- لا ينسى المصريون الساعة السابعة من صباح يوم الثلاثاء 11 من يوليو عام 1882
م، فهي أشد ساعات الحزن في حياتهم . إنها الساعة التي اعطى الأميرال فيها إشارة
الضرب ، فأطلق الإسطول الانجليزي أول قنبلة على القلاع المصرية في مدينة
الإسكندرية .
- وكان كذلك إيذانًا ببدء الاحتلال الانجليزي البغيض الذي جثم على صدر مصر
أربعة وسبعين عامًا .
- أربعة وسبعين عامًا من الظلم والقهر والاستغلال .
- ومن الجرائم البشعة التي ارتكبها الاستعمار الانجليزي في مصر ما يسمى بحادثة
دنشواي .
- فلنعد دقائق مع دنشواي ... وجريمة دنشواي .
- ودنشواي قرية مصرية من قرى مركز "تلا" بمحافظة المنوفية . وكان من عادة
فلاحي القرية – شأنهم شأن الفلاحين بقرى مصر كلها – أنهم في موسم حصاد القمح
يجمعون القمح في ساعات واسعة تسمى "الأجران" ، وذلك لدرس القمح ، أي فصل الحب
عن قشره "وهو يسمى التبن" .
- وفي يوم الأربعاء 13 من يونية 1906م شاء الحظ العاثر للقرية أن يقوم 5 من
الضباط الانجليز من أحد معسكراتهم وقصدوا بلدة دنشواي لصيد الحمام .
- وبسبب البارود المتطاير اشتعلت النار في أحد أجران القمح ، وأصابت رصاصة
طائشة إحدى النساء ، فثارت ثائرة الأهالي، وطاردوا الضباط الانجليز.
- أخذ الضباط الذين ولوا هاربين يطلقون النار على الأهالي بصورة عشوائية ،
فاصابوا مصريًا آخر هو شيخ الخفر الذي جاء ليخفف من ثائرة الأهالي .
- وكان الطقس حارًا قائضًا ، فمات أحد الضباط الخمسة بضربة شمس دون أن يصيبه
الأهالي بخدش واحد ، وهذا ما أثبته الأطباء الانجليز أنفسهم .
- وهاج اللورد كرومر عميد الدولة البريطانية في مصر ، وقبض على عدد كبير من
الفلاحين الأبرياء ، وشكلت محكمة مخصوصة لمحاكمتهم .
وشكلت المحكمة برياسة بطرس غالي وزير الحقانية ، وعضوية انجليزيين ، ومعهم
فتحي زغلول رئيس محكمة مصر الابتدائية ، أما المدعي العام فكان إبراهيم
الهلباوي بك المحامي المعروف .
- وكان في المحاكمة مأساة ملهاة، أو ملهاة في مأساة .
- نعم كانت من أغرب محاكمات التاريخ كله .
- فقد نصبت المشانق ، وأعدت في دنشواي قبل أن تعقد المحكمة أولى جلساتها ، مما
يقطع بأن الأحكام قد أعدت مسبقًا.
- وصدر الحكم بإعدام أربعة هم :
يوسف حسن سليم، السيد عيسى سالم، محمد درويش زهران، حسن علي محفوظ.
- والأخير فلاح شيخ كان في الخامسة والسبعين من عمره.
- كما حكم بالسجن والأشغال الشاقة على عدد كبير من الفلاحين وبالجلد كذلك.
- وكان طريقة تنفيذ الحكم في ذاتها مأساة : فقد نفذ جلد المتهمين وشنقهم أمام
أهليهم وأطفالهم .
- وارتفعت أصوات الأحرار في مصر وفي فرنسا وفي بريطانيا نفسها مثل: "برناردشو"
تندد بهذه الجريمة البشعة .
- وارتفعت عقيرة الشعر بالاحتجاج ، وتصوير المأساة ، وتهييج الضمائر والمشاعر
.
- ومن الشعراء الذين ساهموا بأكثر من قصيدة في تصوير هذه الجريمة حافظ إبراهيم
شاعر النيل.
- وما قدمته يمثل الخطوط العريضة للقصة الدامية التي أملت على حافظ إبراهيم
قصيدته .
فلنعش مع القصيدة نفسها بعد أن عشنا الخطوط الرئيسية من قصتها:
حادثة دنشواي لحافظ إبراهيم
(نشرت في 2/7/1906م)
أيـهـا الـقـائـمـون بـالأمر iiفينا
خـفـضـوا جـيـشكم وناموا iiهنيئًا
وإذا أعــوزتــكــم ذات iiطـوق
إنـمـا نـحـن والـحـمـام سـواء
* - ii*
لـيـت شـعري أتلك محكمة iiالتفــ
كـيـف يـحـلـو من القوي iiالتشفي
أكـرمـونـا بـأرضـنـا حيث iiكنتم
أمـة الـنـيـل أكـبـرت أن iiتعادِي
لــيــس فـيـهـا إلا كـلام وإلا
* - ii*
أيـهـا الـمـدعـي الـعمومي iiمهلاً
قـد ضـمـنـا لـك الـقضاء بمصر
فـإذا مـا جـلـسـت لـلحكم فاذكر
* - ii*
لا جرى النيل في نواحيك يا مصـــ
أنـت أنـبـت ذلك النبت يا مصــ
أنـت أنـبـت نـاعقًا قام iiبالأمـــ
* - ii*
إيـه يـا مـدرة الـقـضـاء ويا iiمن
أنـت جـلالـدنـا فـلا تـنـس iiأن
|
|
هـل نـسـيـتـم ولاءنـا iiوالـودادا
وابـتـغـوا صـيدكم وجوبوا iiالبلادا
بـيـن تـلـك الـربا فصيدوا iiالعبادا
لـم تـغـادر أطـواقـنـا iiالأجـيادا
* ii* تـيـش عـادت أم عهد نيرون iiعادا؟
مـن ضـعـيـف ألـقى إليه iiالقيادا؟
إنـمـا يـكـرم الـجـواد iiالـجوادا
مـن رمـاهـا وأشـفـقت أن iiتعادى
حـسـرة بـعـد حـسـرة iiتـتهادى
* ii* بـعـض هـذا فـقـد بـلغت المرادا
وضـمـنـا لـنـجـلـك iiالإسـعادا
عـهـد مـصـر فـقد شفيت iiالفؤادا
* ii* ـر ، ولا جـادك الـحـيا حيث iiجادا
ـر فـأضـحـى عـليكم شوكًا iiقتادا
ـس فـأدمـى الـقـلـوب والأكبادا
* ii* سـاد فـي غـفـلـة الـزمان iiوشادا
قـد لـبـسـنـا عـلى يديك iiالحدادا |
ديوان حافظ إبراهيم (2/20)