لكل من الشاب والفتاة أحلام مشتركة ومشروعة عن حياتهما بعد الزواج.. حياة هانئة بعيدة عن المنغصات.. وأيام وردية مفروشة بالورود معطرة برائحة السعادة ويملؤها الصفاء والود؛ فالفتاة تحلم بفارس أحلامها الذي سيخطفها على حصانه الأبيض ويغوص بها في بحار الحب وأنهار السعادة.. والشاب ينصب أمام عينيه صورة "سندريلا" الفتاة الرقيقة الجميلة والتي ستتربع على عرش قلبه وبيته.. وهذا التصور يشوبه شيء من الخيال والبُعد عن الواقعية؛ فالشباب والفتيات يرتبطون بمن يقتنعون به (ويرضون بمواصفاته وطباعه وسلوكه وشكله ومظهره) أو بمن يجدون فيه ضالتهم التي يبحثون عنها (كل حسب ضالته المنشودة والتي تختلف باختلاف البشر ورغباتهم) ومن ثم يتزوجون ويعيشون أحلى أيام عمرهم في بداية الزواج وهي الفترة الأولى المعروفة مجازا بشهر العسل المملوء بالحب والسعادة والبهجة.. وتمضي الأيام والشهور من العام الأول من الزواج.

عالجوا مشاكلكم من البداية..
و قبل أن تظهر الغيوم والرياح وأحيانا الأعاصير والتي قد تعصف بحياتكم.. تظهر المشاكل سواء كبيرة أصلا أو صغيرة وتكبر.. تكبر لأنها لم تعالج من البداية. ووجود المشاكل أمر طبيعي وعادي حيث إن الحياة الزوجية هي رحلة طويلة تضم اثنين فقط عليهما التأقلم معا.. اثنين لهما جسدان وعقلان وفكران وطبائع وعادات وتقاليد وطريقة حياة مختلفة. وهذا الاختلاف يحتاج إلى وقت وجهد مشترك بصدق وحب وتفاهم وتنازل وغض طرف للتأقلم فيما بينهما. وهذا لن يحدث بين يوم وليلة بل قد يمتد لسنوات فالأخوان اللذان ترعرعا مع بعضهما نراهما يختلفان ثم يتفقان ثم تدب بينهم الخلافات لحسد نفس أو لأسباب متعلقة بالزوجات والأبناء أو منصب أو جاه أو إرث.
لذا علينا مقابلة المشاكل الزوجية بالصبر والتأني وغض طرف عن مشاكل الطرف الآخر والتنازل والتسامح والرضا؛ فليس كل واحد منا كامل الأوصاف بل كل منا لديه عيوبه ونواقصه والتي بكل تأكيد لا تمس الدين أو العقل أو الأخلاق؛ فلننظر لمحاسن وميزات الطرف الآخر دائما.. نتذكر له مواقفه الجميلة أيام الخطوبة وبعد الزواج ولا نردد على مسامعه زلاته وأخطاءه أبدا.. إن من رجاحة العقل نسيان ما يقع فيه الطرف الآخر من زلات وعثرات؛ فهذا كفيل بتسيير السفينة إلى بر الأمان؛ وحتى لا تتراكم يجب أن نبتكر حلولا تناسبنا نواجه بها هذه الأوقات العصيبة، مثل أن يجلس كل طرف خاليا بنفسه بغرفة منفصلة.. أو يصمت طرف أثناء انفعال الطرف الآخر.. ودائما التسامح هو خير طريق وأقصره والمشاكل هي توابل الحب وملح الهوى؛ فبرغم ملوحتها فإن لها فائدة جمة وعظيمة؛ فهي توقظ المشاعر وتهزّها وتدغدها وتثير مناعة ومقاومة الحب لها.. فهل الحب سوف يقاومها أم تنهار المناعة وتنخر المشاكل عظام جسد هذه الأسرة وتقطع روابطهم وحبهم رابطا رابطا؛ ويسقطوا أمامها مستسلمين.. فإذا تركت المشاكل بدون حل منذ البداية سقطنا في دوامة مشاكل ولظللنا نبحث عن منقذ لنا من الغرق ولن نجد لأننا لم نتعلم السباحة ضد التيار منذ البداية؛ فنجد أننا أعلنا نهاية العلاقة والحب رغم العِشرة والأبناء ليثبتوا أن هذا الحب قام على أسس وقواعد كانت هشة وأسس الأسرة لم تكن ضاربة بالأرض ثابتة كالجبال متعمقة الجذور كالنخلة؛ بل كانت كسنابل القمح تميل مع الريح وتقتلعها الأعاصير وتذهب أدراج الرياح.
هل يوجد بيت بلا مشاكل؟!
لا يوجد بيت بلا مشاكل حتى بيت النبوة لم يخل منها فبرغم حبه وحنانه وأخلاقه وإحسانه ورحمته ورأفته وعدله وصدقه وكمال خلقه صلى الله عليه وسلم بشهادة رب العالمين بقوله {وإنك لعلى خلق عظيم} لم يخل بيته من المشاكل بل وصل إلى تخيير أمهات المؤمنين أكمل النساء أخلاقاً وأطهرهن وأزكاهن رضي الله عنهن بين البقاء أو الطلاق كما في سورة الأحزاب وسورة التحريم.
هجر النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته شهراً في أحد المرات..
سأل أزواج النبي صلي الله عليه وسلم النفقة الخارجة عن حده وأردن التوسع في الدنيا ولذَّاتها، خلاف ما اختاره لنفسه منها، هجرهُنَّ ولم يدخل عليهن شهراً، حتى أنزل الله تعالى عليه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 28 - 29)، فخيَّرهن النبي صلى الله عليه وسلم في البقاء معه على الكفاف، أو المفارقة.. فاخترن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
نساء النبي يراجعنه..
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "كنا معشر قريش نغلبُ النساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار، إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، قال: فصخَبتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم إلى الليل، قال: فأفزعني ذلك وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن، قال: ثم جمعت عليَّ ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكُنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، قال: فقلت: قد خبتِ وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي؟..." الحديث - رواه البخاري.
فلننظر كيف انزعج عمر - رضي الله عنه - من مراجعة بسيطة راجعته بها زوجته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقبل مراجعة نسائه، بل ويتحمل غضبهن عليه، حتى يَهجرنه من الكلام، وهو النبي الكريم والإمام العظيم، وما ذلك إلا لعظيم حلمه وبالغ صبره صلى الله عليه وسلم.
غيرتهن من بعضهن رضي الله عنهن..
عن صفية صفية بنت حيي (زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وبنت أحد سادات اليهود) رضي الله عنها تقول: «دخلت على النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام، فذكرت ذلك له، فقال: ألا قلتِ: وكيف تكونان خيراً مني، وزوجي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأبي هارون وعمي موسى؟ وكان الذي بلغها أنهن قلن: نحن أكرم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخير منها، نحن أزواجه وبنات عمه. وعن أنس: بلغ صفية أن حفصة، قالت: بنت يهودي! فبكت» الزمخشري، الكشاف 4: 370، هامش 2 المستدرك على الصحيحين 4: 29؛ أسد الغابة 5: 491.
فننظر للنبي كيف أطفأ نار الغضب والغيرة عند السيدة صفية رضي الله عنها صلى الله عليه وسلم وأعطاها ردا مفحما لا تملك جوابا عليه؛ بل هو فخر لصفية جعلها تتميز به ولم يتدخل الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة بين نسائه بل أطفئها عن بُعد بحكمة بالغة.
مشاكل بلا بيت..
إن البيت الهادئ الذي تحيطه مشاعر الحب والسكينة والمودة والتآلف والرأفة والتسامح والرحمة وينبض قلبه بنور الإيمان يكون بيتا خاليا من المشاكل وتصبح المشاكل بلا بيت ولا مأوى لها.. فهل يكون بيتنا بلا مأوى للمشاكل؟!


المراجع

annajah.net

التصانيف

المجتمع   تعليم وثقافة   الأسرة   العلوم الاجتماعية