مشكلة سوء إستغلال مفهوم القوامة من المشاكل الزوجية فبعض الرجال يراها تحكما واستعبادا وانتقاصا من حرية المرأة وانتهاكا لكرامتها فيتعسف في استخدامها وكأن القوامة سيف مسلط على رقبة المرأة، يعوقها عن الحركة، ويدميها إذا فعلت، وكأنه فهم أن القوامة إلغاء لشخصية المرأة وكيانها وعقلها ورأيها، فلا يبقى منها سوى القيام بخدمته ومتعته وإنجاب الأطفال.

إن القوامة فى مفهومها الصحيح هى قيادة حكيمة ورعاية مسئولة, قال صلى الله عليه وسلم:« اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف ". (رواه مسلم).

والزوجة المتسلطة التي تنتزع القوامة من زوجها ونسيت أنها إمرأة, ستصبح في غاية الأسف والتعاسة لأنها تكتشف فيما بعد أنه فقد رجولته وبالتالي تفقد هي أنوثتها, فلكل من الرجل والمرأة طبيعته الخاصة التي أختصه الله بها, والعلاقة بينهما علاقة تكامل وترابط وليست علاقة صراع, وهذا معناه أن تتحلى المرأة بالإيجابية والطوعيه والمرونه, وأن لا تكون سلبيه بدرجة مزعجة, فالرجل لا يريد المرأة المتسلطة التي تحب أن تكون كل شيء في البيت ولا يريد المرأة الضعيفة والسلبية.

أعطى الله سبحانه وتعالى حق القوامة للرجل لأنه فضّل بتحكيم العقل والصبر وقوة التحمل ولقدرته على ضبط عواطفه والتحكم في انفعاله، وقابليته لمراجعة أحكامه وقراراته، ولتكليفه بالإنفاق على الزوجة والأسرة, خلافاً للمرأة التي تعرف بعاطفتها المرهفة وسرعة تأثرها وإنفعالها، وتحكيم العاطفة، والتسرع في الأحكام واتخاذ القرار.

وضع الإسلام الأسس السليمة لمعالجة الخلافات الزوجية في أطوارها الأولى أو عند نشأتها قبل أن تستفحل, وترك الأمر بيد الزوج بحكم أنه بيده حق القوامة, وطولب الزوج بأن لا يسيء إلى حق القوامة في إيذاء الزوجة أو إلحاق الضرر بها إذا ما أطاعته في غير معصية.

فقد وضع الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في سورة النساء قانونا هاما في علاج المشاكل الزوجية وحل لقضايا الأسرة, فقال تعالى:« الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله فاللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبير(34) فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا (35)".

الآية نزلت في سعد بن الربيع وكان من النقباء إمرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ فقال: أفرشته كريمتي فلطمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لتقتص من زوجها "، فانصرفت مع أبيها ] لتقتص منه فجاء جبريل عليه السلام [ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إرجعوا هذا جبريل أتاني بشيء "، فأنزل الله هذه الآية ]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا وأراد الله أمرا، والذي أراد الله خير ".

فأفادت الآية الكريمة أن القوامة للرجل في التحمل لمشاق وأعباء الحياة أي أن الرجل هو القائم على شئون هذه الأسرة فهي مسئولية وليست إمتياز، فأنه المسئول عن توفير احتياجات أسرته والسعي لطلب الرزق والإنفاق على الأسرة بما أفاض الله عليه من فضله فليس ذلك من إختصاصات المرأة ولكنه من مسئوليات الرجل.

ولا يلزم المرأة أن تعمل للأنفاق علي زوجها بحكم خلقتها وضعفها, ولكن عليها القيام بمهامها من خدمة الزوج ورعاية أبنائه وما أشبه ذلك, وإذا كانت المرأة تعمل فليس معنى هذا إلغاء القوامة، لأنها في حاجة إلى رجل يحميها ويدبر شئونها، ولا يجب عليها إنفاق لأنه على الرجل، فإن أعطت شيئا من مالها فيعتبر تبرعا، وهذا هو الوضع الطبيعي والمعيار الصحيح لإستقرار السعادة, والخلل في ذلك يؤدي إلي فساد العلاقة الزوجية حتماً.

 إن القوامة بيد الرجل ومما يدخل ضمن القوامة تقويم سلوك الزوجة متى أساءت أو نشزت بترفعها عليه وعدم طاعتها له أو غلظتها معه أو معصيته بما يجب عليها له, فيُقوِّمها بالنصح أولا وذلك بتذكيرها بحرمة النشوز ووجوب طاعتها له في غير معصية, فللزوج الحق في تأديب زوجته عند عصيانها أمره ونشوزها عليه تأديباً يراعى فيه التدرج الذي قد يصل في النهاية إلى الضرب بشروطه.

 قال القرطبي رحمه الله: إعلم أن الله عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحاً إلا هنا وفي الحدود العظام فساوى معصيتهن أزواجهن بمعصية الكبائر وولى الأزواج ذلك دون الأئمة وجعلَه لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات ائتماناً من الله تعالى للأزواج على النساء ", والنشوز في الآية بمعنى العصيان، أي: اللاتي تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج فجعل الله للتأديب مراتب:

المرتبة الأولى: الوعظ والنصح بلا هجر ولا ضرب فتذكر المرأة ما أوجب الله عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج, فإن لم ينفع الوعظ والتذكير بالرفق واللين إنتقل إلى المرتبة الثانية: وهي الهجر في المضجع وذلك بأن يوليها ظهره في المضجع أو ينفرد عنها بالفراش لكن لا ينبغي له أن يبالغ في الهجر أكثر من أربعة أشهر وهي المدة التي ضرب الله أجلاً للمولي، كما ينبغي له أن يقصد من الهجر التأديب والإستصلاح لا التشفي والإنتقام .

المرتبة الثالثة: وهي الضرب غير المبرح ضربا لا يثير أي ضرر ولا أية علامة لقوله: (واضربوهن) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أهجرها في المضجع فإن أقبلَت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضرباً غير مبرح، وعلى الزوج أن يراعي أن المقصود من الضرب العلاج والتأديب والزجر لا غير فيراعي التخفيف فيه على أبلغ الوجوه, قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرّح ؟ قال: السواك ونحوه (أي الضّرب بالسواك), وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الضَّرْبِ في الْوَجْهِ . (رواه مسلم).


المراجع

aljazeera.net

التصانيف

العلوم الاجتماعية   علم النّفس