تشهد المجتمعات العربية العديد من التغيرات التي دفعت الشباب - بشكل أو بآخر- للمشاركة في العمل السياسي، والاهتمام بقضايا سياسية، سواء داخلية أم خارجية، إلا أن هذه المشاركات اتسمت بالمحدودية في بعض الدول، وواجهت قيودًا في دول أخرى.

ما واقع العمل السياسي لدى الشباب العربي في الوضع الراهن؟، وكيف تمكن تنمية قدرات الشباب للمشاركة الفعالة في العمل السياسي؟، وما القنوات المتاحة أمامهم لممارسة العمل السياسي؟، وهل يُتوقع بروز قيادات شبابية تقود العمل السياسي، على غرار ما حدث مؤخرًا في مجالات مثل الدعوة أو الفن؟، وهل يُعَد الإنترنت وسيلة فعالة أمام الشباب للعمل السياسي؟.

كل هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الدكتورة نادية مصطفى، أستاذة العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في سياق الحوار التالي:
 

الواقع

بداية .. ما تقييمك لمدى تفاعل الشباب العربي مع العمل السياسي؟

بداية، لا بد أن نفرق بين العمل السياسي بالمفهوم التقليدي المحدود، والعمل السياسي بمفهومه العام، ومن المفترض أن هناك مؤشرات لتفاعل الشباب مع العمل السياسي التقليدي، ومن أهم تلك المؤشرات، نسبة مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية، ونسبة مشاركتهم في الترشح للانتخابات، ونسبتهم في التصويت، وكذلك نسبة مشاركتهم في الانتخابات الطلابية بالجامعات.

هذه بعض المؤشرات الواضحة للعمل السياسي بالمعني المحدود أو التقليدي، وإذا ما قيمنا مشاركة الشباب نجد أنها محدودة، ليس لدى الشباب فقط، إنما لدى المجتمعات العربية - تقريبًا- بصفة عامة، حيث لا يمكن فصل الشباب عن السياق العام للمجتمع.

ونسبة المشاركة السياسية في عالمنا العربي والإسلامي ضعيفة بصفة عامة، بما في ذلك مشاركة الشباب، حتى في الدول التي شهدت إجراء انتخابات تشريعية، نجد أن كل ما يصدر من تعليقات أو أرقام، تؤكد ضعف المشاركة في الانتخابات بشكل عام؛ بالتالي الأمر يتصل بالسياق العام.

وماذا عن المشاركة في العمل السياسي بالمفهوم غير التقليدي؟

العمل السياسي - في نظري- ليس مجرد الترشح أو التصويت في العملية الانتخابية، العمل السياسي بمعناه الواسع، هو العمل العام، وكل ما يتصل بالمجتمع، سواء كان مدنيًّا أم رسميًّا، أم شعبيًّا؛ لأنه في النهاية يصب في صالح أو في غير صالح الوطن والمواطن.

وأنا أرفض أن نحصر العمل السياسي في فئة محددة من البرلمانيين والمشتغلين بالسياسة بمعناها التقليدي، ونحن في حاجة ملحة في عالمنا العربية لتوسيع مفهوم العمل السياسي، خاصة في ظل حالة انسداد القنوات السياسية التقليدية، في كثير من دولنا، أمام القواعد العريضة من الناس، سواء الشباب أم غيرهم.

في ظل هذا الفهم للمشاركة السياسية.. أين دور الشباب؟

للأسف هناك محاولات لاستنفاذ طاقة الشباب في الماديات والشكليات، خاصة أمام الشباب الذين تتوفر لديهم الوفرة المادية في بعض دولنا، واستهلاك الطاقة والأمل في المشاركة لدى الشباب في المجتمعات التي تعاني ماديًّا.

في ظل هذه القيود، وعملية تآكل لطاقة الشباب، وفي ظل غياب منظومة تعليمية وتربوية، تعبئ كل الطاقات وترشدها، فالأمر خطير من وجهة نظري، وانتشار ظواهر أكثر خطورة تجعل الشباب يعزفون عن المشاركة السياسية، وعن العمل العام، مثل ظاهرة البطالة لدى الشباب، وظاهرة الإحساس بعدم الانتماء للوطن.


المدونون

لكن.. ألم ينجح الشباب في التغلب على حالة الانسداد تلك، بفتح قنوات جديدة للعمل السياسي، من خلال التدوين على شبكة الإنترنت والفيس بوك والمجموعات البريدية..؟.

أعتقد اعتقادًا جازمًا أن التغيير الكبير الذي حدث في تكنولوجيا المعلومات، خلال العقدين الماضيين، أحدث تغيرات جوهرية في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية، في ظل ما تُسمى بالعولمة، لكن في ذات الوقت، لا بد أن نفكر هل هذه القنوات قادرة على إحداث تغيير حقيقي، أو تُعَد مشاركة في العمل السياسي والعمل العام حقيقية؟!، أرى أن الأمر قاصر على فئة محدودة من الشباب، داخل غرف مغلقة

هل الإنترنت غير قادر على صناعة كوادر سياسية؟

لا، طبعًا.. مثل هؤلاء الشباب قديمًا كانوا - في كل دولنا العربية- ينزلون للشارع للتظاهر ضد المحتل أو الانخراط في عمل سياسي حقيقي وأكثر فاعلية.

هذه الآليات الجديدة أوجدت للناس متنفسًا، لكنها لا تُعَد بديلا عن العمل السياسي بمفهومه العام في الشارع، مفهوم الشارع هنا لا أعني به المظاهرات والانتخابات وفقط، إنما أعني القضايا التي تمس عموم المواطنين، أو ما نسميه بالهم العام.

هل تتخوفين من تحول الإنترنت لمجرد متنفس سياسي لدى الشباب؟

الإنترنت آلية ووسيلة، لا يمكن أن تستغرقني، وتأخذني من الشارع، وهو في النهاية وسيلة تخاطب النُّخَب من الشباب، ولو حسبنا أعداد أجهزة الكمبيوتر في دولنا العربية، وأعداد الشباب الذين يدخلون على الإنترنت لأمور جادة - غير المهتمين بالأغاني والأفلام والمحادثات- لوجدنا العدد محدودًا نسبيًّا، فيظل بالتالي التأثير محدودًا، ولا يستقيم مع ما هو مطلوب لمحو أمية الشباب؛ للمشاركة في العمل السياسي، والعمل العام.

الأمر الآخر، أن كثيرًا من هذه الوسائط والآليات على الانترنت لا تعبر عن فكر واضح المعالم، يعجز الشاب العادي عن الوصول لرؤية واضحة، تبين له معالم الطريق؛ مما يؤدي للإصابة بحالة من الارتباك، فلا يدري الشاب ماذا يقرأ، وماذا يأخذ، وماذا يدع.

ورغم اهتمامي - كأستاذة علاقات دولية- بالعولمة، وتأثيراتها السياسية والثقافية والتربوية، واهتزاز الحدود بين الداخل والخارج، وما بين الإنسان ومن حوله، إلا أن الإنترنت - كأحد إفرازات العولمة- أحيانًا يصيب الشباب بالاغتراب، حيث يعيش الشاب في عالم افتراضي، منسلخ عن عالمه الواقعي، داخل غرفته المغرقة.

أقول: إنها ظواهر لمؤشرات موجودة، لا تقلل من أهمية أن هناك تغيرات في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، يمكن أن يكون لها آثار إيجابية ممتازة وهائلة، إذا أُحْسِن استخدامها وتوظيفها،
 

النخب والشارع

هل يظل العمل السياسي هو الشارع أو ما أسميتيه بـ"الهم العام"؟

أي عمل سياسي يحتاج لفكر أو تنظير، ثم يترجم هذا الفكر في الشارع، وانسداد القنوات بين ما هو فكري نخبوي وما هو حركي شعبي، يفقد العمل السياسي قيمته الحقيقية، ويحوله لمجرد نظريات وأفكار، ليس لها مردود واقعي.

وهل تلقين باللائمة على النخب السياسية.. انعزالها عن الشارع؟

لا يمكن التعميم أحيانًا يكون مضيقًا عليهم، وأحيانًا يكونون هم منعزلين بالفعل، مما يؤدي لانقطاع بين الرؤى والمشروعات الفكرية والحركة في الشارع، وتغير الشارع لا أعني به الثورة إنما أعنى تغير الإنسان العادي، تغير نمط حياته من السلبية والاتكالية إلى الإيجابية، والانخراط في الهم العام، حتى يدرك أنه هو المنوط بالإصلاح والتغيير، وليس الآخرين.

رغم ما يُتهم به الشباب من سلبية إلا أن في القضايا الكبرى - كالحرب على غزة- كان للشباب دور أساسي في حركة الشارع والمظاهرات، وحملات المقاطعة الاقتصادية والعمل الإغاثي .. هل شبابنا يفتقدون وجود قضايا مصيرية يلتفون حولها؟

من الصعب أن نقول: إن الشباب وحدهم الذين قادوا هذه المظاهرات؛ فمثلا في ردود فعل العرب والمسلمين على الرسوم الدنماركية؛ التي حاولت الإساءة للنبي (صلى الله عليه وسلم) خرجت الأمة كلها، كذلك في الحرب على العراق، والحرب على غزة، وفي مثل هذه القضايا يبرز دور الإنترنت في الحشد والاتصال.
 

الدعاة الجدد.. سياسيون

خلال العقد الأخير ظهر في مجال الدعوة ما يُعرف بالدعاة الجدد، وفي مجال الفن ما يُعرف بسينما الشباب.. هل نتوقع ظهور قادة من الشباب في العمل السياسي والعام؟

حقيقة رؤيتي للعمل السياسي رؤية حضارية، لا تنفصل عن الأسرة والمجتمع والعالم، حيث تتسع هذه الرؤية لتشمل العمل العام، ومن هذا المنطلق أرى الدعاة الجدد سياسيين؛ لأن السياسة كما قلنا ليست بذلك المفهوم الضيق عن الانتخابات والمظاهرات، وكلام الدعاة للشباب، وإصلاحهم، وتوجيههم لخدمة دينهم وأمتهم، نوع من السياسة، ليست السياسة أن أتحدث فقط لمن في السلطة وأنصح لهم، إنما من السياسة أيضًا أن يستقيم الشباب؛ الذي هم عصب الأمة؛ لأن ذلك يصب في عافية الوطن، والسياسي - في وجهة نظري- هو كل ما يصب في عافية الوطن، سواء جاء من سلطة أم من داعية أم مفكر أم فنان .. إلخ، وهذا هو لب الفكر السياسي الإسلامي "كل ما يصلح شأن الرعية".

والعلوم السياسية - بالمناسبة- حتى في الغرب تتغير الآن، وتتجه مدارس كثيرة للتركيز على قيمة الدين والبعد الإيماني في العمل السياسي، ودور المجتمع المدني، وليس حصر السياسة في السلطة والحاكم والمحكوم وفقط، هناك أدوار أخرى للمجتمع المدني وغيره من المؤسسات والأفراد، تشارك جميعها في العمل السياسي، والعمل العام.

العلاج

كيف ننمى قدرات الشباب للمشاركة في العمل السياسي بمفهومه الواسع؟

مطلوب تربية الشباب؛ ليكونوا أكثر ثقة بأنفسهم وبأمتهم وتاريخهم وثقافتهم، وأكثر ثقة بقدرتهم على المشاركة في التغيير، على نحو لا يخلع هذه الأمة من جذورها ليغرسها في أرض أخرى.

وهذا يتطلب برامج تعليمية وتربوية وتثقيفية، تشارك فيها جهات عديدة، منها المؤسسات التعليمية والإعلامية، والمراكز البحثية، والمؤسسة الدينية؛ التي لها دور أساسي ومحوري؛ لأن لديَّ قناعة بأهمية البعد الإيماني في دفع الإنسان للأمام، وجعله أكثر إيجابية وحيوية ومشاركة في العمل العام.

كما أن طرق تكوين الاتحادات الطلابية تحتاج إلى إعادة هيكلة في دول، وتحتاج إلى تعديل مسار في دول أخرى، ووقف مظاهر القمع للطلبة.

وعلينا أيضًا - كأساتذة متخصصين ووسائل إعلام- أن نوسع من مفهوم المشاركة السياسية، ولا نجعلها قاصرة على أنماط تقليدية مسدودة، حتى تعود الثقة للناس - بمن فيهم الشباب- في إمكانية المشاركة والعمل الفعال، حتى وإن سُدت أمامهم القنوات، ونحن كمسلمين مأمورون بالإيجابية، والمشاركة في العمل العام.

وما دور الشاب في تنمية ذاته سياسيًّا؟

هناك أدوار أساسية لا بد أن تقوم بها عدة مؤسسات قبل الشباب، أهمها البيت، ثم المدرسة، وباقي مؤسسات المجتمع، وبالنسبة للشاب عليه بالقراءة والاطلاع وحضور الندوات والمؤتمرات، ومتابعة الأحداث وتحليلها، أو الاستماع لمحللين، والتفاعل بشكل عام مع قضايا مجتمعه وأمته.


المراجع

kenanaonline.com

التصانيف

قضايا  المجتمع  قضايا مجتمعية  تنمية الشباب   العلوم الاجتماعية