ذات مرة وبينما كنت جالساً بمكتب أحد الأصدقاء الأكاديميين في الجامعة الإسلامية، ولجت إحدى الطالبات مكتب صديقي ثائرة ومستنكرة تضمين كتاب "لأجلك غزة" بعض القصائد النثرية، ليجيبها ذلك الإنسان المرهف بالقول: "إن قصيدة النثر اليوم أثبتت حضورها، وأنها فنٌ لا يمكن تجاهله، رغم أنه يختلف معه".واليوم، يسعى كثيرون لتثبيت ذلك الفن الذي ما زال محل خلاف بين الشعراء والنقاد، من خلال عقد الأمسيات الشعرية والمؤتمرات العملية والأبحاث المحكمة التي تدعو لتعزيز قصيدة النثر.ولقد حضرت يوم الخميس الماضي مؤتمر قصيدة النثر الفلسطينية (المشهد الشعري- واقع وآفاق) بمؤسسة سعيد المسحال بحضور لفيف من الكتاب والمثقفين والأدباء. وقد راق لي دعوة الصديق الشاعر ورئيس المؤتمر د. عاطف أبو حمادة لاستثمار قصيدة النثر للنهوض بالقضية الفلسطينية، والمطالبة بالتعامل معها بوصفها جزء أصيل من حركة التجديد الشعرية. واعتبار المؤتمر مبادرة شجاعة وجريئة للخروج إلى عوالم أكثر انفتاحاً وتطوراً.وكي لا يلتبس المفهوم لدى القراء، فإن قصيدة النثر كما تعرفها سوزان برنار عبارة عن "قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور، خلق حراً، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية.
كما أن لقصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية، والتي تعتمد على الألفاظ وتتابعها، والصور وتكاملها، والحالة العامة للقصيدة".ورغم هذا التعريف الوافر عن تلك القصيدة وبروز أعلام في قصيدة النثر العربية، كأنسي الحاج وأدونيس ومحمود درويش ومحمد الماغوط وحلمي سالم وغيرهم، إلا أن هناك من يرفض القصيدة، فكيف تكون قصيدة وكيف يكون نثرا؟ وهذا مؤسس على قناعة أن القصيدة وفقا للموروث الثقافي الإنساني لا بد أن تؤلف على أوزان وإيقاعات، وأن النثر يخلو من هذا الوزن.
ولقد قرأت ذات صباح بأن إدخال قصيدة النثر في الشعرية العربية، جاء من خلال اعتماد أصحابها حداثة فضفاضة وحذرة، الأمر الذي أظهر أعراض الارتباك في التسمية للمولود المستعار، والخلط الواضح ما بين قصيدة النثر والشعر الحر حسب قول الكاتب.ونظراً لأن الموضوع ذو أهمية فقد سألت في أكثر من حلقة إذاعية الشعراء والنقاد عن رأيهم بقصيدة النثر فوجدت بينهم اختلافاً كبيراً، يصل حد التشنج عند كثير من الآراء ضد ذلك الفن الجديد. ولكن رغم ذلك فقد واصلت قصيدة النثر طريقها لتصبح اليوم ذات مكان في قاموس الشعر الفلسطيني، فمن قصائد محمد حسيب القاضي إلى سليم النفار وناصر رباح وعلاء كاتبة وعثمان حسين وصولاً إلى سمية السوسي ويوسف القدرة وعبد الفتاح شحادة وإياد بلعاوي وغيرهم، وأرى أن قصيدة النثر ستستمر رغم وجود التساؤل الذي يطرح نفسه في مواطن عدة: ترى هل سيبقى هذا الشعر وسيستمر وصولاً إلى آفاق الكون، أم أنه سيخبو وينتهي بانتهاء حقبة زمنية معينة؟
المراجع
pulpit.alwatanvoice.com
التصانيف
أدب مجتمع