القراءة والكتابة  بدأ نزول القرآن بالدعوة إلى القراءة والكتابة : ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم *﴾ 1-5/96 .  القراءة باللسان من الغايات، والكتابة بالقلم من الوسائل .. ودائرة البحث وسيعة في الاثنتين نقتصر في الأولى على علاقة القراءة بالتجويد، ونقتصر في الثانية على علاقة الكتابة بالقواعد : أ – القراءة والتجويد:  التجويد : إجادة القراءة يريدون به الترتيل الوارد في الكتاب أو التغني الوارد في السنة، وهو كيفية في الأداء أوجبه بعض القرّاء، وآخرون لم يوجبوه وردّوا أدلة الموجبين وبخاصة دعواهم أن اللغة العربية في الأداء العام هو التجويد ذاته، ولا يخفى ضعفه لأن التجويد لم يروَ في الحديث وهو أقرب النصوص إلى القرآن، ولم يرِد في الشعر وهو ديوان العرب ولا في السجع ولا في النثر والخطب والحكايات والأمثال وغيرها من كلام العرب ..  فالادعاء بأن التجويد حتماً لازم وأن من لم يجود القرآن حتماً آثم ..

مسألة فيها نظر ، يقول ابن تيمية : " ولا يجعل همته فيما حجب فيه أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن إما بالوسوسة بخروج حروفه وترقيقها وتفخيمها وإمالتها ونطقٍ بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك ، وكذلك شغلِ النطق بأءنذرتهم وضم ميم عليهم ووصلها بالواو وكسر الهاء أو ضمها ونحوِ ذلك ، وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت .. " إهـ .  وبعض التجويد حق يشهد له خط المصحف في الحذف والفصل والوصل مثل الإدغام في " أن لا " حيث كتبت " ألاّ " بإدغام النون في اللام وكذا " من ما " حيث كتبت " مما " بإدغام النون في الميم .. وينبغي دراسة هذه الظاهرة في المصحف كله مع محاولة وضع علامات الترقيم حسب المعاني الموضوعية ولم يرَ الشيخ طاهر الكردي بذلك بأساً . 

والوزن في رؤوس الآيات شاهد على الوقوف للتغني على شبه بقافية الشعر وفاصلة السجع وليس له علاقة بالوقوف الموضوعية ، فلا مسوغ لرجوع القارئ وإعادته من أجل الوحدة الموضوعية وإتمام المعنى لأنه تكرار يوهم دخوله في النص، تدبر ذلك مع فاتحة سورة الروم ﴿ الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم *﴾ 1-5/30 .  وكثير من التجويد تجاوز الحدود بالمدود والغنن والقلقلات والإقلابات والإخفاءات والإدغامات والمبالغات في مخارج الحروف ، وسبب ذلك قطع الكلام وتداخله حتى أصيب كثير من الكلمات بالغموض على حساب المعاني ..

و هذا من أهم الأسباب المؤدية إلى قصور العامة من العرب وهم من أهل العربية عن فهمهم وتدبرهم للقرآن العربي المبين . ب – الكتابة والقواعد :  لم يلتزم الكاتبون الأولون بقواعد الكتابة الإملائية في الكثير من المواضع ولم يصحح لهم مَن أتى بعدَهم فزيدت حروف وحذفت حروف أو كتبت على خلاف ما قرئت .. والمواضع لا تكاد تحصى ويجب إحصاؤها مهما كثرت لأن الواجب المؤكد هو كتابة القرآن على الوجه المقروء الملفوظ وعلى سبيل الموافقة والمطابقة بلا زيادة وبلا نقصان وبلا تبديل وبلا تغيير .. لكن الواقع مختلف الحال كما قلنا مع الأخذ بعين الاعتبار تطور قواعد الإملاء ، وهاكم أمثلة :-ألف لام ميم أسماء لحروف كتبت ألم حروفاً ، وهي وأمثالها في فواتح تسع وعشرين سورة .-الصلاة والزكاة بالألف كتبتا بالواو الصلوة والزكوة ، والتوراة بالألف كتبت بالياء التورية .-لأذبحنه بالإثبات كتبت لا أذبحنه بالنفي .-سأريكم من الرؤية كتبت بالواو سأوريكم أي سأحرقكم أو سأخفيكم .-المسيطرون بالسين كتبت بالصاد المصطيرون .-ننجي بنونين كتبت بنون واحدة نجي .-ملإه ، بأيد كتبتا بياء زائدة ملإيه ، بأييد ..-الجنة كتبت بالتاء المربوطة وكتبت بالتاء المفتوحة جنت . 

ومعروف أن الكتابة العربية فصلت بين الحركات والحروف فلم تعدَّ الحركات حروفاً فلا يمكن استعمالها إلا مع الضبط بالشكل في كل شيء حتى  الرسائل العادية والصحف اليومية ، أو إلا بعد معرفة علم النحو والصرف ، وهما علمان يتعذر تعلمهما كما يتعذر استعمالهما , ولو أن كلمة بثلاثة أحرف طرحت دون شكل لأمكن أن تقرأ باثني عشر وجهاً وأزْيد كلها خطأ إلا واحدا ، وذلك كبير وكثير على لغة من اللغات وبخاصة في وقت لا توجد فيه أم عربية تلقن اللغـة الفصحى ، ولا توجد مدرسة تيسر علم النحو والصرف ، ولا مطابع تكتب كل شيء بكامل الشكل.  لقد وقع الخطأ من الكاتبين الأولين ولم يكونوا معصومين وكانوا معذورين.. يؤكد ابن خلدون على أن ليس في خطإهم نقص في خلق أو دين بناءاً على أن الكتابة من الصنائع المعاشية المدنية ..  ولقد منع الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام الكتابة بخط المصحف وعلله بقوله : " لئلا يوقع الجهالَ في تحريف القرآن " .  وأقول : هو كذلك ، وهو أيضاً لئلا يوقع العلماءَ في كتمان العلم، والوعيد فيه شديد فعلى الكاتبين الآخِرين واجب الكتابة من جديد ..وما هذا الشأن إلا كشأن الكعبة المشرفة في إدخال حجر إسماعيل إلى داخل البيت العتيق ، ليكون البناء على قواعد الخليل إبراهيم تحقيقاً لأمنية خاتم الأنبياء المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . 


المراجع

odabasham.net

التصانيف

قصص  أدب  مجتمع   الآداب   قصة