الجود
باب هداية
و دعوة إلى الله عز وجل
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس.. وكان أجود ما يكون في رمضان حين
يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن.. فلرسول
الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل ..أجود بالخير من الريح المرسلة
" متفق عليه
جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني فأعطاه.. فقال : زدني
فزاده .. فما زال به والرسول يزيده عطاء بعد عطاء .. حتى ذهب إلى قومه داعيا ً إلى
الله يقول : "يا قوم أسلموا فقد أتيتكم من عند رجل يعطي عطاء ً من لا يخشى الفقر "
فالجود باب هداية.. وباب دعوة إلى الله عز وجل … ألم يدعو الرسول صلى الله عليه
وسلم عشيرته لطعام وظل يقطع اللحم بينهم ويعطيهم حتى فرغوا.. ثم دعاهم إلى الله عز
وجل .. ويقول الأستاذ محمد الغزالي "
إن من الناس أصنافا ً يجرون إلى الدين من بطونهم
"
جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مال قد ملأ حصيرا فما زال يعطي وينفق حتى نفد
المال .. فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب مالا فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لقد نفد ما عندي فابتع علي ّ " أي اشتر ما أردت على حسابي.. فقال: عمر
رضي الله عنه " يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تطيق.. فقال بلال : " انفق ولا
تخشى من ذي العرش إقلالا " فبسط وجه النبي صلى الله عليه وسلم سرورا من قول بلال ..
والأحاديث والمرويات عن جود النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز الحصر .. بل وتبهر
سامعها وقارئها .. وعلى منواله ينسجون .. فقد كان الصديق والفاروق وعلي أمثلة
رائعة للجود والعطاء ..
أما عثمان " رضي الله عنه " فقد جاوز الوصف .. وبلغ من المدى أقصاه .. ومن الجود
منتهاه ..حتى أنسى الناس كرم حاتم .
ولم يكن لجود النبي " صلى الله عليه وسلم " صورة واحدة أو مجالا واحدا ً.. بل في كل
مجال كان لجوده أمثلة رائعة .. فإن سُئل عن مسألة جاوز الجواب المسألة وتعداها لما
ينفع من العلم في مثل حالها.. فقد سُئل رسول الله " صلى الله عليه وسلم " عن الوضوء
بماء البحر فقال "هو
الطهور ماؤه الحل ميتته
" فلما علم أنهم يركبون البحر أجابهم بكل ما يحتاجه راكب البحر وإن لم يسأل عنه..
وعلى نور دربه سار الأئمة العظماء من سلفنا الصالح .. فكان بن تيمية كما يذكر بن
القيم رحمهما الله لا يسأل سائل عن مسألة إلا وذكر له حولها الحواشي المفيدة..
والعلوم النافعة حتى لكأنه نهر متدفق من غزارة ما يطلق من علم نافع ..
وقد ذكر الإمام بن القيم في مدارج السالكين أنواعا عدة من الجود .. وذكر من أمثلة
الجود ما يحير الألباب والأفهام فإذا كان هذا هو جود النبي وصحبه في غير رمضان
فأطلق لفكرك العنان لتبلغ بعض جود النبي " صلى الله عليه وسلم " في رمضان ولعلك ترى
التعبير واضحا " أجود بالخير من الريح المرسلة " وهل بعد جود الريح المرسلة من جود
؟ .. إنه عطاء من لا يميز ين عدو وصديق .. ومحب وكاره .. وقريب وبعيد .. بل هو صنيع
المعروف لله لا لسواه .. دون انتظار لجزاء أو لشكر .. ولكأني أسمع لقوله " صلى الله
عليه وسلم "
اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله .. فإن أصاب أهله فهم أهله .. وإن لم يصب أهله
فكن أنت أهله
"..لكأني أسمع القول يدحض قول زهير بن أبي سلمى :-
ومن يصنع المعروف في غير أهله ** يكن حمده ذما ً عليه ويندم
فإن " صنائع المعروف تقي مصارع السوء " .. بل إن من مواضع الغبطة " ورجل آتاه الله
مالا فسلطه على هلكته في الحق " .. ويكفيك دعاء الملك " اللهم أعط منفقا خلفا " وأن
جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من خير الإسلام "إطعام الطعام".
ولقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً غلاظاً فقال عمر: يا رسول الله لغير
هؤلاء كانوا أحق به منهم ؟ فقال : "
إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش فأعطيهم أو يبخلوني ولست بباخل
" .
فلنعاهد أنفسنا على الجود فإنه من صفة الرحمن.. وليكن عطاؤنا عطاء الربوبية الذي لا
ينقطع ولا يميز بين مستحق من الخلق لخلقه أو غير مستحق لعداوته .. ولنكن ممن قيل
فيهم :-
إذا فعلوا فخير الناس فعلا وإن قالوا فأكرمهم مقالا
ولنصحب الأخيار حتى نسير على هداهم .. فصحبة الكرام تعود الكرم ...
ولازم كريما أصله وفعاله تجد منه ما يرضي وتأمن عواقبه
ولنصحب الكرام حتى نتخلق بهذا الخلق العظيم ...
إذا أعجبتك خصال امرئ فكنها تكن مثل ما أعجبك
فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك