يظن الكثير منا أن "دنيا الطفولة" ساحة رحبة.. فضفاضة.. نقية لا يعرف فيها الطفل هموم الحياة، ولا يعاني مشكلات الكبار؛ أو أنه بطل في عالمه الصغير يتقلب في أحلامه الجميلة التي قد لا تتجاوز دمية يقتنيها أو لعبة يعيش معها عالمًا من المغامرات.
إلا أن الواقع غير ذلك، وظهر في السنوات الأخيرة اهتمام ملحوظ بالاضطرابات النفسية والعقلية لدى الأطفال على مستوى العالم أجمع، الأمر الذي جعل "منظمة الصحة العالمية" تخصص أحد أيام الصحة النفسية العالمية للاضطرابات النفسية والعقلية لدى الأطفال.
إذن.. كيف نتعامل مع "الطفل المكتئب"؟
مَن الضحية؟
تعيش أسرة الطفل مأساة حقيقية؛ فالأمُّ تحتاج وقتًا كبيرًا للعناية به على حساب بقية العائلة مما يؤدي إلى خلافات بين الزوجين تصل إلى الانفصال أحيانًا، عندها يُلْقِي كلا الأبوين المسؤولية على الآخر.
يؤكد د. ياسر نصر الاستشاري النفسي بأن "الأم تصبح هي الضحية، فالزوج على الأرجح لا يقدر معاناة الأم التي ترى ابنها أو ابنتها ليس كمن هم في مثل أعمارهم.. يذهبون إلى المدارس... ويؤدون واجباتهم المدرسية بشكل جيد، بينما ابنهم أو ابنتهم يتعثر في عالمه الكئيب".
احذر الأعراض!
يشير د. محمد الريماوي- الاستشاري النفسي بالجامعة الأردنية- "إلى أن أعراض الاكتئاب لا تظهر على الأطفال المكتئبين كما هي عند الكبار، وإنما تكون الأعراض عند الأطفال عبارة عن سلوكيات مزعجة، كرفضه للذهاب الذهاب إلى المدرسة... أو أن يقوم بأعمال مزعجة مثل سرقة بعض الأشياء من المنزل".
بدوره، يرصد د. سعيد بكر- أستاذ علم اجتماع الطفولة- أعراضًا أخرى لهذا المرض فيقول: "الطفل المكتئب قد يميل إلى الوحدة والابتعاد عن الأطفال الآخرين، ويكون عرضة أحيانًا للاستغلال من قبل بعض الأطفال أو البالغين بسبب كآبته".
ويحذر د. بكر: "من أن الطفل المكتئب قد لا يكتشفه أحد من الأهل أو الأقارب، ولكن يلاحظون غرابة تصرفاته، ويعتقدون أنها مرحلة من مراحل الطفولة، فيهملونها ويتركون الطفل اعتقادًا منهم بأن هذه السلوكيات سوف تتلاشى تلقائيًا!"
الوقاية خير من العلاج!
أم الأسباب المؤدية إلى هذا النوع من الاكتئاب لدى الأطفال، فتؤكد الدراسات النفسية أن السبب يرجع إلى عوامل منها كما يبين د. حاتم آدم- استشاري الصحة النفسية: فقدان الحبّ والحنان، وعدم إشباع الاحتياجات المختلفة والتفكك الأسري، انشغال الوالدين بأعمالهم الخاصة، حالات الطلاق والانفصال، وفاة أحد الوالدين أو كليهما، التفرقة بين الأبناء".
ويضيف د. آدم: إننا يجب ألا نهمل هذا الأمر ولا نستهين به، فالطفل لديه إرادة وكيان فهو يفكر ويدرك ويصاب بالاكتئاب مثل الكبار، وهو سريع الانفعال؛ لأنه ليس لديه جهاز نفسي يدرك به الواقع من حوله، ويلفت إلى أن أهم أسباب الاكتئاب ترجع إلى الأمّ أولاً، ثم الأم والأب معًا، ثم تأتي المدرسة في المرتبة الأخيرة".
وبدورها تشير د. رابية إبراهيم حكيم- استشاري الطب النفسي للأطفال بجامعة لندن: "إن نسبة انتشار مرض الاكتئاب عند الأطفال أقل منها عند الكبار... إنه يصيب الصغار بنسبة 1ـ 2 %.. وترتفع النسبة عند المراهقين إلى ما بين 2 ـ 5 % ؛ كما أن الأولاد (الذكور) أكثر تعرضًا للإصابة للاكتئاب من البنات قبل سن البلوغ... ولكن بعد البلوغ نسبة إصابة البنات تصبح أكثر.
ألف باء علاج!
يحتاج علاج الطفل المكتئب إلى تسلح والديه وأسرته بجرعة قوية من الصبر والإيمان والقوة النفسية كي تتمكن من تجاوز محنتها، فالاستعانة بالله تعالى والرضا بقضائه وتعلق القلب باسمه الشافي يعدّ زادًا نفسيًّا يأخذ به للتعامل مع هذه المشكلة بحكمة وثبات.
د.عبد اللطيف محمد خليفةـ أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة، يقدّم عدة إرشادات مهمة في أسلوب علاج الطفل المكتئب: عدم إشعار الطفل بالحزن والبحث عن أسباب الحزن ومحاولة تفاديها، تهيئة الطفل مسبقًا لأحداث في العائلة مثل توقع ولادة طفل جديد أو دخول المدرسة أو الانتقال لمدرسة جديدة أو غياب أحد الوالدين..."
ويؤكد د. خليفة على أهمية تقوية العلاقة مع الطفل والاستماع له باهتمام غير مفتعل، وعدم قهره عند كلامه عن أحداث يومه الدراسي، وتثمين معنوياته بالمدح والثناء وعدم تجريحه بالنقد اللاذع، كما أنَّ الأمر قد يتطلب استشارة مختصّ. وهناك أيضًا (العلاج السلوكي... والعلاج المعرفي)، كما أنه في بعض الحالات نلجأ لاستعمال مضادات الاكتئاب، وهي من أنجح أدوات العلاج النفسي، ويتم استعمالها على شكل "كورس" لمدة يحددها الطبيب".