الوظيفة الأولى
عبادة الله سبحانه وتعالى:
1- توضيح أبعاد هذه الوظيفة العبادية وأنواعها، وأنّها ممتدة في حياة المسلم، بحيث لا تدع جانباً من جوانب حياته إلا وتدخل فيه بإحسان.
* فهناك عبادة هي أداء ما فرض الله على الناس من إيمان بمحتوى الشهادتين، والنطق بهما، وإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، ومن صلاة وصيام وحج وزكاة.
* وهناك عبادة لله في ممارسة العدل والإحسان.
* وعبادة في ممارسة الدعوة إلى الله.
* وعبادة في ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* وعبادة في المشاركة في الجهاد في سبيل الله.
* وعبادة في الذكر والدعاء.
* وعبادة في الفكر والتأمل والتدبر.
* وعبادة في ممارسة كل أنواع البرّ والخير.
* وعبادة في الإمتناع عن كل أنواع الشر.
* وعبادة في التنقل في أي عمل أو قول ممّا فرض الله سبحانه على الناس.
* وعبادة لله سبحانه في عقد النية عند ممارسة أي عمل من الأعمال العادية، على إرضاء الله بهذا العمل أو الإستعانة به على عبادة الله، فيصبح بتلك النية عبادة مقبولة بإذن الله تبارك وتعالى.
وهذا التنوّع في عبادة الله سبحانه وتعالى هو ما أعنيه بتحديد أبعاد العبادة وبيان أنواعها.
2- تحبيب الناشئين خصوصاً والناس عموماً في عبادة الله سبحانه بتيسيرها وإعانتهم عليها، بل وتشجيعهم على أدائها، فالبيت والتربية المنزلية لها أحسن الأثر في ذلك، لأنّ البيت المسلم يدرّب أبناءه ويشجّعهم على عبادة الله، لأنّ الأبناء منذ أن تتفتّح عيونهم وتعي عقولهم يرون العبادات تمارس في البيت، وهم يذهبون مع آبائهم أو أُمّهاتهم إلى المسجد كي يتأثروا بما يحدث حولهم من ممارسة للعبادات.
3- ربط الناشئين بالأقارب والأصدقاء الملتزمين بالعبادة، وتعميق هذه الروابط ورعايتهم من قبل البيوت المسلمة.
الوظيفة الثانية: التعامل مع البيت:
1- البرّ بالآباء والأُمّهات: والبرّ كلمة جامعة تعني التوسع في فعل الخير، فيقال: برّ العبد ربّه أي توسع في طاعته، وبرّ الوالدين هو التوسّع في الإحسان إليهما، وضد ذلك العقوق.
2- التعاون في البيت: البيت المسلم لا تقوم فيه الحياة الأسرية إلا على أساس من إلتزام كل من فيه بأدب الإسلام في التعامل والتعاون فيما بينهم.
3- عدم إرهاق البيت بمطالب ثانوية: وذلك أصل أصيل في تعامل الأبناء مع البيت الذي يعيشون فيه، وهو مطلب للشريعة الإسلامية ينبغي أن يشب عليه الأبناء، إذ نهت الشريعة عن الإسراف والتكبُّر والمخيلة، بل دعت إلى التوسّط والتواضع، قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف/ 31).
قال ابن عباس (رضي الله عنه): أحل الله في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفاً أو مخيلة، فأمّا ما تدعو الحاجة إليه وهو ما سد الجوعة وسكن الظمأ، فمندوب إليه شرعاً وعقلاً، لما فيه من حفظ النفس، ولا يسرفوا في كثرة الأكل، وعليه يكون كثرة الشرب، وذلك يثقل المعدة ويثبط الإنسان عن عبادة ربّه والأخذ بحظه من نوافل الخير.
الوظيفة الثالثة: التعامل مع المسجد:
1- معرفة آداب المسجد والإلتزام بها.
2- حبّ المسجد والإقبال عليه.
3- اجتناب ما يكره في المساجد.
4- تعهّد المسجد وتنظيمه وتنظيفه.
الوظيفة الرابعة: التعامل مع المدرسة أو المعهد:
هؤلاء الناشئون المسلمون وهم يتلقون العلم في هذه الفروع كلّها، وغيرها، يوجب عليهم الإسلام واجبات بعينها في طلب العلم، يمكن أن نجملها فيما يلي:
1- لا يجوز لمسلم أن يقعد عن طلب العلم بمعناه العام الذي تدخل فيه علوم الدنيا مع علوم الدين، ما دام قادراً على هذا الطلب، لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم.
2- يطالب الإسلام كل متعلّم بأنّ يحسن طلب العلم بالإخلاص فيه ومراقبة الله سبحانه في تعلّمه، وأن يخلص النية حتى ينال ثواب الله، وأن يجيد طلب العلم ويتوفق فيه ما وجد إلى ذلك سبيلاً وإستعداداً حتى يمكن لهذا العمل من إعمار الأرض الذي هو مطلب شرعي.
3- ويطالب الإسلام الناشئ المسلم بأنّ يصحب العلم العمل، أمّا العلم النظري الذي يقف يصاحبه عند حدود الإستيعاب لقضايا العلم والتشدق بها والفيهقة فيها، فذلك لا قيمة له بل هو منهى عنه أو مكروه، إذ لا ينفع فيه، والعلم في الإنسان موظف أو وسيلة إلى غاية، وتلك الغاية هي جلب المصالح أو دفع المفاسد في الدين والدنيا.
4- كما يطالبه بألا يتوقف في العلم عند حد بعينه، وإنّما عليه أن يواصل طلب العلم والدرس والبحث والتحري والتعمّق، مستهدياً بقول القرآن الكريم على لسان محمد (ص): (وَقُل رَّبِ زِدْنِي عِلْماً) (طه/ 114)، وقد جعل الرسول (ص) هذه الكلمة من دعائه الذي سقناه آنفاً.
5- ومن المسلم به أنّ الإسلام لا يسمح لمتعلم بل ولا لأي مسلم أن يهمل أو يقصر أو يكسل، فإن هذه الصفات من الرذائل والآفات التي يجب أن يتخلّى عنها المسلم، فإذا كان الناشئ أو الراشد طالب علم، فإنّ هذه الصفات تضر به وبأُمّته الإسلامية كلّها.
6- ولا يحجر الإسلام على نوع من العلم لذاته، وإنّما يدعو إلى تعلّم كل علم يعود على المسلمين بما يدفع عنهم الضرر في دينهم ودنياهم أو يجلب لهم النفع في دينهم ودنياهم كذلك.
ومن هنا ندرك أتاحة الإسلام للمسلمين من حرّية الفكر والبحث.
7- وإنّ على الناشئ المسلم خصوصاً وكل مسلم عموماً أن يعرف ماذا ينقص وطنه أو أُمّته الإسلامية من العلوم والمعارف، وأن يدرس هذه العلوم ويحصل منها القدر الذي يغطي هذا الإحتياج، سواء أكان هذا الإحتياج لصالح الدين أم لصالح الدنيا.
8- ومن أجل ذلك فإنّ الناشئ المسلم، وكل مسلم مطالب بأنّ يحافظ على وقته وأن يوظّفه أحسن توظيف لتحقيق هذه الأهداف العلمية والعملية في الحياة الإنسانية.
وكل من أهمل في إستثمار وقته أو ضيع منه شيئاً فيما لا يفيد، فإنّه يضيع جزءاً مهماً من عمره وأجزاء مهمّة من عمر أُمّته الإسلامية، وما دام الوقت هو وعاء الحياة الإنسانية فسوف لا يستسيغ مسلم أو غير مسلم أن يبدد هذا الوقت فيما لا يفيد في الدِّين أو الدنيا.
9- ولابدّ أن ننبّه على أنّ الإسلام الذي دعا إلى طلب العلم والتعمّق مع الإخلاص في البحث والدرس لم يترك ذلك دون ضوابط، وإنّما ألزم طلاب العلم كما ألزم العلماء بقواعد أخلاقية تحكم أعمالهم في هذا المجال.
ونستطيع أن نشير إلى هذه الضوابط أو إلى بعضها فيما يلي:
أ) أن يكون موضوع البحث أو العلم محقّقاً لمصلحة من مصالح الدِّين أو الدنيا، وإلا ضاع الوقت والجهد والمال عبثاً.
ب) وألا يتسبّب البحث أو العلم في إلحاق ضرر بالمسلمين، أو أن يكون مؤدِّياً إلى هذا الضرر.
ت) وأن يقصد الباحث من بحثه وجه الله، أي أن يتوفّر للبحث عنصرا الإحسان والإخلاص، مع الأمانة.
ث) وأن تكون الوسائل المستخدمة في العلم والبحث ممّا أباح الإسلام ممارستها.
ج) وأن يبتعد الباحث تماماً عن الغش والتدليس والمبالغة.
ح) وأن يتخلّى عن الغرور والعصّب للرأي، وهذه آفة العلماء في معظم العصور، وأن ينسب الرأي لصاحبه ولا يستنكف عن سؤال العلماء جرياً وراء الحق.
خ) وأن يتسلح بالصبر على مشقات العلم والبحث والدراسة مهما تكن هذه المثبطات.
د) وأن يكون رائداً في عمله ويعمل على التعاون مع غيره من الباحثين والدارسين، لأنّ التعاون في مجال العلم يزيده ثراء وعمقاً وفائدة.
ذ) وألا يغتر أو يفرح كثيراً بما توصل إليه من نتائج، لأنّ هذا قد يخرجه عن الصواب في بعض الأحيان، فضلاً عن أنّه خلق نهى عنه الإسلام، كما نهى عن أن ينسب إلى نفسه ما لم يفعل، وذلك في قوله تعالى: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران/ 188).
ر) وأن يتجرّد في بحثه عن الهوى، لأن اتّباع الهوى مهلك والعياذ بالله، وهو في ذات الوقت مضلل عن الوصول إلى الغاية أو النتائج الحسنة، لأنّ المسلم مطالب دائماً بأنّ يعمل على إحقاق الحق.
ز) وأن يتحلّى بالأناة والتمهل، ولا يتعجل الوصول إلى نتيجة، فالعجلة دائماً لها عواقب سيِّئة وبخاصة في البحث والعلم، والنّبي (ص) يقرّر أن العجلة من الشيطان، وأنّ الله يستجيب للمسلم الدعاء ما لم يعجل الداعي، "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي".
س) ولم يرض الإسلام للناشئين خصوصاً ولا للمسلمين عموماً أن يعيشوا حياتهم غير فاعلين أو غير مؤثرين، وإنّما ألزمهم جميعاً بأنّ يعملوا ما وسعهم بأنّ يعمروا الأرض، وأن يمشوا في مناكبها وأن يسيروا، وأن ينظروا وأن يتفكّروا وأن يتدبّروا، وأن يستفيدوا ممّا سخّر الله لهم في هذه الأرض من نعم.
الوظيفة الخامسة: التعامل مع الحي الذي يسكن فيه:
1- الرعاية: ومعناها أنّ المسلم يجب أن يربّي منذ نشأته، على رعاية المكان الذي يقع فيه بيته، سواء أكان ذلك المكان هو الشارع أم المرفق العام كحديقة أو غيرها. وهذه الرعاية تتمثّل في مفردات أساسية، من أهمها ما يلي:
أوّلاً: النظاقة:
وهي في مفهومها السلبي تعني ألا يتسبّب في تقذير مكان ما لأي سبب من الأسباب، وفي مفهومها الإيجابي تعني أن يعمل على تنظيف المكان إسهاماً منه في رعايته، وذلك في الإسلام مندوب إليه، كما نصّ على ذلك الحديث النبوي الذي ذكرناه في التربية الإسلامية الجمالية، "إنّ الله جميل يحبّ الجمال".
ثانياً: النظام والتنسيق:
1- وذلك أنّ المسلم مطالب دائماً بأنّ ينظِّم ما حوله، وهذا النظام في مفهومه السلبي كذلك، يعني ألا يتسبّب المسلم في إفساد نظام لأي مكان وجد فيه، وفي مفهومه الإيجابي يعني أن يمارس الإنسان تنظيم المكان الذي يوجد فيه وترتيبه على النحو الذي يجعله جميلاً ومسنقاً ونظيفاً. والنظام والتنسيق والجمال صفات تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضاً، والمسلم مطالب بأنّ يعمل على أن يبعث في نفوس الناس السرور والرضا، لأنّه مطالب بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
2- التنمية لهذا الحي: ونعني بها أن يربى الناشئ على أساس أنّه مسؤول عن بذل جهود مناسبة، ثقافية إجتماعية وعملية ميدانية، لكي يزيد بذلك من قدرة الناس على إستغلال ما يتاح لهم من مرافق عامّة؛ حدائق ومنتزهات ومكتبات وأندية ووسائل مواصلات وإتِّصالات، وشوارع وغيرها، على أحسن وجه ممكن، ليتحقّق للناس من وراء ذلك أكثر قدر من الفائدة التي تعود عليهم بالسعادة في الدنيا والآخرة.
3- التعاون والتناصر: وكذلك يربى الإسلام المسلمين عموماً والناشئين خصوصاً على التعاون في القيام بكل عمل يحقّق مصلحة للمسلمين أو يدفع عنهم مضرة، وذلك أنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده في غنى عن الناس بحال من الأحوال.
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/ 2).
الوظيفة السادسة: التعامل مع الأقارب والأصدقاء والجيران:
كل مسلم ناشئاً كان أو كبيراً مطالب بأنّ يحسن معاملة الناس جميعاً، وبخاصّة من كانت تربطهم به علاقة ما، وأقوى هذه العلاقات بعد الآباء والأُمّهات والإخوة والأخوات هم الأقارب؛ أرحاماً وأصهاراً، ثمّ الأصدقاء، ثمّ الجيران.
إنّ الناشئين يستطيعون أن يمارسوا الدعوة إلى الله مع أقرانهم وزملائهم ومع إخوانهم وأخواتهم في منازلهم ومع أصحابهم وإخوانهم من رواد المساجد. وإذا شب الناشئون على ذلك دخلوا طور الرجولة وهم أكثر نضجاً وأوعى بظروف العالم الإسلامي، وأكثر قدرة على ممارسة الدعوة إلى الله.