عُرِفَت الحنّاء، منذ القِدم. فقد استخدمها الفراعنة في أغراضٍ شتى، إذ صنعوا من مسحوق أوراقها معجونةً لتخضيب الأيدي وصباغة الشعر وعلاج الجروح. كما وُجِد كثير من المومياء الفرعونية مخضّبة بالحنّاء. واتّخذ الفراعنة عطرًا من أزهارها. ولها نوع من القدسيّة عند كثير من الشعوب الإسلامية، إذ يستعملونها في التّجميل بفضل صفاتها الممتازة، فتُخضّب بمعجونها الأيديّ والأقدام والشعر، كما يفرشون بها القبور تحت موتاهم.

نبتة الحنّاء هي شُجيرة من الفصيلة الحنّائية حوليّة أو معمّرة، تمكثُ ما يقارب ثلاث سنوات وقد تمتدّ إلى عشرة. مستديمة الخضرة، غزيرة التّفريع، يصل طولها إلى ثلاثة أمتار. ونبات الحنّاء شجيّري مُعمّر وله جذور وتديّة حمراء وساقه كثيرة الفروع ، والأفرع جانبية وهي خضراء اللّون وتتحوّل إلى البنّي عند النضج. وأوراق الحنّاء بسيطة جلديّة بيضاوية الشكّل بطول 3-4 سم، بيضيّة أو ستانية عريضة، متقابلة الوضع، بلونٍ أحمر خفيفٍ أو أبيض مصفّر. والأزهار صغيرة بيضاء لها رائحة عطرية قوية ومميّزة. والثمرة علبةٌ صغيرةٌ تحوي بذورًا هرمية الشّكل. وشجرة الحنّاء لها صنفان يختلفان في لون الزهر كالصنفِ “ألبا” ذي الأزهار البيضاء، والصنف “منياتا” ذي الأزهار البنفسجية. ومن أصناف الحنّاء: البلدي، الشامي، البغدادي، والشّائكة.

جنوب غربي آسيا هو الموطن الرّئيسي للحنّاء، فهي تحتاج لبيئةٍ حارةٍ. لذا فهي تنمو بكثافةٍ في البيئات الإستوائية لقارّة إفريقيا فضلاً عن جنوب شرق آسيا. كما انتشرت زراعتها في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.

وأهم البلدان المُنتجة لها: مصر والسودان والهند والصين.

تشتمل أوراق الحنّاء على موادٍ غليكوسيدية مختلفة، أهمّها المادة الرّئيسة المعروفة بإسم اللاّوسون، وهي المسؤولة عن التأثير البيولوجي طبيًا وكذلك مسؤولة عن الصّبغة واللون البني المِسوَد.

تزداد كمّية المواد الفعّالة، وخاصّة مادة اللاوسون، في أوراق الحنّاء كلّما تقدم النبات في العمر. فالأوراق الجديدة تحتوي على كمّياتٍ قليلةٍ من هذه المواد عن مثيلتها المُسنة. والجزء المُستعمل من نبات الحنّاء عادةً الأزهار والأوراق والأغصان والبراعم الحديثة النّمو.

لا يستخدم الحنّاء طبيًا في أوروبا وأمريكا الشّمالية، ولكنّ في الطب الشعبي أو الطّب التقليدي يُستعمل الحنّاء خارجيًا في غسولات الوجه والشّعر. والحنّاء يُستخدم كصبغةٍ منذ آلاف السّنين. فالتّقاليد والعادات في أغلب مُجتمعات إفريقيا وجنوب وشرق آسيا وكذلك في الدول العربية والإسلامية تستعمله في صبغ الشّعر وطلي الأظفار والأقدام وراحة الأيدي وظهورها.

انتشر استعمال واستخدام الحنّاء لصبغ الشعر والنّقش به على الأيدي والأرجل في السّنين الأخيرة في أوروبا وأمريكا الشمالية، ممّا جعل الشّركات الأمريكية والأوروبية لصناعة مستحضرات التجميل تتنافس لإنتاج العديد من مركّبات التجميل التي يدخل في صناعتها أوراق الحنّاء. وكذلك شاع العديد من صبغات الحنّاء للشعر وذات الألوان المختلفة، من اللّون الأشقر حتى اللّون الأسود أو الدّاكن، ويُغلّف الحنّاء بعلبٍ جذّابةس ويُباع بأسعارٍ أضعاف السعر الذي يباع به السعر المُنتج من الدّول العربية أو الآسيوية.

أمّا بالنسبة لتغيير لون الحنّاء من الأحمر إلى الأسود فيمكن إضافة مادة نباتية إلى الحنّاء ليعطي لونًا أسود جميلاً مثل نبات الكتم والوسمة، وهُما يكثران في المناطق الباردة. وكان نبات الكتم والوسمة يُستخدمان من أزمنةٍ طويلةٍ كصبغةٍ لتسويد الشّعر حيث يوجد بهما صبغة سوداء. وقد بدأت بعض المصانع إنتاج مثل تلك الصّبغات، وهي طبيعية، ويمكنك تحضيرها بنفسك بأخذ الحنّاء وسحقه ثم سحق أحد النباتين المذكورين أعلاه ومزجهما جيّدًا واستعمالها كصبغةٍ سوداء.

قد يُضاف إلى أوراق الحنّاء المُجفّفة والمطحونة صبغة كيميائية تُعرَف بـ”بارافينلين دي أمين” بنسبٍ وكميةٍ مختلفةٍ تُعطي الألوان من الأصفر الذّهبي إلى اللّون الأحمر الداكن إلى اللّون الأسود الغامق، ويمكن إضافة أوراق نبات الأنديغو إلى أوراق الحنّاء المُجفّفة والمطحونة. والأنديغو هي مادة آمنة الإستخدام وهي تُصنع في المعامل، تُعطي اللّون الأزرق عند إضافة الماء عليها. وعند خلط أوراق الحنّاء المُجفّفة والمطحونة مع صبغة الأنديغو نحصل على صبغةٍ نباتيةٍ سوداء. وقد نضيف إليهما صبغة “إزاتين” لنحصل على صبغةٍ جديدةٍ آمنة الإستخدام، مؤلّفة من الحنّاء والأنديغو والإزاتين.

تعد عجينة الحنّاء بوضع الماء الدّافئ على مسحوق الحنّاء وتُخلط العجينة جيّدًا حتّى تصبح عجينة غليظة القوام؛ ثم تُترَك لمدّة ساعةٍ إلى ساعتين في إناءٍ زجاجيٍ. ويُؤخذ من هذه العجينة الكمّية المُراد استخدامها لتكون حديثة التّحضير عند الإستخدام. وتوضع هذه العجينة على الشّعر أو تُخضّب بها بشرة الجلد وتُترك هذه العجينة على الشّعر أو البشرة من ساعةٍ واحدةٍ إلى ساعتين لتعطي اللّون الأحمر الدّاكن. وكلّما زاد وقت ترك العجينة على الشّعر أو الجلد، كلّما زاد اللون الغامق أو الدّاكن.

وإذا أُضيف عصير اللّيمون أو الخل أو سوائل أخرى معروفة إلى عجينة الحنّاء، أعطت هذه العجينة لونًا داكنًا أو برونزيًا جذابًا. وتدفئة الماء المُضاف إلى العجينة مع وجود الرّطوبة يُعطي الحنّاء لونًا حسنًا جميلاً.

تُلفّ عجينة الحنّاء إذا وُضِعَت على الرّأس أو اللحية بفوطةٍ، وهي دافئة حتى تحتفظ العجينة برطوبتها وتُعطي اللّون المرغوب، ولا يجب التّعرض للتّيارات الهوائية الباردة، مثل المروحة أو المُكيّف، عند وضع عجينة الحنّاء على الرأس حتى لا تُسبّب هذه الصّبغة في إحداث أمراضٍ مثل الحمى.

تُستعمل الحنّاء في التجميل؛ فيخضّب بمعجون أوراقها الأصابع والأقدام والشّعر، للسّيدات والرّجال على السّواء، بالإضافة إلى استعمالها في أعمال الصّباغة. وتُستعمل عجينة الحنّة في علاج الصّداع بوضعها على الجبهة. وتُستعمل زهور الحنّة في صناعة العطور. والتّخضّب بالحنّاء يفيدُ في علاج تشقّق القدمين وعلاج الفطريات المُختلفة. وتُستعمل الحنّاء في علاج الأورام والقروح إذا عُجِنَت وضُمّدت بها الأورام. كما إنّ نبات الحنّاء يُستعمل غرغرةً لعلاج قروح الفم واللّثة واللّسان.

وقد ثبُت علميًا أنّ الحنّاء إذا وُضِعَت في الرّأس لمدّةً طويلةً، بعد تخمّرها، فإنّ المواد القابضة والمُطهّرة الموجودة بها تعمل على تنقية فروة الرّأس من الميكروبات والطّفيليّات ومن الإفرازات الزّائدة للدّهون. كما تُعد علاجًا نافعًا لقشر الشّعر والتهاب فروة الرّأس. ويُفضّل استعمال معجون الحنّاء بالخل أو اللّيمون، لأنّ مادة اللّوزون المُلوّنة لا تصبغ في الوسط القلوي.

وقيل إنّ الحنّاء علاجٌ جيّد لمرض الأكزيما.

كان للحنّاء مكانتها المرموقة عند الأطبّاء المُسلمين. فقد ذكر ابن القيم أن “الحنّاء مُحلّل نافع من حرق النار؛ وإذا مُضِغَ نفع من قروح الفم والسّلاق العارض فيه ويبرئ من القلاع. والضّماد فيه ينفع من الأورام الحارّة المُلتهبة. وإذا ألزقت به الأظافر معجونًا حسّنها ونفّعها؛ وهو يُنبِتُ الشعر ويُقوّيه وينفع من النّفاطات والبثور العارضة في السّاقين وسائر البدن.

تُعتبر الحنّاء في البلاد العربية ومنطقة الشّرق الأوسط جزءًا من التّراث. وقَبل اعتماد الغرب لها مغذيةً للشّعر وملوّنة بمدّةٍ طويلةٍ، كانت تستعملها النّساء العربيات المُسنات منهنّ والشّابات، لتلوين أيديهن وأرجلـهن برسومٍ وأشكالٍ متـنوّعـةٍ بـسيطةٍ أو مُزخرفـةٍ، لتـكمـِّل زيـنة الـمـصاغ الذي كُنّ يـرتديـنه فـي الأعراس والمهرجانـات، أو عند ولادة طفـلٍ، أو أي عيـدٍ رسـميٍ.

“الحنّـاء” تعنـي كلّ شـيءٍ مـضيء وفـرح وملـوّن وزاهٍ. وهي تـوضـع أيضًا لإسـتقـبال الزّوج لـدى عـودتـه بـعـد طـول غيـابٍ.


المراجع

hakawati.net

التصانيف

عادات وتقاليد   التاريخ  المجتمع   العلوم الاجتماعية