إضاءات في حل مشاكل الشباب
1)لكلّ مشكلة حلّ، ولكلّ مأزق مخرج، والمشكلة بحدّ ذاتها نعمة لأنّها تشكّل خميرة لأفكار وحلولاً لمشاكل ربّما تواجهنا مستقبلاً، كما أ نّها تستنفر قوانا المختلفة من أجل أن نوظّف أفضل ما عندنا في مواجهة التحدّي الذي تمثِّله المشكلة.إنّ حالنا إزاء المشاكل المداهمة كحال الكريات البيضاء في الدم حينما يداهم الجسم ميكروب معيّن فإنّها تنشط في الذود عن حرم الجسد بكل ما اُوتيت من قوّة.
2) لنضع لكلّ مشكلة مخططها: أسبابها الظاهرة والباطنة، الرئيسة والثانوية، ومظاهرها وانعكاساتها علينا وعلى من حولنا، والحلول المفترضة والمتوافرة لدينا، ذلك أنّ التفسير الخاطئ للمشكلة يبتعد بها عن طريق الحل.يقول الأطباء النفسانيّون: عبّر عن كلّ ما يدور في ذهنك عبر الكتابة.. أفشِ أسرارك على الورق وكذلك همومك ومشاكلك.ليكن صاحب المشكلة طبيب نفسه، يشخِّص الداء ويقترح الدواء المناسب.. فمعرفة السبب نصف الحلّ.. علينا أن لا نغالط.. لا نكابر.. لا نتهرّب.. ولا نتحيّز لصالح أخطائنا أو أنفسنا الأمّارة بالسّوء..
3) التفاهم والصراحة مع الطرف الآخر في المشكلة من أفضل الطرق لتسويتها، وقد يتطلّب الأمر بعض التنازل لمصلحة أكبر وهي الحفاظ على أواصر الأخوّة والزمالة أو الجيرة أو القرابة، فلربّ شيء من التساهل يحلّ عقدة كبيرة، ذلك أنّ تعصّب الطرفين هو مشكلة بذاته.كن أنت الذي يمهِّد الطريق لإذابة الجليد، أمّا إذا بادر الآخر فرحِّب بمبادرته على طريقة (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ) ( الأنفال / 61 )
4) الوساطة الحميدة تلعب دوراً في حلّ بعض المشاكل، فكما أنّ الله سبحانه وتعالى دعا المؤمنين إلى إصلاح ذات البين (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَاصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) ( الحجرات/ 10 )، فطالب المجتمع أن لايقف مكتوف اليدين إزاء خصومة الإخوة المؤمنين وتنازعهم ، بل أن يتدخلوا للإصلاح، فكذلك دعا إلى الإصلاح بين الزوجين: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْـعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا ) ( النِّساء / 35 )، فإذا لم يكن الطرف الآخر مستعداً للتفاهم المباشر فقد تنفع الوساطة في إزاحة الأحجار من الطريق لتعود المياه إلى مجاريها.
5) «من فكّر قبل العمل كثر صوابه».. إنّ التفكير في أيّة خطوة تخطوها، ودراستها جيِّداً بتقليبها على وجوهها، واستشارة ذوي الخبرة والتجربة، والتريّث في إعطاء القرار في أي موضوع يطرح علينا، كل تلك عوامل مساعدة على تطويق المشاكل وعدم الابتلاء بها ، ذلك لأنّ التسرّع والتهوّر والعجلة توقع في الندامة .
6) للثقافة دور مهم في تضييق شقة الخلاف مع الآخرين، وبالتالي تقليص المساحة التي تنبت فيها أدغال المشاكل.. فالمحصول الثقافي لأيّ منّا ينفع في حسن التعامل ، كما يساعد في حلّ المشاكل وايجاد البدائل والخيارات أمام صاحب المشكلة شابّاً كان أم شابّة..
7) كما أنّ للقدوة دورها في تثقيفنا بحلّ المشكلة، ومن المستحسن في هذا الصدد استخدام أسلوب الأولياء الصالحين في التعامل مع من يسيئون إليهم أو إلى أنفسهم ، فالنصح والإرشاد والتسديد والنقد البنّاء خاصّة إذا كان على انفراد لحـفظ ماء الوجه، فإنّه يكون ادّعى إلى الاستجابة والقبول والأخذ به: «من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه». وعلى عكس ذلك، فقد يكون النصح أو النقد على مرأى ومسمـع من الآخرين مدعاة لأن تأخذ الشاب أو الشابّة العزّة بالإثم .ثمّ أنّ الابتداء بالإيجابي في النقد يشرح الصدر ويفتح أسارير القلب لتقبّل النصح على طريقة «كلُّ ما فيك حسن ما خلا خصلةً واحدة» فهذا الأسلوب يجعل السامع أو المخاطَب يتوجّه إلى سماع كلمة النقد أو النصح بمسامعه كلّها لأ نّه يريد أن يستكمل حُسن أخلاقه، كما يساعد الناصح على أن يقول كلمته بارتياح.
8) إنّ اتّخاذ أخ مخلص ناصح مشفق غيور وثقة كمرآة يرينا عيوبنا ويهديها إلينا على طبق من الحبّ والإخلاص، يخفّف من درجة وقوعنا في براثن المشاكل، فمثل هذا الأخ في الله لا يجاملنا في أخطائنا، وبالتالي يكون عوناً على تجاوزها.
9) إنّ استحضارنا لأخطائنا وهفواتنا وسقطاتنا وإساءاتنا، وتذكّر لو أ نّنا كنّا في موقع الخاطئ أو المسيء لربّما أخطأنا مثله، يقلِّل من حدّة انتقادنا له، ويساعدنا على تفهّم موقفه، وبالتالي على إقالته من عثرته، وفي الحديث «أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم».
10) ربّ رسالة تحمل مشاعر رقيقة وخواطر نديّة دافئة تذيب جبلاً من الجليد.. وربّ مكالمة هاتفية تبعث الحرارة في علاقة أصابها البرود، وربّ هدية ـ ولو متواضعة ـ نقدّمها لشخص أخطأنا بحقّه تزيل سخام الحقد من قلبه، وربّ زيارة ـ في مناسبة أو غير مناسبة ـ لمن اختلفنا معه، تقطع دابر الاختلاف بيننا وبينه، وربّ مقابلة إساءة بالإحسان فتحت طريقاً للخير واسعاً، وكان يمكن لمقابلة الإساءة بالإساءة أن تفتح طريقاً للنار لاتبقي ولا تذر. وفي الحديث «أتبع السيِّئة الحسنة تمحوها» .إنّ هذه من أوثق فرص الإيمان في تذويب المشاكل، وإذا لم تفلح معك فالعيب ليس فيها، بل في نفس معتمة مريضة لا تتقبّل الهدية ولا الإحسان ولا المحبّة ولا الصفاء.
11) تتطلّب بعض المشاكل استجماماً نفسياً، وفسحة زمنية حتّى تتحلحل، ولذا فإنّ الإجازة أو الترويح عن النفس أو السفر عوامل مهمّة في معالجة المشاكل خصوصاً النفسية، وإذا لم تكن حلاًّ فإنّها تخفّف من وطأتها على الأقل ممّا يتيح المجال لمعالجتها لاحقاً، ذلك أنّ المشكلة عند انفجـارها تُفقِد الصواب وتطرح حـلولاً متعجّلة وغير ناضجة وربّما تدفع إلى الندم .
12) لنلجأ إلى الله سبحانه وتعالى في الدُّعاء والتضرّع بين يديه لينزل علينا شآبيب رحمته ويرزقنا العفو عمّن ظلمنا وأن نجازي بالبرّ من قطعنا وأن نواصل من هجرنا، ففي الدُّعاء : « وأن نراجع من هاجرنا وأن ننصف من ظلمنا » وهذا هو معنى « الهجر الجميل » حيث قيل: « لا يكن حبّك كلفاً ولا بغضك تلفاً ».ولنلجأ إليه في الاستغفار والتوبة والأوبة، لنبسط جراحنا ومشاكلنا وهمومنا وعذاباتنا بين يديه فإنّ « الراحل إليه قريب المسافة » ولعلّ من بين أعظـم الحـلول المطروحة إسلامياً لبعض مشاكلنا الروحية والنفسية والاجتماعية هو منهج الاستغفار والتوبة وطلب المعذرة والصفح والمسامحة، ويبقى «ترك الذنب أيسر من طلب التوبة».ولنلجأ إليه في حال تعقّدات المشكلة وتأزّم الموقف وضغطت المآزق واختنق الظـرف ، فإذا ما أغلقت الأبواب فدوننا باب الله المفتوح في اللّيل وفي النهار (أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) (النمل/ 62 )
13) مشاكل الآخرين وطرقهم في حلّها زاد نستفيد منه، ففيها العبرة والموعظة، وكثيراً ما تشابه مشاكلنا، فإذا ما أخذنا الدرس ابتعدنا عمّا يوقعنا في شباك المشاكل المماثلة، وإذا وقعنا فلعلّنا نكون قد أفدنا من سبل الخلاص منها. وفي الأمثال والحِكَم «في الاعتبار غنى عن الاختبار».
14) لاتعالج الخطأ بالخطأ والانفعال بالانفعال والعصبية بالعصبية والإساءة بالإساءة والحماقة بالحماقة، وإلاّ فما هو الفـرق بينك وبين المسيء البذيء المنفعل الأحمق أو المخطئ ؟! لتكن أصلب منه وأوسع قلباً وأهذب لساناً وأحكم موقفاً.. لا تلغِ عواطفك وانفعالاتك بل سيطر عليها، فقليل من الهدوء والتحمّل قد ينجي من عواصف كثيرة، ثمّ أنّ الحماقة تجرّ إلى حماقة أخرى وهكذا، وقد يمتد عراك بسيط، لم يتصرّف فيه أحد طرفي المشكلة بحكمة، إلى معركة تطيح فيها الرؤوس، وقديماً قيل «أوّل الغضب جنون وآخره ندم» وقيل أيضاً «إنّ البلاء موكّل بالمنطق».
15) إنّ بعض الفتيات والفتيان يلجأون إلى الخيال في أذهانهم أو من خـلال ما يعرضه هذا الفيلم أو ذلك المسلسل بحثاً عن حل لمشاكلهم ولا يجدون الحل لأ نّهم لم يربطوا بين الواقع وبين هذا الخيال بجسور العقل والحكمة والتدبير .وحينما تتوفّر هذه الجسور فانّ الخيال يسعف في رسم خارطة للحلول المفترصة ومن ثمّ اختيار الأنسب منها وتطبيقه في الحياة .
16) إنّ معرفة مدى انتشار المشكلة وامتداد تأثيراتها أمر يجب أن يكون نصب أعيننا ، فقد نتأثّر بها كأفراد، وقد تتأثّر بها شرائح من المجتمع، فالكذب ليس مشكلة فرديّة تمسّ المكذوب عليه فقط، وإنّما هي مشكلة الكاذب الذي يجعل الحقيقة صرعى الادّعاء المضاد، والغيبة ليست مشكلة من تغتابه فقط، بل في إسقاطه في الدائرة الاجتماعية القريبة منه وهلمّ جرّا.. فالتفكير بدائرة المشكلة وسعة تأثيراتها قد يجعلنا نعيد النظر في ارتكابها نظراً لما يترتّب عليها من مفاسد.
17) إنّنا معنيون ليس بالبحث عن حلول لمشاكلنا الذاتية فحسب، بل عن حلول لمشاكل الأمّة التي ننتمي إليها أيضاً، ففي الحديث الشريف « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ». وفي الحديث أيضاً : « من أصبح ولم يهتـم بأمور المسلمين فليس منهم ، ومن سمع رجلاً ينادي: يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم ».
المصدر:يوم جديد كنانه أونلاين