أخضع عبد الرحمن الداخل الأندلس لحكمه 138 ـ 172 هـ. وكان آخر من وقف بوجهه يوسف والصميل ثم خضعا له إلا أنه لم يعلن نفسه خليفة على المسلمين، إذ إنه يعلم أنه لا يصح أن يكون في بلاد الإسلام خليفتين. ومن هنا فقد كان يدعو للخليفة العباسي بصفته أميراً للمؤمنين. واستمر على هذه الحالة إلى أن حاول أبو جعفر المنصور القضاء على حكم عبد الرحمن الداخل فشجع العلاء بن مغيث الجذامي في باجة على مناهضة عبد الرحمن الداخل. والدعوة للعباسيين هناك. فأعلن العلاء الثورة عام 147 هـ فواجهه عبد الرحمن لكنه خسر أمامه. وهرب عبد الرحمن وتحصن في قرمونة شرقي أشبيلية فتبعه العلاء وحاصره لمدة شهرين إلا أن عبد الرحمن استطاع أن يخرق الحصار ويتغلب على جيش العلاء وقتله وأرسل رأسه إلى المنصور. عندها أطلق المنصور على عبد الرحمن الداخل لقب «صقر قريش» وأوقف عبد الرحمن الخطبة للعباسيين ولكنه مع ذلك لم يعلن نفسه خليفة.

وجاء المهدي وحاول ـ مثل أبيهـ التخلص من صقر قريش إلا أنه فشل وذلك عن طريق حاكم سرقسطة الذي اتفق مع شارلمان على محاصرة عبد الرحمن، ورضي المهدي على هذا الاتفاق وأرسل لهم عبد الرحمن بن حبيب الفهري سنداً لهم لينزل على الشاطىء الجنوبي للأندلس، إلا أنه نزل مبكراً على هجوم «شارلمان» فاستفرد به عبد الرحمن وقضى عليه وعلى جيشه. وفشلت خطة شارلمان بعد أن رفض سكان سرقسطة تسليم مدينتهم لرجل نصراني وانقلبوا ضده فرجع إلى بلده خاسئا.

فاستقر الوضع في الأندلس وخاصة بعد أن سار عبد الرحمن إلى سرقسطة عام 164 هـ. وحسن علاقاته مع شارلمان وقد بقي عبد الرحمن والياً على الأندلس حتى عام 172 هـ. وعندما توفي تولى بعده ابنه هشام الرضى الذي حكم الأندلس ثمانية أعوام 172 ـ 180 هـ. ثم وقع الخلاف بينه وبين شقيقه الأكبر سليمان الذي أخذ البيعة لنفسه في طليطلة ولكنه هزم أمام هشام عام 174 هـ. ونفي إلى المغرب، ثم اتجه هشام لمقاتلة النصارى في الشمال كما أرسل جيشاً إلى سبتمانيا في جنوب فرنسا.

ثم خلفه ابنه الحكم بن هاشم

الربضي الذي استمر في الحكم حتى عام 206 هـ. وقد نازعه عماه على الحكم سليمان وعبد الله. فأما سليمان فجهز جيشاً من المرتزقة في طنجة وحاول دخول الأندلس إلا أنه هزم وقتل عام 184 هـ.

وأما عبد الله فقد خرج من عند الإباضيين بالمغرب إلا أنه هزم أيضاً وعفا عنه ابن أخيه وألزمه الإقامة الجبرية في بلنسية.

كما قامت بوجهه بعض الحركات الداخلية التي استطاع القضاء عليها بحنكته ودهاءه أهمها في طليطلة عام 181 هـ وقضى عليها بالحيلة.

والثانية بالعاصمة قرطبة واستطاع القضاء على الثائرين وتشتيتهم في المغرب. توفي الحكم عام 206 هـ.

خلفه ابنه عبد الرحمن

الذي عرف باسم عبد الرحمن الأوسط وفي عهده استتب الأمن وسار النظام فانصرف إلى البناء والاهتمام بشؤون الدولة كما اعتنق في أيامه الإسلام عدد كبير من النصارى الإسبان. وقد أغار الأفرنج على بلاد المسلمين عن طريق البحر، فأغاروا على شذوفة ومنها انتقلوا إلى أشبيلية وهزموا المسلمين عدة مرات. وباتوا على مقربة من أشبيلية، إلى أن أرسل عبد الرحمن قوة كبيرة لأهل أشبيلية قاتلت الإفرنج وقهروهم وأجبروهم على التراجع إلى «لبله» حتى قهروا وقد استمر عبد الرحمن الأوسط في الحكم حتى عام 238 هـ فخلفه ابنه محمد الأول الذي واجه العديد من الثورات في شمال الأندلس وفي برشلونه وطليطلة فانتصر عليهم ووطد الأمن واستمر في الحكم حتى وفاته عام 273 هـ حيث خلفه ابنه المنذر الذي لم تطل أيامه إذ لم يدم في الحكم سوى سنتين وتوفي بعدها عام 275 هـ وقد أحبه الناس وكان عادلاً. خلفه أخوه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الثاني، وكان قاسياً فانتشرت الفوضى في أيامه وخرج الولاة عليه وأعلنوا استقلالهم.

ولعل أبرز ما ثار في دولة الأندلس حركة عمر بن حفصون الذي ارتد إلى النصرانية وأثار سكان الجبال في مقاطعة غرناطة، وهزم جيوش الأمير عبد الله أكثر من مرة وأصبحت أشبيلية تنافس قرطبة في عدة مجالات، وظل الأمر على ما هو عليه من الفوضى حتى عام 300 هـ عندما توفي عبد الله بن محمد وخلفه حفيده عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الملقب ب ـ عبد الرحمن الناصر

عبد الرحمن الناصر الذي تمكن من القضاء على ابن حفصون وحركته وأعاد إخضاع كل الأندلس لحكمه بعد مضي عشرين سنة على حكمه، وعندما علم بمقتل الخليفة العباسي المقتدر بالله على يد مؤنس الخادم واستبداد القادة الأتراك بالخلفاء وتسييرهم للحكم كما يريدون أعلن نفسه خليفة على المسلمين وبذلك يكون قد أصبح للعالم الإسلامي ثلاثة خلفاء: خليفة عباسي في بغداد وخليفة أموي في الأندلس وخليفة عبيدي في رقادة وقد قاتل عبد الرحمن الناصر الإمارات النصرانية في الشمال وانتصر عليها في كثير من المعارك، كما تعرضت حدود دولته الجنوبية لخطر الدولة العبيدية من بلاد المغرب. وقد ازدهرت الخلافة الأموية في الأندلس ازدهاراً عظيماً وفاقت قرطبة بالعلم والأدب والازدهار بغداد بعد ما حلَّ بها وما حصل من المشاكل والخلافات وقد بقي عبد الرحمن الناصر خليفة في دولة الأندلس خمسين عاماً أي حتى سنة 350 هـ. وقد بنى عبد الرحمن الناصر مدينة «سالم» عام 335 هـ كما بنى مدينة «المرية» على ساحل البحر المتوسط لتكون قاعدة للأسطول الأندلسي عام 344 هـ.

وعندما توفي عبد الرحمن الناصر خلفه ابنه الحكم الثاني الذي تلقب باسم المستنصر بالله الأموي وقد استمرت أيامه حتى عام 366 هـ وكانت أيامه هادئة والبلاد مستقرة ازدهرت فيها العلوم ونعمت بالعمران، وقد كان الخليفة الحكم ميَّالاً للسياسة والسلم فاستغل النصارى في الشمال هذه النقطة وظنوها ضعفاً فراحوا يهجمون على أطراف البلاد، فجهز لهم الخليفة جيشاً قوياً قاده بنفسه لتأديب النصارى فردهم وأمن حدود بلاده. كما قام الحكم بمحاربة النورمان في الشمال الذين دعمتهم الكنيسة الأوروبية، كما تعرضت سواحل الأندلس في الغرب إلى غارات بحرية وقد عرف عنه علمه بالفقه والخلاف والتواريخ، وقد توفي الحكم الثاني عام 366 هـ بعد أن دامت خلافته 15 سنة وقام بالأمر من بعده ابنه هشام الملقب ب ـ المؤيد بالله وله عشر سنين فقام بأعباء الخلافة حاجبه محمد بن أبي عامر المعافري مع ابناه المظفر والناصر، فساسوا الرعية جيداً. وغزوا الأعداء واستمر لهم الحال على هذا الأمر حوالي 26 سنة.

وقد هاجم المسلمون على عهد الحاجب المعافري مملكة ليون في الشمال واستولوا عليها وهدموا حصونها وقلاعها.

في عام 393 هـ توفي محمد بن أبي عامر وبوفاته وقع الخلاف بين أمراء البيت الأموي فملك سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الناصر، ثم أعيد لهشام المؤيد عام 400 هـ ثم عاد لسليمان عام 403 هـ وقام في الجنوب بني حمود ووقفوا مع هشام المؤيد وسار الجميع نحو قرطبة وقاتلوا سليمان وهزموا جيشه وأسروه ودخل علي بن حمود قرطبة وبايعه الناس خليفة على أساس أن هشام قد قتل وتلقب بن حمود بالمتوكل على الله، لكنه لم يلبث أن خالفه خيران العامري وخرج من قرطبة وبايع العامري عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر وتلقب بالمرتضى وخرج المتوكل من قرطبة ودخلها المرتضى لكنه قتل عندما سار إلى الجنوب لمحاربة زاوي بن زيري بن مناد.

وكذلك قتل علي بن حمود وتولى مكانه أخوه القاسم بن حمود وبقي في قرطبة حتى عام 412 هـ عندما خرج منها متجهاً نحو أشبيلية فدخل يحيى بن علي قرطبة وأخذ البيعة ولقب بالمعتلي وأصبح بالأندلس خليفتان: يحيى بن علي بن حمود في قرطبة والقاسم بن حمود في أشبيلية، ثم وقع القاسم بن حمود أسيراً بيد ابن أخيه يحيى الذي سجنه وبقي في سجنه إلى أن مات عام 431 هـ ثم تتالى على قرطبة عدة خلفاء لم يستتب لهم الأمر، إلى أن ملكها أبو الحزم جهور ابن محمد بن جهور وفي أشبيلية استقر بنو عباد وبنو الأفطس في بطليوس وبنو هود في سرقسطة وبنو أبي عامر في بلنسية ومجاهد العامري في دانية. وكان أشهر هؤلاء الملوك المعتمد بن عباد حاكم أشبيلية وقد استطاع أن يتغلب على بني جهور في قرطبة فدامت له. وفي عام 478 هـ سقطت طليطلة بيد النصارى الإسبان الذين هددوا ولاية ابن عباد وطلبوا منه تسليم بعض القلاع، فاستنجد ابن عباد بيوسف بن تاشفين أمير المرابطين في المغرب فلبى ابن تاشفين طلبه وعبر البحر مع جنوده ورفض الاستراحة في أشبيلية ونزل إلى سهل الزلاقة لمواجهة جيش النصارى الإسبان ومن معهم بقيادة الفونس السادس وقد نصر الله المسلمين في هذه المعركة الكبيرة واستطاع المسلمون أن يقضوا على الجيش الإسباني بالكامل وهرب ألفونس وغنم المسلمون من هذه المعركة كثيراً وزعها ابن تاشفين بين حكام الأندلس ما زاد في شعبيته ومحبته من قبل الحكام والشعب وكانت تلك المعركة عام 479 هـ.

عاد المعتمد بن عباد إلى المغرب وطلب النجدة من يوسف بن تاشفين إثر الغارات المتتالية التي يشنها الفونس السادس، فسار يوسف وجيشه إلى الأندلس للمرة الثانية، ولكن لم يأت إليه من ملوك الأندلس إلا المعتمد بن عباد وابن عبد العزيز صاحب مرسية، وبدأ المسلمون بشن الغارات على بلاد النصارى، ثم عاد ابن تاشفين إلى المغرب وفي نفسه شيء من ملوك الأندلس.

وفي عام 483 هـ جاز يوسف بن تاشفين بحر الزقاق إلى الأندلس للمرة الثالثة وسار نحو طليطلة وفيها الفونس السادس وحاصرها ولم يأت احد من ملوك الأندلس لمساعدته، فلم يتمكن من دخول طليطلة، فعاد نحو غرناطة ونازل صاحبها عبد الله بن بلكين بن باديس لأنه صالح الفونس وحاصر غرناطة فطلب صاحبها منه الأمان فأمنه يوسف وحمله معه وأخاه تميم صاحب مالقة إلى مراكش وولى على غرناطة ومالقة سيري بن أبي بكر اللمتوني وطالبه بملاحقة الفونس، وعاد إلى المغرب، وقد طلب من واليه على غرناطة أن يخضع الإمارات الإسلامية لحكم المرابطين ويلحق أمراءها بالمغرب، وألا يتعرض لابن عباد حتى يستولي على سائر الإمارات ويولي عليها أمراء جنده.

فاستولى ابن أبي بكر على حيَّان وقرطبة وقرمونة، فاستنجد ابن عباد بألفونس فأمده بعشرين ألف. عندئذ سار إليه سيري بن أبي بكر والتقى به على مقربة من حصن المدور ودخل أشبيلية بعدما أعطى الأمان لابن عباد فحمله وأهله إلى المغرب، وقد حزن الناس كثيراً عليه. كل هذه الأحداث وقعتا في أقل من نصف سنة من عام 384 هـ ، وفي العام التالي دخل المرابطون مدينة مرسية وشاطبة والمرية وبلنسية.

توفي يوسف بن تاشفين عام 500 هـ وخلفه ابنه علي فنازعه على الحكم ابن أخيه يحيى بن أبي بكر إلا أنه هرب من وجهه فيما بعد واستقر الوضع لعلي بن يوسف، الذي سلم أخاه تميم قيادة الجيش بالأندلس ووكله محاربة النصارى وانتصر عليهم في معركة «اقليش» التي كبدهم فيها بخسائر كبيرة على رأسها مقتل قائدهم ابن ألفونس السادس وقادته. ثم أكمل علي بنفسه قيادة الجيش لإتمام الحروب ففتح ثمانية وعشرين حصناً إسبانيا، ثم أعاد الكرة عام 503 هـ وأعاد فتح عدة حصون أخرى عام 504 هـ منها أشبونة وهزم النصارى هزيمة منكرة عام 505 هـ وأسر عدداً كبيراً منهم، إلا أن النصارى استطاعوا عام 513 هـ احتلال مدينة سرقسطة وأن يدخلوا قلعة أيوب أهم القلاع في شرقي البلاد وأحصنها.

وفي عام 514 هـ وقعت فتنة بين أهالي قرطبة وجنود المرابطين لم تنته إلا بتدخل علي بن يوسف لمصالحة أهالي قرطبة.

ثم بدأت سيطرة المرابطين تضعف على بلاد الأندلس وخاصة بعد أن ظهر الموحدون في المغرب وراحوا يهاجمونهم ويستولوا منهم على مدن المغرب الأقصى الواحدة تلو الأخرى، هذا ما أدى إلى عدم اهتمامهم الكامل بما يحدث في الأندلس فعاد الخلاف من جديد بين ملوك الطوائف وازداد تفكك المسلمين. واستطاع النصارى أن يدخلوا شنترين وماجه وماردة وأشبونة عام 540 هـ إذ استغلوا ضعف المرابطين، وفي عام 541 هـ توجه وفد من أمراء الأندلس إلى أمير الموحدين عبد المؤمن بن علي يطلبون منه النصرة وكان وقتها يحاصر مدينة مراكش، فسيَّر معهم جيشاً وأسطولاً نحو أشبيلية فحاصرها ودخلها وكانت مع المرابطين، غير أن النصارى كان وضعهم يسير نحو الأفضل فدخلوا مدينة المرية عام 542 هـ ثم أخذوا عام 544 هـ كلاً من طرطوشة ولاردة، وفي العام التالي حاصر ملك طليطلة النصراني وهو «الأذفونس» قرطبة فبعث له عبد المؤمن بن علي جيشاً أجبره على الرحيل عنها.

ثم تحسن وضع الموحدين بالأندلس بعد الانتهاء من حروبهم بالمغرب وامتلاكهم لها من المرابطين ودولة بني حماد فانصرفوا إلى الأندلس فتمكن عبد المؤمن بن علي من استعادة مدينة المرية من النصارى عام 552 هـ بعد أن حكموها عشر سنوات.

وفي عام 558 هـ توفي عبد المؤمن بن علي وهو يستعد للجهاد في الأندلس وجاء بعده ابنه الأكبر محمد غير أن أخويه يوسف وعمر اتفقا على خلعه وتولية يوسف بن عبد المؤمن مكانه فعارض ذلك الأخوان الآخران وهما أبو عبد الله صاحب قرطبة وأبو محمد صاحب بجاية وبقيا على خلافهما مدة سنة ثم أعلنا الخضوع والطاعة. وقد سار يوسف ابن عبد المؤمن سيرة أبيه في الجهاد.


المراجع

alencyclopedia.com

التصانيف

المجتمع  حضارات   التاريخ