الدولة العثمانية عام(1223)هـ
محمود الثاني بن عبد الحميد الأول: ولي الأمر من سنة (1223 ـ1255) هـ.، كان سنه عند توليته (24) سنة. أسند الصدارة لمصطفى باشا البيرقدار وتذاكر رجال الشورى في أمر السلطان مصطفى فحكموا بإعدامه خنقا فخنق. ثم إن مصطفى باشا البيرقدار قبض على كل من اشترك في قتل السلطان سليم فأعدمهم. وشتت شمل حساده من المقاومين لسياسة الإصلاح وألف الوزارة من خيرة الرجال محبي التقدم.
ولما كان داء هذه الدولة مصدره فساد رجال جنديتها من الانكشارية عزم عزما أكيدا على إصلاح هذه الطائفة التي عليها مجد الدولة وبقاؤها، فجمع مجلساً حافلا دعا إليه جميع ذوي الرتب العالية والوجاهة وأخذ يشرح لهم ما آلت إليه حال جنود الدولة من حيث عدم النظام وما استتبع ذلك من توالي الهزائم عليها إزاء الجيوش الأوروبية التي أخذت بأكبر نصيب من النظامات الحديثة. ثم عرج من ذلك على ذكر ما يأتيه الضباط من الإتجار بمرتبات الجنود بالاتحاد مع صيارفة اليهود ثم ختم بيانه قائلاً: إن أوجب الواجبات على الأمة إن تتدارك كرامتها ووجودها بإدخال النظام الأوروبي إلى هيئة تلك الجنود وبإخضاعها إلى القوانين التي سنها لها سليم الثالث. فأجمع الحاضرون على صوابية هذا الرأي وأفتى بأصالته شيخ الإسلام.
فابتدأ مصطفى باشا بيرقدار بتنفيذ الإصلاحات المذكورة فكون طائفة من الجنود مدربة على النظامات الحديثة حتى إذا كانت الأمور سائرة هذا السير المحمود أصيب بداء الكبر والجبروت فكرهه رجال حزبه فانتهز الانكشارية هذه الفرصة فثاروا وكانت جيوشه الجديدة بعيدة عن الآستانة وتقصدوه بالقتل فاعتصم في احد البروج وأشعل البارود فيه بيده لكيلا يقع في يد أعدائه وقيل قد احترق في بيته بعمل الانكشارية ثم أن هؤلاء الجنود زاد تذمرهم حتى ذهبوا للقصر السلطاني فأشعلوا فيه النار فاضطر السلطان محمود لقبول طلباتهم من إلغاء كل جديد في هيئتهم إلى حين.
في سنة ولاية هذا السلطان أرسلت إنكلترا سفراء على أربع سفن حربية رست خارج مضيق الدردنيل لطلب الصلح فقبلته الدولة بشرط أن تخلي إنكلترا جميع الجهات التي احتلتها.
الحرب مع روسيا
رأت الدولة أن تستأنف الحرب مع روسيا فخرجت العمارة العثمانية لمصادرة السفن الروسية فلم تستطع أن تأتي بعمل لجهل قادتها ورجالها حتى قيل: إنه لم يكن بين ضباطها من يعرف القراءة والكتابة فضلاً عن العلوم الرياضية والفنون الحربية.
أما الجيوش البرية فكانت تحت قيادة الصدر الأعظم يوسف ضيا باشا فلم يقو على صد الروس فاستولوا على مدن سلسترة وإسماعيل وروسجق ونيكوبول وبزارجق وهزارغراد فصدر أمر السلطان بعزل هذا الصدر وتعيين لاز أحمد باشا بدله فرأس الجيش وهزم الروس في روسجق.
وفي هذه الأثناء أرادت فرنسا أن تتدخل في إيجاد الصلح بين الدولتين فأبى السلطان محمود واستمرت جيوشه تقاتل وتهزم في أكثر الوقائع لفساد حال الجندية حتى تدارك اللّه الأمر بنشوب حرب بين نابليون وروسيا فاضطرت هذه الأخيرة للإسراع في طلب الصلح مع تركيا فعقد وكانت معاهدته في مصلحة تركيا إذ بقيت الأفلاق والبغدان تابعتين لها وكذلك بلاد الصرب مع بعض امتيازات.
بعد هذه الارتباكات أخذ هذا السلطان الكبير في إصلاح حال الدولة وقطع ذرائع الفساد من جسمها فأطال الروية في كيفية إبادة سلطات الأمراء أصحاب الإقطاعات وهم المسمون بالدرة بكلر فقتل منهم عدة ولكن كان في جنوب الرومللي رجل من رجال الدولة القدماء يدعى تبه دلنلي علي باشا وكان له هناك إقطاعات واسعة وجيش مؤلف من عشرة آلاف جندي وكان نفوذه قد زاد وصولته خيفت حتى حدثت نفسه بالتمرد على الدولة ومال للاستقلال بأيالة يانية ومورة وترحالة وأبيرس والجزر السبع وكاتب نابليون ليعينه على أمانيه فيكون هو له نصيراً.
فأرسلت إليه الدولة خورشيد باشا لتأديبه فقاتله حتى حصره في يانية فطلب التسليم وحضر بنفسه لخيمة القائد التركي فأظهر له الأمر القاضي بقتله وأمر بالقبض عليه وقتله فلما علم رجاله بهذا ثاروا وأثاروا أهل يانية وغيرها وانتهز اليونان هذه الفرصة فثاروا طالبين لاستقلالهم أيضا واضطر مسلمو هذه البلاد للالتجاء إلى القلاع وكانت الدول تمد الثائرين من كل جهة بالمال والسلاح فأرسلت الجيوش لردعهم فلم تقو عليهم فازدادوا جرأة وإقداماً وحاصروا القلاع وفتحوها ونهبوا ما فيها من السلاح والذخائر وأعملوا السيف في المسلمين فلم يدعو شيخا ولا امرأة ولا طفلا إلا قتلوه بطريقة وحشية ووالت الدولة إرسال الجنود والقواد فلم يقووا على رد عادية هذه الثورة لفساد نظام الجيش من جهة ولتمرد رجاله من جهة أخرى فلم تغن شجاعتهم شيئا وسقطت مدينة أثينا في يد الثائرين فأصدر السلطان أمره إلى محمد علي باشا والي مصر وكان اشتهر بإطفاء ثورة اليونان فأرسل ابنه إبراهيم باشا سنة (1239) هـ إلى ميدان القتال بجيوشه وأساطيله فاسترد قلعتي مدون ونافارين بجنوب موره وأنزل الجنود المصرية في فرضتين قورون وقلاماطة ومن هناك نزل إلى موره ففتحها وقمع ثورتها في عدة أسابيع ثم سار منها إلى مدينة بالية بادره والتحق بالسر عسكر رشيد محمد باشا الذي كان بدد شمل الثائرين في ترحاله وحاصر لميسولونكي.
ثم ذهب القبودان خسرو باشا بالأسطول التركي واستولى على جزيرتي إبسارة وسيسام وعاد لحصار ميسولونكي بحراً ففتحها فخمدت فتنة موره تماما.
المراجع
alencyclopedia.com
التصانيف
المجتمع حضارات التاريخ الدولة العثمانية