراى والمشورة، لكى يبارك الله لهما فى حياتهما وتغمرها السعادة، ولابد من إحترام الراى الأخر وتقديرة حتى لاتصبح الحياة مملة ويصبح أحد الطرفين ديكتاتوريا يفرض رأيه وإن كان خطأ، فكما قيل في الأمثال الشعبية: القفة التي لها أذنين يحملوها إثنين.
فغياب أسلوب المشاركة والتشاور بين الزوجين وإنفراد أحد الطرفين بإتخاذ قرارات هو سلوك قد يؤلم الطرف الآخر ومن ثم يتسبب في ظهور المشاكل والخلافات بينهما، فينبغي أن يعلم الزوج أن الزوجة لا بد لها من المشاركة في اتخاذ القرارات الأسرية سواء على مستوى الأبناء أو فيما يتعلق بخصوصيات الزوجين أو حتى مستقبل الأسرة وطريقة تربية أبنائها.
فمن مباديء التنظيم السليم في الإدارة، مبدأ المشاركة في إتخاذ القرارات وهو المبدأ الخاص بالشورى في الحياة الزوجية والتشاور بين الزوجين، قال تعالى عن عباده المؤمنين:« وأمرهم شورى بينهم " وقال أيضا لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم:« فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر "، وكان صلى الله عليه وسلم يتشاور مع زوجاته، ولأهمية مبدأ الشورى في الإسلام أنزل الحق سبحانه وتعالى سورة سميت " الشورى ".
وهناك العديد من القرارات الهامة التي يجب المشاركة بين الزوجين فيها، منها ما يتعلق بمستقبل الأسرة، كالعمل وخاصة عمل الزوجة وأيضا ما يخص الإنجاب، وما يخص السكن والإنتقال من مسكن لأخر، كل ذلك على حسب مقدرة الزوج وإمكانياته المادية وهذه القرارات يطلق عليها القرارات الإستراتيجية في الحياة الزوجية، وقبل الزواج عند الإستعداد إليه منذ الخطوبة يستحب المشورى وهي فترة للتقارب والإرتباط.
ويكون التشاور في القرارات الهامة بوضع الحلول البديلة وإختبارها وإختيار أنسبها وأفضلها وما يتوافق مع الإمكانيات الشخصية المتاحة المادية والمعنوية لكلا الطرفين، كما ينبغي التفرقة بين القرارات الهامة الإستراتيجية التي تؤثر على العلاقات الزوجية على المدى الطويل وبين القرارات الروتينية والمتكررة بشكل يومي، وينبغي معرفة الأمور والمواقف التي يمكن أن تفوض فيها السلطة لأحد الزوجين فقط في إتخاذ القرار دون الرجوع إلى الطرف الأخر، ودون أن يتسبب ذلك في نشوء خلافات بين الزوجين.
وهناك أمور أخرى يستحب التعاون فيها خلاف التعاون في إتخاذ القرار، فينبغي التعاون على طاعة الله في العبادات كقيام الليل، قال صلى الله عليه وسلم:« رحم الله رجلا قام من الليل ليصلي ثم أيقظ زوجته فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله إمراءة قامت من الليل ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء "،وأيضا صيام التطوع والتعاون في العمل الخيري وطلب العلم الشرعي وحفظ القرآن، قال تعالى:« وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ".
ومن صور التعاون أيضا في الحياة الزوجية التعاون في القيام بشئون المنزل الخاصة والتي من مسئولية الزوجة من ترتيب لأغراض المنزل وطبخ للطعام وغسيل الملابس، فلا ينقص هذا أبدا من شأن الرجل ولسنا أفضل من خير البشر صلى الله عليه وسلم، فقد سئلت عنه عائشة رضي الله عنها فقالت:« كان في مهنة أهلة وإذا حضر وقت الصلاة قام فصلى، وكان صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه ويخيط نعلة بيدة.
كما أنه ينبغي التعاون بين الزوجين في تربية الأبناء وتقديم التوجيه والرعاية لهم، فهي مسئولية مشتركة لا يصح أن تلقى أعبائها كليا على الزوجة فقط أو الزوج فقط، وينبغي أن يظهر سلوك التعاون فيما بينهم أمام الأبناء مما يعزز شخصيتهم وثقتهم بأنفسهم، وينمي مبدأ المشاركة والتعاون فيما بينهم ويقيهم وينقيهم من حب الذات والسلوكيات السلبية الخاطئة.
وقد ثبت من هديه صلى الله عليه وسلّم أنّه كان يستشير زوجاته ومن أشهر المواقف عندما إستشار أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد كانت راجحة العقل نافذة البصر ففي الجامع الصحيح للإمام البخاري برقم (1566) من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه في قصة الحديبية، وفيها قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:« قوموا فانحروا ثم احلقوا "، قال فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات.
فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحَرَ بُدْنَك وتدعو حالِقَك فيحلِقَك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً".
وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة، من شرعية إستشارة النساء، فقال: إنْ كان رسول الله لفي غنى عن مشورة أم سلمة، ولكنه أحب أن يقتدي الناس في ذلك، وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء.