كان أهله شعراء وشعره دونهم: قد مر نسبه ونسب أبيه وأهله وأخبارهم متقدماً. وكان مروان هذا آخر من بقي منهم يعد في الشعراء، وبقي بعده منهم متوج. وكان ساقطاً بارد الشعر. فذكر لي عن أبي هفان أنه قال: شعر آل أبي حفصة بمنزلة الماء الحار. ابتداؤه في نهاية الحرارة ثم تلين حرارته، ثم يفتر ثم يبرد، وكذا كانت أشعارهم، إلا أن ذلك الماء لما انتهى إلى متوج جمد.

وهذ الشعر يقوله مروان في المنتصر، وكان قد أقصاه وجفاه، وأظهر خلافاً لأبيه في سائر مذاهبه حتى في التشيع، فطرد مروان لنصبه، وأخرجه عن جلسائه. فقال هذه الأبيات وسأل بنان بن عمرو فغنى فيها المنتصر ليستعطفه. وخبره في ذلك يذكر في هذا الموضع من الكتاب .

مدح المتوكل وولاة عهده فأكرمه وأقطعه ضيعة: أخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبي قالا حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني حماد بن أحمد بن سليمان الكلبي قال حدثني أبو السمط مروان الأصغر قال: لما دخلت إلى المتوكل مدحته ومدحت ولاة العهود الثلاثة، وأنشدته :

سقى الله نجداً والسلام على نجـد

 

ويا حبذا نجد على النأي والبـعـد

نظرت إلى نجدٍ وبغـداد دونـهـا

 

لعلي أرى نجداً وهيهات من نجد

ونجد بها قوم هـواهـم زيارتـي

 

ولا شيء أحلى من زيارتهم عندي

قال: فلما فرغت منها أمر لي بمائة وعشرين ألف درهم وخمسين ثوباً وثلاثةٍ من الظهر فرسٍ وبغلةٍ وحمارٍ، ولم أبرح ختى قلت قصيدتي التي أشكره فيها وأقول:

تخير رب الناس للناس جعفراً

 

وملكه أمر العباد تـخـيرا

فلما صرت إلى هذا البيت:

فأمسك ندى كفيك عني ولا تزد

 

فقد كدت أن أطغى وأن أتجبرا

قال لي لا والله لا أمسك حتى أغرقك بجودي . وحدثني عمر بهذا الخبر قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثني حماد بن أحمد بن يحي قال حدثني مروان بن أبي الجنوب، فذكر مثل هذا الخبر سواءً، وقال بعد قوله: لا والله لا أمسك حتى أغرقك، سلني حاجتك. فقلت: يا أمير المؤمنين، الضيعة التي أمرت أن أقطعها باليمامة ذكر ابن المدبر أنها وقف المعتصم على ولده فقال: قد قبلتك إياها مائة سنةٍ بمائة درهم. فقلت: لا يحسن أن تضمن ضيعة بدرهمٍ في السنة. فقال ابن المدبر فبألف درهم كل سنة. فقلت نعم. فأمر ابن المدبر أن ينفد ذلك لي، وقال: ليست هذه حاجةً، هذه قبالة، فسلني حاجتك. فقلت: ضيعة يقال لها السيوح أمر الواثق بإقطاعي إياها، فمنعنيها ابن الزيات؛ فأمر بامضاء الإقطاع لي .

كان علي بن الجهم يطعن عليه حسداً له على موضعه من المتوكل، فهجاه هو في حضرة المتوكل وغلبه: حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحي المنجم قال: كان علي بن الجهم يطعن على مروان بن أبي الجنوب ويثلبه حسداً له على موضعه من المتوكل. فقال له المتوكل يوماً : يا علي، أيما أشعر أنت أو مروان؟ فقال: أنا يا أمير المؤمنين. فأقبل على مروان فقال له: قد سمعت فما عندك؟ قال: كل أحدٍ أشعر مني يا أمير المؤمنين، وما أصف نفسي ولا أزكيها. وإذا رضيني أمير المؤمنين فما أبالي من زيفني. فقال له: قد صدقتك، علي يزعم سراً وجهراً أنه أشعر منك. فالتفت إليه مروان فقال له: يا علي! أأنت أشعر مني؟ فقال: أوتشك في ذاك؟ قال: نعم! أشك وأشك وهذا أمير المؤمنين بيننا. فقال له علي: إن أمير المؤمنين يحابيك. فقال المتوكل: هذا عي منك يا علي؛ ثم قال لابن حمدون: احكم بينهما. فقال: طرحتني والله يا أمير المؤمنين بين أنياب ومخالب أسدين. قال: والله لتحكمن بينهما. فقال له: أما إذ حلفت يا أمير المؤمنين فأشعرهما عندي أعرفهما في الشعر. قفال له المتوكل: قد سمعت يا علي. قال: قد عرف ميلك إليه فمال معه. فقال: دعنا منك، هذا كله عي، فإن كنت صادقاً فاهج مروان. قال: قد سكرت ولا فضل فيّ. فقال المتوكل لمروان: اهجه أنت، وبحياتي لا تبق غايةً. فقال مروان :

إن ابن جهمٍ في المغيب يعيبني

 

ويقول لي حسناً إذا لاقانـي

صغرت مهابته وعظم بطنـه

 

فكأنما في بطـنـه ولـدان

ويح ابن جهمٍ ليس يرحم أمـه

 

لو كان يرحمها لما عادانـي

فإذا التقينا ناك شعري شعـره

 

ونزا على شيطانه شيطانـي

قال: فضحك المتوكل والجلساء منه، وانخزل ابن الجهم، فلم يكن عنده أكثر من أن قال: جمع حيلة الرجال وحيلة النساء. فقال له المتوكل: هذا أيضاً من عيك وبردك، إن كان عندك شيء فهاته؛ فلم يأت بشيء. فقال لمروان: بحياتي إن حضرك شيء فهاته، ولا تقصر في شتمك. فقال مروان:

لعمرك ما الجهم بن بدرٍ بشاعرٍ

 

وهذا علي بعده يدعي الشعـرا

ولكن أبي قد كان جـاراً لأمـه

 

فلم ادعى الأشعار أوهمني أمرا

قال: فضحك المتوكل وقال: زده بحياتي. فقال فيه:

يابن بدرٍ يا علـيه

 

قلت إني قرشيه

قلت ما ليس بحقٍ

 

فاسكتي يا نبطيه

اسكتي يا بنت جهمٍ

 

اسكتي يا حلقـيه

فاخذ عبادة هذه الأبيات فغناها على الطبل وجاوبه من كان يغني، والمتوكل يضحك ويضرب بيديه ورجليه، وعلي مطرق كأنه ميت، ثم قال: علي بالدواة فأتي بها، فكتب:

بلاء لـيس يشـبـهـه بـلاء

 

عداوة غير ذي حـسـبٍ ودين

يبيحك منه عرضاً لم يصـنـه

 

ويرتع منك في عرضٍ مصون

قال علي بن الجهم شعراً في حبسه، فعارضه فلم يطلقوه: أخبرني علي بن العباس بن أبي طلحة قال حدثني جعفر بن هارون بن زياد قال حدثني محمد ابن السري قال: لما مدح علي بن الجهم وهو محبوس المتوكل بقوله:

توكلنا على رب السماء

 

وسلمنا لأسباب القضاء

وذكر فيها جميع الندماء وسبعهم وهجاهم، انتدب له مروان بن أبي الجنوب فعارضه فيها، وقد كان المتوكل رق له، فلما أنشده مروان هذه القصيدة اعتورته ألسنة الجلساء فثلبوه واغتابوه وضربوا عليه، فتركه في محبسه. والقصيدة :

ألم تعلم بأنك يابن جهمٍ

 

دعي في أناسٍ أدعياء

أعبد الله تهجو وابن عـمـرٍ

 

وبختيشوع أصحاب الوفـاء

هجوت الأكرمين وأنت كلب

 

حقيق بالشتيمة والهـجـاء

أترمي بالزناء بنـي حـلالٍ

 

وأنت زنـيم أولاد الـزنـاء

أسامة من جدودك يا بن جهمٍ!

 

كذبت وما بذلك من خفـاء

قال في المعتصم شعراً بعدما كان من أمر العباس بن المأمون وعجيف: أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا الحسين بن يحيى قال حدثني إبراهيم بن الحسن قال: لما كان من أمر العباس بن المأمون وعجيف ما كان، أنشد مروان بن أبي الجنوب المعتصم قصيدة أولها :

ألا يا دولة المعصوم دومي

 

فإنك قلت للدنيا استقيمـي

فلما بلغ إلى قوله:

هوى العباس حين أراد غدراً

 

فوافى إذ هوى قعر الجحـيم

كذاك هوى كمهواء عجـيف

 

فأصبح في سواء لظى الحميم

قال المعتصم: أبعده الله ! مدح أشناس فطرب له وأجازه من غير أن يفهمه: حدثني جعفر بن قدامة قال حدثنا أبو العيناء قال: دخل مروان الأصغر بن أبي الجنوب على أشناس وقد مدحه بقصيدة فأنشده إياها، فجعل أشناس يحرك رأسه ويومئ بيديه ويظهر طرباً وسروراً، وأمر له بصلةٍ. فلما خرج قال له كاتبه: رأيت الأمير قد طرب وحرك رأسه ويديه لما كان يسمعه، فقد فهمه ؟ قال نعم. قال: فأي شيء كان يقول. قال: ما زال يقول علي رقية الخبز حتى حصل ما أراد وانصرف .

هجا علي بن يحيى المنجم فرد عليه: حدثني جعفر بن قدامة قال حدثني علي بن يحيى المنجم قال: كان المتوكل يعابثني كثيراً، فقال في يومٍ من الأيام لمروان بن أبي جنوب: اهج علي بن يحيى؛ فقال مروان:

ألا إن يحـيى لا يقـاس إلـى أبـــي

 

وعرض ابن يحيى لا يقاس إلى عرضي

وهي أبيات ذكرها صيانةً لعلي بن يحيى. قال: فأجبته عنها فقلت:

صدقت لعمري مـا يقـاس إلـى أبـي

 

أبوك، ومن قاس الشواهق بالخـفـض

وهل لك عرض طاهـر فـتـقـيسـه

 

إذا قيست الأعراض يوماً إلى عرضي

ألستم مـوالـي لـلـعـين ورهـطـه

 

أعادي بني العباس ذي الحسب المحض

توالون من عادى النـبـي ورهـطـه

 

فترمون من والى أولي الفضل بالرفض

وليس عجيباً أن أرى لك مـبـغـضـاً

 

لأنك أهل لـلـعـداوة والـبـغـض

نقد أبو العنبس الصيمري شعراً له فتهاجرا: حدثني جحظة قال حدثني علي بن يحيى قال: أنشد مروان بن أبي جنوب المتوكل ذات يومٍ:

إني نزلت بساحة الـمـتـوكـل

 

ونزلت في أقصى ديار الموصل

فقال له بعض من حضر: فكيف الاتصال بين هؤلاء والمراسلة؟ فقال أبو العنبس الصيمري: كان له حمام هدى يبعث بها إليه من الموصل حتى يكاتبه على أجنحتها. فضحك المتوكل حتى استلقى، وخجل مروان وحلف بالطلاق لا يكلم أبا العنبس أبداً، فماتا متهاجرين. كذا أكبر حفظي أن جحظة حدثني به عن علي بن يحيى؛ فإني كتبته عن حفظي.

أنشد المتوكل في مرضه بالحمى قصيدة، فقال علي بن الجهم أن بعضها منتحل: أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثني إبراهيم بن المدبر قال قرأت في كتاب قديم: قال عوف بن محلم لعبد الله بن طاهر في علةٍ اعتلها:

فإن تك حمى الربع شفك وردهـا

 

فعقباك منها أن يطول لك العمـر

وقيناك لو نعطى المنى فيك والهوى

 

لكان بنا الشكوى وكان لك الأجـر

قال: ثم حم المتوكل حمى الربع، فدخل عليه مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن أبي حفصة، فأنشده قصيدةً له على هذا الروي، وأدخل البيتين فيها، فسر بها المتوكل. فقال له علي بن الجهم: يا أمير المؤمنين، هذا شعر مقول، والتفت إلي وقال: هذا يعلم. فالتفت إلي المتوكل وقال : أتعرفه؟ فقلت: ما سمعته قبل اليوم، فشتم علي بن الجهم وقال له: هذا من حسدك وشرك وكذبك. فلما خرجنا قال علي بن الجهم: ويحك! مالك قد جننت! أما تعرف هذا الشعر؟ قلت: بلى! وأنشدته إياه. فلما عدت إلى المتوكل من غدٍ قال له: يا أمير المؤمنين، قد اعترف لي بالشعر وأنشدنيه. فقال لي: أكذاك هو؟ فقلت: كذب يا أمير المؤمنين ! ما سمعت به قط فازداد عليه غيظاً وله شتماً. فلما خرجنا قال لي: ما في الأرض شر منك. فقلت له: أنت أحمق، تريد مني أن أجيء إلى شعرٍ قد قاله فيه شاعر يحبه ويعجبه شعره فأقول له: إني أعرفه فأوقع نفسي وعرضي في لسان الشاعر لترتفع أنت عنده، ويسقط ذاك ويبغضني أنا !.
صوت:

ما لإبراهيم في العل

 

م بهذا الشأن ثـان

إنما عمر أبـي إس

 

حاق زين للزمـان

فإذا غنى أبو إسحـا

 

ق أجابته المثانـي

منه يجنى ثمر اللـه

 

و وريحان الجنـان

جنة الدنيا أبـو إس

 

حاق في كل مكان

عروضه من الرمل. الشعر لابن سيابة. والغناء لإبراهيم الموصلي خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر عن إسحاق ابنه .


المراجع

al-hakawati.net

التصانيف

فنون   ثقافة وحضارات