هناك إشارات في الحكايات الشعبية المتوارثة حول الأمير أو “شيخ العرب” الذي يهجره أفراد قبيلته سراً بسبب كرمه المفرط، وإسرافه في استقبال الضيوف، وكثرة ما يقدمه لهم من الذبائح.

ويفيق الأمير أو شيخ العرب في الصباح ليجد نفسه وحيداً في خيمته بعد أن أقفزت منطقة المضارب، وهجرتها عشيرته مصطحبين خيامهم ومواشيهم، وحتى كلابهم. تقول الحكاية أخيراً إن هذا الأمير أو الشيخ يعود غنياً كما كان لأن الوجدان الشعبي لا يمكن أن يصور مصير الرجل الكريم إلا تصويراً إيجابياً.

ولا شك في أن هذه الجزئيات في الحكايات الشعبية المتوارثة نابعة من تراث عريق يعود إلى ما قبل الإسلام*، عندما كانت الضيافة في شبه جزيرة العرب وسيلة لتقوية علاقات الصداقة المتبادلة، في وقت لم تكن فيه خانات ولا فنادق. كما أن الضيافة كانت في ذلك العصر ضرورة اجتماعية وإنسانية ملحة.

وتفرض التقاليد والأعراف المتوارثة على كل شخص في الصحراء قرى الضيف وإيواءه لمدة ثلاثة أيام وثلث اليوم دون أن يسأله عن اسمه ومبتغاه. وتسمح التقاليد للشخص الذي يداهمه الضيوف وليس لديه ذبيحة أن يقوم “بالعداية”، أي ينهب “رأساً من الغنم” من قطيع ما ليوفر القِرى لضيوفه. 

إن إكرام الضيف يقع، حسب التقاليد، على عواتق رجال العشيرة كلهم، لا على الشيخ أو المضيف وحده. وهكذا فإن الضيف يتناول طعامه في اليوم الأول عند الشخص المقصود، أو عند شيخ العشيرة، وبعد ذلك يصبح واجب تقديم الطعام له وللأهل موضع نقاش و”مغالطة”، ويتبارى الرجال في إثبات حقهم في إكرام الضيف، بالقسم بأغلظ الأيمان، ومنها يمين الطلاق. وهم يستندون في هذا كله إلى أسباب شتى منها: 

  1. مرافقة الضيف في القدوم إلى القرية.
  2. إحضار الصيف للمضيف شيئاً ما، أو قصده في مهمة واضحة.
  3.  وجود قرابة أو تساو اجتماعي بين المضيف وضيفه.
  4. حرص المضيف على الظهور بمظهر الشاب الكريم.
  5. وقد يلجأ الناس في إثبات حق استضافة الضيف إلى “قاضي الضيوف”. 

وتقضي التقاليد المتبعة أن يكون الضيف في حماية المضيف من السرقة او الاعتداء طوال وجوده في بيته. ولا يجوز للمضيف الانتقام من الضيف العائد أو المستجير لثأر قديم بينهما، ما دام الأول في حمى الثاني. 

وتقتضي تقاليد بدو بئر السبع معاقبة المضيف بقطع يده إذا ضرب ضيفه. 

وعلى الضيف أن يراعي حرمة البيت الذي يحل فيه، فعليه أن يغض من طرفه عن النساء، وأن يقع ما يقدم له، وألا يعتدي على البيت وأهله، وألا يكثر من التباهي بفعاله أو ماله أو أصله. وإذا اعتدى الضيف على عرض مضيفه حتى للمضيف الانتقام بذبح ضيفه، إذا رآه في حالة الزنا بمفهومها الشرعي. ولا يترتب على الضيف أن يشارك في رد الغزو مع مضيفه، بل يتوجب عليه أن يودع الغزاة، ويحثهم على الرحيل، خاصة إذا كانوا من عشيرته. 


المراجع

palestinapedia.net

التصانيف

عادات وتقاليد  المجتمع  عادات وتقاليد عربية   العلوم الاجتماعية   التراث