السلاجقة يعودون في أصلهم إلى الغز من الترك، ويدينون بالإسلام ويأخذون برأي أهل السنة والجماعة، ويرجع أول أمرهم إلى سلجوق بن تقاق الذي هرب من بلاد الترك خوفاً على نفسه من سلطان الترك، ولما دخل سلجوق بلاد المسلمين اعتنق الإسلام مع جماعته وبدأ يغير على بلادالترك الذين كانوا لا يزالون على الكفر.
استعان السامانيون بسلجوق في رد غارات الترك على بلادهم، فكان يوجه إليهم قوة عسكرية بإمرة ابنه أرسلان الذي استطاع أن يسترد من الترك ما أخذه من بلاد السامانيين، توفي سلجوق ومن بعده ابنه ميكائيل، وكان لميكائيل هذا ولدان برزا من بعده هما: طغرل بك محمد وداوود جعفر بك.
ودانت لهما جماعتهما بالطاعة والولاء، وسكنوا قرب بخارى ووقع الخلاف مع ملك التركستان ونشبت بينهم الحروب، ثم انضموا إلى الدولة السامانية التي كانت على آخر عهدها.
وكانت تبرز قوة جديدة هي قوة الغزنويين، وقد اصطدموا معهم، ثم تصالحوا. وفي عام 395 هـ زالت الدولة السامانية فدخل الغزنويون خراسان، ورجع الخلاف مع السلاجقة وتمكن طغرل بك أن يستولي على مرو عام 429 هـ ثم نيسابور وجرجان وطبرستان، ثم ضم كرمان وبلاد الديلم وخوارزم وانتقل الصراع إلى البويهيين، ثم تم الاتفاق معهم وتزوج طغرل بك ابنة أبي كليجار البويهي كما تزوج أبو منصور بن أبي كاليجار ابنة داوود شقيق طغرل بك ثم قاتل السلاجقة الروم وهزموهم وعقدوا هدنة معهم اشترطوا فيها بناء مسجد في القسطنطينية فأقيم واتسعت رقعة سيطرة السلاجقة وقد اتفقوا جميعاً تحت إمرة طغرل بك الذي ذاع صيته وذكر اسمه في خطب الجمعة وعلا شأنه عند الخليفة العباسي القائم بأمر الله فدخل بغداد عام 447 هـ فطلب الخليفة العباسي من السلطان البويهي الملك الرحيم أن يتبع ويخضع لطغرل بك وبذا انتهى عصر السيطرة البويهية وجاء عصر سيطرة السلاجقة.
واضطر طغرل بك للخروج من بغداد لقتال أخيه لأمة إبراهيم نيال الذي تمرد عليه إذ أن البساسيري (قائد جندالبويهيين) قد أوقع بينهما كي يصفى له الجو في بغداد، كما انشغل داوود بقتال الغزنويين فاستغل البساسيري ذلك ودخل بغداد عام 450 هـ هـ. ونفى الخليفة إلى الحديثة وخطب في بغداد للمستنصر العبيدي غير أن ذلك لم يبق سوى عام واحد، فقد تمكن طغرل بك من أخيه وعاد إلى بغداد وقتل البساسيري وأحضر الخليفة القائم بأمر الله العباسي من الحديثة وأعاده إلى بغداد وذلك عام 451 هـ.
وكان الخليفة قد تزوج خديجة بنت داوود، ثم خطب طغرل بك ابنة الخليفة عام 454 هـ. وتزوجها إلا أنه توفي في العام التالي 455 هـ.
وكان طغرل بك قد أوصى من بعده لابن أخيه سليمان بن داوود من بعده إلا أن أخاه ألب أرسلان بن داوود قد انتصر عليه وتسلم السلطة، وقد استطاع ألب أرسلان أن يتابع مسيرة عمه طغرل بك، فبقيت كلمة السلاجقة واحدة وتحت إمرة رجل واحد كما استطاع هذا القائد الوقوف بوجه الجيش الرومي الضخم الذي زاد على مائتي ألف فارس بقيادة أرمانوس مقابل عشرين ألف مقاتل مسلم بقيادة ألب أرسلان، واستطاع المسلمون بإذن الله إلحاق أكبر هزيمة للروم وأعوانهم من كافة أوروبا في ذلك الوقت وأسر قائد الجيش الرومي أرمانوس مع جماعة من أمراءه وعساكره وقد سميت تلك المعركة «ملاذكرت» عام 463 هـ.
كما تمكن احد قادة ملكشاه بن ألب أرسلان في هذا العام أيضاً من تحرير بيت المقدس والرملة وإنقاذها من أيدي العبيديين.
ثم تقدم السلاجقة في بلاد الأناضول فقامت هناك عدة إمارات سلجوقية أبرزها الإمارة التي أسسها سليمان بن قطلمش ابن أرسلان بن سلجوق وعرفوا فيها باسم سلاجقة الروم وكانت عاصمتها قونية وأعقبها قيام إمارات أخرى.
وقد توسع ملك السلاجقة أيام ملكشاه كثيراً إذ ضم إليه دمشق عام 468 هـ وانتهت بدعة «حي على خير العمل» وسار صاحب دمشق اتسز بن أوف الخوارزمي بملاحقة العبيديين لحدود مصر، كما ضم السلاجقة حمص وحلب، وبعد هذا دخل ملكشاه بغداد مع وزيره «نظام الملك» وذلك عام 480 هـ. حينها تزوج الخليفة بابنة ملكشاه.
ثم ضم السلاجقة إلى أملاكهم بخارى وسمرقند وبلاد ما وراء النهر كلها عام 482 هـ ، ثم زار بغداد للمرة الثانية عام 484 هـ.
كما عمل السلاجقة على استرداد مواقعهم من الروم فحرروا منبج عام 468 هـ كما استرد سليمان بن قطلمش من الروم أنطاكية عام 477 هـ.
ثم عاد ملكشاه إلى بغداد ولكنه كان يضمر شراً للخليفة المقتدي بالله، وفعلاً فقد طلب منه أن يخرج من بغداد لأي مكان آخر ولم يعطِ الخليفة المقتدي أي فرصة للانتظار وما إن انتهت المهلة حتى مات ملكشاه وذلك عام 485 هـ ، وكان له عدداً من الأولاد أكبرهم بركيارق واستطاعت زوجة ملكشاه «تركان خاتون» بمساعدة الوزير تاج الملك تولية ابنها الصغير محمود في بغداد، وكان بركياق في أصبهان، ووقع الخلاف بين الأخين وهزم جيش محمود وقتل الوزير تاج الملك واتجه بركيارق إلى بغداد ونودي به سلطاناً عام 487 هـ. عقب تسلم الخليفة العباسي المستظهر بالله زمام الحكم.
وكان عمه تتش تاج الدولة صاحب دمشق قد طمع بالسلطنة فسار بالجيش نحو بغداد. ووجد آق سنقر نفسه مضطراً للمسير مع تتش لأنه أقوى منه واتجهوا إلى أذربيجان لملاقاة بركيارق فضعف جيش تتش وانسحب إلى بلاد الشام.
أمر بركيارق قائده الجديد آق سنقر بالتوجه إلى حلب للتضييق على تتش وأمده بقوة كبيرة والتقيا على مقربة من حلب وهُزم آق سنقر وقتل. وسار تتش بعد ذلك لقتال ابن أخيه بركيارق في الري غير أنه هُزم وقتل مع ابنه دقاق.
وكان مؤيد الملك ابن نظام الملك وزيراً لبركيارق غير أنه لم يلبث أن عزله وعين مكانه أخاه عز الملك الشاعر الطغرائي فأصبح مؤيد الملك عدواً لبركيارق واستطاع أن يؤثر على الخليفة ويعطي السلطنة إلى محمد الأخ الأصغر لبركيارق، فنشبت الحرب بين الأخين وامتدت خمس سنوات يتصالحان ثم يختلفان.
في عام 498 هـ توفي بركيارق وخلفه ابنه ملكشاه غير أنه كان صغيراً فلم يتم له الأمر حتى عزل وخلا الجو لمحمد وبقي في السلطنة حتى عام 511 هـ ومن أهم الأحداث التي وقعت في عهده أنه وقف بوجه أياز الذي حاول استلام السلطنة، كما حارب صدقة بن فريد صاحب البصرة وواسط الذي انضم إلى ابن أياز، وقد انتصر على السلاجقة إلا أنه هزم فيما بعد وقتل عام 501 هـ.
وكما أن السلطان محمد حارب الباطنيين أيضاً فقد كثروا وازداد عددهم عام 492 هـ مستغلين الخلاف الناشىء بين بركيارق وأخيه محمد، فلما صفا الجو لمحمد شن عليهم حرباً شعواء واستطاع عام 500 هـ أن يدخل قلعة أصبهان.
ولعل أهم حدث مر على السلاجقة في هذه المرحلة هو الغز والصليبي في حملته الأولى الذي بدأ عام 489 هـ مستغلاً الحروب التي نشأت بين بركيارق وأخوه محمد فاستطاعوا دخول بلاد الشام واحتلال مدنه واحدة تلو الأخرى، ثم دخلوا بيت المقدس بعد أن انتصروا على جيش السلاجقة الذي كان بقيادة كربوقا صاحب الموصل ودقاق صاحب دمشق وجناح الدولة صاحب حمص وذلك عام 492 هـ.
وكان الصليبيون أثناء دخولهم المدن الإسلامية يرتكبون أفظع المجازر وأبشعها بحق الشعب كبيره وصغيره نساءه ورجاله إضافة إلى السرقات والنهب.
وقد لاقى الاجتياح الصليبي الترحيب من بعض النصارى العرب والأرمن في المدن الإسلامية فكانوا يساندوهم في الحروب وشكلوا لهم عيوناً على المسلمين لمراقبة تحركاتهم.
وعندما وصل الخليفة المسترشد بالله إلى الخلافة كان محمود بن محمد ملكشاه قد ورث أباه في السلطة وكان عمره أربع عشرة سنة، وقد واجه العديد من المشاكل مع أخيه طغرل وكذلك مع عمه سنجر الذي كان يعد شيخ آل سلجوق في ذلك الوقت وقد تمكن سنجر من هزيمة ابن أخيه إلا أنه صالحه فيما بعد ثم عادت الخلافات أيضاً بين السلطان محمود والخليفة فنزل السلطان محمود إلى بغداد بالقوة فاضطر الخليفة إلى الخروج منها، إلا أن السلطان محمود استعطفه واسترضاه وأعاده إلى بغداد وفي عام 525 هـ توفي محمود وخلفه ابنه داوود الذي كان حسن السيرة بالناس حليماً لا يحب العقاب، وقد قام السلطان داوود بأمر مهم على عهد الخليفة المسترشد ألا وهو محاربة الباطنية ودخوله قلعة ألموت في فارس وقلعة بانياس في بلاد الشام، وهذا ما جعل الباطنيين يفكرون بالتخلص من الخليفة المسترشد الذي شن عليهم حملات عدة.
ثم اختلف مسعود مع ابن أخيه السلطان ونازعه على السلطنة ثم تصالحا، ثم اتفق سنجر مع طغرل بن محمد على مسعود وحاربه في نهاوند وانتصر عليه، ثم اختلف طغرل مع السلطان داوود وقد انتصر داوود الذي عاد واصطدم مع أخيه مسعود فانتصر مسعود وسار إلى بغداد يضمر الشر للخليفة فخرج الخليفة بجيشه لمواجهته ففر كثير من عسكر الخليفة المسترشد فأُسر الخليفة وسجن في همدان، وقد حزن أهل بغداد على الخليفة كثيراً وقاموا بالعديد من الأعمال التي أخافت سنجرعم مسعود فأمره بأن يعيد الخليفة إلى مكانه وعرشه ويقبل الأرض بين يديه ويسعى لخدمته خوفاً من الله تعالى وحرصاً على المسلمين، فاستجاب مسعود لدعوة عمه سنجر فأرسل الخليفة مع عدد من جنده كي يعيدوه إلى بغداد إلا أن عدداً من أصحاب الباطنية كانوا قد اندسوا بين أفراد هذه الفرقة سراً، واستطاعوا أن يتسللوا ليلاً إلى خيمة الخليفة وأصحابه ويقتلونهم، فلما شعر بهم العسكر ألقوا القبض عليهم، ثم قتلوهم. وكان ذلك عام 529 هـ.
وبقيت العلاقة على توترها بين الخليفة الراشد بن المسترشد عام 530 هـ وبين السلطان مسعود بعد مقتل والده، وكان من نتيجة هذا التوتر أن أهان الخليفة رسول السلطان مسعود مما دعاه بالمسير إلى بغداد ما اضطر الخليفة الراشد على الخروج من بغداد، فقام مسعود بخلع الخليفة وبايع عمه المقتفي وذلك بعد عام واحد فقط على خلافة الراشد.
بدأت المعارك في خراسان بين سنجر وملك خوارزم (اتسز) عام 533 هـ الذي ثار على سنجر، وقد انتصر سنجر، غير أن اتسز قدعاد إلى إمرته ورجع لقتال سنجر إلا أنه هزم وقتل ابنه في المعركة واستولى سنجر على خوارزم وملكها لابن أخيه غياث الدين.
ولما عاد سنجر إلى مرو، عاد اتسز واسترد خارزم. وفي عام 538 هـ حاول السلطان مسعود أخذ الموصل من زنكي لكنه أخفق في ذلك وتصالحا.
وفي عام 547 هـ مات مسعود وقام بعده ابن أخيه ملكشاه بن محمود. لذلك جرت معارك بين سنجر والغوريين بقيادة علاء الدين الحسين بن الحسين وانتصر سنجر وأسر علاء الدين، لكنه هُزم فيما بعد ضد الغز الأتراك الذين دخلوا طوس ونيسابور وأخذ أسيراً وبقي في الأسر من عام 548 هـ حتى عام 551 هـ حيث أطلق سراحه.
ولقد انصرف ملكشاه إلى اللهو فقام أخوه محمد بن محمود بدلاً عنه لكنه توفي عام 554 هـ فاستلم السلطنة ابن عمه أرسلان بن أرطغول ثم تولى بعده ابنه طغرل الثاني غير أنه كان ضعيفاً، وأصبحت منطقة نفوذه ضيقة، بالمقابل كانت رقعة الدولة الخوارزمية تتسع، واستطاع علاء الدين تُكُش أخيراً أن يستولي على البلاد التي كان يسيطر عليها السلاجقة وأن يقتل طغرل الثاني عام 590 هـ وينهي دولة السلاجقة.
المراجع
al-hakawati.net
التصانيف
دويلات وامارات التاريخ