تقع جمهورية غواتيمالا Guatemala في أمريكا الوسطى، تحدها المكسيك من الغرب والشمال، وبليز Belize (هندوراس البريطانية سابقاً) وخليج هندوراس من الشرق، وهندوراس والسلفادور من الجنوب، وتبلغ مساحتها 108889كم2، ويزيد عدد سكانها على 12 مليون نسمة لعام 2005.
تمتد أراضي غواتيمالا من البحر الكاريبي في الشرق إلى المحيط الهادئ في الغرب، وتشمل أربعة أقسام رئيسة هي: السهول الساحلية المطلة على المحيط الهادئ، ومنطقة المرتفعات الداخلية ثم منطقة الأودية الداخلية التي تنصرف مياهها إلى البحر الكاريبي، وأخيراً، جزء من شبه جزيرة يوكاتان Yucatán.
تمثل السهول الساحلية المطلة على المحيط الهادئ امتداداً لأراضي شياباس Chiapas المكسيكية المنخفضة، وهي تتسع عند الحدود بين المكسيك وغواتيمالا فتبلغ نحو 45كم، وتمتد هذه السهول على طول غواتيمالا حتى تصل إلى جمهورية السلفادور في الجنوب، لمسافة تبلغ نحو 275كم.
والساحل هنا مستقيم، ولا تظهر فيه مرافئ طبيعية، وتنتشر على طوله المستنقعات والكثبان الرملية، وتغطي السهل الساحلي حشائش السافانا، كما تخترقه أشرطة من غابات الأروقة أو الدهاليز Gallery forest التي تنمو على طول المجاري المائية المنحدرة من المرتفعات الداخلية. ويتدرج السهل الساحلي في الارتفاع نحو الداخل حتى يصل إلى أقدام المرتفعات التي تنمو فيها غابات شبه نفضية.
تغطي المرتفعات الداخلية تكوينات بركانية على المنحدرات المواجهة للمحيط الهادئ، يراوح ارتفاعها في غربي غواتيمالا بين 1100-3000م، تعلوها بعض القمم البركانية التي مازال بعضها نشيطاً، وبين القمم البركانية بحيرات وأحواض متنوعة.ومن الجهة الجنوبية للمرتفعات تنحدر بعض المجاري المائية القصيرة السريعة الجريان، تصب في المحيط الهادئ.
ومعظم المجاري المائية في هذه المنطقة قد حفرت مجاريها المائية العميقة في التكوينات البركانية الهشة، واتجهت مياهها إلى البحر الكاريبي، أما الجزء الشرقي من التكوينات البركانية، فهي أقل سمكاً، ومن ثم فقد تعمقت المجاري المائية فيها حتى وصلت إلى مستوى القاعدة، أي مستوى سطح البحر.
أما القسم الشمالي من جمهورية غواتيمالا، فيشمل جزءاً من شبه جزيرة يوكاتان، وهو يتألف من هضبة كلسية يراوح ارتفاعها بين 150-200م فوق سطح البحر، ويشكل الكارست أهم مظاهر السطح في هذه المنطقة، حيث يختفي التصريف المائي تحت السطح، وفي هذه المنطقة توجد بعض البحيرات التي تمتلئ بسرعة، وتفيض مياهها في أثناء فترة الأمطار الغزيرة، وتغطي المنطقة كلها غابات كثيفة دائمة الخضرة، تختفي في جنباتها أطلال مدن حضارة المايا القديمة.
يغلب على غواتيمالا الطابع الهندي، إذ تعيش نسبة كبيرة من السكان على الطريقة الهندية، ولا تتكلم اللغة الإسبانية، وتقوم بزراعة محاصيل تسد حاجتها المحلية فقط. ويكوّن الإسبان أقلية حاكمة تتولى المناصب الرئيسة في البلاد وتدير اقتصادها، وبين هاتين المجموعتين هوة واسعة، وهي سبب الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية بين سكان غواتيمالا وأساس مشكلاتها السياسية.
يرتبط توزيع السكان ومراكز العمران في غواتيمالا بتوزيع مناطق العمران الهندية القديمة التي سبقت فترة الاستعمار الأوربي، فالأحواض المرتفعة في الجنوب كانت تسكنها جماعات زراعية مستقرة، تعتمد في غذائها أساساً على الذرة، وفيما عدا منطقة الأحواض يُلحظ أن بقية غواتيمالا هي أراضٍ قليلة السكان، يعيش أهلها على الزراعة المتنقلة أو الصيد البري والمائي.ويزيد عدد سكان غواتيمالا على سكان أي دولة أخرى من دول أمريكا الوسطى، إذ بها وحدها ما يقرب من ثلث مجموع السكان في أمريكا الوسطى، ويتركز معظم سكان غواتيمالا في الثلث الجنوبي منها، أما القسم الشمالي فلا يضم سوى القليل من السكان المستقرين، لأن هذا القسم يقع في المنطقة التي تنتشر فيها الغابات المدارية، ويدخل ضمن شبه جزيرة يوكاتان، أما الجزء الباقي من غواتيمالا فكثافة السكان فيه متوسطة.
معدل المواليد مرتفع جداً في غواتيمالا، فهو يصل إلى 50 في الألف، كما يرتفع معدل الوفيات، إذ يصل إلى20 في الألف، ومازال معظم سكان غواتيمالا من الهنود الحمر، إذ تبلغ نسبتهم نحو 60% من السكان الحاليين، ونسبة الإسبان 5% ونسبة الخليط من الإسبان والهنود 35%، ويندر وجود الزنوج في غواتيمالا.
الزراعة والإنتاج الزراعي
تتنوع المحاصيل الزراعية في غواتيمالا على الرغم من مساحتها المحدودة، إذ إن التباين في الارتفاع، ومن ثمّ في درجات الحرارة وكميات الأمطار، تؤدي كلها إلى اختلافات في أنواع المحاصيل وإمكانات الزراعة بين جزء وآخر، ويمكن تقسيم غواتيمالا إلى خمسة أقاليم زراعية وهي:-
إقليم المرتفعات الوسطى: وفيه يتركز معظم العاملين في الزراعة، ويقع هذا الإقليم في معظمه على ارتفاع يراوح بين 1500-3000م فوق سطح البحر، ويشغل نحو 18% من مساحة غواتيمالا، ويتميز بمناخه المائل إلى البرودة، مما يساعد على توفير مزيد من النشاط في عملية الإنتاج.
وتتميز الأجزاء المرتفعة الباردة من هذا الإقليم بأنها صخرية غير صالحة للزراعة، تقطعها خوانق عميقة، وتغطيها أشجار الصنوبر والشربين، بينما يعاني إقليم المرتفعات الوسطى من فصل جفاف شديد، يمتد نحو خمسة أو ستة أشهر، ما بين شهري كانون الأول وحزيران، غير أن الضباب والندى، يساعدان على ترطيب التربة، وإتاحة الفرصة للنباتات بالنمو في المراحل الأولى من حياتها.
إقليم الأودية والسهول الجنوبية الشرقية: وهو يقع على ارتفاع يقل عن 1500م، وأكثر أجزائه انخفاضاً في وادي موتاغوا Motagua الذي ينحدر من500م في مجراه الأعلى إلى 100م في مجراه الأدنى.
ويتنوع الإقليم في ظروفه الطبيعية، إذ تقطعه مجارٍ مائية عميقة، وتتناثر في بعض أجزائه القمم الجبلية، كما تنتشر فيه البرك والمستنقعات، ومن ثم تقل مساحة الأراضي الزراعية الجيدة فيه، ولذلك يقتصر النشاط الاقتصادي الرئيس منه على قطع الأخشاب ورعي الماشية. ويساعد مناخه المداري على زراعة الفاكهة، إلى جانب زراعة الذرة والبقول والأرز والخضراوات.
إقليم المنحدرات المطلة على المحيط الهادئ: وينقسم هذا الإقليم إلى قسمين: قسم مرتفع نوعاً ما يراوح ارتفاعه بين 500 -1500م فوق سطح البحر، وقسم منخفض يراوح بين 1000-500م.
القسم المرتفع: يمتد دون انقطاع من حدود المكسيك حتى جمهورية السلفادور، ويضم أخصب أراضي غواتيمالا، ومحصوله الرئيس هو البن الذي يؤلف نحو 15% من الدخل القومي.
القسم المنخفض: يعد من الأراضي الزراعية المهمة أيضاً، حيث يزرع قصب السكر إلى جانب الذرة والأرز والقطن والكاكاو والموز، وتربية الأبقار في المزارع الكبيرة.
إقليم السهل الساحلي للمحيط الهادئ: وهو يمثل الحد الجنوبي لغواتيمالا، ويمتد هذا السهل من الساحل إلى الداخل، حتى خط الارتفاع المتساوي 100م، واتساعه يراوح بين 8-45كم، ويعد جزؤه الشمالي أكثر جهات غواتيمالا إنتاجاً، وهنا تراوح كمية الأمطار السنوية بين 1500-2000مم، حيث يزرع الموز في مساحات واسعة.
إقليم الأراضي المنخفضة المطلة على البحر الكاريبي: يحد هذا الإقليم خط الارتفاع المتساوي 500م، ولا تستغل في هذا الإقليم سوى مساحة محدودة، تتبع شركة الفواكه المتحدة، حيث يزرع الموز، وأهم ما ينتجه الإقليم في الوقت الحاضر، إلى جانب الموز، أخشاب الماهوغني ونوع من الصمغ، ويخدم هذا الإقليم خطان للسكة الحديدية الضيقة، يستخدمان في نقل البن من المرتفعات إلى الساحل.
المحاصيل الغذائية: تعدّ الذرة المحصول الرئيس في غواتيمالا، وخاصة في المناطق التي يسكنها الهنود. وتنتشر زراعة الذرة حتى ارتفاع 3200م فوق سطح البحر، وهي تزرع في كل الحقول، إضافة إلى البقول والقمح والخضراوات. وفي الأجزاء الأقل ارتفاعاً، يمكن زراعة محصولين من الذرة في السنة، لأن فصل النمو يزداد كلما قلّ الارتفاع.
ويبدو أن زراعة الموز تعاني نقصاً في الأيدي العاملة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن الهندي لا يرغب في الهجرة الدائمة من موطنه الأصلي، وأقصى ما يقبله هو نوعُ من الهجرة الفصلية للعمل في مزارع البن والموز وقصب السكر، ثم العودة إلى قريته مرة أخرى.
وعلى المرتفعات التي يزيد ارتفاعها على 3200م، تصبح البطاطا التي تنمو حتى ارتفاع 3500م هي المحصول الرئيس، وفوق هذا الارتفاع تستغل الأرض في رعي الأغنام.
المحاصيل النقدية: اتجه الإسبان منذ البداية إلى إنتاج محاصيل نقدية، تتحمل نفقات النقل إلى الأسواق الخارجية، فأدخلوا زراعة قصب السكر والقمح، وتوسعوا في زراعة أحد محاصيل الهنود الحمر، وهو الكاكاو. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأت زراعة البن في مساحات واسعة، وأصبح البن أهم صادرات غواتيمالا في الوقت الحاضر، ومما يساعد على نجاح زراعته في غواتيمالا ملاءمة المناخ، وخاصة في الأجزاء ذات المناخ المعتدل، حيث تراوح درجة الحرارة بين 15-20 ْم، ويتركز المطر في فصل واحد.
ويزرع الموز في الأراضي السهلية المطلة على المحيط الهادئ، والتربة هنا خصبة ذات أصل بركاني، كما أن السطح ليس شديد الانحدار، مما يسمح باستخدام الآلات في الزراعة.أما بقية الأراضي المنخفضة الحارة في غواتيمالا، فقد بدأ استغلالها عام 1906 من قبل شركة الفواكه المتحدة United Fruit Company، التي أنشأت مزارع الموز في شرقي غواتيمالا، وأنشئ خط حديدي، من منطقة زراعة الموز إلى مدينة غواتيمالا، وميناء سان خوسيه San José. ومن الملاحظ أن زراعة الموز في غواتيمالا بدأت تنكمش منذ عام 1956، بسبب الأوضاع السياسية التي سادت البلاد، وتغيير بعض القوانين التي طبقت على شركة الفواكه المتحدة التابعة للولايات المتحدة.
التعدين والصناعة: هناك بعض المعادن التي تنتجها غواتيمالا بكميات محدودة مثل الرصاص والخارصين (الزنك) والفضة والأنتيمون والكروم، أما الصناعة فهي محدودة أيضاً، وأهمها صناعة المواد الغذائية والمشروبات الروحية ولفائف التبغ والمنسوجات والمواد الكيمياوية والجلود والملابس والأثاث والبلاستيك والأدوات الكهربائية. أما معظم عمليات التنقيب عن النفط، والتي بدأت منذ عام 1955، فقد توقفت بسبب عدم الحصول على النفط في معظم الأحيان.
التجارة: تعتمد غواتيمالا في التجارة على محصول رئيس واحد هو البن، الذي يمثل أكثر من 70% من قيمة الصادرات. وتحاول غواتيمالا تنويع الإنتاج، عن طريق تشجيع المحاصيل النقدية الأخرى، مثل قصب السكر والكاكاو والأناناس في منطقة السهل الساحلي الغربي.
ومن أهم الصادرات الجلود والأخشاب والعسل، أما الواردات فأهمها المواد الغذائية والمنسوجات والسيارات وقطع الغيار والمواد الكيمياوية والصلب.
وترتبط غواتيمالا في تجارتها الخارجية بالولايات المتحدة ارتباطاً وثيقاً، إذ تصدر إليها وتستورد منها معظم احتياجاتها.
طرق المواصلات: لقد قامت شركة الفواكه المتحدة بمد الخط الحديدي الرئيس في غواتيمالا، وهو يربط مدينة غواتيمالا وبورتو باريوس Puerto Barrios بميناء سان خوسيه على ساحل المحيط الهادئ، كما يوجد خط حديدي يربط غواتيمالا بالمكسيك.أما الطرق البرية فقد مُدّ معظمها إبان الحرب العالمية الثانية، وهناك خط بري جيد يربط مدينة غواتيمالا بسان خوسيه، إضافة إلى طرق برية أخرى تتجه غرباً نحو المرتفعات.
لمحة تاريخية
عثر على آثار استيطان بشري في غواتيمالا يعود إلى القرن 11ق.م، وقد عرف هؤلاء السكان الزراعة والنسيج وصناعة الفخار.
ازدهرت على أراضيها حضارة المايا منذ القرن الثالث الميلادي، إلى أن دمرها الإسبان، الذين انطلقت أول حملة لهم بقيادة بيدرو ألفارادو Alvarado عام 1524 وأسسوا مدينة غواتيمالا العاصمة الحالية، وعدداً من المدن الأخرى. في عام 1821 ثارت غواتيمالا على الحكم الإسباني وانضمت إلى ما سمي «الأقاليم المتحدة لأمريكا الوسطى» آنذاك. وكانت السياسة العامة لهذا الاتحاد هي إنهاء سيطرة الملاكين الإسبان على الأراضي الزراعية خاصة ومقدرات البلاد عامة لكنه انهار في النهاية، وانسحبت غواتيمالا منه عام 1839، فحكمها الديكتاتور رفائيل كاريرا حتى عام 1865، ثم تعاقب على حكمها عدة حكام عسكريين. وفي عام 1954 ساندت الولايات المتحدة انقلاباً ضد الكولونيل أربينيز ذي الاتجاه اليساري، وقام الحكام الجدد بتغيير القوانين الخاصة بالإصلاح الزراعي والعودة بالتدريج من نظام الاقتصاد الاشتراكي إلى النظام الاقتصادي الحر، وظلت البلاد تعاني موجات من العنف والحكم العسكري إلى أن تولت حكومة مدنية الحكم لأول مرة عام 1986.
المراجع
mawdoo3.com
التصانيف
أمريكا الشمالية الجغرافيا دول أمريكا الشمالية