في بلادنا العربية، نَصِفُ الشخصَ غير المحترم بأنه "قليل الأدب"، و"ليس لديه ذرّة ذوق". لعلّه مَدخَل غريب، بعض الشيء لمناقشة موضوع "الأدب" و"الذوق"، عن صفتين لهما في النفوس أثر طيب.
فإذا وُجِدتا في الإنسان تَسلّل إلى روحك، فتجد نفسك تحترمه.
وإن فعلت ذلك أحببته. وإن أحبه الناس فهي علامة من علامات القبول كما علّمنا النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث القُدسي "أنّ الله إذا أحَبّ فلاناً جعل الملائكة والناس يحبونه". قديماً قالوا: "فاقد الشيء لا يُعطيه".
فإذا لم تكن أنت قُدوة لأُسرتك في الأدب والذوق، فكيف تتكلم عن موضوع كهذا معهم؟ وكيف تغرسه في أبنائك الذين سينقلونه إلى أبنائهم وأبناء أبنائهم وأحفادهم، ليَظلّ مشهوراً عن عائلتك أنها عائلة الأدب والذوق؟ الغريب أنّ البعض يعتقد أن الأدب والذوق من الأخلاق الغربية، وأن أُصول "الإتيكيت" كما يُسمُّونه لا علاقة للإسلام بها.
لكن الواقع يؤكد أن ديننا عظيم، وأنه دعا إلى الأدب والذوق في كل شيء.. أكرّر: في كل شيء. انظر إلى جَمَال وعظمة القرآن حين يعلّمنا الأدب والذوق في بيوتنا، بدءاً من الاستئذان للدخول على الأب والأم، حيث تجد آية في القرآن يُتلَى إلى يوم القيامة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) (النور/ 58). آية تضع قاعدة من قواعد الذوق.
الأطفال تحت سن البلوغ، لابدّ أن يستأذنوا ثلاث مرات: مِن قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء. هل هذا دين جاء لينُظّم الحياة في المسجد أم في المنزل؟ لا، إنه ليُنظّم الحياة داخل غرفة النوم، لا إله إلاّ الله.
جاء رجل إلى نبي الله(ص) وقال له: "يا رسول الله أأستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال: يا رسول الله أأستأذن على أمي؟ قال نعم. قال: يا رسول الله أأستأذن على أمي؟ قال: أتحب أن تراها عارية؟ قال: لا يا رسول الله. قال: فاستأذن على أمك". وخرجت الأجيال وكبرت على الاستئذان على الأب والأم بتعاليم وأدبيات وذوقيات الإسلام. فلقد انتقل الإسلام بالبشرية إلى الحضارة والمدنية، لذلك كان موقف مثل ذلك غريباً على هذا الرجل. ولنأتِ إلى الذوق مع الزوجة، ونحن لا نزال مع الذوق في البيت.
مثال: نشاهد في الأفلام والمسلسلات الأجنبية الرجل الأوروبي مع زوجته في مطعم ما يأكلان، فإذا به يقطع قطعة اللحم ويضعها في فم زوجته بالشوكة. والشبّان والفتيات يعجبون جداً بمثل هذا الموقف ويقولون: يا للرومانسية! ونكبر نحن على تقليد مثل هذه التعاملات، مُدّعين التمدُّن من خلال تقليد الأوروبيين.
فما بالك أن رسول الله(ص) قال: "أعظَم الصّدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته"؟ والآن، إلى مَن مرجعيتك؟ من الأدبيات أيضاً في التعامل مع الزوجة، أن نراعي المرأة في لحظة ضعفها أو غضبها: - أزواج كثيرون لا يتعاملون مع زوجاتهم بذوق ورقّة، دائماً يهددون: "سأتزوج عليك"، "سأنفصل عنك". وهذا الحديث حتى لو كان مزاحاً يجرح المرأة كثيراً.
- من عدم مراعاة الذوق أيضاً في التعامل مع الزوجة، أن يأتي الرجل من عمله الغائب فيه طول اليوم، إلى بيته، متجهّم الوجه، ويجلس ليفتح الصحف ويظل يتصفّحها ثم يدخل لينام. وهذا يؤذي الزوجة، صحيح أنّك قد تكون مُتعَباً ومُرهقاً من عملك طوال اليوم، لكنك لن تكون أكثر انشغالاً من النبي(ص).
انظر إليه في بيته: كل زوجات النبي يخبرن عنه أنه كان في بيته هاشّاً باشّاً، وكان ضحّاكاً، أي أنه يَضحَك ويُضحِك مَن حوله، وكان يجلس معهنّ للحديث، فإذا أذّن للصلاة كأنه لا يعرفهنّ ولا يعرفنه. ولكنه كان يجلس معهن ويتحدث إليهن.لم يغلق على نفسه الباب ويقول: "إنني مُتعَب ومُثقَل بمشكلات عدّة".
- في مسألة الشكل والتزيّن.. يُريد الزوج دائماً من زوجته التزيّن والتحلّي له، أما هو فلا يهم، فلا يهتم بشكله وأناقته أمامها. في الحقيقة، مفاهيم الذوق في الإسلام عالية جداً، وراقية جداً.
المراجع
balagh.com
التصانيف
المجتمع تعليم وثقافة الأسرة العلوم الاجتماعية